د.محمد الدريج لجريدة الأستاذ
تمهيد
الكل يدرك أهمية الدور المنتظر سواء من وزارة التربية الوطنية والتكوينالمهني أو من المجلس الأعلى للتعليم ، بل ومن الحكومة والمجتمع المغربي برمته ،
للخروج من الأزمة التي يعاني منها قطاع التعليم ولمواجهة بصفة خاصة ،إشكالية عدم التحاق مئات الآلاف من الأطفال بالمدرسة
أو مغادرتهم و طردهم منها و خروجهم بمستويات تربوية وتعليمية متدنية لا
تهيؤهم بالتالي للاندماج في المجتمع . نعم،
مئات الآلاف،ما بين 350 و 400 ألف من الأطفال يغادرون المدرسة النظامية سنويا قبل بلوغهم سن أل 15 ، دون أي مستوى تعليمي أو تكوين مهني ودون شهادة... مع مخاطر عودتهم إلى
الأمية والتحاقهم بالشارع والتشرد واحتراف السرقة وامتهان أعمال ظرفية وضيعة وربما
احتضانهم واستغلالهم من طرف عصابات الجريمة المنظمة وغير المنظمة...
السؤال الآن، هو كيف ستبلور الوزارة ،مدعومة من المجلس الأعلى للتعليم ،مقترحات
الإصلاح و تتجاوز بالتالي الوضعية الصعبة وتخرج المنظومة من النفق ؟ ثم كيف سيلائم
مشروع الإصلاح المنتظر في حال نزوله ،بين ما هو نظامي وما هو غير نظامي في
التعليم؟ بين ما هو عمومي وما هو خصوصي ؟
بين وضعية ما في المركز وما في الهامش من مؤسسات ؟ وماذا ستكون عليه طبيعة برامج الوقاية و الإنقاذ و اليقظة والفرصة الثانية
ومشاريع المواكبة التربوية والدعم المدرسي والاجتماعي والوساطة؟ و كيف يمكن أن
توظف كل تلك البرامج وخاصة ما ارتبط منها بالمواكبة إلى جانب البرامج التربوية
والتعليمية "النظامية" الأخرى؟ وكيف ستفعل وتطبق للرفع من مستوى
التلاميذ و للحد من النزيف بسبب الهدرالمدرسي الذي تعاني منه المدرسة المغربية ؟ بل وكيف
يمكن أن تساهم في تجويد نتائج المدرسة المغربية ومخرجاتها كما وكيفا؟ وهل يمكن أن
تصلح التربية غير النظامية ما تفسده التربية النظامية ؟ أي كيف يمكن أن تشكل برامج
التربية غير النظامية ومقارباتها نماذج بيداغوجية لتطوير العمل في المدرسة
المغربية بشكل عام؟
هذه أهم الأسئلة والإشكالات التي سنحاول إلقاء الضوء عليها ، والإجابة عن
بعضها بشكل مباشر أو غير مباشر ،خاصة ما ارتبط منها بالجوانب البيداغوجية وببرامج الدعم والمواكبة التربوية
، مع إرفاقها ببعض المقترحات والتوصيات.
على أننا نعتقد أن قسطا هاما من محاولتنا الإجابة
عن هذه التساؤلات ، مما قد يساهم في تحقيق مستوى مشرف من تجويد نتائج منظومة
التعليم والقضاء على ضعف المستوى والحد من الهدر المدرسي ، يكمن في تأسيس نموذج
بيداغوجي بمنظومة متكاملة للمواكبة التربوية،والذي سيشكل محور هذه
الدراسة.
أولا : عوامل الهدر المدرسي وضعف مستوى التعليم
أو مبررات تأسيس نموذج/
منظومة المواكبة التربوية (لماذا ؟ )
لعل أهم ما يجعلنا ننادي بضرورة إنشاء
نموذج/منظومة المواكبة التربوية وتعميم برامجها
على كل الأطفال بل وربما على المؤسسات والعاملين بها والمرتبطين بمنظومة التعليم بشكل
عام، هو حالات الاضطراب و الهدر وضعف المستوى و التي تصيب جوانب كثيرة من المنظومة
في بلادنا وعموما في البلدان المغاربية وبلدان حوض البحر الأبيض المتوسط وبخاصة في
جنوبه.هذه الحالة التي تتميز في بلادنا ، بمظاهر وعوامل يمكن إيجازها كالتالي :
- غياب النظرة
الشمولية والمستقبلية للإنسان المغربي المنشود والذي على المدرسة أن تسعى لإعداده
وما ينتج عن ذلك من اضطراب في المناهج والبرامج وعدم ملاءمتها وتذبذب في تبني
النماذج البيداغوجية الملائمة والمندمجة وعدم الاستفادة من تراكم التجارب
والانتقال من نموذج إلى آخر ومن مخطط إلى آخر ، دون تقويم ودون تطوير، والرجوع
باستمرار إلى نقطة الصفر؛
- العوامل المرتبطة بالعرض
المدرسي والملاحظ في ضعف بنيات الاستقبال من أقسام ومدارس و مرافق و داخليات و
مآوي وهشاشة تجهيزاتها أو بعدها عن الساكنة أو انعدامها أصلا،وما ينتج عن ذلك من ضعف
مستوى التمدرس أو عدم تعميمه أصلا، حيث يبقى عدد مهم من الأطفال خارج المدرسة أو يتسربون
منها في سن مبكرة أو "يتخرجون" بمستوى هزيل...
