رشيد نيني:فيرمة اسمها وزارة التعليم
من أخطر ما قاله رئيس الحكومة في المؤسسة التشريعية هو أنه على علم بتهريب شركات التدبير المفوض للأموال إلى الخارج.
وعوض أن يقوم وزير العدل، بوصفه رئيسا للنيابة العامة، بفتح تحقيق في الموضوع مع رؤساء هذه الشركات، استدعى قاضية ونائبة وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بسيدي قاسم بسبب تدوينة نشرتها على صفحة نادي القضاة اعتبرها بعض البرلمانيين تمس باعتبار المؤسسة التشريعية.
والغريب أن وزير العدل استدعى قاضية للتحقيق بسبب تدوينة في الوقت الذي لم يبادر إلى إحالة أخته على الوكيل العام عندما خرقت القانون بحضورها عملية تنفيذ استرجاع تعاونية «سكاري» للأرز لفائدة رئيسها الذي توفي نتيجة ذلك بغصة في القلب، وعوض ذلك استدعى وزير العدل أخته لبرنامج تلفزيوني للحضور إلى جانب مسؤولين قضائيين.
والظاهر أن السادة الوزراء أصبحوا يعتقدون أن مهمتهم هي تبليغنا بالمخالفات والكوارث التي تقع في قطاعاتهم، وليس القيام بإصلاحها وتحمل مسؤولية ذلك.
فوزير التجهيز يحصي كم قنطرة يحتاجها المغرب عوض بنائها، ووزيره المنتدب في النقل يحصي ضحايا حوادث السير عوض خفضها، ووزير الصحة يخبرنا بالنقص الحاد في الأسرة والأطباء والأجهزة عوض توفيرها، ووزير التعليم بلمختار يخبرنا أن مستوى التلاميذ هزيل جدا وطرق تدريس العربية فاشلة، وكأننا نحن من يتحمل المسؤولية وليس وزارته. ويكفي لكي نتأكد من صحة ما قاله الوزير العودة لما قاله لصحافي «فرانس 24» عندما اعتذر عن الحديث إليه لكونه لا يجيد العربية.
مشهد وزير التربية الوطنية وهو منشغل بهاتفه المحمول وهو يبتسم ليس المشهد الوحيد لعدم الاكتراث واللامبالاة التي تصل حد الاستخفاف الذي تعيشه يوميا وزارة التربية.
لامبالاة الوزير نحو تدخلات ممثلي الأمة ومغادرة الوزير للجلسة دون التعقيب، أمر لا يدعو للاستغراب لأن الرجل لأسباب كثيرة هارب أو متهرب من مسؤولياته باستمرار داخل الوزارة، ليترك القرار لديوان يأمر وينهى في الصادرات والواردات.
فالوزير بقوة القانون يرأس بصفة حصرية المجالس الإدارية للأكاديميات، لكن سعادته يخترع في كل مرة بدعة تفويض أمر ترؤس هذه المجالس للمديرين المركزيين دون سند يذكر، في الوقت الذي يتولى أمر وزارة التعليم المدرسي وزيران ونفس العدد بالتعليم العالي مناصفة بين وزير ووزيرة. كل هذا العدد الهائل من الوزراء لم يسعف تعليمنا أن يتخلص من المزاجية والأنا المتضخمة لدى وزرائه وأن يتعافى من أمراضه التي تزيد سوءا يوما بعد يوم.
إذا كان القانون ينص على أن المجالس الإدارية تختص بتنمية قطاع التعليم بالجهة، فهل يمتلك المديرون المركزيون داخل وزارة التربية الوطنية هامشا لاتخاذ القرار الذي يبقى الوزير وحده المسؤول عنه؟ الجواب بالطبع لا.
