نص كلمة الأستاذ عمر عزيمان، رئيس المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، في افتتاح أشغال الدورة السابعة للمجلس
الثلاثاء 12 ماي 2015
الثلاثاء 12 ماي 2015
باسم الله الرحمان الرحيم
حضرات السيدات والسادة أعضاء المجلس،
خلال شهر يوليوز الماضي، وأثناء حفل
تنصيب مجلسنا، تشرفت باسمكم جميعا، بإلقاء كلمة بين يدي جلالة الملك، عبرت من
خلالها عن شرفنا العظيم بالثقة الملكية، وعن وعينا التام بجسامة المسؤولية، وعن
عزمنا القوي على العمل الجاد من أجل الإسهام في إصلاح المدرسة المغربية.
وقلت في
نفس الكلمة، بأننا نلتزم، في إطار الوقفة مع الذات، بالقيام بتشخيص كل التعثرات التي تخللت تطبيق الميثاق
الوطني للتربية والتكوين، بغية
بلورة رؤية استراتيجية لإصلاح حقيقي للمدرسة المغربية، يتم رفعها إلى جلالة
الملك في أفضل الآجال.
وبعد
انصرام عشرة أشهر، يحق لنا اليوم أن نعتز بالوفاء بهذا الالتزام، وأن نهنئ أنفسنا على
نجاحنا في رفع هذا التحدي الجسيم.
منذ الصيف الماضي، عملنا بدون انقطاع،
ولم ندخر جهدا، وعشنا هذه الفترة بما تخللها من أخذ ورد، ومن حالات الرضا والاستحسان،
واجتزنا في مقابل ذلك لحظات موسومة بالقلق والتوتر اللذين يواكبان البحث الحثيث عن
الحلول الناجعة. وكانت هذه الفترة بما لها وما عليها فرصة لنا جميعا للتعلم والاستفادة
المتبادلة. وقد تعلمنا الكثير من بعضنا البعض.
وإذا كنا
قد نجحنا في اجتياز صعوبات هذه المرحلة، دون أن يغيب عن نظرنا هدفنا الأسمى، فقد
تحقق ذلك دون شك، بفضل إسهام كل واحد منكم بوعي وتبصر بلبنة في بناء صرح رؤية
واعدة، قوامها المزاوجة بين الخبرة والمعرفة والمسؤولية، وبين انشغالكم النبيل
بقضايا المدرسة المغربية.
ولقد
أثمر تقدمنا في هذا النهج كـما وازنا من الأفكار والاقتراحات والدراسات والتحليلات.
كما بذلت اللجان الدائمة جهودا جديرة بالتقدير والتنويه، ونجحت، في بلورة مساهمات مثمرة ومهيكلة،
تم إغناؤها بنتائج مداولات الجمعية العامة، مشكلة بذلك، الأساس الذي ارتكز عليه
بناء الرؤية الاستراتيجية للمجلس.
في ذات المنحى، استطاعت لجنة
التنسيق أن تحصن سيرورة إعداد هذا المشروع من التكرار وهدر الجهد، وأن تضمن
التقائية أعمال اللجان، وقدمت بالتالي إسهاما ثمينا في بلورة هذه الرؤية
الاستراتيجية.
أما مكتب المجلس، فقد انكب،
منذ البداية، على تحديد منهجية الاشتغال على هذه الرؤية الاستراتيجية، التي
جرت فيما بعد المصادقة عليها من قبل الجمعية العامة، وعمل بانتظام على تعزيز
ومواكبة عمل المقرر العام في مختلف مراحله.
عقب ذلك، جاء الدور الحاسم للمقرر العام الذي أخذ على عاتقه مهمة
دقيقة، تتمثل في استثمار مساهمات اللجان الدائمة وغيرها من المرجعيات والرصيد المتوافر
لدى المجلس، وتركيزها في وثيقة موحدة ومنسجمة، تمت بلورتها في صيغة نص تركيبي مهيكل،
شكل أساس مضمون رؤية استراتيجية على المدى الطويل، قوامها بنية متينة، يتخللها نفس
قوي، في تمفصل ذكي مع أفكار موسومة بالوجاهة، واقتراحات مجددة وتغييرات عميقة.
ومواصلة من المكتب لمهمته في تتبع ومواكبة إعداد هذا المشروع، فقد خصص
عدة اجتماعات لبلورة تصور متقاسم وسديد لبعض القضايا الإشكالية، وعلى الخصوص،
مسألة تعلم اللغات والتدريس بها؛ والتعليم والتكوين الخاص؛ والتمويل؛ وجوانب من
مهن التدريس والتكوين.
