الوزير بلمختار والعنف اللفظي المتكرر في حق رجال ونساء التعليم
ـ نورالدين الطويليع
لا يتردد وزير التربية الوطنية رشيد بلمختار،
كلما سنحت له الفرصة، في تقريع رجال ونساء التعليم، وسومهم سوء العذاب اللفظي، وترويج
صورة مبتذلة عنهم وعن البرامج التعليمية التي يدرسونها، فهم في نظره متخلفون،
فاتهم قطار المعرفة التربوية والديداكتيكية، ولا يتوفرون على أي تصور رؤيوي للنهوض
بالمدرسة المغربية ونفض الغبار عنها، ويفسدون عقول الناشئة بتخاريفهم التي لا
تنتهي، ويستهلكون جزءا كبيرا من ميزانية الدولة دون فائدة، إلى غير ذلك من
التوصيفات الصادرة من معجم حربي يجعلنا نشك أحيانا إن كان السيد بلمختار يعي أنه
على قيد الوزارة حاليا، وهو ينفث نيرانه صوب رجالها ونسائها، فلربما ظن الرجل أنه
يمارس المعارضة، وأنه إنما يستهدف باستهدافهم خصومه داخل الحكومة التي لا يتوانى
في التبرؤ منها، وإعلان ما بينه وبينها من بعد المسافة، وهذه من غرائب حكومة
بنكيران التي ننتظر منها أن تعتبر في يوم من الأيام الجزر التعليمية منطقة محتلة خارج نطاق سيطرتها،
وأن تقول في نهاية المطاف للمواطنين عموما، والمدرسين على الخصوص، بأنها غير
مسؤولة عما أقدم عليه مقيمها العام.
انسياب التصريحات البلمختارية يصب في خانة
استراتيجية هدم موغلة في الغموض، لا سيما وأن قذائفها لا تستثني أحدا (مؤسسات
تعليمية، مناهج تربوية، مدرسون)، ولا تخطأ أهدافها، بل تصيبها بدقة متناهية، ولعل
ما صرنا نراه من تردي الوضع وسوء الأحوال التربوية، وانتشار الفوضى داخل الفصول
الدراسية، وانتقال المدرس من منشط ووسيط للمعرفة إلى إنسان مقهور مؤطر بالهاجس
الأمني والرغبة في تمضية ساعات عمله بدون خسائر، لهي نتائج مباشرة لهذه الحرب التي
يقودها قائد الثكنة التربوية ضد جنوده المغلوبين على أمرهم، الذين صاروا حديث
العام والخاص، وتحولوا إلى مادة دسمة تلوكها الألسن في المقاهي والمجامع العامة،
وتتحدث عنها بكثير من الازدراء، وبقليل من الشفقة، وانتقل الصدى إلى أوساط
التلاميذ، فلم يعد المدرس بالنسبة إليها ذلك الرسول الذي يتوجب عليهم توقيره
وتعزيره وتبجيله، بل أصبح موضوعا لمقالبهم التي يستدرجونه من خلالها لإسقاطه في فخ
النرفزة وفقدان التوازن العصبي داخل الفصل، واتخاذ الموقف لعبة مسلية عبر مواقع
التواصل الاجتماعي، بعد الظفر بتوثيقه عن طريق هواتفهم النقالة، كما أصبح رأسه
مطلوبا حيا أو ميتا من لدن الغاضبين، إلى درجة الاعتداء عليه بالسلاح الأبيض، في
الوقت الذي تكتفي فيه وزارة بلمختار بتلقي التقارير، وتتركه يواجه مصيره وجها لوجه
في مخافر الشرطة وقاعات المحاكم.
لقد كان حريا بالسيد بلمختار أن يعرض عن نهج
عرض غسيل المنظومة التعليمية بهذه الطريقة التي تجعله يقض قمصان رجال ونساء
التعليم من دبر، غير آبه لما قد يثيره في حقهم من سخرية، ومن تأثير سلبي على
العملية التعليمية التعلمية برمتها، فمرسل الخطاب الذي هو المدرس، إذا لم يحط
بهالة الاحترام فلن تكون للمعرفة التي يقدمها أي فائدة في نظر المتعلم، حيث ستفقد
القدرة على الغواية، مادام صاحبها ساقطا من دائرة الاعتبار.
نتفق جميعا أن هناك خللا كبيرا يعتور
المنظومة التعليمية ككل، ولا يمكننا أن نحجب الشمس بالغربال، وندعي أن "العام
زين"، لكن كان يجب أن يسارع السيد الوزير وطاقمه إلى رتق ثقبها بعيدا عن
الأنظار، والخيارات هنا كثيرة ومتعددة ( تكوين مستمر، إصلاح المناهج، إنذار
المتهاونين والوقوف على أسباب تهاونهم، توفير الوسائل التكنولوجية الحديثة...)،
أما ترك الأمور على ماهي عليه، أو زحزحتها
قليلا، والاعتماد على الخرجات الإعلامية المدوية بذريعة الصراحة والمكاشفة، فهو لا
يعدو أن يكون هروبا إلى الأمام، سيساهم لا محالة في تسريع تشييع المدرسة المغربية
العمومية إلى مثواها الأخير، وحينئذ سيعلم الذين انخرطوا في هذه الحرب أي منقلب
سينقلبون، لأنهم لن يستطيعوا أن يكونوا في معزل عما يقع، ولن يمر تخريب الوضع دون
أن ينال منهم بدورهم.