اسامة الشافعي
إذا كان واقع النكبة قد أفرز شعر يأس وغربة وضياع وقلق وسأم فإن السنوات العشرين التي أعقبت النكبة إمتازت بالأشعار التي تغنت كلها بالآمل والحياة والتجدد والانبعاث ،أو ما يسمى عند ريتا عوض بقصيدة الموت والانبعاث التي نجدها حاضرة في أشعار بدر شاكر السياب وخليل حاوي وأدونيس وعبد الوهاب البياتي.ويعود هذا الامل والتجدد في أشعار هؤلاء التموزيين الذين تغنو بالموت والانبعاث هو ماتم إنجازه واقعيا وسياسيا في العالم العربي كثورة مصر وتأميم القناة ورد العدوان الثلاثي وثورة أقطار المغرب الكبير واستقلالها وقيام الوحدة بين مصر وسوريا واستقلال الجزائروثورة اليمن إلى غير ذلك من الاحداث الايجابية التي دفعت بالشعراء إلى التغني بالامل والانبعاث واليقظة والتجدد الحضاري ولم تكن حقبة الامل والحياة مرتبطة بفترة معينة، بل نجدها تتداخل وتتصادم مع فترة إيقاع الغربة والضياع تعاقبا أو تقاطعا.
إن المتأمل لنصوص الغربة السابقة سيدرك أنها لا تنتهي إلا باليأس والموت المطلقين، إذ أن الشاعر الحقيقي يرفض الهزيمة والاستسلام، لكونه لا يرضى لنفسه بحياة عادية تقوم على الذل والاهانة، وكما أنه يرفض الموت المجاني ولا يقبل إلا بموت تكون معه الحياة فكان ميلاد الشاعر الثوري،صاحب الثورة غير مقيدة بزمان أو مكان وهو ذلك الشاعر المرتبط بروح الثورة التي تنتصر على الموت وتمنح للأشياء حياة، وتعطي للوجود الانساني إضافة نوعيةمتجددة.
وإذا كانت تجربة الغربة مشدودة إلى الحاضر وواقع الدمار الذي خلقته النكبة،فإن ما يجعل تجربة الموت والحياة تجربة فريدة في الشعر الحديث،كونها مشدودة إلى المستقبل واستشراف المستقبل بكل معاني التجدد والانبعاث.
ويرى المعداوي أن هذه التجربة غيرمسبوقة إلا بمحاولات الشعراء المهجريين الذين آمنو بفكرة تناسخ الارواح والتي تحمل الايمان بالتجدد والبعث من جديد بعد الموت، على نحو ما نجده في أقصوصة جبران التي عنونها ب"رماد الأجيال" وقصيدة "أوراق الخريف" لمخائيل نعيمة
رغم وجود فكرة التجدد عند المهجريين،غيرأنها في واقع الامر لا تؤلف تجربة متماسكة تضع الايمان بالتجدد والبعث فوق كل اعتبار،فباستثناء قصيدة "الحائك" لمخائيل نعيمة،تبقى الحيرة والتردد وإيثارالحياة الحالية هي طابع هذه التجربة العامة،ومع ذلك فمحاولة المهجريين ظلت دون أن تصل إلى تجربة الشاعر الحديث،والتي نجدها شديدة الصلة بالواقع الحضاري للأمة ويرتبط فيها
الموت والبعث بموت الذات والحضارة معا
إستفاد الشاعر الحديث من الثقافات الانسانية، في الرموز الدالة على البعث والتجدر والنهضة واليقظة،وفي الاساطير التي تتجسد غالبافي الصراع القائم بين الخير والشر،ومن بين هذه الاساطير الموظفة نجد: تموز وعشتار،وأرورورفوس وطائر الفينيق وصقر قريش والخضر ونادر السود الخ...،وفي المعتقدات المسيحية وفي التراث العربي الاسلامي وفي الفكر والتاريخ الانساني.
وكان ثمرة هذا البحث المتواصل استيحاء منهج أسطوري تدور كل معانيه حول التجدد والبعث والنهضة،وأصبح بمقدور الشاعر (أن يحدث الناس عن انبثاق الامل في نفسه من أنقاض اليأس والقلق والسأم وعن تجدد لغته وخروجها من موتها كما يخرج الثعبان من جلده،وعن بعث الامة العربية وتجددها وعن انتصار الحياة على الموت(ص116).