نتيجة ذلك أن تعامل الوزارة مع المجالس الإدارية يؤدي إلى إفراغها من وظائفها الحقيقية المرتبطة باللاتمركز. ثم من الناحية الاعتبارية ما معنى أن يترأس مدير مركزي اجتماع مجلس إداري لا ينعقد إلا مرتين في السنة، ويضم في عضويته رؤساء مختلف المجالس المنتخبة وعمال الأقاليم والعمالات وممثلي القطاعات العمومية وممثلي الفئات التعليمية وأولياء التلاميذ؟ أليس في ذلك استخفافا بالأدوار التي يمكن أن تلعبها مختلف هذه القطاعات والتنظيمات من باب التعبئة في إنجاح الإصلاح؟
وبمناسبة الحديث عن الأكاديميات، فقد أصدرت الوزارة مؤخرا مذكرتين للانتقال تخص نوابها في الأقاليم ومديري الأكاديميات. أولا لقد تأخر هذا الأمر بشكل كبير وغير مفهوم، وكأن لسان حال الوزارة يقول كم حاجة قضيناها بتركها. فعديدة هي النيابات التي تناوب من باب التكليف على تسييرها ثلاثة نواب في الموسم الواحد نتيجة التقاعد أو الإعفاء أو غيرهما. ثانيا، إجراء الوزارة لحركة انتقالية معناه أنها تعتبر مسؤوليها الإقليميين والجهويين موظفين قامت بتعيينهم دون أن يكون للأمر في الأصل ارتباط بالتباري على مناصب محددة وتقديم ملف يتضمن مشروعا يخص المنصب المتبارى حوله وفق المعطيات الخاصة بالإقليم أو الجهة المعنية.
أما بالنسبة للأكاديميات فالأمر أشد غرابة، فمديروها يديرون مؤسسات عمومية ويتقاضون أجورهم وتعويضاتهم الضخمة من ميزانية الأكاديميات ومنها يقطع كذلك اشتراكهم في التقاعد والتعاضد وغيرها من الصناديق.
إذن ما معنى أن يتقدم مرشح للتباري مثلا على منصب مدير أكاديمية وجدة ثم تقوم الوزارة بنقله إلى طنجة وبعدها إلى فاس؟
ليس من تفسير لما تقوم به وزارة التربية الوطنية إلا أنها فاقدة البوصلة عن الحكامة الرشيدة التي تعتبر أساس التطور والتقدم، شغور منصب أو حذفه يتطلب قانونيا فتح باب التباري من جديد. لكن الوزارة لن تفعل ذلك، فالكل يعلم أن حالها مركزيا منقسم بين ما تبقى من زمن العبيدة وبين من يستقوون بالقرب من ديوان السيد الوزير وبين من يعتبرون أنفسهم أهل الدار الذين دار عليهم الزمن.
وبين الفرق الثلاثة ضاع تعليمنا بسبب التطاحن حول النفوذ. الفريق الأول الذي استقدمته الوزيرة العبيدة ممن لا علاقة لهم لا من قريب ولا من بعيد بعالم التربية وأصولها، حول الوزارة إلى معمل لن تجد فيه مكانا للمفتش أو المبرز أو الباحث أو مستشار التخطيط أو التوجيه أو للمدرس، فكيف لمنظومة أن تسير بدون أهلها؟
لذلك تجد مدير الموارد البشرية القادم من وزارة المالية يتجول بين المراكز مبشرا بإعداده لمصوغة ينوي تقديمها لتكوين أطر الإدارة التربوية وهو يستعد لتحمل مسؤولية كتابة عامة بوزارة لا تمت بصلة لوزارته الأصلية، أو التي يعمل بها حاليا.
وترى مدير الشؤون القانونية، المهندس الإلكتروني، يغتنم الفرصة التي فتحت في وجهه مؤخرا ليعبر عن خواطره في ما يتعلق بمؤسسات التكوين وكأن الأمر مرتبط بالحديث عن ملكية خاصة، حيث صرح بأنه على المراكز الجهوية أن تتبع للأكاديميات أو أننا سنلحقها بالجامعات خاوية الوفاض.
