من أجل نظرية تربوية جديدة ( البيداغوجيا الإبداعيــــة) - الدكتور جميل حمداوي

الإدارة March 16, 2015 March 16, 2015
للقراءة
كلمة
0 تعليق
-A A +A

من أجل نظرية تربوية جديدة ( البيداغوجيا الإبداعيــــة) - الدكتور جميل حمداوي 

من أجل نظرية تربوية جديدة ( البيداغوجيا الإبداعيــــة) - الدكتور جميل حمداوي

تمهيــــــد: 
جرب المغرب بصفة خاصة والعالم العربي بصفة عامة عدة نظريات تربوية
كنظريات التربية الحديثة ونظرية الأهداف السلوكية، ونظرية الكفايات، وبيداغوجيا المجزوءات.
ومازال البحث مستمرا لإيجاد نظريات تعليمية أخرى موجودة في الساحة التربوية الغربية
من أجل تجريبها في مدارسنا ومؤسساتنا الوطنية قصد تطبيقها وممارستها رغبة في التحقق من نجاعتها وفعاليتها.
 والهدف من هذا البحث عن المستجدات التربوية النظرية والإجرائية هو تجديد الوضع البيداغوجي والديداكتيكي

وإيجاد الحلول الممكنة للمشاكل التي يتخبط فيها تعليمنا من المستوى الابتدائي حتى المستوى الجامعي،
و الذي أصبح يخرج أفواجا كثيرة من الطلبة الحاصلين على الشواهد العليا ،
ولكن بدون قيمة ولا جدوى، إذ سرعان ما يجدون أنفسهم بعد التخرج عاطلين وبطالين بدون عمل
وبدون كفاءة وظيفية تساعدهم على تدبير شؤون حياتهم على الرغم من حاجة المجتمع الماسة إليهم.

هذا ما دفع الكثير من الدول العربية ومنهم المغرب إلى استيراد النظريات التربوية الغربية
 التي وضعت وبلورت في سياق غربي لتكييفها مع الأوضاع المحلية واستنباتها بشكل تعسفي لايراعي خصوصياته ،
ويحاول زرعها في تربة تأبى الاستجابة نظرا لاختلاف بيئة المصدر والمستورد
الذي يرى في هذه النظرية المستنبة حلا سحريا لإنقاذ الوضع التعليمي المتدهور.

وندعو في هذه الدراسة المتواضعة إلى تطبيق نظرية جديدة سميناها بالنظرية الإبداعية أو البيداغوجيا الإبداعية.
إذاً، ماهي هذه النظرية؟ وماهو سياقها الظرفي؟ وماهي غاياتها وأهدافها؟
 وماهي مرجعياتها النظرية و مرتكزاتها المنهجية والتطبيقية؟

سياق النظرية التربوية الإبداعية:

من المعلوم أن هناك ثلاث مدارس بارزة في المنظومة التربوية العالمية، فهناك مدرسة تغير المجتمع كما هو الحال في اليابان،
ومدرسة يغيرها المجتمع كما في دول العالم الثالث، ومدرسة تتغير بتغير المجتمع كما هو شأن المدرسة في الدول الغربية.

