ماذا بعد إجهاز وزير التربية الوطنية على حق رجل التعليم في التعلم؟‎

الإدارة سبتمبر 20, 2014 سبتمبر 20, 2014
للقراءة
كلمة
0 تعليق
-A A +A

ماذا بعد إجهاز وزير التربية الوطنية على حق رجل التعليم في التعلم؟


 ـ بقلم نورالدين الطويليع-جريدة الأستاذ

نزل قرار وزير التربية الوطنية رشيد بلمختار بمنع متابعة الدراسة الجامعية كالصاعقة على المشتغلين بقطاع التربية والتكوين، خصوصا أنه جاء بعدما أصدرت نيابات التعليم بمختلف جهات المملكة مذكرات تطلب منهم تعبئة طلبات متابعة الدراسة الجامعية للبث فيها.

مبررات السيد الوزير ومسوغاته للإقدام على هذه الخطوة هو اعتباره إياها إجراء واجبا اقتضته المرحلة لوقف نزيف التسرب التربوي والإخلال بالمسؤولية وهدر الزمن المدرسي، في ظل ما يراه  تماديا من طائفة من رجال التعليم في اللهث وراء مصالحهم الشخصية بمراكمة الشهادات الجامعية بأنانية مفرطة تتناسى حق أبناء المغاربة في تعليم يكفل لهم الاستفادة من البرامج التربوية كما هو مسطر، وتعمل على إشهار دبلوماتها في وجه الحكومة لإجبارها على ترقيتهم وإجابة سؤلهم تحت ضغط وعيد خوض الاعتصامات وتعطيل الدراسة.
أيا كانت هذه المبررات، ورغم ما يتضمنه بعضها من مصداقية، فإن هذه الخطوة تبقى تعسفية ومجحفة بكل المقاييس، وقد كان أجدر وأولى بالسيد الوزير أن يحارب الهدر الناتج عن استفراغ المدرس جهده في الساعات الإضافية التي تجعله يشتغل بالليل والنهار، وفي التنقل بين المؤسسات الخصوصية، بما يجعل من عمله الأصلي في مؤسسته العمومية مجرد استراحة محارب يسترجع من خلالها الأنفاس، دون أن يبذل أي جهد، حتى إذا انتقل إلى خط التماس، عرى عن ساعديه وأعلن جاهزيته المطلقة لتسويق بضاعته بما يرضي زبناءه من طالبي الساعات الإضافية، وأرباب العمل من مدراء المدارس الخصوصية الذين لا يحترم الكثير منهم القدر المسموح به لرجل التعليم من الساعات...، كل هذا وغيره كثير يعرفه السيد الوزير حق المعرفة، لكنه يعرف بالمقابل أن أي تحرك في هذا الاتجاه لن يكون مجديا مادام أن للبيت ربا يحميه، ومادام أن وراء كثير من المؤسسات الخصوصية رجال غلاظ سمان من فرط الجاه والسلطة، لا يفعلون ما يؤمرون، وإذا أمروا ارتد الأمر وبالا على الآمر، وما تجربة الوزير السابق محمد الوفا عنا ببعيدة.
نود هنا أن نحيط عناية السيد الوزير أن المدرس كما قال أحد المفكرين الغربيين: "طالب باستمرار، وفاعليته تقوم في الاعتناء بمعرفته، واطلاعه الدائم، ليس لأن  ذلك واجبا مهنيا مباشرا، وإنما كذلك واجب تجاه ذاته"( نقلاعن كتاب شخصية المدرس المغربي، الهوية والتوافق للدكتور عبد الرحيم تمحري، الصفحة 36،ط ـ الأولى)