عملية الإلحاق التي يهدد بها مدير الشؤون القانونية ليست جديدة في تفكير بعض مسؤولي الوزارة لسببين أساسيين: الأول يرتبط بغياب سياسة تكوينية واضحة لدى الوزارة، وإلا كيف يمكن تفسير الشلل الذي يعرفه مركز التوجيه والتخطيط والتوقفات عن فتح التكوين بمركز المفتشين وتعطيل معظم القرارات التشريعية الخاصة بالمراكز الجهوية.
أما السبب الثاني فيتعلق بالنفوذ الذي يريده مديرو الأكاديميات بدعم من بعض المديرين المركزيين الذين يتسابقون على الظفر بمنصب في إحدى الأكاديميات التي توسعت مساحتها وفق التقسيم الحالي، وما يعنيه ذلك من توسيع للميزانيات.
والفكرة ليست من نسج خيال، بل إن البرنامج الاستعجالي فتح شهية البعض في مجال التكوين المستمر لما خصص له من ميزانيات هائلة ما زال الرأي العام ينتظر الاطلاع على أوجه صرفها وتحديد المسؤوليات إزاء كل الإخفاقات والاختلالات التي عرفها هذا البرنامج، بالرغم من أن الوزراء المتعاقبين على الوزارة منذ 2012 صرحوا مرارا بإجراء الافتحاصات الخاصة بمشاريع البرنامج الاستعجالي، ولم يجرؤ أحدهم إلى الآن أن ينبس بكلمة في الموضوع.
الكل يعلم بفشل البرنامج الاستعجالي في ترميم، بالأحرى إصلاح، واقع المدرسة المغربية وجامعتها، لكن لا أحد من العامة يعلم كيف أصبح البرنامج بقدرة قادر مصدر اغتناء فاحش ومادة صوتية لمقاطع فيديو في «اليوتوب».
مناسبة دخول الجهوية المتقدمة حيز التنفيذ كان ينبغي أن تتحول داخل القطاع إلى مناسبة لطرح أسئلة أساسية، من قبيل ما هو النموذج التربوي الذي يمكن أن يساهم به القطاع في إنجاح هذا الورش التنموي؟ وتبعا لذلك ما هو الشكل التدبيري الذي يليق بهذا النموذج؟ والسؤال البديهي المتفرع عن ذلك، هل يمكن قيادة التغيير بفريق مركزي وجهوي وإقليمي حصد معه المجتمع جميع أنواع الفشل في مجال التعليم؟
للأسف حولت الوزارة هذه اللحظة المهمة في تاريخ المغرب وتاريخ تعليمه إلى مناسبة لكسب المواقع والنفوذ كما فعلت سابقا. والدليل على ذلك التغييرات في قانون الأكاديميات التي صادقت عليها الحكومة مؤخرا، والتي لم تعر أدنى اهتمام لكل النداءات حول تغيير مواد هذا القانون المثبطة لعمل المجالس الإدارية.
فهل تصريف موظفي الأكاديميات التي سيتم حلها يحتاج إلى قانون أم فقط إلى مذكرة وزارية؟ وهل تاريخ سريان العمل بالتقسيم الجهوي الجديد يحتاج إلى قانون أم فقط إلى مرسوم؟ حقيقة تمارس وزارة التربية نوعا من الإلهاء غير المبرر، إلا ما يفهم منه من قوة التجاذبات المركزية وامتداداتها الجهوية التي تعطل التجديد الحقيقي في أداء هذه الوزارة التي شاخت هيكلتها وأصبحت عائقا حقيقيا أمام تنفيذ أي إصلاح.