إذا فكيف تمثل هذا المنهج في تجربة الشعر الحديث؟
وماالذي يميزه عن غيره؟
للاجابة عن هذه الاسئلة وغيرها إختار أحمد المعداوي أربعة شعراء،وهم في نظره خير من يمثل هذه التجربة في الشعر الحديث،وهم،أدونيس،وخليل حاوي،وبدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي.
1- علي أحمد سعيد (أدونيس): التحولعبر الحياة والموت
بالرغم من الصلة القديمة والقوية بين شعر ادونيس ومعاني الموت والحياة والاسطورة،فإن المعداوي ركز في تجربة الشاعر ادونيس على تلك الأشعار التي التقت فيها ذات الشاعر بذاتأمته العربية،فأصبح في موتها وفي بعثها،موت الشاعر وبعثه،ويظهر ذلك في ديوانه(كتاب التحولات والهجرة في أقاليم النهار والليل)و(المسرح والمرايا).
من هنا انصب اجتهاد المعداوي في مقاربة هذه التجربة على هذين الديوانين،ولاحظ ان ما يميز تجربة الحياة والموت عند ادونيس هو صودورها عن ذات محتقنة بفحولة التاريخ العربي، في واقع يفتقر الى الفحولة والخصب،ومحتقنة بجموح الحضارة العربية،قبل أن يسلط سيف الاستعمار عليها.
اذ كان موقف ادونيس من الواقع العربي هو موقف الرافض للموت،ولهذا جاءت معاني الحياة في شعره منصبة في اتجاهين:
اتجاه ينطلق من الحيرة والتساؤل (قصيدة: مرايا للمثل المستور) والبحث عن وسيلة للبعث وقصيدة: الرأس والنهر).
واتجاه اخر ينطلق من اكتشاف مفهوم التحول بصفته وسيلة لدفع الواقع العربي نحو البعث والتجدد (المسرح والمرايا) ،وهما يشكلان اتجاهان متكاملان منسجمان مع موقف احتقان الذات بفحولة التاريخ العربي وإمكانية البعث وبإمكانية التحول التي تدور حولها معاني الحياة والموت عند ادونيس.
وكانت من طبيعة أدونيس أنه يشخص في أشعاره جدلية الانسان المتأرجحة بين الحياة والموت كما في قصائده الشعرية "تيمورومهيار"،"الرأس والنهر"،وقصيدة "السماء"، وقد اشتغل أدونيس في شعره كثيرا على اسطورة العنقاء وشخصية مهيار.
2- خليل حاوي: معاناة الحياة والموت
تكشف الدوواين الثلاثة لخليل الحاوي رفضه لمبدأ التحول ويقيم بدلا منه مبدأ المعاناة، الذي يحضر كثيرا في مقدمات قصائده وفي شعره، وتظهر معاناة الموت ومعاناة البعث على أشدهما في سائر قصائده على ايقاع من الامل واليأس بصور الخراب والدمار والجفاف والعقم...بداية من الديوان الأول "نهر الرماد" ومرورا بالديوان الثاني" الناي والريح" ونهاية بالديوان الاخير"بيادر الجوع"،رغم انتهاء تجربة حاوي في اخر المطاف إلى اليأس من البعث عبر معاناة فريدة للموت في
(نهر الرماد) وللتحول في (الناي والريح) وللخيبة في
( بيادع الجوع)،فإن أحمد المعداوي رأى فيها تجربة عظيمة قائمة على التوافق بينها وبين حركة الواقع في حقبة من تاريخ الأمة العربية،وعلى قدرة الشاعر على تجاوز ذلك الواقع وتخطيه،وعلى معاينة ملامح الواقع المرعب الذي لم يخطر بعد.
3- بدر شاكر السياب: طبيعة الفداء في الموت
ما يميز تجربة بدر شاكر السياب في معاناته للموت والحياة،فقد تناول في الكثير من قصائده معاني الموت والبعث، وعبر عن طبيعة الفداء في الموت، إذ يعتقد بأن الخلاص لايكون إلا بالموت، إلا بمزيد من الأموات والضحايا كما في قصيدته ” النهر والموت” ،وفي قصيدته ” قافلة الضياع “، و” رسالة من مقبرة”. وقد استخدم السياب رمزا أسطوريا للتعبير عن فكرة الخلاص وهو رمز المسيح كما في قصيدته” المسيح بعد الصلب”، وقصيدة ” مدينة السندباد” و”أنشودة المطر”.
