لحسن العلاوي
مفتش تربوي و باحث في علم الاجتماع
اعتدنا في خطابنا الفلسفي واليومي، على حد سواء، أن نتحدث عن السعادة دون إقامة حدود واضحة بينها وبين كثير من المفاهيم المجاورة لها، فما هي السعادة؟ هل هي فردية أم جماعية؟ أحق هي أم قيمة أم كلاهما؟ وما حدود مسؤولية المجتمع في تحقيق السعادة؟
السعادة، حسب ألبير جاكار، تمازج بين الماضي والحاضر، بين الكائن والممكن، هي حالة داخلية يطفح فيها الابتهاج على حقيقة اللحظة وهي دينامية من أجل مستقبل منظور، إنها في الآن نفسه انبهار ورجاء. وإذا كان الجسد يمنحنا الرغبة، فإن السعادة هي تناسق وانسجام شخصيتنا، والرغبة قد تساهم في ذلك التناسق، لكن ليست إلا مساهمة. وإذا كانت الرغبة قوية بما يمكنها من أن تغمر كل كيان الشخص، فيمكن أن تدمر هذا التناسق والانسجام، بيد أن غياب الرغبة الجامحة يمكن أن يمنح السكينة التي هي إحدى تجليات السعادة.كثير من الأشخاص يؤكدون أنهم يشعرون بالسعادة، لكن لقاءهم بها لم يكن إلا لقاء عابرا، وهذا لا يعني أبدا أن السعادة لا يمكن تحقيقها.
إن عدم الرضا ليس حاجزا في طريق تحقيق السعادة، إذ يمكن أن يغذيها من خلال الدينامية التي يثيرها، بيد أن الرضا هو الذي يدمر السعادة من خلال إقصاء الرغبة والطموح. إن المنتظِر لما يريد أكثر سعادة ممن حصل على ما يريد.
هل يمكن أن نتحدث عن سعادة جماعية bonheur collectif؟
السعادة حالة فردية، ما نقصده بالسعادة الجماعية ليس إلا تزامنا لحالات السعادة التي يشعر بها الأفراد في حدث ما. السعادة ليست قيمة في ذاتها فالعدالة والحرية قيمتان لأنهما شرطان للسعادة الفردية، لكن هذين الشرطين الضروريان لا يمكن تحقيقهما.
لكن هل السعادة حق ما دام أن كل دساتير العالم تنص على أن هدف الدولة هو تحقيق السعادة الجماعية؟
كل فرد له الحق ليس في السعادة وحدها، ولكن في تنظيم جماعي يساعد على تحقيق هذه السعادة. إننا ، مثلا، لا ندعي الحق في الصحة، لأن للصحة عوامل أخرى تتجاوز الدولة، لكن بالمقابل يمكن أن نطالب بالحق في العلاج الذي لا يتعلق إلا بالإرادة الجماعية. لكن المجتمع لا يمكنه أن يحقق السعادة لكل فرد، فلا يمكن له مثلا أن يمنع الإحساس بالحب من طرف واحد، لكنه يمكنه أن يزيل كثيرا من أسباب الشقاء.
السعادة في نظر ألبير جاكار، هي أن تشعر أنك رائع في نظر الآخرين، وهذا التعريف يدمج الواجب الأخلاقي الذي يحتم عليك أنت أيضا أن ترى الآخر رائعا، وهو أمر ليس دائما سهلا، لأنه مرتبط بقدرتك على أن تعرّف الآخر باعتباره مماثلا لك. والذي يرى نفسه ضعيفا، سخيفا في نظر الآخرين لا يمكن أن يجد هويته إلا في الكره الذي يسقطه عليهم.
إن السعادة تكمن أحيانا في غياب بعض الأشياء، وأحيانا نصادفها في ثنايا ما حصلنا عليه، لكن إن حصلت على السعادة يوما فلا تسألها من أين أتت؟ ومن أرسلها؟ كن قادرا فقط على استقبالها. دمتم سعداء
0 تعليقات
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.