ماذا سيربح رجال
التعليم إذا غادر محمد الوفا ؟
ذ أشرف سليم , أستاذ مادة اللغة العربية .
جريدة الأستاذ
أثار
قرار حزب الاستقلال ، حزب الوفا المرجعي ، القاضي بعزل وزير التربية الوطنية
محمد الوفا من دواليب حزب علال الفاسي
الكثيرَ من اللغط و الجدل و تباين المواقف بين مؤيد و شادٍّ أزر هذا القرار
،و مندد به كونه يطول وزيرا من أجرأِ وزراء المغرب الحديث الذي أدخل إلى التعليم قرارات
جريئة جرت عليه منتقدين و مناوئين لسياسته التعليمية ؛لأنها انبنت على إحلال الواجبات
مكانة أسمى من الحقوق ، ففرضت على رجال التعليم و نسائه واجبات آرقتهم ، و أثقلت كاهلهم
،و سلبت منهم حقوقا كانوا إلى عهد قريب لا يمارون فيها كثيرا ، مثل حق الإضراب ، و
لذلك فلا مرية في أن الوزير خندق عليه أعداءً يتلهفون إلى ضربة قاصمة هذه المرة تنحيه
من دواليب وزارة التربية الوطنية .
بعيدا
من الأسباب الحزبية التي جعلت أمين حزب الاستقلال يعزل الوفا ، و دون الدخول في مناورات
الشباط و رئيس الحكومة ، لنركز على تبعات ما بعد خروج الوفا من حزبه ، و ما قد يجره
ذلك في الأيام المقبلة .
الكل
يعلم أن ثمة إشكالات ما زال التعليم يرزح تحت وطأتها في عهد الوزير الحالي ، فهناك
مشاكل الترقية بجميع أنواعها ، خاصة الترقية بالاختيار ، و ما يخلفه ذلك من قُبوع أساتذة
ردحا من الزمن في سلم دانٍ ، و حالة المزنزنين في السلم التاسع دليلٌ بيّن لمن يطلب
الاستبانة ، و هناك الترقية بالشهادة التي ألّبت على الوزير الكثير من الحانقين بعد
التهكم الذي أبداه حيال هذه القضية . و هناك أيضا مشاكل الحركة الانتقالية القاضّة
مضجع الوزير كل مرة، ما دامت نتائجها تثير غبن الأساتذة و تذمرهم ، بالإضافة إلى مشاكل
جودة التعليم و مناهجه و مقرراته ، و المصادرة العلنية لحق الإضراب الدستوري بالإقتطاع
وفق القاعدة الكلاسيكية :الأجر مقابل العمل ، ثم تضييق الخناق على بعض مكتسبات رجال
التعليم و نسائه مثل حق متابعة الدراسة التي قيل في شأنها الكثير من الكلام مثل: أنها
ستصبح مركزية تصدر من الوزارة ،عكس السنوات الماضية التي كانت تصدر فيها من الأكاديميات
الجهوية ، أو العمل على سحب رخص عمل أساتذة العمومي في المدارس الخصوصية ،ناهيك عن
خرجات الوزير التي يرافقها طابع الدعابة و التهكم في كثير من الأحيان الذي يطول حتى
الأطر المدرسية ،كما حدث في واقعة الأستاذة التي منحها الوزير نقطة صفر بعد خطئها الإملائي
كما تُدوّل ، أو إزدراؤه بالتلميذة راوية كما تُدوّل أيضا في قضية أنت خاصك غير راجل
، دون إغفال دعابات الوزير التي صارت إلهامات للفكاهيين و الكتابات و الصور الكاريكاتورية
مثل و الله باباه أوباما ، أو الترقية بالشهادة تحراميات ... ، و لا يفوتنا أيضا ذكر
تنامي ظاهرة العنف المدرسي التي استعصت على الحل بالرغم من مقاربات الوزارة الحالية
لحلحلتها .