كثرة المديريات وما راكمه مديروها من نفوذ لسنين يعطل آخر مذكرة للوزارة، كمديرية المناهج التي يليق تسميتها بمديرية البرامج في أحسن الأحوال لأن دم المناهج موزع بين مديريات كثيرة منها المركز الذي سبق ذكره ومديرية الرياضة المدرسية التي لا يعلم مداخيلها ومصاريفها إلا الله لكثرة الجمعيات والتأمينات، ولا تترك مجالا للتصرف في مختلف البطولات المدرسية من المحلي إلى الدولي مرورا بالإقليمي والجهوي.
أما المركز الوطني للامتحانات الذي أصبح يشتغل بأسلوب المقاولات أو بالأحرى بمنطق العرض والطلب، فرغم قلة موارده البشرية يتصرف في ميزانية ضخمة يستطيع بها أن يضمن الخدمات ممن يقبلون عرضه فقط في الامتحانات، وكل معارض أو منتقد لفلسفة المركز من مفتش أو أستاذ سيكون مصيره الإقصاء لأن المركز لا يأتيه الخطأ لا من قريب ولا من بعيد سواء من الناحية العلمية للمواضيع أو من الناحية التنظيمية. هذا المركز واحد من المنتصبين دفاعا عن تبعية المراكز للأكاديميات لأن الوزارة تنظم سنويا مباراة للدخول لما يقرب من 30 ألف مترشح وامتحان للتخرج لحوالي 8000 خريج، ولنا أن نتصور الميزانية التي سيحرم منها هذا المركز والتي تصرف غالبيتها تعويضات وتغذية وتنقلات.
أما مديرية الاتصال فبالاطلاع على بلاغات الوزارة ستجد أن لها تسميات مختلفة، فأحيانا مصلحة وأحيانا أخرى مديرية مكلفة. الأمر ليس صدفة أو بالخطأ وإنما يعبر عن الطموحات التي ترهن انعتاق المنظومة من الحسابات الشخصية لهذا المسؤول أو ذاك.
أما أغرب المديريات فتلك التي تعنى بالأمن الإنساني، والتي لا أحد يعلم متى وكيف أحدثت وما هي حدود اختصاصاتها والمجال الجغرافي لتدخلها، وهل هي تابعة لوزارة التربية الوطنية أم لهيئة الأمم المتحدة؟
وعوض أن يقوم وزير العدل، بوصفه رئيسا للنيابة العامة، بفتح تحقيق في الموضوع مع رؤساء هذه الشركات، استدعى قاضية ونائبة وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بسيدي قاسم بسبب تدوينة نشرتها على صفحة نادي القضاة اعتبرها بعض البرلمانيين تمس باعتبار المؤسسة التشريعية.
والغريب أن وزير العدل استدعى قاضية للتحقيق بسبب تدوينة في الوقت الذي لم يبادر إلى إحالة أخته على الوكيل العام عندما خرقت القانون بحضورها عملية تنفيذ استرجاع تعاونية «سكاري» للأرز لفائدة رئيسها الذي توفي نتيجة ذلك بغصة في القلب، وعوض ذلك استدعى وزير العدل أخته لبرنامج تلفزيوني للحضور إلى جانب مسؤولين قضائيين.
والظاهر أن السادة الوزراء أصبحوا يعتقدون أن مهمتهم هي تبليغنا بالمخالفات والكوارث التي تقع في قطاعاتهم، وليس القيام بإصلاحها وتحمل مسؤولية ذلك.
فوزير التجهيز يحصي كم قنطرة يحتاجها المغرب عوض بنائها، ووزيره المنتدب في النقل يحصي ضحايا حوادث السير عوض خفضها، ووزير الصحة يخبرنا بالنقص الحاد في الأسرة والأطباء والأجهزة عوض توفيرها، ووزير التعليم بلمختار يخبرنا أن مستوى التلاميذ هزيل جدا وطرق تدريس العربية فاشلة، وكأننا نحن من يتحمل المسؤولية وليس وزارته. ويكفي لكي نتأكد من صحة ما قاله الوزير العودة لما قاله لصحافي «فرانس 24» عندما اعتذر عن الحديث إليه لكونه لا يجيد العربية.
