هكذا تصدم وزارة التعليم خريجيها الجدد
بقلم بلال بتغراصا -جريدة الأستاذ
تحية لكم جميعا أيها الأساتذة الجدد حين أرى أشكالكم النضالية المختلفة الألوان ترجع بي الذاكرة إلى سنة ألفين وثلاثة عشر،حيث كنا نعاني مما تعانونه أنتم الآن بصورالمعاناة نفسها ومضمونها ودلالتها وكانت تتردد على ذاكرتي بعض الأسئلة القلقة وقت ذاك، إذ لم أكن أملك أي جواب عنها ... من قبيل لما ذا تصر وزارة التعليم على شحن أجواء التكوين بافتعال كثير من المشاكل لهؤلاء الخريجين الجدد بدأً بالتماطل في تأجيل أداء المنح وغيرها .. ؟؟ هل حقا الوزارة تجد نفسها مجبرة على تأخير أداء هذه المستحقات بسبب إجراءات ضرورية تتطلب كل هذا التأخير ... أم إن الأمر لا يعدو كونه مناورة مفتعلة تسعى الوزارة من خلالها إلى تحقيق شيئ آخر ؟ وإذا كان الأمر مجرد مناورة فما ذا تحقق الدولة من خلال هذا السلوك الشيطاني اللعين ؟ ما سر الإصرار على انتهاج نفس السلوك من قبل الوزارة مع كل الأفواج التي تلتحق بالمركز ؟ ألا تدرك وزارة التربية أن هذه المشاكل تؤثر سلبا على سيرورة تكوين أطرها مما ينعكس بالضرورة سلبا على قطاعها ....؟
مما لا شك فيه أن وزارة التعليم تدرك جيدا أن هذ المناخ المشحون بالسخط والتي يعد سمة بارزة تميز كل الأفواج التي التحقت بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، الا أن الوزارة تتعمد هذا الأسلوب بشكل ممنهج لحاجة في نفس الدولة حيث إن هذا الموظف الجديد التي صعد من قعرالمجتمع، والحاصل على وسام الشرف الاجتماعي بوصفه استطاع أن ينتزع العمل من الدولة أي أصبح موظفا في وزارة التربية الوطنية، بمعنى أنه أصبح منتشيا بانتصاره الذي مكنه من الحصول على صفة أستاذ- وإن كانت هذه المهنة من الناحية المادية أصبحت تكرس صفة الفقر المنظم إلا أنها من الناحية الاجتماعية ما زالت تحظى ببعض التقدير والاحترام ... -
هذا الموظف الذي أصبح ينادى بصفة أستاذ يجب أن يتعرض في البداية إلى صدمة عنيفة قصد تحطيم آماله وإفراغه من حماسه حتى لا يشتغل بجد... إن الاشتغال بالجد والاجتهاد وأخذ دور المعلم الجاد لهو حقا يشكل خطورة حيث يمكن أن يسهم في تنشئة جيل يعرف كيف يفكر ويحصل على العلم والمعرفة وذلك ما يعتبر هدفا غير مرغوب فيه للساهرين على المنظومة التربوية في بلادنا ...
هذه الصدمة تبدأ خطوتها الأولى في تعذيب الأستاذ الجديد نفسيا باللعب على احتياجاته المادية وذلك بحرمانه لشهور طويلة من الحصول على مستحقاته قصد إفقاره في مرحلة التكوين وغرس شعور الذل في نفسه الممزوج بالسخط على الدولة، وسرعان ما يتحول هذا الإحساس إلى كره المهنة في حد ذاتها فتبدأ معنويات هذا الفارس البطل في الانحدار ... لكن لا يقف الأمر عند هذا الحد بل تستمر الوزارة في تعسفها بطريقة غير مباشرة، فتنتقل إلى خطوة أخرى حينما يلتحق الأستاذ بعمله، تصر الوزارة من خلال تعييناتها إلى إبعاد الأستاذ وإرساله إلى أقصى نقطة ممكنة، غير مراعية في كثير من الأحيان الخصوصيات الجهوية لكل منطقة في التعيين، كأن ترسل ابن أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، ليجد نفسه في بيئة يجهل لسان أهلها تماما ... فضلا عن صعوبة الاندماج في أوساطها المناخية والبيئية...( شخص يجهل السان الأمازيغي على سبيل المثال ) وذلك ما يفرض على الأستاذ واقعا معيقا في أداء مهنته ،تبدو مظاهر هذه الإعاقة أحيانا في صعوبة التواصل مع تلاميذ عاجزين عن إدراك فهم مضمون التخاطب بين المرسل والمتلقي، بل يصبحون مفتونين ومندهشين لمفردات لغته المحلية المثيرة ، وقد يقال إن لغة التدريس موحدة على الصعيد الوطني لكن يبقى الطابع المحلي للشخص بارزا لا يمكن إخفاؤه في تواصله مع فئة المتعلمين ....
والوزارة من خلال تعييناتها المفرطة في البعد عن مكان إقامة الأستاذ، تراهن على استنزافه ماديا وإرهاقه معنويا من خلال إجباره على إنعاش حركة الاقتصاد على الصعيد الوطني ، قد يبدو لكم الأمر فيه بعض من المبالغة، لكن لو تأملنا حركة آلالف من رجال التعليم يتنقلون بشكل جماعي في أوقات العطل والمناسبات .... فستدركون مما لا شك فيه أن كثيرا من القطاعات الحيوية ستنتعش بفضل حركة الأستاذ المسافر.... وفي هذا الإرهاق الناتج عن كثرة التنقل وإنفاق ما يحصل عليه الأستاذ من فُتَات الدولة في الطرقات وفي حافلات النقل تكون الوزارة قد نجحت في الوصول بالأستاذ إلى آخر مرحلة من مراحل الإحباط الذي يأتي بعدها الفشل في أن ينهض بدوره كمرب للأجيال ....عند ذلك تكون الدولة قد أمنت شر عدوها التاريخي الذي يسهم في بناء الوعي .... وهكذا تصل إلى تحقيق هدفها في الحصول على موظف تُوكَل إليه مهمة التربية والتعليم يسهر على تنشئة جيل وهو في حالة من السخط ناقم على نفسه ومهنته ووزارته المتعسفة ضده، فينتقل سخطه إلى تلميذه لتبدأ المعركة من جديد بين الأستاذ والتلميذ، ويحتدم الصراع ويقوى بين الطرفين لتأخذ الوزارة دورالحكم باصدارمذكرات لا تسعى من خلالها إلى فض النزاع بقدر ما تسعى إلى إذكائه من جديد .... ويظل الأستاذ والتلميذ معا جاهلين بالمصارع الحقيقي لهما ...... بقلم بلال بتغراصا