هشام الرويجل
منذ نعومة أظافري آمنت بأن التسول عادة سيئة، و أن المتسول انسان خائر القوى، مطأطأ الرأس، ضعيف الإرادة و العزيمة، و علمت أن المتسول هو ذلك الشخص الذي يطلب دون أن يُعطي. و يد من يعطي خير من يد من يأحذ.
.
و عندما كتب لي أن أتقدم قليلاً في مراحل عمري و أن ألتهم صفحات الكتب بنهم و دون انقطاع، آمنت أيضاً أن الوطن مثل الأب الذي يحن علينا مرةً و يقسوا علينا مرات بكل الطرق المادية منها و المعنوية، إلاَّ أنه يبقى أباً في آخر المطاف و لا يحق لنا أن نكرهه. و أن المواطن الصالح و الصادق من يعطي و يبذل مساهماً في تطور بلاده و ازدهارها، قبل أن يقف مطالباً بعطاءآتها.
إلاّ ٱنه في زماننا الكئيب هذا أصبح من يطالب بما يسميها حقوقه قبل أن يقوم بأبسط واجباته، أصبحنا نرى مثلاً ثلة ممن ينتسبون إلى قطاع التعليم تحتج و تعلن إضراباً مفتوحاً وصل إلى رقم قياسي في تاريخ المغرب (111يوم)، و الغريب في الأمر أنهم يتبجحون بذلك و يتباهون به. يتبجحون بحرمانهم لأبناء فقراء الشعب من حصصهم، و يتباهون بابتزازهم للدولة. و الله إنه لحق أُريد به باطل.
تعالوا معي لنناقش الأمر:
بحكم مزاولتي لمهنة التعليم سأحيلكم على حقيقة مرة تجرعتها مرارا و تكرارا خلال حضوري لدروس بعض الأساتذة و في مجموعة من المؤسسات التعليمية، كنت ألاحظ أن فاقد الشئ لا يعطيه؛ كيف لأستاذ لا يجيد نطق كلمة فرنسية بشكل سليم أن يُعلِّم تلميذه ذلك، و كيف لأستاذ لا يجيد تصريف فعل من الأفعال في زمان من الأزمنة أن يلقن تلميذه ما يجهله هو بالضبط، بل و أنَّى لأستاذ لا يتحلى بالوطنية الحقة و الصادقة أن ينشئ مواطناً صالحاً يعتمد عليه الوطن في كبير قضاياه؟
إن تلك الاضرابات التي خاضها عدد كبير من الوصوليين و الانتهازيين، لم تكن سوى مشهد من مشاهد ضعفهم وعدم قدرة معضمهم على التعويل على سواعدهم و شحن أدمغتهم.
اسأل من شئت مِن هؤلاء عن آخر كتاب قرأه، و عن عدد الكتب التي اطلع عليها منذ أن عُين أستاذاً، سيكون الجواب بالسلب طبعاً و في أفضل الأحوال ستجد من قرأ رواية فاشلة تتحدث عن لوعة العشق و ليالي الغرام ــإلاَّ من رحم ربك ـــ
ولكن العيب ليس في هؤلاء الأساتذة وحدهم، حتى لا أكون ظالماً و متحيزاً، إنما العيب كذلك في حبيبتنا الحكومة التي تركتهم يتمادون في أحطائهم و هفواتهم، فسقطت في تضارب الحقوق؛ هل من حق الأستاذ القيام باضراب مفتوح لمدة (111 يوم)؟ أم من حق التلميذ الاستفادة من دروسه بشكل عادي و دون انقطاع؟
كانت الصرامة غائبة عن ساحة الصراع و كانت الحقييقة مخفية بألف قناع حتى تاه الحق و تاه ممن ضاع.
ومما زاد الطين بلة تلك المباراة الشفوية المبتدلة التي قامت بها الوزارة، لله ذرك يا وزارتي؛ هل تطمحين لتحقيق النمو و الازدهار على يد أساتذة توجه لهم أسئلة حول ظروف عملهم و عيشهم، عسى أن يجيبوا عنها...
إن كل مباراة لا تتوفر فيها شروط صارمة للنجاح، مع احترام مبدإ تكافؤ الفرص، تخلوا من كل مصداقية و تمشي عكس المنطق الطبيعي القائل: " البقاء للأصلح و الأقوى"
مجمل القول أنه ليس كل ما يلمع من ذهب، و ليس كل "أستاذ" يحمل الصفة يحمل معناها بالضرورة، و ليس كل مضرب على الترقية أو تغيير الإطار اللامشروطين يستحق ذلك، و ليس لنا سبيل إلى النمو و التطور و الازدهار إلاَّ بتلقين تلامذتنا مفهوم المواطنة الحقة بل و المتطرفة إن كنا نتوفر عليها أصلاً.
0 تعليقات
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.