التعليم في قفص الاتهام
بقلم: هشام الرويجل-جريدة الأستاذ
في الحين الذي ترى فيه الفلسفة الكنفوشيوسية في الصين أن
التعليم هو سبيل الرقي و الازدهار و تقدم الشعوب، و مصنع ينتج المواطنين
الصالحين...و في الحين الذي يرى فيه اليابانيون أن التعليم هو الجسر الذي
عبروا فوقه من النظام الإقطاعي إلى النظام الديمقراطي الحداثي... يرى بعض
سارقي الأحلام -في وطني الحبيب-، و بعض المتاجرين في حضارة الأمة و مستقبل
الشعب، أن التعليم في بلادنا قطاع غير منتج مصاريفه أكبر من عائداته و لا
يساهم إلا في الزيادة من طول طابور العاطلين أو المعطلين -ففي ذلك نقاش-
أمام قبة البرلمان.
أكاد أجزم بأنه لا نتيجة ترتجى من وراء التعامل مع قطاع حساس
كقطاع التعليم بالمنطق البراغماتي، أو بمنطق الفلاح الذي يغرس الأرض شتاءا و
يجني المحصول صيفا. حتى و لو قبلنا جدلا بهذا المنطق، فإنه يستدعي، و
بالضرورة، استثمارا فعليا و تدبيرا شريفا خاليا من المزايدات السياسية و
النقابية.
إن إشكالية الإنتاج أو المردودية في قطاع التعليم ليست في
حاجة للنقد اللاذع و التهكم و الضحك على الذقون، بل إنها في حاجة لإرادة
سياسية حقيقية، لكونها إشكالية بنيوية تستدعي التنقيب عن الجذور و ليس رش
الصباغة على القشور أو ما يسمى في ثقافتنا الشعبية "العْكر على الخنونة"
–عذرا-.
نعم، فتدخل الدولة على مستوى المردودية يجب أن يراعي فيها شقين:
المردودية الداخلية: التي تتمثل في العلاقة بين المدخلات
التربوية و أهداف النظام التربوي المسطرة في صورة نتائج. و التي تتم
مقاربتها من خلال مؤشرات معينة كنسب النجاح و التكرار، و تعميم التمدرس،
وسنوات الاحتفاظ بالمدرسة... المردودية الخارجية: و تتمثل في مدى فعالية
منظومة التربية و التكوين لاستجابة الخريجين لسوق الشغل. فهي ترتبط إذن
بعلاقة المخرجات بتلبية متطلبات سوق الشغل.
يجب أن لا ننكر بشكل قطعي مجهودات الدولة في مجال إصلاح
التعليم و التي تمثلت في مجموعة من الإجراءات و التدابير، كإجبارية التمدرس
و التعريب...، و كذا بعض المخططات مثل المخطط الاستعجالي التي رصدت له 30
مليار درهم... إلا أن هذه الإجراءات و التدابير و المخططات لم تجعل من
المغرب سوى استثناءا بين الدول بحيث التكلفة جد مرتفعة و المردودية لا ترقى
للمستوى المطلوب.
إن إشكالية المردودية المتدنية و جحافل العاطلين المحتشدة
أمام البرلمان أو حتى التكلفة المرتفعة...ليست أسبابا كافية تدفع بالبعض
لنعت قطاع التعليم بالقطاع غير المنتج. لأن المشكل في الإجراءات و التدابير
التي تفتقد للملاءمة، و كذا ضعف الإرادة السياسية-إذا لم تخني الفراسة-.
يجب الاستثمار في الرأسمال التربوي كالاستثمار في الرأسمال
المادي أو أكثر، لأن عائدات قطاع التعليم المرتفعة سترفع بشكل مباشر من كل
العائدات الأخرى عن طريق تأثيره المباشر في التنمية البشرية و التنمية
المستدامة و ارتفاع الوعي الصحي و كذا الشعور بالوطنية الحقة التي أصبحت
عملة نادرة في وقتنا الحاضر.