ملاحظات على هامش زيارة وزير الاتصال المثيرة للجدل لمدينة اليوسفية
نور الدين الطويليع
مر اللقاء التواصلي لحزب العدالة والتنمية باليوسفية, الذي ارتأى منظموه أن يؤطره السيد مصطفى الخلفي وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية، وعضو الأمانة العامة للحزب يوم الأحد الماضي، في أجواء مشحونة طبعها التوتر, وتحول معها اللقاء ككل إلى مناسبة لجلد الحزب ومحاكمة تجربته المحلية على مستوى تسيير المجلس الحضري, وهنا لا بد من التوقف عند مجموعة من الأخطاء القاتلة التي وقع فيها مناضلو الحزب وشكلت الوقود الذي أشعل بركان غضب قد لا نتفق مع الأسلوب الذي نفث من خلاله المحتجون حممهم, لكننا لا بالمقابل لا يمكن أن نغض الطرف عمن زرعوا الريح ليحصدوا هذه العاصفة.
أولا: كان يكفي من فكروا في عقد هذا اللقاء أن يتوفروا على الحد الأدنى من الذكاء ليتجنبوا بلورته على أرض الواقع في ظل الاحتقان الكبير الذي تعرفه المدينة, وفي ظل تداعيات ملف الأساتذة المتدربين الذي جلب سخطا شعبيا غير مسبوق على حكومة ابن كيران, فعقد اللقاء في ظل هذه الوضعية يعتبر مجازفة تعبر عن غياب التخطيط الاستراتيجي, وعن افتقاد القدرة على دراسة الواقع قبل الإقدام على أي خطوة, بمعنى آخر كشفت هذه المبادرة عن أسلوب التخبط والعشوائية والارتجال الذي أدمن عليه ممثلو الحزب بالمجلس الحضري لمدينة اليوسفية.
ثانيا: جلب وزير للحديث عن إنجازات الحكومة إلى مدينة شبه منكوبة لا يخرج عن نطاق العبث السياسي, فالمواطن لا يعنيه في شيء ارتفاع نسبة النمو والحديث عن صندوق المقاصة وغير ذلك من المواضيع التي لن يعيرها أدنى اهتمام, لأنه لن يستفيد منها استفادة مباشرة ملموسة مرئية بالعين المجردة, خصوصا أن هذا المواطن سليل يتيمة المدائن التي تعاني من شتى أصناف القهر والحكرة والتهميش والإقصاء, وتمارس عليها مختلف أساليب الحشر في دوامة المغرب غير النافع, ويذوق أبناؤها مرارة وعلقم وضع صحي وبيئي واجتماعي غاية في التدهور, ولهذه الأسباب تحول اللقاء إلى ما يشبه حوار الطرشان والعميان, لأن المرسِل لم يُحَط علما بطبيعة المتلقين ومشاكلهم وعما يمكن أن يصدر عنهم في حقه، على اعتبار أنه يمثل السلطة التنفيذية التي يحملها هؤلاء المتلقون مسؤولية ما يعيشونه من ظروف مأساوية, ويرون في زيارته فرصة لا تعوض للتنفيس عما يغلي في صدورهم من مشاعر الغضب والحنق على الحكومة، وهذا يفسر حجم الغليان الذي قوبل به السيد الوزير ليس لشخصه، وإنما لأنه في متخيل المحتجين رمز لحكومة لم ترحم هوان مدينتهم، ولم ترمم انكساراتها الكثيرة، واكتفت بالتفرج عليها كأن الأمر لا يعنيها من قريب أو بعيد.
ثالثا: كان أولى بالمنظمين أن يسعوا إلى بلورة وعودهم التي قدموها للمواطنين على أرض الواقع، من قبيل ما سوقوه من قرب فتح مندوبية وزارة التجهيز باليوسفية، وإقامة نواة جامعية بها، وحينئذ سيكون مجيء السيد الخلفي أو غيره من وزراء الحزب مدبجا بصيغة الاحتفال، ويستطيع آنئذ المنظمون وضيوفهم أن يتحدثوا عما كابدوه من مشاق في سبيل تحقيق هذا المكسب لصالح الإقليم، وأظن جازما أن الوضع سيكون مخالفا تماما، وحتى إن وجد مشوشون لأغراض سياسية فسيجدون من يصدهم، ليس من أبناء الحزب، وإنما من عموم المواطنين، أما أن تخذل الحكومة هذا الإقليم، وأن تضن عليه حتى بحقه في أن تكون له مندوبياته الخاصة التي تحقق له الاستقلالية التي أصبحت بعيدة المنال عن الإقليم الأم، وأن يتخذ السيد الوزير من المناسبة فرصة لعرض حصيلة حكومته، فهذا يخالف المقام، ويتعارض مع ما يقتضيه الواقع من وجوب مخاطبة الناس بما يحبون أن يسمعوا، لا بما نهوى قوله، لأن أسلوبا كهذا لا يخرج عن أن يكون زغرودة في مأتم.
