المدرس و التفكير المرن
19/2/2016
مما لا شك فيه أن المرونة في التفكير هي من بين أهم الأفكار في الحياة وأبرزها على الإطلاق, هذه الفكرة تستحق منا وقفة تأمل بغية تحليلها و مناقشتها و تبيان أهميتها و انعكاساتها الإيجابية .
المرونة في التفكير كما عرفها المختصون و الخبراء :هي القدرة على التكيف و الإنسجام و التوافق و إحداث التوازنات اللازمة و الضرورية )الداخلية والخارجية (و كذا خلق البدائل و الخيارات في أسلوب تعاملنا مع الآخر و المتغيرات و المواقف المختلفة ,إنه فن التكيف و التأقلم مع كل ماهو جديد و غير متوقع .
يؤكد الخبراء أن الأفراد الذين لا يتأثرون بتجارب الفشل و لا يعانون من الإكتئاب , يتوفرون على قدرة خاصة تعرف في عالم الطب النفسي بالمرونة . فهذه العينة من البشر قد تمر بمختلف التجارب الفاشلة و المثيرة للضغوط لكنهم يظلون في حالة توازن و متفائلين و يتعاملون بإيجابية .
إن التفكير المرن هو سر من أسرار النجاح ,بل هو أحد مفاتيحه , سواء في العمل أو في العلاقات الاجتماعية ,إذ يمنحك القدرة على مواجهة المواقف الصعبة بعقلية واعية و لينة .
بهذا المعنى يكون التفكير المرن هو الطريقة المثلى التي تحمي الإنسان من الانكسار أمام المواقف الصعبة. فالشخصية المرنة تشبه الماء الذي يتكيف باستمرار مع أي مناخ , فتارة يأخد الحالة السائلة و تارة أخرى الحالة الغازية أو الحالة الصلبة حسب ما تقتضيه الظروف. من جهة أخرى فهو ذو فعالية قصوى و إيجابي و لا يمكن مقاومته أو الاستغناء عنه .
لازلت أومن بأن الحياة قصيرة و لا تستحق منا كل هذا التوتر و الحقد فأعمارنا قد تؤول إلى الصفر إذا ما قورنت بحياة ما بعد الموت , حياة الخلود )ما لانهاية ( .فما جدوى أن يمتهن الفرد منا مهنة يجني من ورائها علة عضوية أو نفسية كنتيجة لعدم مرونته أوجهله مهارات التكيف مع المحيط؟
ففي ميدان التدريس و على غرار مختلف الوظائف يتنافس الزملاء على ثلاثة أشياء رئيسة هي :قضاء المصالح و كسب التقدير ثم الترقية , حيث يكرسون كل جهدهم و طاقتهم للظفر بها و احتكارها .
لكن , عندما يزداد مؤشر المنافسة يبدأ انتقاد بعضهم بعضا مما ينذر بمناخ مشحون يسوده الضغط و التوتر .
و إذا ما تأملنا بعض النماذج السلبية من هؤلاء الزملاء , نلاحظ أنهم ينقسمون إلى أنواع متعددة و متناقضة أحيانا : فنجد فيهم العنصري الذي يتعصب إلى فئة معينة على أساس عرقي أو سياسي أو شخصي …. و تجد مدمنو النميمة و الغيبة الذين لا تتحقق نشوتهم إلا إذا تكهربت الأجواء و تعكرت و توترت . و قد تجد الزميل المغرور الذي يتعالى على الآخرين بكيفية غير مبررة ,قد يكون من ورائها إحساس بالنقص أو بالزيادة ,فلا يتردد في سرد روايات لتبجيل نفسه وإعطائها قيمة مضافة و حبك أخرى و همية لإبراز خبرته و براعته , بينما يقلل من إنجازات الآخرين و يعتبرها دون المستوى . و قد تجد الزميل المتدمر و الساخط على الوضعية و الذي لا يكف عن السب و الشتم و النقد و اللعن فيجعلك ترى الحياة سوداء بل تفضل الموت على أن تستمر في هذه المهنة .و تجد الإمعة الذي لا يحدد موقف انتمائه عن قناعة سليمة بل يظل تابعا و مقلدا .و قد تجد متخصصو تثبيط العزائم الذين يؤكدون لك أنك مهما حاولت فلن تفلح أبدا , فالنجاح هو حليف أناس دون آخرين .و هناك المتنمرين الذين لا يكفون عن لوم الآخرين عن أخطائهم … و قد تجد نوعا متناقضا يتلذد بمعاناتك و محنك و يقدم لك يد المساعدة في الوقت نفسه ……..
أما فيما يتعلق بالمديرين ,فقد تجد أنواعا سلبية عديدة :كالمدير المراوغ الذي يتلون كما شاء و يغير جلده كما يريد . و المدير المعرقل و المدير المتسلط و المدير المهمل و المدير الذي يعتقد أن كل المدرسين كسالى و غشاشين و يضيعون الوقت , ويحتاجون إلى رقابة شديدة. …….
كل هذه الأنواع السلبية من الزملاء و المديرين و غيرها تتطلب الكثير من المرونة ,و صقل مهارات التعامل بغية تجنب الاصطدامات .
لكن قبل التسرع و الشروع في انتقاد الآخرين و لومهم و الكشف عن عيوبهم , يبقى لزاما علينا أن نقف وقفة صريحة مع أنفسنا لتقييمها و نقدها و اكتشاف تناقضاتها و مكامن الخلل و القوة فيها ,بهدف امتلاك الرؤية الجيدة و الواعية عنها , فالكثير منا لا يعرف حقيقة نفسه و لا يعرف من يكون و لا يعرف كيف ينظر الآخر إليه . فمعرفة ظواهر النفس و الالمام بها تجعلنا نتحكم فيها و نتجاوزها بدلا من أن تتجاوزنا هي و تتحكم فينا .
إن المدرس المرن من هذا المنظور هو ذلك الشخص القادر على التصرف بطريقة إيجابية, تمكنه من القيام بدوره بنجاح وسط كل هذا التنوع . فهو يمتلك القدرة ليتعامل مع الواقع بالطريقة المناسبة ,فيقبله أو يغيره أو يتحايل عليه حسب ما يقتضيه الوضع . فهو يمتلك كفاية إعادة النظر في أفكاره و مواقفه و قراراته و نمط حياته , فيستطيع أن يرى الآخر و الوقائع من زوايا أخرى و بمناظير مغايرة تماما .
المدرس المرن ليس هو ذلك الشخص المنافق و المتلون , بل هو من يستطيع موازنة العقل بالعاطفة و كذا العمل على تحقيق التفاهم المشترك و بناء التواصل الجيد و القوي و القدرة على الإبداع و التخلص من التفكير المحدود و التكيف و الإنسجام مع التغيرات و التقييم الصحيح……..
0 تعليقات
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.