- الخنوع في الهام من القرارات للجهات المانحة و إملاءات
مراكز الضغط...دون مراعاة الحاجيات الحقيقية للمجتمع المغربي و أولوياته ،مما يخلق
حالة من انعدام الثقة فتؤثر في جودة العرض
البيداغوجي وجاذبية المدرسة... ؛
- ضعف في الموارد البشرية
وتسجيل الخصاص في بعض المستويات والتخصصات وسوء توزيع المدرسين والإداريين والموجهين والمفتشين و
إعدادهم و تكوينهم وتحسين ظروف عملهم والإعراض عن الرفع من أحوالهم الاجتماعية و
التباطؤ في تحديث القوانين الأساسية المنظمة لمهنتهم والالتفاف على مطالبهم
المشروعة والمراوغة في الحوار مع ممثليهم ونقاباتهم...
-انتشار حالة من التدهور وربما الاضطراب النفس/تربوي
و الأخلاقي، في منظومتنا التربوية وفي مجتمعنا بشكل عام ، سواء في الأسرة أو
الشارع أو الإعلام أو النوادي ... وخطر الاستمرار في هذه الوضعية التي تعوق مشاريع الإصلاح
وإصلاح التعليم على وجه الخصوص وتحول دون تطورنا ونمائنا .حيث أصبحنا نلاحظ
انتشارا لمظاهر السلوك السلبي بل و للسلوك المنحرف و المرضي. في مقابل ذلك نلاحظ:
- عدم حضور علم
النفس وانتشاره في مجتمعنا وضعف الوعي بأهمية المقاربة السيكولوجية في مختلف مناحي
الحياة وخاصة في التربية المدرسية.
- و تغييبا شبه كامل للعناية بموضوع الإرشاد و التحصين النفسي والتربية
الوالدية.
- وحتى دروس علم النفس والتي توفرها برامج مؤسسات التكوين المهني ، لا
تجد تطبيقا فعليا لها في المدارس و الأقسام .والسائد هو عدم معرفتنا بخصوصيات
تلاميذنا السيكولوجية وبسماتهم الشخصية؛
- وعدم توفر المدرسين على الوقت الكافي والتكوين الملائم والوسائل
العلمية لمعرفة تلاميذهم وإدراك حاجياتهم
ومشكلاتهم...وبالتالي عدم قدرتهم على مساعدتهم والأخذ بيدهم ومواكبتهم في رسم
مسارهم الدراسي والمهني.
- سيادة الارتجال في اتخاذ القرارات وضعف المراقبة
والمحاسبة و الحكامة في صرف المال العام وهيمنة المركز وتدخله في كل كبيرة وصغيرة
...وما ينتج عن كل ذلك من نفور وتعب نفسي لدى أطر التعليم وخاصة العمومي منه ولدى
التلاميذ وأسرهم وضعف في الحافزية لديهم جميعا وفقدان روح التطوع و التضحية وضمور
في قيم المواطنة وانتشار سلوكيات مضطربة وأخلاقيات انتهازية...
-
عدم استثمار نتائج عمليات التقويم والافتحاص الداخلي لمشاريع ومخططات التطوير
وللبرامج الإصلاحية من مثل البرنامج الاستعجالي و نتائج الافتحاص التقني النهائي له
و عدم تثمين بالتالي ،ما يتحقق من تراكمات إيجابية في البرامج والمشاريع من مثل برامج
التربية غير النظامية وبرنامج ثانويات التميز والأقسام التحضيرية ...وبالتالي
التراجع والعودة لنقطة الصفر؛
- اعتماد النماذج البيداغوجية المستوردة وعدم تكييفها وتفضيل
الخبرة الأجنبية والتي تتعامل مع خبرائنا بنوع من الاستعلاء. وللتذكير فإن
البرنامج الاستعجالي وضعه مكتب فرنسي للدراسات
في حين وضع بيداغوجية الإدماج وسهر على تطبيقها مكتب بلجيكي؛
- الاضطراب الكبير الحاصل
على مستوى تعليم اللغات ولغات التعليم؛
- فقر في الطرق والوسائل
وأدوات العمل وضعف في الأساليب المساعدة على تطبيق تلك النماذج البيداغوجية وسيادة
ظروف غير ملائمة للتحصيل داخل الأقسام والمؤسسات، وظهور وانتشار العنف والسلوكيات المنحرفة
والشاذة؛
- ضعف في أساليب التقويم
والامتحانات وسيادة التقويم النهائي ( الإجمالي) على حساب التقويم التشخيصي
والتقويم التكويني ،وانعدام آليات و وسائل علمية مضبوطة لتتبع أداء التلاميذ
ومرافقتهم ومواكبة مسارهم الدراسي؛
- الغياب شبه الكلي لبرامج مساعدة التلاميذ وتهيئهم
لمواجهة للامتحانات الإشهادية ؛
-الاضطراب في التعامل مع موضوع الدعم
التربوي ومع برامج محاربة الهدرالمدرسي والذي تجلى في :
- ضعف
في التتبع الفردي للتلاميذ وغموض في الخطة وفقر في العدة السوسيوتربوية و البيداغوجية. فإذا أخذنا على سبيل المثال المشروع 5 من مشاريع المخطط الاستعجالي ، المتعلق بمحاربة
ظاهرتي التكرار والانقطاع الدراسي، فإننا لاحظنا غموضا وسوء فهم شاب الرؤية المؤطرة للتتبع الفردي للتلاميذ.