رابعا: إخبار السيد الوزير المحتجين بأنه جلس مع مناضلي الحزب وسمع منهم نفس اللغة التي يتحدثون بها بخصوص ما تعيشه المدينة من تهميش يعري عن فشل مدو لدبلوماسية الحزب على المستوى المحلي والإقليمي, ويكشف عن متابعة ضعيفة من وزير الاتصال لما يكتب عن المدينة, حيث تفرض عليه صفته الوزارية أن يتابع عن كثب المقالات التي تنشر بالجرائد الورقية والمواقع الإلكترونية والتي تتخذ من تيمة مأساة يتيمة المدائن موضوعها الرئيسي,وعندئذ سيكون على علم بالواقع مسبقا، لا أن ينتظر عشية اللقاء التواصلي ليسمع عن واقع المدينة المتردي، بخلاف زميله في وزارة الصحة الذي نشهد له بالمتابعة الدقيقة والتدخل العاجل كلما نشر خبر مدو عن الواقع الصحي بالإقليم.
وإن كنا نعجب من تخلف السيد الخلفي عن متابعة هزات ارتدادية ارتبطت بيتيمة المدائن, وهزت الرأي العام الوطني بعدما روجت لها على نطاق واسع وسائل الإعلام بمختلف تلاوينها, فإننا نستغرب ألا يستغل منتخبو الحزب بالمدينة فرصة تنقلهم المستمر إلى مدينة الرباط على حساب مالية الجماعة, ليضعوا ملف المدينة على طاولة السيد الوزير, وعلى طاولات زملائه من أعضاء الحزب, دون أن ينتظروا زيارة الوزير في الشوط بدل الضائع ليبثوا إليه شكواهم, وهي شكوى تبقى بدون جدوى لأن ميزانية السنة حسمت, ولا يمكن برمجة أي مشروع لفائدة المدينة أو الإقليم بما في ذلك إنشاء المندوبيات والمصالح النيابية بالإقليم، وعمر الحكومة صار معدودا بشهور محدودة، ولهذا وحتى إن حُمِّلَ السيد الخلفي مسؤولية نقل هذه الهموم إلى مواقع القرار، فإن ذلك لن يأتي بنتيجة، لأن الوقت القانوني للحكومة على وشك الانتهاء، ومشاكل الإقليم ليست بالسهولة والبساطة التي يمكن بموجبهما حلها في ظرف وجيز.
خامسا: استفزني كثيرا تعليق السيد الكاتب المحلي لحزب العدالة والتنمية باليوسفية على زيارة الوزير التي اعتبرها إنجازا عظيما في ذاتها ولذاتها, حتى وإن لم تترتب عليها أي نتائج إيجابية على الإقليم الذي يكفيه شرفا, حسب الرجل, أن يتواضع وزير في الحكومة ويمشي فوق ثراه.
هذا الكلام قد نجد فيه بعض الأجوبة لأسئلتنا وتساؤلاتنا السابقة, فثمة من يرى أن الحديث مع وزير وأخذ صورة تذكارية معه هي المبتغى الأول والأخير, وهذا يعبر عن سيكولوجية النقص التي تشربها بعض من يشرفون على تدبير الشأن المحلي من خلال اشتغالهم كعمال في صفوف المكتب الشريف للفوسفاط, حيث ظلت رمزية المهندس راسخة في أذهانهم كشخص استثنائي بكل المقاييس, قد يحول شقاءهم إلى نعيم مقيم بمجرد ابتسامة في وجوههم, أو مصافحة تختلط فيها يده بأيديهم, وهذا يجعلنا نضع أيدينا على أفواهنا خوفا من أسلوب الانبهار هذا الذي يحيط به هؤلاء من يعلوهم شأنا, لأن قدرتهم التفاوضية, وقدرتهم على المناورة لإجبار القائمين على تدبير الشأن المحلي والإقليمي والجهوي والوطني ستكون في حضيض الحضيض, وربما أشروا لهم على كل ما يريدون دون أن يطالبوهم بشيء, أو أن يتفوهوا بلفظ مطلب في حضرتهم, لأن أم المطالب تحققت لهم عندما ابتسم لهم القدر وجمعهم تحت سقف واحد بهذا الاسم الألمعي أو ذاك.
كان الله في عون يتيمة المدائن مادام هذا ديدن من يشرفون على تدبير شؤونها, وما دامت مفتقدة إلى صناديد لا تعنيهم في شيء منزلة الشخص ومكانته, بقدر ما تعنيهم دموع أبناء اليتيمة التي مالها فناء.
0 تعليقات
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.