الرد على الوزير بلمختار من خلال راديو اطلانتيك
تقاسم معكم رأيي الذي ساهمت به تفاعلا مع برنامج " حريتك على أطلنتيك راديو " الذي خصص حلقته يوم ئ23 مارس 2015 حول التقرير الأخير لتصريح وزير التربية الوطنية والتكوين المهني خلال ندوة حول الثقافة والكتاب بمدينة سلا ، حيث قال “أننا ندرس “الخرايف” للتلاميذ” و أن 76 في المائة من التلاميذ المتمدرسين “لا يجيدون القراءة والكتابة بعد أربع سنوات من التعليم”. كما أشار إلى أن المدرسة المغربية تعاني من ثلاث مشكلات أساسية، هي مشكلة كفاءة الأساتذة، ومشكلة الأخلاق، وأخيرا مشكلة الحكامة.
أولا: أظن أن وزارة التربية الوطنية يجب عليها أن تتوقف عن الظهور باستمرار في وضعية الطرف الذي يشتكي، يفترض فيها ان تكون الطرف الذي يجد الحلول. نحن نعاني من تخمة فيما يخص التقارير التي تشخص حالة التعليم، ما نحن بحاجة إليه، هي المبادرات ومقترحات الحلول للخروج من الأزمة. أنا كمواطن، أصاب بالإحباط ويتفاقم شعوري بضعف الثقة في المدرسة العمومية، بسبب التكرار الذي تقوم به الوزارة حينما تسرد علينا أرقام أعطاب التعليم وأمراضه.
ثانيا: استغرب حينما يقتصر التشخيص الذي تقوم به الوزارة حول واقع التعليم، فقط على التلاميذ والمدرسين، وتستثني دوما برامجها الفاشلة، ومسؤوليها الدائمين، ولم تحمل يوما جزءا من مسؤولية فشل المنظومة لأحد هاذين الطرفين، وهي دوما تختبأ وراء المدرس، صحيح أن المدرس يتحمل جزءا من المسؤولية، لكنه لا يتحملها لوحده، فإذا الوزارة تقول بأن ضعف كفاءة الاساتذة تعتبر مشكلة أساسية، فمن من المسؤول عن هذا الضعف؟، أليست الوزارة نفسها؟، من يوظف المدرسين؟، ومن المسؤول عن تكوينهم؟، ومن يتحمل مسؤولية تأطيرهم المستمر؟، أليست الوزارة هي التي تقرر وتدبر كل هذه العمليات؟
ثالثا: الوزارة هي التي أقرت مناهج دراسية بالابتدائي تفترض امتلاك التلاميذ الملتحقين بالمستوى الأول لبعض المهارات القرائية والكتابية، وهي تعلم جيدا أن الغالبية العظمى من الأطفال لا يلجون للتعليم الأولي، واليوم تأتي نفس الوزارة لتشتكي من ضعف القراءة والكتابة لدى تلاميذ السنوات الأربع للتعليم الابتدائي، إنها مفارقة عجيبة..
رابعا: المقاربة البيداغوجية التي تعتمدها الوزارة بالتغليم الابتدائي هي مقاربة منغلقة ومتخلفة، حيث أنها لا تخاطب لدى الأطفال مختلف إمكاناتهم الذهنية والحركية والنفسية، ولا تستثمر كل طاقاتهم لتطوير القدرات القرائية والكتابية، كالقدرات الفنية والرياضية واللعبية، زيادة على ضعف الأنشطة العلمية... المقاربة البيداغوجية التي تعتمدها الوزارة بالابتدائي تتعامل مع الأطفال كأنهم راشدين
خامسا: هناك اختلالات عميقة في نظام التقويم بالمنظومة الذي يفترض أن يساهم في التحسين المستمر لقدرات المتعلمين، وليس فقط الاكتفاء بالانتقال من مستوى دراسي لآخر بمنطق التدبير الإداري وليس التربوي.
سادسا: الوزارة لسنوات وهي تمارس إضعافا لبنيات التأطير والتكوين المستمر بالمنظومة، ولازال ذلك مستمر، فأعداد المفتشين تراجع لأرقام قياسية، بسبب سياسات الوزارة وقراراتها المتكررة بتوقيف التكوين بالمركز الوطني لتكوين مفتشي التعليم ومركز التخطيط والتوجيه، وتخليها عن آليات موازية، كالأستاذ المرشد، وبرامج التكوين المستمر.... وتأتي اليوم لتكتشف أن كفاءة الأساتذة دون المستوى، إنه لأمر عجيب..
سابعا: لماذا لم تشر الوزارة للاكتظاظ الذي تعاني منه الفصول الدراسية بالمستويات الأولى للتعليم الابتدائي، وارتفاع سن مدرسي هذه المستويات؟، أليست هذه أحد اسباب ضعف القراءة والكتابة لدى الأطفال؟، ألا يفترض أن يكون عدد الأطفال مناسبا لطبيعة للأهداف التعلمية؟ ثم لماذا لم تتحدث الوزارة عن وضعية البنيات التحتية خاصة بالعالم القروي؟ ألا تعتبر هذه البنيات المهترئة والمنعدمة أحيانا عاملا حاسما في جودة
التعلم؟ أتذكر جيدا القسم الذي كان يأويني حينما كنت أدرس بالسنوات الأولى بالمدرسة، حيث كنت محاطا بالوسائل والمعينات الديداكتيكية والصور والأدوات التعليمية... وكان فضاؤه فسيحا، ومضاءا، ويتوفر على ركن للمكتبة يحوي قصصا وألعاب ورقية بجوار مكتب المعلم.. إن إجراء مقارنة بسيطة بين ذلك الفصل و فضاءات التدريس بالابتدائي التي أراها اليوم، يظهر بونا شاسعا بين الأمس واليوم، رغم صرف ملايير الدراهم على قطاع التعليم.
ثامنا: ينبغي أن ينتهي زمن التدبير المركزي لقطاع التعليم، لا يمكن بتاتا تدبير ما يجري في القسم انطلاقا من العاصمة الرباط ومن المديريات المركزية للوزارة. وينبغي على وزارة التربية الوطنية أن تعترف بعدم قدرتها على تدبير الشأن التعليمي لوحدها، وحان الوقت لأن تتحمل مسؤولية إشراك باقي المكونات الحكومية في تدبير التعليم، وهي ملزمة بالتفكير في الآليات التي يمكن أن تحقق ذلك.
المصدر تدخل الاستاذ توفيق مفتاح على راديو اطلانتيك