مشهد وزير التربية الوطنية وهو منشغل بهاتفه المحمول وهو يبتسم ليس المشهد الوحيد لعدم الاكتراث واللامبالاة التي تصل حد الاستخفاف الذي تعيشه يوميا وزارة التربية.
لامبالاة الوزير نحو تدخلات ممثلي الأمة ومغادرة الوزير للجلسة دون التعقيب، أمر لا يدعو للاستغراب لأن الرجل لأسباب كثيرة هارب أو متهرب من مسؤولياته باستمرار داخل الوزارة، ليترك القرار لديوان يأمر وينهى في الصادرات والواردات.
فالوزير بقوة القانون يرأس بصفة حصرية المجالس الإدارية للأكاديميات، لكن سعادته يخترع في كل مرة بدعة تفويض أمر ترؤس هذه المجالس للمديرين المركزيين دون سند يذكر، في الوقت الذي يتولى أمر وزارة التعليم المدرسي وزيران ونفس العدد بالتعليم العالي مناصفة بين وزير ووزيرة. كل هذا العدد الهائل من الوزراء لم يسعف تعليمنا أن يتخلص من المزاجية والأنا المتضخمة لدى وزرائه وأن يتعافى من أمراضه التي تزيد سوءا يوما بعد يوم.
إذا كان القانون ينص على أن المجالس الإدارية تختص بتنمية قطاع التعليم بالجهة، فهل يمتلك المديرون المركزيون داخل وزارة التربية الوطنية هامشا لاتخاذ القرار الذي يبقى الوزير وحده المسؤول عنه؟ الجواب بالطبع لا.
نتيجة ذلك أن تعامل الوزارة مع المجالس الإدارية يؤدي إلى إفراغها من وظائفها الحقيقية المرتبطة باللاتمركز. ثم من الناحية الاعتبارية ما معنى أن يترأس مدير مركزي اجتماع مجلس إداري لا ينعقد إلا مرتين في السنة، ويضم في عضويته رؤساء مختلف المجالس المنتخبة وعمال الأقاليم والعمالات وممثلي القطاعات العمومية وممثلي الفئات التعليمية وأولياء التلاميذ؟ أليس في ذلك استخفافا بالأدوار التي يمكن أن تلعبها مختلف هذه القطاعات والتنظيمات من باب التعبئة في إنجاح الإصلاح؟
وبمناسبة الحديث عن الأكاديميات، فقد أصدرت الوزارة مؤخرا مذكرتين للانتقال تخص نوابها في الأقاليم ومديري الأكاديميات. أولا لقد تأخر هذا الأمر بشكل كبير وغير مفهوم، وكأن لسان حال الوزارة يقول كم حاجة قضيناها بتركها. فعديدة هي النيابات التي تناوب من باب التكليف على تسييرها ثلاثة نواب في الموسم الواحد نتيجة التقاعد أو الإعفاء أو غيرهما. ثانيا، إجراء الوزارة لحركة انتقالية معناه أنها تعتبر مسؤوليها الإقليميين والجهويين موظفين قامت بتعيينهم دون أن يكون للأمر في الأصل ارتباط بالتباري على مناصب محددة وتقديم ملف يتضمن مشروعا يخص المنصب المتبارى حوله وفق المعطيات الخاصة بالإقليم أو الجهة المعنية.
أما بالنسبة للأكاديميات فالأمر أشد غرابة، فمديروها يديرون مؤسسات عمومية ويتقاضون أجورهم وتعويضاتهم الضخمة من ميزانية الأكاديميات ومنها يقطع كذلك اشتراكهم في التقاعد والتعاضد وغيرها من الصناديق.
