الإبستمولوجيا عند سالم يافوت

الإدارة مارس 26, 2014 مارس 26, 2014
للقراءة
كلمة
0 تعليق
-A A +A
للأستاذ :  أعنيبة تاج الدين
 

   من أبرز المفكرين العرب وفلاسفة العلم المفكر المغربى "سالم ياقوت"(1947ـ 2013) ومن أبرز وأهم كتاباته فى مرحلة التأسيس كتابه "فلسفة العلم المعاصر ومفهومها للواقع"(1985) الذى صدر فى مرحلة مهمة من مراحل الدرس الإبستمولوجى فى العالم العربى ، والذى اتسم بطابع الجدة والأصالة التي تميزه فكرياً.

 
  تنبه سالم يفوت، ابتداءً من الصفحات الأولى لمؤلفه، إلى أنه يتناول العلم من خلال منظور فلسفي، ويتناول أنساق فلسفة العلوم من خلال رؤية أيديولوجية محددة اختارها لنفسه، وهذا ما جعله يفطن إلى أنه ربما تعرض لمشكلات فلسفية تؤدي إلى التباس الأمر لدى القارئ، أو غموض الفكرة، ولذلك لم يستخدم على امتداد فصول القسم الأول سوى مصطلح "فلسفة الفكر الجديد" و "الفكر العلمي الجديد"، ليعبر بهما عن كل جديد في فلسفة العلم. ومع هذا وجدناه يختتم هذا القسم بقوله: "لقد تحدثنا حتى الآن في هذا القسم الأول عن مفهوم الواقع في العلوم الفيزيائية فعرضنا للإشكالية الجديدة التي طرحها العلم الكوانطي ولدور التحريض الذي مارسته على الفلسفات العلمية المعاصرة، مما أدى إلى ظهور تيارات حاولت استخلاص دورس فلسفية أساسية تقول بضرورة تغيير نظرتنا إلى الواقع وإلى صعوبة الحديث عنه بنفس اللغة الاعتيادية الكلاسيكية التي ورثناها من العلم النيوتوني". ومع ظهور المصطلح "الفلسفة العلمية" في هذا النص إلا أن "سالم يفوت" لم يعلق عليه، بل من المرجح تماماً أنه أراد به أن يدل على "فلسفة الفكر العلمي الجديد"، التي استخدمها كمصطلح على امتداد القسم الأول، وهو مصطلح دارج في فلسفة بشلار، وأحد كتاباته يحمل العنوان "الفكر العلمي الجديد".
  
   والحقيقة أن سالم يفوت يحتكم دائماً إلى رؤية نقدية مؤدلجة داخل الأنساق الفكرية والعلمية التي يتناولها، وهذا ما كشف عنه في مؤلفه "العقلانية المعاصرة بين النقد والحقيقة"(1989)، حيث اتضحت أبعاد رؤيته في هذا الجانب، فأزمة العلم التي أراد اميل بوترو أن يكشف عنها في مؤلفه "الصدفة والإمكان في قوانين الطبيعة" الصادر في عام 1874، جعلت سالم يفوت يتنبه إلى أن بعض المفكرين، استغلوا بقدر من المهارة فكرة العلم وأزماته للترويج لفكرة الفلسفة العلمية، ولكن هذا الموقف في رأيه ليس فيه من العلمية إلا أنه يستغل العلم والأزمات العلمية للترويج لفلسفة يظنون أنها فلسفة علمية أصيلة، لكنها في الحقيقة ليست سوى فتات الموائد الفلسفية المثالية، أو سقط المتاع الفلسفي، إنهم يعيدون الفلسفة المثالية إعادة جديدة. يريدون رد الاعتبار لها بصورة كثيراً ما تكون غير واعية، متخذين العلم في ذلك مطية".
لكن من الواضح أن سالم يفوت لا يرفض مصطلح الفلسفة العلمية ولا حتى الفلسفة العلمية، إلا إذا اقترنت بإحياء الفلسفة المثالية التي بات من الواضح أن مفكري العصر قد نفضوا أيديهم منها.
 
   وفى هذا الصدد وإن كان الفكر الفرنسي يطابق بين فلسفة العلوم والإبستمولوجيا، خلافاً للفكر الإنجليزي والأمريكي. فإن كتابات مفكري المغرب العربي تمحورت حول هذا التطابق. ومع أن سالم يفوت يحدد عنوان فلسفة العلم في كتاباته، فإنه لا يسقط هذا التصور ابتداءً، بل يناقش موضوعات فلسفة العلم من خلال الأيديولوجيا بطريقة مستقلة عن فهم الجابري مثلا. وفي إطار رؤيته الأيديولوجية في فلسفة العلم نجد الطرح الذي قدمه سالم يفوت في مؤلفه "فلسفة العلم المعاصر ومفهومها للواقع ". حيث برهن سالم يفوت أنه منظر فلسفي وأيديولوجي بارع، مثلما هو طراز رفيع من المفكرين، ويعكس مؤلفه هذا رؤية الفيلسوف الذي حاول أن يتلمس الدور الذي على فلسفة العلوم أن تضطلع به في الواقع، ومن ثم وجدناه أدار بدقة ومهارة أفكار التنظير العلمي للواقع، ليجعل من الواقع الحياتي نسيجاً يلتقي مع النظر. ولا غرابة في هذا فكتاب يفوت يقع في قسمين ، كما قلنا، خصص الأول منهما للعلوم الفيزيائية، وطرح إشكالية العلاقة بين الفلسفة والفيزياء الكلاسيكية، ثم انتقل إلى طرح الإشكالية في ضوء نظرية الكوانتم، وهنا كان عليه أن يعرض للتصورات الوضعية واللاوضعية للواقع. وأما القسم الثاني من الكتاب فقد ناقش فيه العلوم الإنسانية.
 
