إخـفاق الحوار الاجتـماعي
صورة معبرة عن المغرب المنكوب
بقلم: إبراهيـم خالد صبـار
فاعل تربوي ونقابي
تعرف سنة 2015 م/1436 هـ العديد من الاستحقاقات
الانتخابية، مما حتم على حكومة البيجيدي عقد لقاءات تشاورية مع المركزيات النقابية
الأكثر تمثيلية في إطار ما يسمى بالحوار الاجتماعي الذي شكل محطة أساسية مناسبة
لطرح الملف المطلبي الذي يتضمن العديد من القضايا الجوهرية التي تم تجميدها لبضعة
أعوام من قبيل رفع الأجور وتخفيض الضرائب على الدخل وتطبيق السلم المتحرك للأجور
والرفع من المعاشات إلى جانب نقط جوهرية أخرى تهم بعض الفئات كالترقية خارج السلم
وإحداث الدرجة الجديدة.
لقد انطلق
الحوار الاجتماعي إذن، في 9 فبراير، والذي شكل هاجسا أساسيا للشغيلة المغربية التي
اعتبرته فرصة مواتية لتحقيق طموحاتها وتطلعاتها وانتظاراتها، ويمكنها من الخروج من
الوضعية المعيشية العصيبة والهشاشة والمعاناة، كما تعتبره آلية من آليات الممارسة
الديمقراطية الحقة ومدخلا جوهريا لحل العديد من القضايا المستعصية وتسوية الملفات
الاجتماعية الساخنة والتي تستوجب حلا استعجاليا لا يقبل التأجيل والتباطؤ.
لقد لقي
الحوار استحسانا من طرف جل المتتبعين والمهتمين بالشأن العام المغربي لانطلاق
مجرياته من جديد بعد توقف وجمود دام أكثر من أربع سنوات ولكونه يأتي في ظرفية
اقتصادية واجتماعية عصيبة.
- فهل سنكون فعلا أمام حوار اجتماعي ناجح وحقيقي أم مزيف
؟
- وإلى أين يسير الحوار الاجتماعي ؟
- وما تجليات وأسباب إخفاقه ؟
1- الحوار الاجتماعي الممسوخ مرآة حقيقية لضعف الثقافة
الحقوقية:
هيمنت حالة التشنج والتوتر على مجريات اللقاء التفاوضي
بين حكومة البيجيدي والتنظيمات النقابية لوجود خلال إستراتيجي عميق وليس ظرفي،
وهذا الخلاف ينم عن وجهتي نظر مختلفتين:
* وجهة نظر الحكومة التي تتحكم فيها المقاربة
المحاسباتية والتوازنات الاقتصادية والمالية.
* المنظور النقابي ذو البعد الاجتماعي: لقد أمسى اللقاء
التشاوري محطة تجاذبات وصراعات، إذ هيمن التشنج على مجريات الحوار الاجتماعي
المغشوش بلجوء الحكومة إلى تمرير ملف إصلاح منظومة التقاعد ومعالجته بشكل انفرادي
وتغييب الفاعلين الاجتماعيين، ورسم خط أحمر لا يمكن تخطيه وتجاوزه مقابل هذا
المنظور التجزيئي والإصرار والتعنت الحكومي، بينما اعتمدت التنظيمات النقابية
منظورا شموليا غايته معالجة الملف المطلبي في كليته وشموليته.
لقد عكس الحوار الاجتماعي طغيان سياسة التغوّل
والاستعلاء والاستبداد وهيمنة النزعة الحكومية الانفرادية، إذ لم تعر حكومة
الكراطة والسطل أي اهتمام لواقع الطبقة العاملة المغربية وهمومها ومعاناتها، فهذه
النزعة الحكومية الهوجاء واللامبالاة تجعلنا نعتبر سياسة التغول والتسلط وتبني
الاختيارات الاستئصالية للحقوق تشكل خطرا كبيرا وداهما يقض مضاجع الشغيلة
المغربية، كما تمثل أحد البؤر السوداء للمرحلة السياسية الجديدة، مرحلة مابعد
دستور 2011.
إن ما يحصل
اليوم في جولات الحوار الاجتماعي يدعو فعلا إلى إبداء قلقنا وخوفنا من المآل الذي
انتهى إليه اللقاء التفاوضي، حيث لم يسفر عن اية نتيجة إيجابية.
