فلاش بريس - المصطفى مورادي
نظمت شعبة الفلسفة بالمركز التربوي لمهن التربية والتكون بمكناس، بقاعة الندوات التابعة للمركز، ندوة حول موضوع «فكرة الإنسان أفُقا للتفكير الفلسفي». وتميزت الندوة بالتنظيم المحكم الذي أبدع فيه الأستاذات والأساتذة المتدربين في الفلسفة بالمركز، كما تميزت بحضور عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة المولى إسماعيل بمكناس، الأستاذ المحمودي، وتابع أشغالها نخبة من الأساتذة بالمركز والمراكز الجهوية مثل القنيطرة وفاس، بالإضافة إلى نخبة من طلبة المدرسة العليا بمكناس وكلية الآداب، وجمهور غفير من الأساتذة المتدربين بمكناس. وعرفت الندوة ذاتها أيضا حضور ومساهمة أساتذة الفلسفة المطبقين وغيرهم بمكناس. جدير بالملاحظة أن هذه الندوة تعد الأولى من نوعها بالنسبة لشعبة الفلسفة، وهي مبادرة فكرية «فلسفية» لاقت استحسانا كبيرا من طرف الحضور، حيث أنها تعبر، مثلما أشار إلى ذلك رئيس الشعبة الأستاذ محمد سوسي، عن عزم أكيد على أن تكون هذه الانطلاقة الفعلية «لمجموعة البحث في الفلسفة والإنسانيات»، رغبة في التأكيد على الأدوار الطلائعية المنتظر أن تنهض بها المراكز في صيغتها الجديدة، وترسيخا للجودة في التكوين والتأطير، وتعبيرا عن انفتاح المركز على آفاق البحث العلمي الجاد والرصين.وفي إطار الندوة التي تنظمها شعبة الفلسفة بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بمكناس، حول فكرة الانسان باعتباره افقا للتفكير الفلسفي، حاول الأستاذ أحمد الطني في مداخلته، إبراز تصور المعلم الثاني (أبي نصر الفارابي)، لمفهوم الإنسان كموضوع لهذا التفكير، والكشف عن المبادئ التربوية التي تقوم عليها إعادة تشكيله بين حدي القيم الخصوصية والقيم الكونية، في اتجاه استنباط الخلاصات التربوية التي يمكن استثمارها في الدرس الفلسفي هنا والآن.
أما الأستاذ محمد منادي الإدريسي، فقد تناول في مداخلته التي تحمل عنوان «أيمكن الحديث عن أساس إبستمولوجي للعلوم الإنسانية في فلسفة كانط النقدية؟»، الإشكالات التي يطرحها مفهوم «الإنسان»، واضعا إياها داخل سياق نظري محكم منهجيا ودقيق مفهوميا، وهذا ما ينطبق على إشكالية الإنسان باعتباره كائن المفارقات بامتياز.
إن التأسيس الإبستمولوجي والفلسفي للعلوم في الفكر الحديث، هو الذي أظهر الحاجة الماسة من الناحية النظرية إلى ضرورة وجود علم مخصوص لدراسة هذه الكينونة الفريدة في تكوينها وتشابك أبعادها، مادامت علوم الطبيعة غير مؤهلة مفهوميا ومنهجيا للقبض على فرادتها. هذا ما تحاول هذه الورقة بيانه من خلال قراءة في فلسفة كانط النقدية، بوصفها تركيبة متميزة جعلت سؤال الإنسان مصبا تعتبر باقي الأسئلة الفلسفية الأساسية روافد له.
الإنسان في الفكر الفلسفي المعاصر
أما موضوع مداخلة الأستاذ فؤاد مخوخ، فانصب على «مفهوم الإنسان» وكيفية تبلوره وتطوره في الفلسفة المعاصرة، انطلاقاً من نموذج فلسفي يتمثل في فلسفة إرنست كاسيرر. فبالنظر إلى التطورات التي عرفتها الإنسانية في العصر الراهن، والتعقيدات والأزمات التي أصابتها من نواح عدة، تأسست عدة فلسفات، من بينها فلسفة الأشكال الرمزية، من أجل معالجة إشكاليات تتجذر في مجال الأنثربولوجيا الفلسفية، وتسعى إلى فهم «الإنسان» انطلاقا من فهم إنتاجاته الثقافية وسيرورات تشكيلها. وهكذا، ستكون فلسفة كاسيرر منطلقا لتسليط الضوء على «مفهوم الإنسان»، ومفتاحا لسبر أغوار عالمه وفك رموزه، وفق عملية هيرمينوطيقية تستهدف استنطاق عالم الثقافة وعمليات البشر الترميزية التي يحيون من خلالها، ويفهمون عبرها الحياة بأشكالها الرمزية المتنوعة وصورها المختلفة.
