عبد الرحيم العطري-
أصبح الحديث عن " التشرميل " مادة خبرية أسالت مداد العديد من
الأقلام، وطغى المقال الخبري على التحليل والدراسة المفروض مواكبتها لمثل
هذه الوقائع المجتمعية، إلى جانب المسافة التي اتخذها الباحثون والمهتمون
في مجال السوسيولوجيا من الموضوع حتى تتبين معالم هذه الوقائع وتكتمل شروط
التفكيك والتحليل ونضج الظاهرة علميا، هذا ما أعطى نتائج عكسية أخذ معها
الموضوع أشكالا ترمي إلى تهويل الوقائع والاحدات داخل المجتمع، مما قد ينتج
عنه رعب اجتماعي وإرهاب نفسي للمواطن، ما يدفع إلى ضرورة استعمال السلطة
العلمية ولو من باب التوجيه الأولي، وفتح باب للمقاربة السوسيولوجية
والقانونية في الموضوع :
وفي أول تصريح للدكتور والباحث السوسيولوجي عبد الرحيم العطري، نفى
الدكتور أن نكون إزاء ظاهرة لأن شروط اكتمال الظاهرة بالمفهوم العلمي لا
تتوفر فيما نشهده من وقائع حتى الآن، معللا بأن الوقائع المتوفرة لحد
الساعة منحصرة في المدن الكبرى، وخصوصا مدينة الدار البيضاء، لاعتبار
شساعتها وما تحمله في طياتها من تناقضات إجتماعية، بين ناطحة سحاب ومنطوحة
(سكن عشوائي) حسب تعبيره، ما يجعل مثل ما يعتبره البعض ظواهر تتوالد بسرعة
لخصوبة أرضها.
وفي محاولة لفهم وفك الرموز المستعملة من قبل أصحاب "التشرميل"، من
السيوف والمخدرات والتقليعات، واستغلال الفضاء الافتراضي، والعنف، يقول
الدكتور العطري " بأننا أمام تأكيد للحضور من قبل شباب قاصرين وفي مرحلة جد
حساسة هي المراهقة، حيث وجدوا أنفسهم على هامش الاهتمامات والبرامج،
ووجدوا في استعراض القوة والعنف، الطريقة المناسبة لتأكيد حضور الذات "
وأضاف الدكتور " بأننا اليوم نعيش نتاج ما نسوقه من قيم مجتمعية التي أعطت
للموسيقى والرياضة رمزية النجاح، عن طريق المضمون الإعلامي وانتشار برامج
النجاح الفني " ستار أكادمي" دوفويس" وقنوات كرة القدم " وهي نفس القيم
التي حاول هؤلاء تمثلها لكن بشكل مختلف .
وأكد العطري قوله من خلال قراءة للباس المستعمل وانحصاره في لباس رياضي
بعلامات استشهارية باهضة، كل ذلك يدخل في تأكيد الشباب على قدرتهم على
الانصهار مع قيم المجتمعية الجديدة التي لا تؤمن إلا بالأشياء الباهضة .
وفي جوابه عن طبيعة الخطاب المستعمل، كشف الدكتور عبد الرحيم العطري عن
كون الوقائع التي بين أيدينا يغيب عنها الخطاب الكلامي، وتعوضه الصورة
النمطية التي يحاول ذلك الشاب تسويقها عن نفسه، معقبا " لأننا لم نكن نعطي
لهذا الشاب فرصة للتعبير والحديث عن نفسه وبالتالي عندما أراد التعبير
إختار الطريقة التي يراها مناسبة لإيصال رسالته".
وفي سياق تحليل الخطاب المستعمل واستعمال التكنولوجيا الحديثة عن طريق
الفايسبوك " لقد عوض الفايسبوك تلك الخربشات" الحائطية التي كنا نراها على
حائط المؤسسات، وعوضت فوق حائط افتراضي باستعمال الصورة بدل الكلمة.
ويرى بعض المهتمين بأن الظروف الاجتماعية والفقر من أهم أسباب ظهور مثل
هذه المظاهر الشادة مجتمعيا، الأمر الذي نفاه الدكتور عبد الرحيم العطري من
خلال توجيه النظر للصور المنتشرة وخصوصا منها تلك المستعملة داخل المنازل "
أغلب الصور المستعملة داخل المنازل ، تبين بأننا أمام أسرة متوسطة،
والصالون الذي اتخذت فيه الصور والاثاث المستعمل شاهد على ذلك ..."،
مستطردا " عندما نتكلم عن المنزل، فإننا نتحدث عن الأسرة المحتضنة لهذا
الشاب، متسائلا أين هي؟ وأين دور الأب والأم ليترك شاب يعرض محصلاته من
السرقات والسكاكين من داخل البيت دون رادع ،فيما المفروض في هذا ابيت فيه
الامان والتربية .....
مستخلصا مما سبق بأن انهيار مؤسسة الأسرة أكبر خسارة للمجتمع، وان الحل لن
يجد طريقه عن طريق المتابعة القانونية والخطوات الأمنية الاستباقية، بقدر
ماهو إعادة الاعتبار لدور الأسرة والمدرسة والأستاذ، والتركيز على القيم
التي ننتجها لهؤلاء الأبناء.
المصدر : عصام العباري
0 تعليقات
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.