النفس و التغيير وأشياء أخرى !
جواد مطعي 04/12/2015
صحيح أن إصلاح أي نظام تعليمي يمر عبر رؤية شمولية منسجمة, يتناغم فيها ما هو تربوي بما هو سياسي بما هو اقتصادي. لكن لا يمكننا تبخيس الشق النفسي على اعتبار
أنه يشكل حجر الزاوية في أي تغيير, مصداقا لقوله تعالى :
((إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَابِأَنفُسِهِمْ))[الرعد:11]
على هذا الأساس فإن أي إرادة الإصلاح
تحتم إصلاح الإرادة و التي لا تتحقق إلا
عبر تهذيب النفس و تطويعها و تخليقها .
إن فكرة التغيير تنطلق أولا من تغيير أفكارنا اتجاه أنفسنا , ثم اتجاه الآخر و العالم .فمشكلتنا تكمن في كوننا أصبحنا نحب الشيء و
نكرهه في الوقت ذاته , نكره التغيير و نعشقه . فنظل نمني النفس أن تبقى
الأمور كما هي بحيث تغدو على نحو أفضل .
يحز في نفسي سوء أحوالنا و ما آلت إليه أوضاعنا , لكن لماذا تأخر تعليمنا و
تقدم تعليم الغرب ؟ألم يكن أسلافنا
الأسياد و هم الأتباع ؟ألم نكن نحن الرأس و هم الذيل ؟ألم يكن للحضارة العربية أثر
بالغ في وضع أساس الحضارة الحديثة فعم خيرها الإنسانية جمعاء ؟ألم يتسيد جابر بن
الحيان الكمياء و الخوارزمي الرياضيات و
ابن سينا الطب و ابن الهيثم الفزياء و ابن خلدون علم الاجتماع؟ أين نحن من هؤلاء ؟ أين هي عزتنا و كبرياؤنا ؟
يؤسفني و بشدة, القول, أن أحوالنا
لن تستقيم , مادامت هذه المهنة ليست دائما تحقيقا لحلم طفولة غابر, أوتأكيدا
لرغبة جامحة و دفينة , بل أضحت هروبا من
واقع بئيس لدرجة يمكن أن تغدو مهنة من لا مهنة له .
إن أحوالنا لن تستقيم مادام المدرس مدان قبل أن تتبت براءته , ينتقده رعاع
القوم و يستبيح ماله و دمه صفوتهم ,بينما يكرم
المغني و تبجل الراقصة.
إن أي إصلاح حقيقي لن تقوم له قائمة , مادام صناع القرار يقرعون طبول حرب
لن يخوضوا نزالاتها, و يعدون كعكة لن يأكلوا منها, فأبناؤهم يترعرعون في مؤسسات
خاصة راقية و جذابة تعد بمستقبل زاهر, بينما أبناء الشعب تجدهم يلجون مدارس
عمومية سمتها الاكتظاظ و سوء الأوضاع تحول
دون تحقيق الجودة و إنماء الكفايات
الأساسية , فيكفي أن توحد أنظمة التعليم كي نخرج نسبيا من هذه الأزمة , فالكعكة
يجب أن نعدها و نتناولها معا و على طاولة واحدة .
إجمال القول أن الغرب تقدم بعدما أيقن أن إصلاح النفس هو سبيل كل تقدم ,و
أيقن أن الإقلاع الاقتصادي سوف لن يقوم بمعزل عن إصلاح التعليم, فانطلق الإصلاح من
أسفل وأعلى الهرم بدل التنزيل من الأعلى, فروعيت الفروق الفردية ,و كرس حق
الإختلاف ,واعترف بمنطق الخصوصية و الكفاءة , فكان لهم ما أرادوا.
الحقيقة هي أنه تلزمنا أشواط وأشواط للحاق بهم , مادام أن إصلاح نفوسنا و
عزائمنا ليس بالأمر اليسير, بل يتطلب عمل أجيال و أجيال …..
0 تعليقات
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.