تجربة مراكز الإنصات بالمؤسسات التعليمية : سياق وواقع التجربة ...‎

الإدارة January 15, 2014 January 15, 2014
للقراءة
كلمة
0 تعليق
-A A +A
           




     لقد نجحت الوزارة الوصية على قطاع التعليم ببلادنا ، على إيجاد ترسانة مهمة من التشريعات والقوانين المنظمة للحياة المدرسية ، لاسيما المرتبطة بإحداث الأندية التربوية الرامية إلى تنشيط الحياة المدرسية ، كما هو الحال مع تجربة إحداث مراكز الإنصات والوساطة التربوية . غير أن هذه التشريعات لا تجد أحيانا طريقها للتنفيذ على أرض الواقع ، وإن نفذت فهي تظل مفتقرة للفعالية والنجاعة الكافية ، مما يجعلها لا تستجيب أحيان كثيرة لحاجيات وأهداف المدرسة العمومية المغربية كما رسمتها بنود الميثاق الوطني للتربية والتكوين(المادة: 06-19-27 من الميثاق) . وسنقف في هذا المقال عند تجربة مراكز الاستماع أو الإنصات والوساطة التربوية لنتساءل : ما هي ظروف وسياق العمل بتجربة مراكز الإنصات ؟ وهل الوضعية الراهنة لمؤسساتنا التعليمية تجعل من التجربة أمرا مهما بل ضروريا وحتميا ؟ وماذا الإكراهات والصعوبات التي تعترض التجربة على أرض الواقع ؟

