حمزة رويجع
متابعة
احتضن "صالون يقرؤون" اللقاء الفكري الثاني، لمناقشة كتاب "طقس القربان في الأديان الوضعية والسماوية"، للباحث المغربي الحسن حما، والذي نظمته أخيرا، مكتبة الدكتور الراحل عبد الكريم الخطيب، بمدينة الجديدة.
افتتح اللقاء بكلمة لمؤلف الكتاب، التي عرض من خلالها، الإشكالية التي يتناولها، حيث أوضح أن الإنسان والدين "صنوان لا يفترقان"، فنتج عن ذلك، حسب حما، الكثير من الممارسات الدينية بمختلف أشكالها في كل الديانات، ثم تصدت لتفسير هذه الممارسات، نماذج علمية عديدة في السوسيولوجيا إلى الأنتربولوجيا..، "غير أن هذه النماذج عاجزة عن سبر أغوار الطقس الديني".
إزاء هذه الإشكالية يتقدم الباحث حما بأطروحة تدعي قدرة النموذج الديني في تفسير هذه الظواهر الدينية، ومثّل لذلك بمثال "القربان أو القرابين" في الديانات الوضعية كالهندوسية..، والأديان السماوية في اليهودية والمسيحية و الإسلام، حيث عرض لطقس القربان فيها، مستثمر مناهج نقدية وصفية وتاريخية ومقارنة.
وبين الباحث من خلال مؤلفه أن طقس القربان في الأديان يعكس تطورا ثقافيا واجتماعيا مهما، "فهو يرتبط بالزمان والمكان البشريين غير أنه يقصد به أبعاد التقرب من الله"، فكل مجتمع وطريقة ممارسته لذات الطقس.
وأقر الباحث حما أنه منحاز إلى النقدية القرآنية التي ترتكز على "منهج التصديق و الهمينة"، فالقرآن يقدم رؤية عميقة لطقس القربان "من خلال قصة إبراهيم وابنه اسماعيل عليهما السلام"، حيث بين أن القصة "لا تدعونا إلى "ذبح الخروف" كما يعتقد الناس"، بل جاءت لتحرم وتُجرم ذبح الأبناء كما كان يفعل المشركون بالله.
وقد شارك في مناقشة الكتاب الباحث في الدراسات المصطلحية مصطفى بوكرن، حيث قدم قراءة من زاوية المناهج التي اعتمدها المؤلف في كتابه، وركز على منهج "الدراسة النصية" الذي وظفه المؤلف في قراءة النصوص القرآنية بخاصة، والتي تتضمن "مصطلح القربان"، فبين الباحث أن توظيف هذه المنهجية في الكتاب تحتاج إلى إضافات أخرى يجمعها نسق متماسك، "حيث ينبغي أن يبدأ البحث بعد إحصاء النصوص التي يرد فيها مصطلح القربان لفظا ومفهوم وقضية".
وأشار بوكرن أنه ينبغي البدء بدراسة معجمية للفظ القربان، بهدف وضوح المعاني المقصودة في الدراسة، ثم الانتقال إلى دراسة مصطلح القربان في النصوص باستخراج العناصر التي تشكل تعريفه، كالعلاقات والاشتقاقات والضمائم و القضايا، "كل ذلك من أجل بيان "الطفرة المفهومية" التي أحدثها القرآن في لغة العرب، بالكشف عن كيف كان معنى "القربان" قبل نزول القرآن، وكيف أصبح بعد النزول".
وفي مداخلة للباحث في الفكر الإسلامي قصاب الشرقي، أشار إلى أن الكتاب هو "نقلة نوعية في الدراسات الإسلامية المغرقة أحيانا في الاجترار و التكرار"، حيث انتقل الباحث إلى الكشف عن "النماذج الدينية" التي يمكن لها أن تحلل وتفسر الظواهر الإنسانية، وبين الشرقي أن "القربان" أو"الشعيرة" في النموذج الإسلامي، له مقاصد تزكوية و تطهرية، للتقرب من الإله المعبود، وله أبعاد اجتماعية كثيرة.
وأشار في ذات السياق إلى أن مثل هذه المقاربات التي تدرس النصوص الدينية و التراثية بمناهج علمية حديثة لها اهمية كبرى في تجديد البحث، منبها إلى أن الباحثين في علوم الشريعة عليهم أن يقتفوا أثر هذا المنهج دون السقوط "التطبيقات الفجة" لهذه المناهج، بشرط الملاءمة مع بنيتها.
وأوضح الشرقي أن كتاب الحسن حما، يثير قضية المشترك بين الأديان السماوية في "طقس القربان" الذي يحضر بأشكال مختلفة، وينبغي التأكيد على هذه المشتركات في زمن الصراع و الحرب، فالبحث عن المشترك له أهمية كبرى في التقريب بين الشعوب المتدينة، التي أصبحت يوما بعد يوم تزداد هوة الاختلاف و التباعد تتسع بينها.
يذكر أن هذا اللقاء الفكري، حضره مجموعة من الباحثين في ماستر الحوار الديني بمدينة الجديدة، وعرف نقاشا ثريا، أضاء جوانب كثيرة في الموضوع، وختم اللقاء بتسليم الباحث حسن حما شهادة تقدير و تشجيع بمناسبة إصدار كتابه الأول، ودعوته للمزيد من العطاء.
0 تعليقات
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.