فمبدئيا يرمي التتبع حسب هذا المشروع ،إلى
تكوين نظرة مجملة عن الحالة النفسية والصحية والاجتماعية والتربوية للتلاميذ،
واستثمار المعطيات السوسيلوجية، ومن تم اتخاذ التدابير
الوقائية
أو العلاجية، الأمر الذي لم تتضح سبل تطبيقه في واقع الممارسة في جل المؤسسات.
-
كما حدث خلط بالنسبة لأهداف بطاقة التتبع الفردي للتلميذ وسبل توظيفها والتي ليست،من
حيث المبدأ، أداة تقويم، بل هي وسيلة لإعطاء صورة مركبة ومختصرة عن التلميذ اعتمادا
على التقويم، وتحديد الصعوبات من خلال التقويمات، وتحديد إجراءات المعالجة وفق
درجة الصعوبة أو أثر التعثر.
أما مهام المتدخلين(الأستاذ،
مدير المؤسسة، مجلس القسم،خلية اليقظة،المفتش التربوي...) في التتبع الفردي فكان
يسودها الكثير من الغموض والتداخل وانعدام الضبط في تحديد المسؤوليات وتوزيع
الأدوار بينهم.
- استفحال تفشي ظاهرة الساعات الإضافية والدروس الخصوصية وظهور جمعيات ومؤسسات
تجارية تبيع الدعم المدرسي.
-
صعوبة وضع وصفات جاهزة و نموذجية للدعم التربوي نظرا:
-
لطبيعة البنيات التربوية للأقسام الدراسية،وهي بنيات جامدة وغير مرنة،ولا تسمح
بالممرات والجسور،
-
الطبيعة التسلسلية للبرامج ،
-
تعدد أنواع التعثرات في إنجازات التلاميذ،
- وعدم تجانس مجموعات الدعم الواردة
في التشخيص.
-
التعثر الذي تعاني منه برامج التوجيه التربوي والمهني والصعوبات المتعددة التي
تعاني منها أطر التوجيه .
فضلا عن عوامل ضعف المستوى و الهدر المدرسي التي ترتبط بذاتية التلاميذ سواء ما تعلق منها بشخصيتهم
وبقدراتهم الجسمية والعقلية والوجدانية أو بوضعياتهم الاجتماعية (الفقر، الهجرة، الطلاق
وتفكك الأسرة، العزلة خاصة في الأحياء الهامشية والبوادي التي تعاني من ظروف
الهشاشة...) والتي تؤثر كثيرا في المسار الدراسي للتلاميذ و خاصة من يكون منهم في
حاجة لمن يأخذ بيدهم ويواكب تحصيلهم ونشاطهم داخل المدرسة و خارجها.
ثانيا : المستهدفون في نموذج المواكبة التربوية ( لمن
؟)
تشكل الشريحة المستهدفة من برامج هذا النموذج
المقترح وعموما من برامج التربية غير النظامية ومن حيث المبدأ ، فئة عريضة من
الأطفال المحرومين من الحق في التعليم أي الذين لم يسبق لهم ولوج المدرسة أصلا و
كذا المنقطعين عن الدراسة في سن مبكرة و الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة و الأطفال
في وضعية صعبة وخاصة أطفال الشوارع، والمشتغلين دون سن ال15 مثل
خادمات البيوت والعاملين "كمتدربين" حرفيين وخاصة في الصناعات
التقليدية... والأطفال في المناطق الريفية المهمشة ، و نزلاء مراكز حماية الطفولة...
Ã
أطفال التربية غير النظامية المدمجون بالتعليم النظامي؛
Ã
الأطفال غير الممدرسين المدمجون بالتعليم النظامي في إطار عملية "قافلة"
؛
تلاميذ المستوى السادس
ابتدائي (الفتيات ) خاصة بالعالم القروي.(25% من
مجموع المستفيدين).لتحميل الدراسة من هنا
0 Kommentare
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.