035
العقاب
أستاذ مادة الرياضيات بالثانوي التأهيلي
اختلفت
الآراء و تضاربت حوله، فهناك من اعتبره منافياً للقيم التربوية و الإنسانية و ذهب
إلى تجريمه في التعليم و هناك من اعتبره ضرورياً و لازماً في أداء مهمة التدريس و
هناك من وقف موقفا وسطاً و جعل له شروطاً و ضوابط و أحوال معيّنة للجوء إليه و حصر
طبيعته في مجال معيّن مرسوم.
كما
اختلفت أنواعه من جسدي و كلاميّ و نفسيّ و عمليّ و تعاملي و مادّي و إداريّ و
فصلي؛ فالجسدي كالضرب مثلا، و الكلامي كتوصيفٍ بأوصاف سلبية، و نفسي كالانتقاص من
الشخصية أو إحباط المعنويات، و العملي كالمطالبة بإنجاز أعمال تأديبية أو كتابة
جمل أو خاصيات عدد كبير من المرّات، و تعامليّ كالتجاهل و اللامبالاة، و المادّي
كحذف نقط من المعدّل، و الإداري ككتابة تقرير و عرضه على الإدارة أو التوجيه لمجلس
تأديبي، و الفصلي كالإخراج من الحصة الدّراسية.
و
أغلب ما يثير الجدل و الاستهجان من كلّ هذه الأنواع، هو الجسدي و النّفسي و الكلامي.
و هنا لا بدّ من الإشارة إلا أنّ العقاب بأي نوع كان يجب أن يسبقه مبدأ السبب
و الجدوى و الهدف، فحينها يُستساغ النوع المناسب حسب الوضعية المعيّنة فهناك
القصاص من تلميذ اعتدى على آخر بكلام أو ضرب أو غير ذلك، أو تجرّأ على الأستاذ
بشيء من ذلك، و هناك إقرار العدل، و هناك إصلاح السّلوك، و هناك تقويم الإهمال
الدّراسي، و هناك ضبط المجموعة بأخذ العبرة، و هناك زجر الغشّ المرتكب...
و هذه كلها أمثلة من وضعيات تستوجب عقاباً
ضرورياً حازماً مناسباً في أغلبها و قد يصلح في بعضها عفو فضل و سماح تربية و
تعليم.
إن
العقاب الجسدي لا جدوى منه في الثانوي التأهيلي و غير مقبول في المراحل الأولى من
الأولي و الابتدائي و يمكن قبول اللجوء إليه في فترة السنوات الاخيرة من الابتدائي
و السنوات الأولى من الإعدادي في الحالات الضرورية كآخر علاج و وفق ضوابط و شروط
محدّدة (كتجنّب الوجه مثلا ) و لا يصبح عادةً في الممارسة بل يكون رمزيا في مضمونه
و رادعاً في التهديد به أكثر من إعماله، على أن القدرة على تجنّبه بشكل نهائي هو
أفضل بكثير من اللجوء إليه.بيئة التلميذ و جنسه
أما
العقاب الكلامي و النفسي فهو أخطر من الجسدي بكثير و قد تكون له عواقب وخيمة تطال
شخصية التلميذ و تمتدّ تداعياته إلى سنوات طويلة تترك عقدا و جروحا غائرة في
تركيبة و تكوين المعاقب و قد لا ينتبه لذلك الممارس للتدريس فقد يلقي كلمة لا
يلقي لها بالا تنزل كالجمرة على مسامع التلميذ و تبقى متوقّدة كنار من تحت رماد،
فإصلاح أي خطأ لا يجب أن يكون بخطأ، و قدْر العقوبة ( إن كانت لازمة ) لا يجب أن
تتعدّى حجم الخطأ. فالإهانة و الاحتقار و السب و التعيير بالخلقة أو الوضع
الاجتماعي أو الميز العرقي أو الجنسي كلها تدخل في خانة الاعتداء و الجُرْم في حقّ
التلميذ و لا يمكن بأي حال إدخالها في حقل ممارسة التربية و التعليم.
يعلو
على كل ذلك بناء علاقة احترام و مودة و تقدير، و توازن عادل و ثقة في شخص الممارس،
تجعل نظرة عتاب أو تجاهلا أو إعراضا عن سؤال أو تغيّرا في التعامل أو إشارةً ضمنية
لمكامن الخلل في السلوك أو الدراسة، تجعلها كافية ( في كثير من الحالات ) كعقاب،
يمكن تسميته بعقاب المودة و التقدير. فبقدر ما يكون الشخص عزيزا يكون أيّ تغيير من
جانبه أو أيّ إشارة منه كافيا لإبراز المراد، و هذا مجرّب في الممارسة و مجرّب في
الأسرة كذلك.
إنها
جوانب من موضوع شائك مركّب، صعب معه القطع بطريق واحد و طريقة واحدة، فالبيئة و
السن و الطبع و الجنس و مادة التدريس كلها عوامل إضافية أخرى تختلط مع ما أسلفنا
الحديث عنه و تؤثر فيه بالضرورة و قد تزيد أو تنقص من مقدار العقاب الضروري و نوعياته.
و أتمنى أن تنير جانبا من طريق الممارس الحيّ يتبيّن عبرها ما يلائم و يناسب في كل الأحوال و المستجدات.
0 تعليقات
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.