وإذا أردنا أن نعرف طبيعة المدرسة المغربية فهي مدرسة محافظة تهدف إلى تكوين مواطن صالح بمفهوم السلطة الحاكمة،
يحافظ على قيم المجتمع وأعرافه وعاداته وتقاليده.
 ويعني هذا أن المدرسة المغربية تقوم بنفس الوظيفة الاجتماعية التي أشار إليها إميل دوركايم
والتي تتمثل في التنشئة التربوية والتهذيبية وتوريث المتعلم نفس القيم الاجتماعية
التي كانت عند آبائه وأجداده من أجل التكيف والتأقلم مع أوضاع المجتمع وقوانينه.
أي تقوم المدرسة بإدماج الفرد داخل المجتمع وتسهر على تربيته
عبر مؤسسات صغرى وكبرى من أجل الحفاظ على مكتسبات المجتمع.
 ومن هنا، فهذه المدرسة مؤسسة محافظة تكرس التخلف وتعطي المشروعية للطبقة الحاكمة
 لكي تستمر في السيطرة على السلطة دون التفكير في تغيير المجتمع من أجل اللحاق بالدول المتقدمة.
 وبالتالي، تنعدم عند هذه المدرسة الأهداف الوطنية الحقيقية
التي تعمل على زرع الوطنية الصادقة في نفوس المواطنين و بناء الإنسان
 والاحتكام إلى احترام حقوقه وتمثل الديمقراطية والشورى و مبادئ الحريات الخاصة والعامة .
 وتفتقد هذه المدرسة كذلك الأهداف القومية التي تعمل على تطوير الأمة العربية والإسلامية
وتسعى إلى تغيير أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية.

ونستخلص من هذا أن المدرسة المغربية مدرسة متخلفة محافظة تكرس التبعية
وتعمل على تكوين الورثة بمفهوم بيير بورديوP.Bourdieu كما يوضح ذلك في كتابه" الورثةLes Héritiers "،
 كما أن الأوضاع الاقتصادية والضغوطات الاجتماعية
والمؤسسات الدولية الخارجية هي التي تغير المدرسة المغربية وتؤثر فيها سلبا.

ويمكن القول : إن المدرسة المغربية قطعت عدة أشواط
وعرفت عدة أنماط في مسارها البيداغوجي والديداكتيكي، ويمكن حصرها في المسارات التالية:

المدرسة الاستعمارية التي ظهرت إبان الحماية من 1912م إلى 1956م ،
 وكانت تهدف إلى القضاء على الكتاتيب الدينية والجوامع القرآنية ومحو ثوابت الأمة المغربية
والتشديد على الفصل بين البرابرة وإخوانهم العرب مع صدور الظهير البربري سنة 1930م،
 ومحاربة كل النزعات الثورية التحررية التي تسعى من أجل استقلال المغرب.
 وكانت هذه المدرسة تعمل أيضا على ضرب الوحدة الوطنية والطعن في اللغة العربية
 والتشكيك في الدين والقيم الإسلامية والهوية المغربية
عن طريق محاولات التنصير وفرنسة المؤسسات التعليمية المعاصرة.

مرحلة التأسيس وبناء المدرسة الوطنية التي ظهرت بعد الاستقلال مباشرة بتطبيق المبادئ الأربعة،
 وهي: التعميم والتوحيد والتعريب والمغربة. 
مرحلة الاستواء والعطاء والإنتاج إبان مرحلة السبعينيات من القرن العشرين ،
إذ ساهمت المدرسة المغربية في تكوين جيل من الأطر المتميزة والمتفتحة
 التي عرفت بالإبداع والمساهمة الكبيرة في تحريك الاقتصاد المغربي وإغناء الثقافة العربية وإثراء الفكر الإنساني.

مرحلة النكوص والتراجع التي بدأت مع سياسة التقويم الهيكلي في منتصف ثمانينيات القرن العشرين،
 إذ تراجعت المدرسة المغربية عن جودتها الكمية والكيفية بسبب الأزمات
التي كان يتخبط فيها المغرب سياسيا واقتصاديا وعسكريا واجتماعيا وثقافيا خاصة مع حرب الصحراء،
بله عن الضغوطات الدولية الخارجية التي تتمظهر بكل وضوح في قرارات المؤسسات المالية
 كمؤسسة البنك العالمي ومؤسسة صندوق النقد الدولي.