هذه
مجموعة من مثالب الوزير الحالي التي جعلت أصواتا كثيرة تطالب بتنحيته؛ كونه لم يعمل
على حلحلة هذه المشاكل الجمة التي يعانيها التعليم المغربي ، لكن لا يمكن تجافي أصوات
أخرى مطالبة بإبقائه ؛ نظرا للحسنات التي حققها للتعليم ، مثل إلغائه لبيداغوجيا الإدماج
من المدارس المغربية ، و إنهائه للقاءاتها التي كانت تجمع المؤطرين التربويين بهيئة
التدريس، و ما كان يشوبها من ولائم تخصص لها ميزانيات مهمة ، مما جعل الوزير يشدد على
مراقبة ميزانية الوزارة عبر محاسبته كثيرا من المؤسسات التابعة لها كمؤسسة محمد السادس
لرجال التعليم و نسائه مثلا ، و أيضا إعلانه سيادة مبدأ الشفافية و الاستحقاق و القانون
دون مواربة أو مساومة في جميع استحقاقات التعليم و مبارياته ، و إقرانه لمبدأ المسؤولية
بالمحاسبة ،مما جعله يطيح بأسماء كثيرة في التعليم طالت حتى رجال التعليم المتقاعسين
عن أداء واجباتهم .
لكن
رغم حسنات الوزير فهي لم تشفع له لإبداء كثير من رجال التعليم و نسائه حنقَهم عليه
،و مطالبتهم برحيله ؛ لأنه لا يوفر الأرضية المناسبة لتطبيق مخططاته الطوباوية التي
تطبعها خصوصيات شوفونية ، فكيف يمكن تطبيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة و هناك فروق
كثيرة بين رجال التعليم و نسائه في الأجر و الامتيازات و عدد ساعات العمل و خاصة ظروف
العمل بين الاطر التعليمية المشتغلة في الحضر أو القرية ؟ فأول مشكل يعيق إصلاحات الوزير
و هي الفوارق الشاسعة بين رجال التعليم و نسائه ، خاصة أن ما يضير النفس كون هذه الأطر
لا تختلف عن إخوانها في الشهادة الجامعية التي أهلتها للعمل في قطاع التعليم ، و لعل
إحداث المراكز التربوية لمهن التربية و التكوين من قبل الوزير, و الامتيازات التي تتيحها
لخريجيها ك السلم العاشر مباشرة أثار فورة غضب الخريجين السابقين؛ ما داموا يحملون
نفس شهادة خريجي المراكز التربوية لمهن التربية و التكوين، لكن ما معنى أن يتخرجوا
هم بالسلم العاشر و سابقوهم يتخرجون بالسلم التاسع رغم حملهم شهادة الإجازة ؟ بالإضافة
إلى اعتبار خرجات و مواقف الوزير معادية لرجل التعليم فأن يفْتأت على مكتسبات سابقة حققها رجال التعليم بسواعدهم
و نضالاتهم و حناجرهم التي بحت خلال سائر وقفاتهم يمكن وصفها بالتراجع الخطير في المكتسبات السابقة .
إذاً
صار الحديث الآن عن ما بعد مرحلة الوفا ، و ما يمكن تحقيقه إذا رحل وزير التربية الوطنية
الحالي ، فالوزير الجديد إذا أسندت إليه المهمة لا شك أنه سيعمل على تفادي أخطاء سلفه
، و سيحاول الاقتراب أكثر من رجل التعليم و سيعمل على حل مشاكل التعليم بحكمة و روية
و اتزان التي يتطلبها قطاع حيوي مثل التعليم و سيعمل أيضا على تفادي أي كلام جارح يخدش
مشاعر رجل التعليم المثقل بهموم كبيرة , و سيقوم بإنزال مخططات و شعارات رجال التعليم الذين
صاروا يمثلون أنفسهم في إضراباتهم التي تؤطرها تنسيقيات اشتعلت حنقا و غيضا على سياسة
الوزارة الحالية ، و سيقوم أيضا بإخراج القانون الأساسي الخاص برجال التربية الوطنية
إلى الوجود بعد أن طال أمد إخراجه إلى
الوجود ، و الذي كان سيحل كثيرا من مطبات قطاع التعليم إذا ما طبقت الكثير من نتائج
الحوارات التي عقدتها الوزارة و النقابات التعليمية .
قطاع
التعليم قطاع حيوي و مصيري ، و يكفي جعله ثاني قضية وطنية بعد الوحدة الترابية لما
يوفره من نتائج قد تكون محمودة و يستثمرها المجتمع أيما استثمار خدمة لتقدم البلد و
تنميته ، أو مذمومة فتعود سلبا على المجتمع و تساهم في فساده و تأخره و تخلفه ، و هذا
رهين بتوفير الأشخاص الأكفاء القادرين على تحمل المسؤولية المسندة إليهم و العمل في
ضوئها بالحكمة و الاتزان المطلوبان .
0 تعليقات
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.