  ويجب الاعتراف بنقطتين هامتين حول رؤية يفوت وهما: النقطة الأولى أنه يعترف صراحة، وينص بوضوح تام على دور الأيديولوجيا في فهم دور فلسفة العلوم في الواقع، وهذا ما يبدو من أن فلسفة العلم في رأيه تنظر للعلم ولجدله من إشكالية مغرقة في النظرية، لا تحاول أن تعري الجذور الخفية الثاوية خلف مواطن الضعف النظرية بصورة أيديولوجية مغايرة لسلطة العلم، هذا من جانب. وأيضاً فإن نقد أسس الوضعية والتيارات الإبستمولوجية يجب أن يرفق بنقد الأيديولوجيا. إذ الفلسفة والإبستمولوجيا من مباحثها، هي في نهاية المطاف صراع طبقي على مستوى النظرية وعلى مستوى الأفكار، هذا من جانب آخر. أما النقطة الثانية فتتمثل في أن يفوت أعمل النقد التحليلي المدعوم بالأيديولوجيا أيما إعمال في مناقشة الإشكالات التي طرحها، وفي الدور الذي يقترحه لفلسفة العلوم حتى تلتقي بلحمة الواقع، فتكشف لنا عن الوعي من خلال الصراع.
 
   ومن أبرز الموضوعات التي تناولها يفوت بالدراسة، ذلك النقد الذي أعمله في الفكر الوضعي في شتى اتجاهات وتصورات هذا الفكر للواقع . فهو يميز بين الوضعية الكلاسيكية والوضعية الجديدة.

  وبنظرة فاحصة نقدية يعملها في البناء الوضعي ككل، يرد التصورات الوضعية إلى تصورين أساسيين هما: الأول، تمسك الفكر الوضعي بالخبرة الحسية. والثاني، كراهية التأمل الفلسفي من منظور علمي. لكن يفوت أحسن استخدام ملكة النقد والتحليل التي وهب إياها، فكان أن نقد التصورات الوضعية من خلال رؤيته هو، وانتهى إلى تفنيدها في ثلاث قضايا متصلة هي: الأولى، أن الفكر الوضعي الجديد تخصص في طرح الأسئلة دون الأجوبة مما يدل على ما يعانيه هذا الفكر من حيرة وعدم استقرار. والثانية، أن الوضعية على اختلاف اتجاهاتها نشأت في ظروف خاصة في تاريخ العلوم اكتنفتها أزمات وتحولات، وترتب على هذا أن أصبحت مفاهيمها المركزية مفاهيم عاجزة عن استيعاب الظواهر الجديدة. والثالثة، أن تفنيده كشف عن الأزمة الداخلية التي يعاني منها الفكر الوضعي التي يعتبرها من إيجابيات هذا الفكر الذي حاول أن يضع الحدود بين ما هو علم وما هو لا علم . وقد أظهرت دراسة يفوت أن تصوره لفلسفة العلوم يقوم على أساس فحص تصورات الواقع لدى مختلف التيارات الإبستمولوجية لبيان أيديولوجيتها ونقد هذه التصورات من منطلق أيديولوجي.
ومن ثم تصبح فلسفة العلوم عند سالم يفوت إعمال للنقد التحليلي المدعوم بالأيديولوجيا.ونظرا لأهمية هذا المفكر المغربى فإن مجلة "الخطاب" ستخصص عددا كاملا عن سالم يفوت تندرج محاوره فى التصورات التالية :

1- سالم يفوت وفلسفة العلم
2-
العقلانية النقدية عند سالم يفوت
3-
أصول العلم الكلاسيكى النيوتونى
4-
سالم يفوت ونظرية الكوانطم
5-
حفريات الاستشراق
6-
نقد العقل الاستشراقى.

شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات


 

  • انشر مواضيعك و مساهماتك بلغ عن أي رابط لا يعمل لنعوضه :[email protected] -0707983967او على الفايسبوك
     موقع الأساتذة على  اخبار جوجل - على التلغرام : المجموعة - القناة -اليوتيب - بينتريست -
  • 1141781167114648139
    http://www.profpress.net/?m=0