مرحلة الإصلاح التربوي التي بدأت في أواخر التسعينيات من القرن الماضي وبداية الألفية الثالثة ،
 وقد استهدفت الدولة ضمن هذه المرحلة إنقاذ الوضع التربوي المغربي المتردي
 الذي أصبح لا ينسجم مع شروط ومعايير المدرسة الدولية؛
 يسبب تراجع مستوى التلاميذ والطلبة وانعدام مصداقية الشواهد المغربية،
ولاسيما شهادة البكالوريا التي تراجع مستواها العلمي الحقيقي.
 هذا ما جعل المسؤولين يفكرون في إصلاح التعليم عن طريق إيجاد "الميثاق الوطني للتربية والتكوين"،
 مع الاستفادة من بيداغوجيا المجزوءات وبيداغوجيا الكفايات ورفع شعار الجودة التربوية.
و على الرغم من جدية وأهمية مبادئ" الميثاق الوطني للتربية والتكوين"،
 فلم تتحقق الجودة التي كانت تنادي بها وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر،
 إذ كانت الوزارة تشتغل على تحقيق الجودة الكمية على حساب الجودة الكيفية وهي الجودة الحقيقية و الجودة المطلوبة.
 ولهذا السبب، أفرزت الوزارة مؤسسات تعليمية متعثرة ماديا وماليا ومعنويا،
 تفتقد إلى الجودة العلمية و المشروعية البيداغوجية والمصداقية الأخلاقية. وبالتالي،
 انعدمت الثقة لدى المربين والأسر والإداريين في المدرسة المغربية
التي أصبحت مدرسة لتفريخ العاطلين واليائسين من مستقبل البلاد.
 لذلك يختار الطلبة المتخرجون الهجرة السرية إلى الضفة الأخرى حلا لمشاكلهم وملاذا لوضع نهاية لحياتهم المأساوية
 داخل وطنهم الذي يعج بالمفارقات والتناقضات على جميع الأصعدة والمستويات.

وتستلزم كل هذه المراحل التي تؤرخ لتطور السياسة التعليمية والفلسفة التربوية
 إعادة النظر في النظام البيداغوجي المغربي والتفكير في فلسفات تربوية أخرى
جديرة بإنقاذ المدرسة الوطنية من أزماتها ومشاكلها التي تتخبط فيها من أجل تحقيق جودة حقيقية
وحداثة تقدمية تؤهل المغرب للحاق بمصاف الدول النامية أولا والدول المتقدمة ثانيا.

ومن النظريات التربوية التي نرى أنها كفيلة بإخراج المغرب من شرنقة التخلف والانحطاط
نختار لكم – أيها السادة القراء الفضلاء- النظرية التربوية الإبداعية. فماهو مفهوم هذه النظرية؟

مفهوم النظرية الإبداعية:

تشتق كلمة الإبداعية من فعل بدع وأبدع .
فبدع الشيء" يبدعه بدعا وابتدعه - في " لسان العرب" لابن منظور- بمعنى أنشأه وبدأه. وبدع الركية:
 استنبطها وأحدثها. وركي بديع: حديثة الحفر، والبدعة: الحدث وما ابتدع من الدين بعد الإكمال.
وفلان بدع في هذا الأمر أي أول لم يسبقه أحد. وأبدع وابتدع وتبدع: أتى ببدعة.
والبديع: من أسماء الله تعالى. والبديع: بمعنى السقاء والحبل. والبديع: الزق الجديد والسقاء الجديد.
 وأبدعت الإبل كبركت في الطريق من هزال أو داء أو كلال.يقال:أبدعت به راحلته إذا ظلعت.
ويقال أبدع فلان بفلان إذا قطع به وخذله ولم يقم بحاجته. وأبدعت حجة فلان أي بطلت حجته أي بطلت.
وبدع يبدع فهو بديع إذا سمن. وأبدعوا به: ضربوه. وأبدع بالسفر وبالحج: عزم عليه".

وتدل كلمة الإبداعية Créativité في القواميس الأجنبية على القدرة على الإبداع
 والاختراع والتجديد والإنشاء والتأليف والتكوين والتأسيس والإخراج والخلق.
 ومن أضداد الإبداع في هذه القواميس التقليد واللاوجود والهدم والتخريب والنقل والنفي.