4- عبدالوهاب البياتي : جدلية الأمل واليأس
إذا كان واقع النكبة قد أفرز شعر يأس وغربة وضياع وقلق وسأم فإن السنوات العشرين التي أعقبت النكبة إمتازت بالأشعار التي تغنت كلها بالآمل والحياة والتجدد والانبعاث ،أو ما يسمى عند ريتا عوض بقصيدة الموت والانبعاث التي نجدها حاضرة في أشعار بدر شاكر السياب وخليل حاوي وأدونيس وعبد الوهاب البياتي.ويعود هذا الامل والتجدد في أشعار هؤلاء التموزيين الذين تغنو بالموت والانبعاث هو ماتم إنجازه واقعيا وسياسيا في العالم العربي كثورة مصر وتأميم القناة ورد العدوان الثلاثي وثورة أقطار المغرب الكبير واستقلالها وقيام الوحدة بين مصر وسوريا واستقلال الجزائروثورة اليمن إلى غير ذلك من الاحداث الايجابية التي دفعت بالشعراء إلى التغني بالامل والانبعاث واليقظة والتجدد الحضاري ولم تكن حقبة الامل والحياة مرتبطة بفترة معينة، بل نجدها تتداخل وتتصادم مع فترة إيقاع الغربة والضياع تعاقبا أو تقاطعا.
إن المتأمل لنصوص الغربة السابقة سيدرك أنها لا تنتهي إلا باليأس والموت المطلقين، إذ أن الشاعر الحقيقي يرفض الهزيمة والاستسلام، لكونه لا يرضى لنفسه بحياة عادية تقوم على الذل والاهانة، وكما أنه يرفض الموت المجاني ولا يقبل إلا بموت تكون معه الحياة فكان ميلاد الشاعر الثوري،صاحب الثورة غير مقيدة بزمان أو مكان وهو ذلك الشاعر المرتبط بروح الثورة التي تنتصر على الموت وتمنح للأشياء حياة، وتعطي للوجود الانساني إضافة نوعيةمتجددة.
وإذا كانت تجربة الغربة مشدودة إلى الحاضر وواقع الدمار الذي خلقته النكبة،فإن ما يجعل تجربة الموت والحياة تجربة فريدة في الشعر الحديث،كونها مشدودة إلى المستقبل واستشراف المستقبل بكل معاني التجدد والانبعاث.
ويرى المعداوي أن هذه التجربة غيرمسبوقة إلا بمحاولات الشعراء المهجريين الذين آمنو بفكرة تناسخ الارواح والتي تحمل الايمان بالتجدد والبعث من جديد بعد الموت، على نحو ما نجده في أقصوصة جبران التي عنونها ب"رماد الأجيال" وقصيدة "أوراق الخريف" لمخائيل نعيمة
رغم وجود فكرة التجدد عند المهجريين،غيرأنها في واقع الامر لا تؤلف تجربة متماسكة تضع الايمان بالتجدد والبعث فوق كل اعتبار،فباستثناء قصيدة "الحائك" لمخائيل نعيمة،تبقى الحيرة والتردد وإيثارالحياة الحالية هي طابع هذه التجربة العامة،ومع ذلك فمحاولة المهجريين ظلت دون أن تصل إلى تجربة الشاعر الحديث،والتي نجدها شديدة الصلة بالواقع الحضاري للأمة ويرتبط فيها
الموت والبعث بموت الذات والحضارة معا
إستفاد الشاعر الحديث من الثقافات الانسانية، في الرموز الدالة على البعث والتجدر والنهضة واليقظة،وفي الاساطير التي تتجسد غالبافي الصراع القائم بين الخير والشر،ومن بين هذه الاساطير الموظفة نجد: تموز وعشتار،وأرورورفوس وطائر الفينيق وصقر قريش والخضر ونادر السود الخ...،وفي المعتقدات المسيحية وفي التراث العربي الاسلامي وفي الفكر والتاريخ الانساني.