وقد كان أولى به في ظل وضعية هذه سماتها أن يستحث رجال التعليم ونساءه على النفير التعلمي  للخروج من قمقم الانكفاء على الذات المعرضة إعراضا يكاد يكون كليا عن المعرفة، والمؤثرة خيار القواعد والخوالف، بما تعانيه من مرض فقدان الشهية لكل ما يمت إلى الجذر اللغوي ع ـ ل ـ م بصلة، إلى الحد الذي جعلها تصاب بهزال شديد انعكست آثاره على مردودية القطاع الذي لم يعد ينتج غير إفلاسه...، إن الغالبية العظمى من رجال التعليم  طلقت القراءة طلاقا بائنا، وتحول أصحابها إلى ممارسي مهنة يؤدون طقوسها بملل، وبشكل آلي غير عابئين بما تحتاجه من عدة ديداكتيكية وتربوية ونفسية وسوسيولوجية، وقد أغرقهم في هذه الدوغمائية واقع حياتي أغشاهم هما فوق هم، وجعلهم يعيشون في أوحال المشاغل اليومية التي لا تنتهي، وقد كنا ننتظر من السيد بلمختار أن يوقظ هذا التنين من مرقده، وأن يفتح أمامه دروب الإقبال على العلم والمعرفة بتسهيل الحصول على الوسائط الاإلكترونية بأثمنة تفضيلية مشجعلة، وأن يعمد بالتنسيق مع زميله في التعليم العالي على فتح مسارات التعليم العالي الإلكترونية في وجه رجال التربية بما يتيح لهم متابعة دراستهم عن بعد، دون تجشم عناء الانتقال إلى الجامعات في أيام العمل، ولم لا تخصيص يومي السبت والأحد لتلقي الدروس الجامعية، وحينئذ ستتبين حقيقة من يطمح إلى إتمام دراسته فعلا، ومن يتخذها ذريعة للتنصل من المسؤولية.
كل هذا وغيره كان بإمكان سعادته أن يتخذ منه وسائل لتحفيز المدرسين على العطاء من خلال منح جوائز ومكافآت للمتفوقين، الجادين في عملهم، المستثمرين معرفتهم العالمة في بلورة دروسهم التعليمية وإنجازها، كما تفعل الدول التي تحترم سلطة المعرفة وتقدر دورها، وتعي أنه "لا تعلم بدون دافع" حسب ما تنص عليه المدرسة الجشطالتية.
إن هذه الخطوة ستزرع، لا محالة، الإحباط واليأس والقنوط في نفوس شريحة لا يستهان بها من المدرسين، خصوصا حديثي الالتحاق بالقطاع، الذين يطلب منهم التسليم بالأمر الواقع وابتلاع صدمات تدبير أخشى أن أقول إنه فاشل لتعليم يئن تحت وقع زلازل وهزات ارتدادية، وهو ما سينعكس على مردوديتهم لا محالة، وسيقص جناح حماستهم، وحينئذ سيكون خطاب الأزمة لازمتهم التي لا تغادر ألسنتهم وتفكيرهم، بما سيحولهم إلى يائسين يرون في عملهم عذابا واستلابا، ويقتلون أوقاتهم بالحج إلى المقاهي زمرا للعب الشطرنج و  الورق، أما الكتاب، فمادام أنه لا يوجد دافع يشجع على الإقبال عليه ومصاحبته، فسيكون آخر ما يفكرون فيه، وهذه هي جناية السيد بلمختار التي لن يغفرها له التاريخ، والتي ستمتد بدون شك إلى المنظومة التربوية برمتها، لأن ركيزتها ومدبرها ومنشطها فقد بوصلة التعلم وتاه في دروب الحياة ومشاغلها، ولم يعد له أي استعداد للتعلم، وهنا تكمن المفارقة الغريبة لرجل يعلم، ولا يريد أن يتعلم، يقول باشلار بهذا الصدد: "إن الذي لا يستمر في التعلم، لن يكون جديرا بأن يدرس".

شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات


 

  • انشر مواضيعك و مساهماتك بلغ عن أي رابط لا يعمل لنعوضه :[email protected] -0707983967او على الفايسبوك
     موقع الأساتذة على  اخبار جوجل - على التلغرام : المجموعة - القناة -اليوتيب - بينتريست -
  • 1141781167114648139
    http://www.profpress.net/?m=0