ويفهم من خلال هذه الدلالات اللغوية الاشتقاقية أن الإبداعية تدل على الخلق والاختراع
والاكتشاف والتجديد والتحديث وتجاوز التقليد والمحاكاة إلى ماهو أصيل وبناء وهادف.

ومن هنا، فالإبداعية هو فعل الإنشاء وخلق أشياء جديدة وبلورة تصورات
وأفكار ومشاريع أخاذة قائمة على اختراع مفاهيم جديدة وابتكار مناهج
وطرائق حديثة في التعامل مع الظواهر المادية والمعنوية.

وتأخذ كلمة الإبداعية دلالات تختلف من حقل إلى آخر، فالإبداعية في التصور الديني هو خلق الله للعالم والإنسان من العدم،
 أي من لاشيء. ومن ثم، فكلمة الإبداعية ترادف الخلق والإيجاد وإنشاء الكون.
 بينما الإبداع في المجال الفقهي هو البدع والمستجدات التي لم يستوجبها الشرع،
فكل بدعة ضالة وكل ضلالة في النار، وأصحاب البدع هم أصحاب المستحدثات.

أما في المجال العلمي، فتعني الإبداعية الاختراع والاكتشاف.
 بينما يقصد بها في مجال الأدب والفن والفلسفة خلق نظريات وتصورات فكرية ومبادئ نسقية جديدة منسجمة وغير متناقضة،
وتأليف نصوص تمتاز بالحداثة والتجديد والانزياح والغرابة والخرق.

ويفهم من الإبداعية في مجال اللسانيات التوليدية التحويلية التي وضع أسسها النظرية
 والتطبيقية الأمريكي نوام شومسكي N.Chomsky خلق جمل لامتناهية العدد بواسطة قواعد متناهية العدد ،
أو تغيير القواعد النحوية وتبديلها:" إن الإنسان ليس مالكا لدولاب اللغة فحسب،
 فعند التحدث لا يكتفي بإعادة الجمل، بل يخلق جملا جديدة ربما لم يسمعها قبل. وبالتالي،
 فالحديث ليس إعادة لجمل سمعت بل هو عملية إبداع ويبدو أن هذا هو المظهر الأساسي الموجود بالقوة.

يقول الفرنسي نيكولا رفيت Nicolas Ruvet:" إنه من الاستثنائي والنادر إعادة الجمل،
 فالإبداع المتفق مع نحو اللغة هو القاعدة في الاستعمال العادي للتحدث يوميا.
 والفكرة القائلة إن الإنسان يملك رصيدا لغويا، ذخيرة من البيانات يأخذ منها كلما استدعت الحاجة لذلك،
 إنما هي خرافة لاتمت بصلة إلى استعمال اللغة كما نلاحظه. ويميز شومسكي بين نوعين من الإبداع:

أ- إبداع يبدل القواعد النحوية وهو خاصية الموجود بالفعل.

ب- إبداع يمكننا من إيجاد عدد لامتناه من الجمل وهو ناتج عن تطبيق القواعد النحوية.
هذا الإبداع يسمى إبداعا محكوما بالقواعد.
ووجوده ممكن بطبيعة القوانين النحوية نفسها التي يمكن لها أن تتوالد إلى مالانهاية .

وعلى هذا المنوال، يصير الموجود بالقوة كمجموعة
مكونة من عدد محدود من القوانين وقادرة على إنشاء عدد لا محدود من الجمل."

مفهوم الإبداعية في مجال البيداغوجيا:

يقصد بالنظرية الإبداعية في مجال البيداغوجيا أن يكون المتعلم أو المتمدرس مبدعا
قادرا على التأليف والإنتاج ومواجهة الوضعيات الصعبة المعقدة بما اكتسبه من تعلمات وخبرات معرفية ومنهجية.
وتتمظهر الإبداعية في الاختراع والاكتشاف وتركيب ماهو آلي وتقني ،
 وتطوير ماهو موجود ومستورد من الأشياء وإخراجها في حلة جديدة وبطريقة أكثر إتقانا وجودة .
 ولابد أن يكون ماهو مطور قائما على البساطة والمرونة والفعالية التقنية والإلكترونية وسهولة الاستعمال.