وكان ثمرة هذا البحث المتواصل استيحاء منهج أسطوري تدور كل معانيه حول التجدد والبعث والنهضة،وأصبح بمقدور الشاعر (أن يحدث الناس عن انبثاق الامل في نفسه من أنقاض اليأس والقلق والسأم وعن تجدد لغته وخروجها من موتها كما يخرج الثعبان من جلده،وعن بعث الامة العربية وتجددها وعن انتصار الحياة على الموت(ص116).
إذا فكيف تمثل هذا المنهج في تجربة الشعر الحديث؟
وماالذي يميزه عن غيره؟
للاجابة عن هذه الاسئلة وغيرها إختار أحمد المعداوي أربعة شعراء،وهم في نظره خير من يمثل هذه التجربة في الشعر الحديث،وهم،أدونيس،وخليل حاوي،وبدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي.
1- علي أحمد سعيد (أدونيس): التحولعبر الحياة والموت
بالرغم من الصلة القديمة والقوية بين شعر ادونيس ومعاني الموت والحياة والاسطورة،فإن المعداوي ركز في تجربة الشاعر ادونيس على تلك الأشعار التي التقت فيها ذات الشاعر بذاتأمته العربية،فأصبح في موتها وفي بعثها،موت الشاعر وبعثه،ويظهر ذلك في ديوانه(كتاب التحولات والهجرة في أقاليم النهار والليل)و(المسرح والمرايا).
من هنا انصب اجتهاد المعداوي في مقاربة هذه التجربة على هذين الديوانين،ولاحظ ان ما يميز تجربة الحياة والموت عند ادونيس هو صودورها عن ذات محتقنة بفحولة التاريخ العربي، في واقع يفتقر الى الفحولة والخصب،ومحتقنة بجموح الحضارة العربية،قبل أن يسلط سيف الاستعمار عليها.
اذ كان موقف ادونيس من الواقع العربي هو موقف الرافض للموت،ولهذا جاءت معاني الحياة في شعره منصبة في اتجاهين:
اتجاه ينطلق من الحيرة والتساؤل (قصيدة: مرايا للمثل المستور) والبحث عن وسيلة للبعث وقصيدة: الرأس والنهر).
واتجاه اخر ينطلق من اكتشاف مفهوم التحول بصفته وسيلة لدفع الواقع العربي نحو البعث والتجدد (المسرح والمرايا) ،وهما يشكلان اتجاهان متكاملان منسجمان مع موقف احتقان الذات بفحولة التاريخ العربي وإمكانية البعث وبإمكانية التحول التي تدور حولها معاني الحياة والموت عند ادونيس.
وكانت من طبيعة أدونيس أنه يشخص في أشعاره جدلية الانسان المتأرجحة بين الحياة والموت كما في قصائده الشعرية "تيمورومهيار"،"الرأس والنهر"،وقصيدة "السماء"، وقد اشتغل أدونيس في شعره كثيرا على اسطورة العنقاء وشخصية مهيار.
2- خليل حاوي: معاناة الحياة والموت
تكشف الدوواين الثلاثة لخليل الحاوي رفضه لمبدأ التحول ويقيم بدلا منه مبدأ المعاناة، الذي يحضر كثيرا في مقدمات قصائده وفي شعره، وتظهر معاناة الموت ومعاناة البعث على أشدهما في سائر قصائده على ايقاع من الامل واليأس بصور الخراب والدمار والجفاف والعقم...بداية من الديوان الأول "نهر الرماد" ومرورا بالديوان الثاني" الناي والريح" ونهاية بالديوان الاخير"بيادر الجوع"،رغم انتهاء تجربة حاوي في اخر المطاف إلى اليأس من البعث عبر معاناة فريدة للموت في
(نهر الرماد) وللتحول في (الناي والريح) وللخيبة في
( بيادع الجوع)،فإن أحمد المعداوي رأى فيها تجربة عظيمة قائمة على التوافق بينها وبين حركة الواقع في حقبة من تاريخ الأمة العربية،وعلى قدرة الشاعر على تجاوز ذلك الواقع وتخطيه،وعلى معاينة ملامح الواقع المرعب الذي لم يخطر بعد.