يمثل هذا
اللقاء لحظة انكسار للمنظومة الحقوقية، طغى فيه المشروع المخزني المحافظ والمعادي
لقيم الديمقراطية والحداثة، والذي ترجمته الاختيارات الحكومية العرجاء التي تتناقض
كليا مع المواثيق الدولية والإطار الدستوري، لهذا لم يكن غريبا أن يتعرض الحوار
الاجتماعي لفشل ذريع في ظل هيمنة قوى التحكم والتسلط والارتداد التي عملت على
تجاهل مطالب النقابات، لهذا يمكن اعتبار التغول الحكومي ناتج عن ضعف العمل النقابي
وعدم امتلاك أنياب حادة للنقابات كما كانت تتمتع بها في السابق.
إن فشل
الحوار راجع إلى سقوط حكومة بن كيران في مستنقع السلطوية وانحرافها وابتعادها
الكلي عن المنهجية الديمقراطية، هذه السلطوية جعلت حياة المغاربة سوداء، وخلقت مآسٍ
عديدة لهم، كما تمثل عدوانا وحشيا على منظومة الحقوق ببلادنا.
2- فشل الحوار كمظهر من مظاهر بؤس التدبير السياسي
الراهن:
يمثل إخفاق الحوار صورة مجسدة لسياسة عمومية يطبعها
الارتجال واللامبالاة وتفتقد إلى الحس الإنساني والاجتماعي وإلى الرؤية
الإستراتيجية الواضحة والفلسفة الاجتماعية الجلية لطغيان المنظور المحاسباتي
والمقاربة الماكرواقتصادية، وتجاهل التوازنات الاجتماعية، الأمر الذي يجعل الوضعية
الاجتماعية جد متأزمة، وهذا ما يدعونا إلى التساؤل التالي: هل يتحقق مجتمع العدالة
والكرامة بهذا التوجه الحكومي ؟
لابد من
التأكيد هنا، أن السياسة العامة تعكس الاستثناء المغربي وتحمل الكثير من العيوب
والاختيارات، شديدة الوفاء للمؤسسات المالية الدولية التي تكثف ضغوطاتها وتقدم
وصفتها الجاهزة كاعتماد التدابير التقشفية العمياء المتمثلة في تقليص النفقات
العمومية التي تستهدف بالأساس المجال الاجتماعي، لهذا لا نتعجب من الهجمات القذرة
التي تشنها حكومة البيجيدي على الشغيلة المغربية وتصفية حقوقها ومكتسباتها، في حين
نرى الجود والسخاء الحكومي الحاتمي اتجاه كبار الموظفين ورجالات السلطة وأعضاء
المجالس العليا التي تزايد في السنوات الأخيرة كالفطر بالرفع من الأجور والتعويضات
عن السكن.
هكذا غدت
الجبهة الاجتماعية أكثر تضررا بشكل غير مسبوق، الأمر الذي سيؤدي إلى استمرار مسلسل
الاحتقانات الاجتماعية.
اعتمادا على
ما سبق، يمكن القول أن هذه الاختيارات الرعناء عرت واقع الحكومة وأزالت عنها
القناع المزيف بتزايد الهجمات الشرسة والمسترسلة على فئة المأجورين، والمؤدية إلى
التفقير وتكريس الهشاشة الاجتماعية وكذا اضطراب العلاقات بين الدولة والمجتمع
وتغذية الفوضى والتطرف.
إن الشغيلة
المغربية تبقى أكبر المتضررين من هذا "البلوكاج" الحكومي الغريب، الأمر
قاد إلى تفشي أحاسيس خيبة الأمل والإحباط واليأس القاتل في صفوفها.
لهذا كله،
يعتبر الحوار الاجتماعي حوارا ممسوخا لبعده الكبير عن آمال وطموحات الشغيلة
المغربية، وعن قيم الديمقراطية والثقافة الحقوقية، كما يمثل أحد جوانب الأزمة
المركبة والعميقة التي يعاني منها مغرب اليوم الذي يستهدف أساسا وئـد الحقوق
المكتسبة وتعميق النكبات، وأفرز وجود اختلالات بنيوية عميقة في تدبير الشأن العام.
لقد هيمنت النزعة الميكياﭭـيلية الصرفة التي ترتكز على
الخداع والمكر والمناورة السياسة المقيتة والتي تحمل نوايا سياسية سيئة وخبيثة
غالبا ما تؤدي إلى تصاعد وتيرة الغضب والاحتجاج ضد السياسة العمومية التي تفتقر
إلى الحس الإنساني والاجتماعي، وينعدم فيها البعد الأخلاقي، الأمر الذي يعكس البؤس
الواضح في عملية تدبير الشأن العام.