وتستند الإبداعية إلى الذكاء وامتلاك الكفاءة والقدرات الذاتية التعلمية
 في مواجهة أسئلة الواقع الموضوعي عن طريق تشغيل ما درسه المتعلم واستوعبه في السنة الدراسية
 أو عبر امتداد الأسلاك الدراسية في التكيف مع الواقع والتأقلم معه إما محافظة وإما تغييرا.

وقد تعتمد الإبداعية على تحليل النصوص وتشريحها وتأويلها والقدرة على استنباط معانيها السطحية والثاوية في العمق،
 وقد تتجاوز الإبداعية هذا المفهوم التحليلي النصي إلى تقديم تصورات فكرية نسقية جديدة حول الإنسان والمعرفة
 والكون والقيم تضاف إلى الأفكار الفلسفية الموجودة في الساحة الثقافية.

ويمكن أن تكون الإبداعية هي تجريب نظريات وفرضيات علمية جديدة
 والإدلاء بأطروحات منهجية ومعرفية تسعف الإنسان أو الدولة على استثمارها للصالح العام.

ويمكن أن تكون الإبداعية في مجال الفن هو رسم لوحات تشكيلية ونحت مشخصات تنم عن تصورات حديثة
أو إخراج فيلم أو مسلسل أو مسرحية فيها الكثير من الإضافات الفنية الجديدة.

ومن هنا، فالإبداعية نظرية تربوية تهدف إلى تربية التلميذ وتعويده على الخلق والإنتاج
والإبداع والابتكار والاختراع والتجديد والتطوير والتركيب والتأليف بعد عمليات التدريب والتمرين والمحاكاة،
 وتمثل المعارف السابقة المخزنة في الذاكرة وتفتيقها أثناء مواجهة الوضعيات الجديدة في الواقع الميداني والنظري والافتراضي.

مرتكزات النظرية الإبداعية: 
تتكئ النظرية الإبداعية التربوية على مجموعة من الأسس والمرتكزات ،
 ومن أهمها: السعي الدائم وراء التحديث والتجديد وتفادي التكرار واستنساخ ماهو موجود سلفا ، وتجنب أوهام الحداثة الأدونيسية،
 واعتماد حداثة حقيقية وظيفية بناءة وهادفة تنفع الإنسان في صيرورته التاريخية والاجتماعية.
 ولن تتحقق هذه الحداثة إلا بالتعلم الذاتي وتطبيق البيداغوجيا اللاتوجيهية أو المؤسساتية ودمقرطة الدولة وكل مؤسساتها التابعة لها.
 ويعني هذا أن البيداغوجيا الإبداعية لن تنجح في الدول التي تحتكم إلى القوة والحديد وتسن نظاما ديكتاتوريا مستبدا؛
 لأن الثقافة الإبداعية هي ثقافة تغييرية راديكالية ضد أنظمة التسلط والقهر.

ولايمكن الحديث أيضا عن النظرية الإبداعية إلا إذا كان هناك تشجيع كبير لفلسفة التخطيط والبناء
وإعادة البناء والاختراع والاكتشاف وتطوير القدرات الذاتية والمادية من أجل مواجهة كل التحديات .

ومن الشروط التي تستوجبها النظرية الإبداعية الاحتكام الدائم إلى الجودة الحقيقية كما وكيفا،
 والتي لايمكن الحصول عليها إلا بتخليق المتعلم والمواطن والمجتمع بصفة عامة.
 ويعد الإتقان من الشروط الأساسية لماهو إبداعي؛ لأن الإسلام حث على إتقان العمل وحرم الغش والربح الحرام.