             في إطار التحولات العميقة التي تشهدها المدرسة المغربية على مستويات عدة ، وبعيدا عن الصور النمطية التي يسوقها الإعلام الرسمي حول مجموعة من الظواهر التي تشهدها فضاءاتها من عنف وتعاطي التدخين والمخدرات وغيرها ، والحديث عن كونها مجرد ظواهر معزولة ؛ يمكن القول أن واقع مجموعة من المؤسسات التعليمية ببلادنا لم يعد مشرفا ويقلق بال العديد من الفاعلين التربويين. فالفضاءات معهود عليها أنها  مكان للتحصيل والتربية على مبادئ  الحوار والتسامح ومبدأ الاختلاف ... وغيرها من القيم السامية  ويجب أن تبقى كذلك.
قبل الحديث عن واقع مؤسساتنا التعليمية  ووضعها الراهن وما تشهده من تطورات بل وانزلا قات خطيرة ، لا يمكن عزله عن واقع المجتمع المغربي وما يشهده من تطور وتغير جذري في بنياته ومؤسساته ، بل عقليته وقيمه. فالمتأمل في واقع غالبية مؤسساتنا التعليمية ، لايمكنه إلا أن يستخلص أنها أصبحت في السنوات الماضية مرتعا خصبا لمجموعة من الظواهر والآفات الخطيرة ، والتي تعرف أحيانا - للأسف الشديد- انتعاش أكثر داخل فضاءات المؤسسات ومحيطها ،وهو ما يشكل تهديدا خطيرا لأجيال بكاملها . هكذا نجد العنف بمختلف أشكاله بين مختلف مكونات الوسط المدرسي ، التدخين وتعاطي المخدرات ، التحرش بالمتعلمات ، دخول الغرباء لفضاء المؤسسة ... إلى غيرها من الظواهر والآفات والتي تختلف حدتها من مؤسسة لأخرى . هذه الآفات التي تجد تفسيرها في مجموعة من العوامل أبرزها :
-   عوامل تربوية : وتتلخص في التعثر الدراسي الذي يراكمه التلميذ عبر سنوات ماضية  بسبب إملاءات الخريطة المدرسية ، سوء الاختيار والتوجيه بفعل القصور الكبير في منظومة التوجيه ، العلاقة بين التلميذ والأطر التربوية ...
-   مشاكل اجتماعية : كما أسلفت الذكر أن واقع ومشاكل المؤسسة تشكل امتداد لمثيلتها بالمجتمع . فالفقر والعوز بسبب الظروف المعيشية للأسر ، تحس المتعلم بالحرمان والتهميش أمام أقرانه ؛ الأمر الذي يدفع به إلى ترجمة ذلك الحرمان إلى عنف أو شغب أو غياب متكرر في أحسن الأحوال .
-   مشاكل علائقية : تكمن بالأساس في الخلل الذي يعتري النسيج االعلائقي للتلميذ . فمنذ الوهلة الأولى يمكن الحديث عن علاقته بذاته وما يرسمه من تمثل وتصور حول نفسه كتلميذ وكمراهق ، ماهية وجوده ، طموحاته وأهدافه ... من ناحية أخرى علاقته بأسرته ، بالمدرسة ومكوناتها ، الشارع وبالمجتمع ككل .
-   مشاكل نفسية : يمكن اعتبارها حلقة وصل بين مختلف المشاكل السابقة ، فهي تتكامل لتفعل  فعلتها في وجدان ونفسية التلميذ فتكبح جهوده وحافزتيه الداخلية ، وبالتالي يشعر بالإحباط واليأس لتكون النتيجة التعثر أو الفشل الدراسي . فالعديد من التلاميذ يعيشون ضغوط ، إن لم نقل عقد نفسية في بعض الأحيان ، بسبب طبيعة العلاقات السوسيوتربوية وما يميزها من تناقضات ومفارقات كبيرة . فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد بعض الفئات خاصة المنحدرة من أصول فقيرة تعيش مركب نقص أمام الأقران المتميزين في المظهر من حيث : اللباس ، الهيأة ، امتلاك آخر ما استجد في الهواتف المحمولة ...الخ . ينضاف إلى هذا ما يعيشه التلميذ أحيانا من خصاص عاطفي من جهة الأسرة ...
انطلاقا من هذا التشخيص الجزئي والمبسط لواقع المؤسسة التعليمية ببلادنا ، يمكننا الإجابة فيما إذا كانت مسألة إحداث مراكز الإنصات والوساطة التربوية أمرا ضروريا وحتميا أم لا يعدو أن يتعلق الأمر بمجرد خلايا وأندية الهدف منها تنشيط الحياة المدرسية على غرار بقية الأندية التربوية !!!.. . أمام هذه المشاكل التي لا حصر لها والتي تتخبط فيها المدرسة المغربية ، خاض بعض الأطر التربوية في عدة مؤسسات ثانوية وإعدادية بالمملكة تجربة إحداث خلايا أو مراكز للإنصات والاستماع لمشاكل التلاميذ ، وعيا منهم بالأهمية والدور الكبير الذي ستلعبه هذه المراكز للحد أو على الأقل التخفيف من حدة المشاكل المطروحة . غير أن هذه التجربة – التي لا ننكر بعض النجاحات التي حققتها – لا زالت تصطدم بمجموعة من المشاكل التي تحد من فعاليتها والوصول إلى النتائج المرسومة لها ، ونذكر منها :
-   غياب رؤية واضحة من قبل الوزارة الوصية حول دور مراكز الاستماع على المدى القريب والمتوسط والبعيد، خصوصا فيما يتعلق بإستراتيجية وخطة العمل أو آلية تدبير وتقييم حصيلة ونتائج التجربة .
-   ظروف اشتغال المشرفين على المراكز:غياب دورات تكوينية في مجالات علم النفس التربوي وتخصصات أخرى ، الافتقار للإطار القانوني والحماية من الأخطار والتبعات السلبية المحتملة ، الضغط الناجم عن التوفيق بين الساعات الرسمية والأوقات المخصصة للحضور للمركز...
-   غياب أي تحفيز أو دعم معنوي للأطر المشرفة على المراكز ، حتى تقوم هذه الأخيرة بأدوار طلائعية في المستقبل .
-   قصور في مجهودات الوزارة المعنية ، خاصة فيما يتعلق بتعيين بعض المساعدين الاجتماعيين و غياب أي دعم من النيابات والأكاديميات لتسهيل التنسيق مع هذه الفئات المتخصصة .
-   عدم تخصيص موارد مالية كافية للمراكز ، لتمويل مجموعة من الأنشطة التربوية ، التحسيسية والإشعاعية التي تنظمها هذه المراكز .
-   افتقار هذه المراكز لوسائل تنشيط وتوثيق خاصة بها ( آلة الطبع ، آلة التصوير ، المسلط العاكس ، ملصقات للتحسيس...) نظرا للضغط الحاصل على المعدات الخاصة بالمواد التعليمية .
هذه باختصار بعضا من المشاكل والاكراهات التي تتخبط فيها مراكز الإنصات، سواء القديمة منها أو الحديثة العهد ،  بمجموعة من المؤسسات التعليمية كما هو الحال بالنسبة لمجموعة من المراكز المحدثة بجهة سوس ماسة درعة و التي يتحمل فيها مجموعة من الأطر التربوية عناء كبير من أجل الرقي بدور هذه المراكز والخلايا حتى تساهم بشكل إيجابي و فعال في تجاوز مجموعة من الاختلالات التي تعرفها بعض المؤسسات التعليمية بالجهة على غرار الجهات الأخرى بالمملكة .
          خلاصة القول ، وفي أفق الحديث عن آفاق وانتظارات تجربة مراكز الإنصات في مقال لاحق ، لا نفوت الفرصة للتذكير بالأهمية القصوى التي تحضى به التجربة ، والتجاوب الكبير من فئات واسعة من المتعلمين الذين استحسنوا الفكرة رغم ما يعترضها من صعوبات . غير أن التجربة تحتاج لمزيد من الدعم والمتابعة بالتأطير والتقييم والتحفيز ؛ ذلك أن التجربة يعول عليها كثيرا لتضميد بعض جراح المدرسة العمومية بما فيها جرح المثل والقيم التي، مع كامل الآسف ، ظل جرحا غائرا استعصى اندماله ؛ فالأمل كل الأمل أن تحضى هذه التجربة بالعناية التامة من قبل كل مسؤول غيور على وطنه .  

                                                                                  حسـن حافظـي

شارك المقال لتنفع به غيرك

Post a Comment

0 Comments


 

  • انشر مواضيعك و مساهماتك بلغ عن أي رابط لا يعمل لنعوضه :[email protected] -0707983967او على الفايسبوك
     موقع الأساتذة على  اخبار جوجل - على التلغرام : المجموعة - القناة -اليوتيب - بينتريست -
  • 1141781167114648139
    http://www.profpress.net/?hl=en