إذن ما معنى أن يتقدم مرشح للتباري مثلا على منصب مدير أكاديمية وجدة ثم تقوم الوزارة بنقله إلى طنجة وبعدها إلى فاس؟
ليس من تفسير لما تقوم به وزارة التربية الوطنية إلا أنها فاقدة البوصلة عن الحكامة الرشيدة التي تعتبر أساس التطور والتقدم، شغور منصب أو حذفه يتطلب قانونيا فتح باب التباري من جديد. لكن الوزارة لن تفعل ذلك، فالكل يعلم أن حالها مركزيا منقسم بين ما تبقى من زمن العبيدة وبين من يستقوون بالقرب من ديوان السيد الوزير وبين من يعتبرون أنفسهم أهل الدار الذين دار عليهم الزمن.
وبين الفرق الثلاثة ضاع تعليمنا بسبب التطاحن حول النفوذ. الفريق الأول الذي استقدمته الوزيرة العبيدة ممن لا علاقة لهم لا من قريب ولا من بعيد بعالم التربية وأصولها، حول الوزارة إلى معمل لن تجد فيه مكانا للمفتش أو المبرز أو الباحث أو مستشار التخطيط أو التوجيه أو للمدرس، فكيف لمنظومة أن تسير بدون أهلها؟
لذلك تجد مدير الموارد البشرية القادم من وزارة المالية يتجول بين المراكز مبشرا بإعداده لمصوغة ينوي تقديمها لتكوين أطر الإدارة التربوية وهو يستعد لتحمل مسؤولية كتابة عامة بوزارة لا تمت بصلة لوزارته الأصلية، أو التي يعمل بها حاليا.
وترى مدير الشؤون القانونية، المهندس الإلكتروني، يغتنم الفرصة التي فتحت في وجهه مؤخرا ليعبر عن خواطره في ما يتعلق بمؤسسات التكوين وكأن الأمر مرتبط بالحديث عن ملكية خاصة، حيث صرح بأنه على المراكز الجهوية أن تتبع للأكاديميات أو أننا سنلحقها بالجامعات خاوية الوفاض.
عملية الإلحاق التي يهدد بها مدير الشؤون القانونية ليست جديدة في تفكير بعض مسؤولي الوزارة لسببين أساسيين: الأول يرتبط بغياب سياسة تكوينية واضحة لدى الوزارة، وإلا كيف يمكن تفسير الشلل الذي يعرفه مركز التوجيه والتخطيط والتوقفات عن فتح التكوين بمركز المفتشين وتعطيل معظم القرارات التشريعية الخاصة بالمراكز الجهوية.
أما السبب الثاني فيتعلق بالنفوذ الذي يريده مديرو الأكاديميات بدعم من بعض المديرين المركزيين الذين يتسابقون على الظفر بمنصب في إحدى الأكاديميات التي توسعت مساحتها وفق التقسيم الحالي، وما يعنيه ذلك من توسيع للميزانيات.
والفكرة ليست من نسج خيال، بل إن البرنامج الاستعجالي فتح شهية البعض في مجال التكوين المستمر لما خصص له من ميزانيات هائلة ما زال الرأي العام ينتظر الاطلاع على أوجه صرفها وتحديد المسؤوليات إزاء كل الإخفاقات والاختلالات التي عرفها هذا البرنامج، بالرغم من أن الوزراء المتعاقبين على الوزارة منذ 2012 صرحوا مرارا بإجراء الافتحاصات الخاصة بمشاريع البرنامج الاستعجالي، ولم يجرؤ أحدهم إلى الآن أن ينبس بكلمة في الموضوع.
الكل يعلم بفشل البرنامج الاستعجالي في ترميم، بالأحرى إصلاح، واقع المدرسة المغربية وجامعتها، لكن لا أحد من العامة يعلم كيف أصبح البرنامج بقدرة قادر مصدر اغتناء فاحش ومادة صوتية لمقاطع فيديو في «اليوتوب».