ولابد من ضبط النفس أثناء التجريب والاختبار وتنفيذ المشاريع العلمية والتقنية،
 والتروي في إبداعاتنا على جميع الأصعدة والمستويات والقطاعات الإنتاجية،
 والاشتغال في فريق تربوي والانفتاح على المحيط العالمي قصد الاستفادة من تجارب الآخرين،
والمساهمة بدورنا في خدمة الإنسان كيفما كان. ومن هنا، لابد أن يكون التعليم الإبداعي منفتحا على محيطه
 وفي خدمة التنمية المحلية والجهوية والوطنية والقومية والإنسانية.

وترفض النظرية الإبداعية التقليد والمحاكاة العمياء والاتكال على الآخرين واستيراد كل ماهو جاهز،
 واستبدال كل ذلك بالتخطيط المعقلن وإنتاج الأفكار والنظريات عن طريق التفكير في الحاضر والمستقبل،
وتمثل التوجهات البرگماتية العملية المفيدة ، ولكن بشرط تخليقها لمصلحة الإنسان بصفة عامة.

هذا، وينبغي أن ينصب الإبداع على ما هو أدبي وفني وفكري وعلمي وتقني ومهني وصناعي
في إطار نسق منسجم ومتناغم لتحقيق التنمية الحقيقية والتقدم والازدهار النافع لوطننا وأمتنا.

ومن المعلوم أن الدول الغربية لم تتقدم إلا بتشجيع الحريات الخاصة
والعامة وإرساء الديمقراطية الحقيقية وتشجيع العمل وتحفيز العاملين ماديا ومعنويا.
ومن ثم، تعتبر النظرية الإبداعية فكرة التشجيع والتحفيز
 وتقديم المكافآت المادية والرمزية من أهم مقومات البيداغوجيا العملية الحقيقية،
 ومن أهم أسس التربية المستقبلية القائمة على الاستكشاف والاختراع. .

المرجعيات النظرية التي تعتمد عليها البيداغوجيا الإبداعية:

تستوحي البيداغوجيا الإبداعية مرتكزاتها النظرية والتطبيقية من نظرية اللسانيات التوليدية التحويلية
التي ركزت كثير على الإبداعية اللغوية على مستوى الإنجاز وتوليد الجمل اللامتناهية العدد
 من خلال قواعد نهائية ومحددة واستعمالها بشكل إبداعي متجدد.
 كما تعتمد النظرية الإبداعية على بيداغوجيا الأهداف والكفايات والمجزوءات
ونظرية الجودة التربوية وتبني مبادئ التربية الحديثة والمعاصرة مع تمثل الفلسفة البرگماتية المخلقة
 وتنفيذ مقررات الحياة المدرسية والتنشيط التربوي.

ومن جهة أخرى، تستلهم هذه النظرية التجارب التربوية في الدول الغربية المتقدمة
التي تربط المدرسة والتعليم بالممارسة العملية وسوق الشغل والبحث العلمي والاختراع الآلي،
والتقني وتقرنه كذلك بالتنمية والتقدم والازدهار.

فلسفة البيداغوجيا الإبداعية وغاياتها:

تهدف البيداغوجيا الإبداعية إلى تكوين مواطن صالح يغير مجتمعه
ويساهم في تطويره والرفع من مراتبه كما يساهم في الحفاظ على كينونة أمته ومقوماتها الدينية،
ويسعى جاهدا من أجل تنميتها بشريا وماديا وحمايتها من المعتدين عن طريق الدفاع عنها بالنفس والنفيس،
وإعداد القوة البشرية والعلمية والتقنية من أجل المجابهة والتحصين.