الأستاذ رشيد الراضي وقف في مداخلته عند محاولة جورج لايكوف في دراسته المعنونة بـ«اللسانيات الإنسية»، القيام بمقابلة بين مقاربتين في الدرس اللساني، مقاربة يصطلح عليها بما يمكن ترجمته بـ«المنظور التقنوي»، ومقاربة أخرى يطلق عليها اسم «المقاربة الإنسية». وتتمايز هاتان المقاربتان من جانبين اثنين، أولهما طبيعة الأسئلة التي ينخرط الباحثون في الإجابة عنها، وثانيهما نوعية العتاد التقني والمفهومي المتاح والمقبول بين الباحثين ضمن كل مقاربة.
وعلى العموم تنصرف الأبحاث المنجزة ضمن المقاربة «التقنوية»، إلى تقليب النظر للوقوف على المبادئ اللغوية الصورية الخاصة والكلية التي تعد ضرورية وكافية لتوصيف المظاهر التوزيعية والعلائقية بين الوحدات اللسانية في كل واحدة من لغات العالم، بينما تطرح المقاربة الإنسية سؤالا مختلفا تماما يروم النظر في ما يمكن للدراسات اللغوية أن تزودنا به من معطيات حول الكائن الإنساني، وهذه المقاربة ـ حسب لايكوف ـ أوسع وأوعى من المقاربة السابقة التي تشكل فرعا من فروعها ينظر في المظهر الصوري الذي يسم نحو اللغات التي يتكلم بها الكائن الإنساني، ولكنها تتجاوزها إلى النظر في أمور أخرى غير النحو والنظرية النحوية. تفاصيل هاتين المقاربتين ومظاهر الاختلاف بينهما، هو ما سنحاول عرضه في هذه الدراسة.
أما مداخلة الأستاذ أحمد أغبال فتمثلت في تتبع التطور التاريخي للمفاهيم المتعلقة بالنزعة الإنسانية منذ عصر النهضة إلى يومنا هذا، من خلال بيان كيفية ترددها في عينة من المؤلفات المكتوبة باللغتين الإنجليزية والفرنسية كل على حدة، إذ بلغ عدد المؤلفات المكتوبة باللغة الإنجليزية والمتوفرة في خزانة «غوغل» الإلكترونية 4,541,627 كتابا مصورا، وبلغ حجم العينة الفرنسية 792,118 كتابا. وتهدف الدراسة إلى بيان الحيثيات والملابسات التي أحاطت بظهور كل مفهوم ونسب تردده عبر توالي السنوات والقرون، وكذا التعرف على المفكرين الذين ساهموا في بلورة مفاهيم النزعة الإنسانية، والأحداث التي شكلت تلك المفاهيم القوة الدافعة الكامنة خلف وقوعها، أو تلك التي ساعدت على انتشارها.
وفي آخر المداخلات التي شهدتها هذه الندوة الوطنية، حاول الأستاذ محمد السوسي مقاربة منهاج الفلسفة بالمغرب من جهة كونه يقدم فكرة عن الإنسان، من خلال نموذج مفاهيمي يمكن اعتباره قاعدة نسق تفسيري.
فكيف يتكون هذا النموذج المفاهيمي الذي تنتج عنه كل خطابات المنهاج (منهاج الفلسفة) حول الإنسان؟ كيف يمكن تفسير/مقاربة مفهوم الإنسان بوصفه مفهوما مركبا بالتفاعل بين العناصر التي على أساسها تتكون بنيات متطورة ونامية وقادرة على إنتاج قوانين النسق وتطوره؟ كيف تتكون فكرة الإنسان لدى التلميذ، من خلال عمليات محور الاستبدال في اللغة، والذي يشير إلى العلاقة بين علامات لغوية دالة، عن الإنسان أو على ما يرتبط به من أفعال دالة، يمكن أن تؤدي إلى نفس وظائف إكساب التلميذ معجما متنوعا عن الإنسان وفكرة الإنسان، مع الحفاظ على بنية فكرته الخاصة عن الإنسان؟ وهل يؤدي هذا المعطى إلى إنتاج قدرة (كفاية) توظيف المعجم المذكور في إنتاج نص وفق نموذج العلاقات السياقية التي يمكن أن يحيل عليها مفهوم الإنسان في الفلسفة؟
0 تعليقات
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.