ممارسة التدريس:13-لغة التلاميذ
الأستاذ توفيق بنعمرو
أستاذ مادة الرياضيات بالثانوي التأهيلي
يتواصل التلاميذ فيما بينهم بلغة خاصة، حسب مستواهم
الدراسي و محيطهم الاجتماعي و الثقافي. و هذه اللغة تتغير مفرداتها و يتغير منطقها
و تركيبها كل حين و حين، و قد تتغير كل سنة بفعل التطورات المتسارعة و
التغييرات الكبيرة التي طرأت و تطرأ على تركيبة المجتمع و طرق التواصل
المعلوماتية، و التي أصبحت مؤثرة بشكل كبير على عقول الناشئة و تركيبتهم و متحكمة
بشكل كبير في تواصلهم و أشكال تواصلهم.
و الممارس للتدريس تزداد عبر السنوات
الفوارق العمرية بينه و بين تلامذته و يبتعد عن لغتهم و منطقهم دون أن ينتبه لذلك
( في الغالب ) و يفترض أن لغتهم هي نفسها التي كان عليها عندما كان في سن التمدرس
أو هي نفسها التي صادفها في السنوات الأولى لممارسته للتدريس.
و كلما ابتعد عن هذه اللغة و عن
متغيراتها و لم يقترب من مفرداتها و تركيبتها و لم يجدّد تعرّفه على مستجداتها
سيصعب عليه التواصل الفعال المجدي، و إيصال أفكاره بالشكل الصحيح، و سيبني حائطاً
صاداً مانعاً بينه و بينهم يحكي وراءه دون جدوى.
فالتعرف عليها و مسايرتها و مواكبتها
تفيد في تجديد طرق التدريس و طرق إيصال الفكرة و طرق الشرح و الأهم من ذلك الإقناع
الذي هو ركيزة أساسية معينة في الممارسة الناجحة السعيدة للتدريس، فكلما اقتنع
التلميذ بأستاذه كلما كان إنصاته له أكثر.
و هذه اللغة التي نتحدث عنها تشمل
مصطلحات و كلمات التحاور و التواصل بينهم و التي تتغير و تتبدل سواء كانت مصطلحات
لغوية سليمة أو رموز تفيد معاني معينة أو كلمات سوقية تتداول في الأحياء و بين
المراهقين،
و تشمل كذلك منطق التواصل و كيف يفهم بعضهم الآخر و كيف يفهمون من الآخرين، فحاليا
مثلا القدرة على التركيز تغيرت و لا يمكنهم تتبع جمل طويلة في الشرح و الكلام
الكثير، بل ما يقدرون عليه هو جمل مختصرة مركزة مباشرة دون دعوة للاستنباط أو
التركيب، فكل شرح مطول مستمر يفقدهم القدرة على التتبع و هذا لم يكن ساريا منذ عشر
سنوات أو أكثر.
و تشمل كل مستجدات التواصل المعلوماتي
و الذي أحدث لغة خاصة بتركيباتها و مفرداتها و مختصرات جملها، و كذا تأثير
الحركة عن الجامد و تأثير المُشاهَد عن المسموع، فكثرة استعمالهم للشاشات الذكية
في الهواتف و مشتقاتها جعلت تأثير الحركة و تأثير المُشاهد أكثر من تأثير ما
يُسمع.
إن تعرف الممارس للتدريس على هذه الأشياء، و استحضار أهمية
مواكبتها يقرّبه أكثر من مجتمع التلاميذ الذين يدرّس لهم و لا يبقيه في برج عالي
يلقي منه المعلومات و المعارف دون إدراك بمدى تلقّفهم و تفاعلهم معها، كما
أن تعرفه عليها يتيح له إيجاد الوسائل الفعالة لإيصال رسالته في خضمّ هذه
المتغيرات الكثيرة و زحمة ما يشغل التلاميذ عن دراستهم.
قد تُتاح للأستاذ أن يسمع تحاور تلامذته فيما
بينهم و طرق تواصلهم دون أن ينتبهوا لحضوره و هنا سيتعرف على عالم خاص قد يكون
جديداً
بشكل كامل عنه، و قد يمحي الصورة النمطية التي كانت عنده عنهم، كما أن إطلالةً على
ما يدور في النّت بينهم تؤكد ما أسلفنا ذكره من اهتمامات خاصة متجددة و كلمات
غريبة و منطق خاص و علاقات مركّبة و تصور خاص عن العالم و المحيط العائلي و محيط
مؤسسة التدريس و الأساتذة، فكيف ينظرون إلى مدرّسيهم مجال كبير آخر يدخل في تركيبة
لغتهم الخاصة.
جميع مواضيع الاستاذ توفيق بنعمرو حول ممارسة التدريس من هنا
0 تعليقات
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.