ويعني هذا أن البيداغوجيا الإبداعية نظرية تعمل على تكوين جيل من المتعلمين
 يمتلك العلم والتكنولوجيا والقدرات الكفائية في جميع التخصصات من أجل تسيير دفة المجتمع وتوجيهه الوجهة الحسنة والسليمة،
مع تحلي هذا الجيل بالأخلاق الفاضلة التي تؤهله لخدمة المجتمع والوطن والأمة على حد سواء.

ومن أهداف البيداغوجيا الإبداعية العمل على خلق مدرسة عملية نشيطة يحس فيها التلميذ بالحرية والخلق والإبداع .
 وبالتالي، تتحول هذه المدرسة إلى ورشات تقنية ومقاولات صناعية ومختبرات علمية
ومحترفات أدبية و قاعات فنية من أجل المساهمة في الاقتصاد الوطني والعالمي .

ولابد أن يتعود التلميذ في هذه المدرسة على التحكم في الآلة وتفكيكها وتركيبها وتطويرها ،
واختراع آلات جديدة لتنمية الاقتصاد وتحديث الصناعة الوطنية
على غرار المدارس الآسيوية في دول التينينات أو اليابان أو المدارس الغربية.

ولايمكن أن نخلق تلميذا مبدعا إلا إذا كانت الإدارة وهيئة التعليم والإشراف تتوخى التغيير والإبداع وتهوى التنشيط،
ولها الرغبة الحقيقية في العمل الهادف المتنامي
والقدرة على المساهمة في البناء والخلق والتطوير والتجديد من أجل تحقيق الأهداف الوطنية والقومية.
 ولا يمكن كذلك أن نحصل على هذه الشرائح المبدعة الراغبة في الخلق والتطوير والتحديث
 إلا إذا حسنا أوضاعها المادية والمالية وحفزناها معنويا وشجعناها،
ووضعنا كل شخص في مكانه المناسب اعتمادا على معايير العمل والعلم مع إبعاد الترقية بالأقدمية
والاختيار التي تسيء إلى الفلسفة الإبداعية وبيداغوجيا الخلق والتجديد.

الإجراء العملي للبيداغوجيا الإبداعية:

لتحقيق البيداغوجيا الإبداعية لابد من المرور بمراحل أساسية
 حسب مسار التعلم وتعاقب أسلاك المدرسة من المستوى الابتدائي حتى المستوى الجامعي.

تبدأ البيداغوجيا الإبداعية منهجيا بالتقليد والمحاكاة والتدريب والتمرين
وتمثل ماهو جاهز سلفا في الأسلاك الدراسية الأولى بشكل مؤقت،
لننتقل بعد ذلك إلى مرحلة التركيب وإعادة الإنتاج والتوليد والتجريب في الأسلاك الدراسية المتوالية،
 لننتقل بعد ذلك إلى مرحلة الإبداع والخلق والتجديد والتحديث والانزياح والاستقلال بتصورات ومشاريع علمية
وتقنية وفنية وأدبية جديدة لها مواصفات الملكية القانونية والإبداعية.
وتنتهي هذه المراحل بالتطبيق وإنجاز المشاريع الإبداعية إجرائيا
وواقعيا في الميدان وربط ماهو نظري بالممارسة والتطبيق الفوري.

وعليه، تعتمد البيداغوجيا الإبداعية على المراحل التالية:

مرحلة التقليد والمحاكاة والتدريب؛

مرحلة التجريب والتركيب وإعادة البناء؛

مرحلة الخلق والإبداع والتجديد والتحديث؛

مرحلة التطبيق والإنجاز والممارسة الميدانية.

وتستلزم البيداغوجيا الإبداعية أثناء وضع المقررات والمناهج
والبرامج الدراسية أن تحترم هذه المراحل والخطوات البيداغوجية والديداكتيكية.
ولابد كذلك من تمثل مبادئ الحياة المدرسية وإيقاع التنشيط المدرسي
وتغيير استعمالات الزمن لتواكب هذه النظرية وتأهيل الأطر التربوية والإدارية
وأطر الإشراف لتكون في مستوى هذه النظرية البيداغوجية الجديدة.