3- بدر شاكر السياب: طبيعة الفداء في الموت
ما يميز تجربة بدر شاكر السياب في معاناته للموت والحياة،فقد تناول في الكثير من قصائده معاني الموت والبعث، وعبر عن طبيعة الفداء في الموت، إذ يعتقد بأن الخلاص لايكون إلا بالموت، إلا بمزيد من الأموات والضحايا كما في قصيدته ” النهر والموت” ،وفي قصيدته ” قافلة الضياع “، و” رسالة من مقبرة”. وقد استخدم السياب رمزا أسطوريا للتعبير عن فكرة الخلاص وهو رمز المسيح كما في قصيدته” المسيح بعد الصلب”، وقصيدة ” مدينة السندباد” و”أنشودة المطر”.
4- عبدالوهاب البياتي : جدلية الأمل واليأس
تتسم أشعار عبد
الوهاب البياتي بجدلية الأمل واليأس كما يظهر ذلك جليا في ديوانه” الذي
يأتي ولايأتي”. ويلاحظ الدارس أن هناك ثلاث منحنيات في جدلية الأمل واليأس
في أشعار عبد الوهاب البياتي:
” في المنحنى
الأول، انتصار ساحق للحياة على الموت، وتمثله الأعمال الشعرية السابقة
على” الذي يأتي ولايأتي”، ولاسيما ” كلمات لاتموت”، و” النار والكلمات” و”
سفر الفقر والثورة”.
في المنحنى الثاني تتكافأ الكفتان، ويمثله ديوان” الذي يأتي ولايأتي”.
أما المنحنى الأخير، فيتم فيه انتصار الموت على الحياة، ويمثله ديوان” الموت في الحياة”"
هذا، و قد جسد
عبد الوهاب البياتي في دواوينه الشعرية حقيقة البعث من خلال الخطوط الأربعة
الهامة لمضمون ديوانه” الذي يأتي ولايأتي” كخط الحياة وخط الموت، وخط
السؤال، وخط الرجاء، وكل هذا يرد في جدلية منحنى الأمل ومنحنى الشك.
وبعد، لقد أصبح
الشاعر الحديث شاعرا يجمع بين هموم الذات وهموم الجماعة ، يروم كشف الواقع
واستشراف المستقبل متنقلا من التفسير إلى التغيير. وبمعنى آخر،” لقد أصبح
وعي الشاعر بالذات وبالزمن وبالكون مرتبطا بوعيه بالجماعة، ومتضمنا له.
وماكان لشيء من ذلك أن يحدث لولا وعي الشاعر الحديث، وإدراكه للتحدي الذي
يهدد حاضره ومستقبله، بالقدر الذي يهدد وجوده القومي. الأمر الذي جعل موقف
الشاعر من الذات، ومن الكون، ومن الزمن ومن الجماعة، موقفا موحدا، تمليه
رغبته في الحياة والتجدد والانتصار على كل التحديات، التي يرمز إليها برمز
واحد، ذي طابع شمولي، هو رمز الموت الذي يعني موت الذات وموت الزمن( الماضي
بكل أمجاده والحاضر بكل تطلعاته) ، والذي يعني تبعا لذلك محو الوجد القومي
والإنساني للأمة العربية.
إن الصراع بين
الموت والحياة في تجربة الشاعر الحديث يعني في آخر الأمر الصراع بين الحرية
والحب والتجدد الذي يجعل الثورة وسيلته، وبين الحقد والاستعباد والنفي من
المكان ومن التاريخ.
وعلى الرغم من
مضامين الشعر الحديث الثورية، فإنه لم يتحول إلى طاقة تغييرية، بل نلاحظ
انفصالا بين الشعر الحديث والجماهير العربية، والسبب في ذلك يعود حسب أحمد
المعداوي إلى عامل ديني قومي الذي يتمثل في الخوف من هذه التجربة وما قد
تمثله من تطاول على التراث باسم الشعر ، وعامل ثقافي،يكمن في وقوف جماعة من
الشعراء والنقاد في وجه كل ما هو جديد وعامل سياسي،يظهر في خوف الحكام من
المضامين الثورية هذه التجربة،فعمدوا إلى المصادرة والمنع والسجن والنفي.
ولكن أهم هذه
العوامل حسب الكاتب تعود إلى العامل” المتعلق بتقنية هذا الشعر، أي
بالوسائل الفنية المستحدثة التي توسل بها الشعراء، للتعبير عن التجارب التي
سبقت الحديث عنها. فلا شك في أن حداثة هذه الوسائل حالت بين الجماهير،
وبين تمثل المضامين الثورية لهذا الشعر
1 Comments
موضوع مهم للغاية.
ReplyDeleteالسلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.