مناسبة دخول الجهوية المتقدمة حيز التنفيذ كان ينبغي أن تتحول داخل القطاع إلى مناسبة لطرح أسئلة أساسية، من قبيل ما هو النموذج التربوي الذي يمكن أن يساهم به القطاع في إنجاح هذا الورش التنموي؟ وتبعا لذلك ما هو الشكل التدبيري الذي يليق بهذا النموذج؟ والسؤال البديهي المتفرع عن ذلك، هل يمكن قيادة التغيير بفريق مركزي وجهوي وإقليمي حصد معه المجتمع جميع أنواع الفشل في مجال التعليم؟
للأسف حولت الوزارة هذه اللحظة المهمة في تاريخ المغرب وتاريخ تعليمه إلى مناسبة لكسب المواقع والنفوذ كما فعلت سابقا. والدليل على ذلك التغييرات في قانون الأكاديميات التي صادقت عليها الحكومة مؤخرا، والتي لم تعر أدنى اهتمام لكل النداءات حول تغيير مواد هذا القانون المثبطة لعمل المجالس الإدارية.
فهل تصريف موظفي الأكاديميات التي سيتم حلها يحتاج إلى قانون أم فقط إلى مذكرة وزارية؟ وهل تاريخ سريان العمل بالتقسيم الجهوي الجديد يحتاج إلى قانون أم فقط إلى مرسوم؟ حقيقة تمارس وزارة التربية نوعا من الإلهاء غير المبرر، إلا ما يفهم منه من قوة التجاذبات المركزية وامتداداتها الجهوية التي تعطل التجديد الحقيقي في أداء هذه الوزارة التي شاخت هيكلتها وأصبحت عائقا حقيقيا أمام تنفيذ أي إصلاح.
كثرة المديريات وما راكمه مديروها من نفوذ لسنين يعطل آخر مذكرة للوزارة، كمديرية المناهج التي يليق تسميتها بمديرية البرامج في أحسن الأحوال لأن دم المناهج موزع بين مديريات كثيرة منها المركز الذي سبق ذكره ومديرية الرياضة المدرسية التي لا يعلم مداخيلها ومصاريفها إلا الله لكثرة الجمعيات والتأمينات، ولا تترك مجالا للتصرف في مختلف البطولات المدرسية من المحلي إلى الدولي مرورا بالإقليمي والجهوي.
أما المركز الوطني للامتحانات الذي أصبح يشتغل بأسلوب المقاولات أو بالأحرى بمنطق العرض والطلب، فرغم قلة موارده البشرية يتصرف في ميزانية ضخمة يستطيع بها أن يضمن الخدمات ممن يقبلون عرضه فقط في الامتحانات، وكل معارض أو منتقد لفلسفة المركز من مفتش أو أستاذ سيكون مصيره الإقصاء لأن المركز لا يأتيه الخطأ لا من قريب ولا من بعيد سواء من الناحية العلمية للمواضيع أو من الناحية التنظيمية. هذا المركز واحد من المنتصبين دفاعا عن تبعية المراكز للأكاديميات لأن الوزارة تنظم سنويا مباراة للدخول لما يقرب من 30 ألف مترشح وامتحان للتخرج لحوالي 8000 خريج، ولنا أن نتصور الميزانية التي سيحرم منها هذا المركز والتي تصرف غالبيتها تعويضات وتغذية وتنقلات.
أما مديرية الاتصال فبالاطلاع على بلاغات الوزارة ستجد أن لها تسميات مختلفة، فأحيانا مصلحة وأحيانا أخرى مديرية مكلفة. الأمر ليس صدفة أو بالخطأ وإنما يعبر عن الطموحات التي ترهن انعتاق المنظومة من الحسابات الشخصية لهذا المسؤول أو ذاك.
أما أغرب المديريات فتلك التي تعنى بالأمن الإنساني، والتي لا أحد يعلم متى وكيف أحدثت وما هي حدود اختصاصاتها والمجال الجغرافي لتدخلها، وهل هي تابعة لوزارة التربية الوطنية أم لهيئة الأمم المتحدة؟
0 تعليقات
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.