وننبه المسؤولين عن قطاع التربية والتعليم أن هذه النظرية
 لايمكن أن تنجح إلا إذا شيدت مدارس الورشات والمختبرات والمحترفات،
 أي لابد أن تكون المدرسة نظرية وتطبيقية تجمع بين ماهو نظري وماهو مهني وعملي ،
وتكون بمثابة ورشة تقنية ومختبر علمي وقاعة للفنون والآداب ومتحف لعرض المنتجات الفنية
ومسبح لتعلم السباحة وقاعة للرياضة البدنية لخلق أجيال رياضية تساهم في رفع راية الوطن في أعالي السماء.

ومن هنا، فلابد أن يكون الإبداع شاملا ومترابطا ومتناسقا، ولابد أيضا من بناء مؤسسات تربوية خاصة
بالمتفوقين والأذكياء والعباقرة كما هو الشأن في الدول الغربية وفي روسيا نظرا لما لهؤلاء من قدرات خارقة
 يمكن استغلالها في اختراع الأسلحة المتطورة وإنتاج النظريات العلمية والأدبية والتقنية من أجل تحقيق التقدم والازدهار.

وينبغي أن تكون المقررات الدراسية عبارة عن وضعيات مقلقة وصعبة ذات مصداقية عملية وعلمية وواقعية
وذات أهداف مفيدة ونافعة في الحاضر والمستقبل.

خاتمــــة:

ويتضح لنا في الأخير بعد هذا العرض النظري الوجيز أن البيداغوجيا الإبداعية
هي نظرية تهدف إلى بناء مستقبل تربوي حداثي قائم على الخلق والتطوير والإبداع والاكتشاف والخلق
 بعد المرور الضروري من مرحلة التقليد والمحاكاة والتدريب،
وكل ذلك من أجل خلق مجتمع متنور كفء قادر على مواجهة التحديات الموضوعية
والواقعية والدولية على جميع الأصعدة والمستويات والقطاعات الإنتاجية.
بيد أن هذه النظرية التربوية الإبداعية لايمكن أن تحقق ثمارها المرجوة
إلا في مجتمع العمل والحريات الخاصة والعامة والديمقراطية المتخلقة .

ولايمكن تطبيق هذه البيداغوجيا الجديدة إلا إذا أسسنا مدارس الورشات والمختبرات والمحترفات،
وعودنا المتعلم/ المتمدرس على حب الآلة والفن والتجريب العلمي وتطبيق النظريات ،
 ودربناه على فعل التنشيط التخييلي والرياضي، وساعدناه على تمثل فلسفة المنافسة والتسابق والاختراع ،
 وفعلنا الفلسفة البرگماتية ذات التوجهات العملية والإنسانية والاستكشافية في الحاضر والمستقبل،
وخلقناها دينيا وخلقيا من أجل بناء مجتمع إسلامي مزدهر،
يساهم في التنمية العالمية عن طريق التصنيع وإنتاج النظريات واختراع المركبات الآلية
وتحقيق الاكتفاء الذاتي وتصنيع الأسلحة المتطورة الحديثة لتأمين وطننا وأمتنا من العدوان الخارجي والحفاظ على كرامتنا وأنفتنا،
 بدلا من الذل والضيم اللذين نعيش فيهما اليوم من جراء تخلفنا وانحطاطنا وانبطاحنا التاريخي والخلقي. 



مع تقديري واحترامي لسحر أقلامكم ونزف أفكارها


أخوكم أ. عادل

شارك المقال لتنفع به غيرك


 

  • انشر مواضيعك و مساهماتك بلغ عن أي رابط لا يعمل لنعوضه :[email protected] -0707983967او على الفايسبوك
     موقع الأساتذة على  اخبار جوجل - على التلغرام : المجموعة - القناة -اليوتيب - بينتريست -
  • 1141781167114648139
    http://www.profpress.net/?hl=en