وأعقب ذلك، تدارس المكتب في اجتماعين مطولين للصيغة الأولى لمشروع
الرؤية بعد استكمال إعدادها من قبل المقرر العام، ثم الصيغة المعدلة التي خلص إلى
اعتمادها، واعتبارها جاهزة للإحالة على الجمعية العامة.
حضرات السيدات والسادة
لقد تأتى إنجاز هذا العمل بفضل حسن إرادتكم وإخلاصكم جميعا، ولكن أيضا بفضل
التزام كل واحد بمتطلبات المنطق المؤسساتي والتنظيمي للمجلس، وكذا بمستلزمات العمل
الجماعي، الذي يقتضي أولا، أن نترك جانبا آراءنا الشخصية كلما اهتدينا إلى إيجاد
أفكار أفضل، مما يستدعي التضحية بالذاتيات للدفع قدما بالتفكير الجماعي إلى
الأمام، واستبعاد كل ما هو ثانوي، لاستهداف ما هو أساسي.
كل ذلك
أصبح ممكنا بفضل الإرادة الجماعية الرامية إلى إنجاز عمل نافع، والاقتناع المتقاسم
بأن ضرورة إنقاذ المدرسة يجب أن يكون فوق كل اعتبار آخر، شخصيا كان، أم فئويا، أم
سياسيا، أم إيديولوجيا.
من ثم،
فقد عرفنا كيف نحصن هذا المشروع من أي نوع من المزايدات، ولم يحركنا في ذلك لا دافع
الإثبات بأننا على حق، ولا هاجس الانتصار على خصم مفترض؛ بل، وبالدرجة الأولى، حرصنا
على أن يستند عملنا إلى وازع الاقتناع والتقاسم، وذلك من أجل المصلحة الفضلى للمدرسة
المغربية، ولمستقبل البلاد.
إن روح التعاون البناء هاته، ليست فطرية أو طبيعية، بل هي ثمرة مجهود
ذاتي، وتعلم شاق. وبذلك يحق لنا أن نسعد بكوننا نجحنا في القيام بهذا المجهود. ونحن
اليوم نجني الثمار الأولية لهذا العمل الوازن.
إن الرؤية الاستراتيجية المطروحة للنقاش اليوم، تنبني على ثلاثة مرتكزات
تشكل غايات استراتيجية كبرى، وهي بناء مدرسة جديدة للإنصاف وتكافؤ الفرص، والجودة
للجميع، والاندماج الفردي والارتقاء المجتمعي:
-
إن
مدرسة الانصاف وتكافؤ الفرص تمر عبر تحقيق مجموعة من القطائع والتغييرات، الهادفة إلى
تعميم تعليم أولي إلزامي، وإعمال تمييز إيجابي لفائدة المدرسة القروية، ومحاربة
الانقطاع الدراسي والتكرار، وضمان ولوج الأطفال في وضعية إعاقة للتربية، وإرجاع
الثقة، والرفع من قدرة المدرسة على التفاعل مع محيطها.
-
ومدرسة
الجودة للجميع، تتحقق بمجموعة من السياسات المجددة، تروم إعادة التفكير في تأهيل
مهن التعليم، وإعادة النظر في التنظيم وبوجه خاص في الطرائق البيداغوجية، وفي
البرامج، وتوضيح الخيارات اللغوية، وإرساء حكامة جديدة، والارتقاء بالبحث العلمي
والابتكار.
-
أما
مدرسة الاندماج الفردي والارتقاء المجتمعي، فتظل رهينة باعتماد سياسات مركبة، تصب
جميعها في اتجاه تفتح تلاميذ وطلبة المنظومة التربوية، واندماجهم الفعال في مجتمع
المواطنة والديمقراطية، وفي الاقتصاد وسوق الشغل، وإسهامهم في التنمية الاقتصادية
والاجتماعية والثقافية للبلاد، وفي ترسيخ مجتمع المعرفة.
حضرات السيادات والسادة،
من الوهم الاعتقاد بأن مجرد التوفر على رؤية جيدة بإمكانه رفع التحدي (كما
أثبتت ذلك الإخفاقات المختلفة التي وقف عليها تقييم تطبيق الميثاق)؛ لذلك، من
الضروري أن تتضمن هذه الرؤية مستلزمات التفعيل الأمثل؛ وهذا بالضبط ما يقترحه المشروع موضوع التداول اليوم، في جزئه الرابع
والأخير، الذي تم تخصيصه لشروط إنجاح الإصلاح وقيادة التغيير؛ قيادة يجب أن تقوم
على:
§
تعبئة شاملة تضع الإصلاح في قلب انشغال الأمة،
والجهة، والإقليم، والجماعة، والحي والأسرة على السواء؛ ذلك أن المدرسة اليوم
مؤسسة تحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى دينامية للدعم الجماعي المتواصل؛
§
إرساء آليات وموارد وتدابير مبتكرة كفيلة
بالمزاوجة بين ضمان اضطلاع
المدرسة بمسؤوليتها ووظائفها على النحو الأمثل، وبين تتبع وتقييم أي اختلالات قد تعتري تطبيق رافعات
التغيير، بما يتيح اتخاذ الإجراءات الضرورية من أجل تصحيحها، أو ملاءمتها في الوقت
المناسب.
في ضوء ذلك، سنتداول اليوم إذن في مشروع رؤية استراتيجية تزاوج، على
نحو خلاق، بين ترسيخ المكتسبات كلما أمكن،
وبين نهج سبيل التجديد كلما اقتضى الأمر ذلك، من أجل الانبثاق التدريجي لمدرسة
جديدة؛ مدرسة أكثر إنصافا وإدماجا؛ مدرسة تتجاوز التفاوتات التي تنخر المنظومة
التربوية حاليا وتعيد الثقة المفقودة؛ مدرسة تستجيب للانتظارات المشروعة للأسر
وحاجات الشباب وتطلعات المجتمع؛ مدرسة أكثر طموحا وقدرة على دعم خيارات المغرب
والسير بها قدما من أجل تكريس الثوابت، وترسيخ سيرورة تحديث المجتمع ودمقرطته، في
إطار دينامية التنمية البشرية والمستدامة، وتعزيز التماسك الاجتماعي.
غير أن هذا
لا يعني البتة أن الرؤية التي سنتداول في شأنها هي رؤية مستوفية، بل إن الأمر يتعلق بمشروع رؤية قابلة
للتغيير والتطوير، وإنني واثق من أن هذه الدورة سوف تسمح بتدقيق وتطوير
المشروع الذي بين أيديكم، وتصحيحه، واستكماله، وتعميقه، وإغنائه؛ وبأن هذا المشروع
في أمس الحاجة إلى إسهام كل واحد منكم، وإلى القيمة المضافة الأكيدة لجمعنا هذا.
ويجدر القول بأن عملنا لن ينتهي بإغناء
المشروع والمصادقة عليه من قبل الجمعية العامة، بل يدشن لبداية مسلسل جديد.
-
إذ يتعين علينا، بعد اعتماد الرؤية
الإستراتيجية، تعميق الدراسة خلال مدى زمني كاف، في بعض القضايا الجوهرية التي تستدعي
المزيد من البحث والتحليل من قبيل: قضية تمويل المنظومة التربوية، وتمويل الإصلاح،
وتحليل الممارسات التعليمية والتعلمية، وغيرهما.
-
كما أننا مدعوون، علاوة على ذلك، للسير
قدما في تحليل العديد من المواضيع، بغية التأطير الناجع لتطبيق الإصلاح، وتحصينه
من مخاطر الانزلاق أو التعثر.
-
ويتعين علينا أخيرا أن نضمن تتبعا
منتظما لتطبيق هذا الإصلاح وتقييما دقيقاً وعلمياً لنتائجه، قصد التأكد من حسن
سيره.
هكذا، فنحن اليوم بكل تأكيد في لحظة
قوية ومنعطف حاسم؛ لحظة ليست سوى بداية لسيرورة طويلة ستمتد على مدى سنوات، وستفضي،
بعد مضي فترة من الزمن، إلى انبثاق مدرسة في مستوى الانتظارات والطموحات.
حضرات السيدات والسادة،
أتمنى أن تكون هذه الرؤية محط تعاقد جديد ومتجدد بيننا جميعا داخل
المجلس، تمهيدا لجعلها موضوع تعاقد مجتمعي أوسع، كفيل بإنجاح الإصلاح
المأمول.
والسلام عليكم ورحمه الله تعالى وبركاته.
0 تعليقات
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.