عنف الدولة والعنف المدرسي المضاد.
عبد الإله العلوي/أستاذ التعليم الثانوي التأهيلي مادة الفلسفةيرتبط مفهوم العنف بالقوة والإكراه والضغط على شخص أو جماعة بالقوة،بمعنى آخر فالعنف هو إستعمال القوة دون الأخد بعين الاعتبار مشروعة إستعمالها، وحتى ولو تم تبرير إستعمال القوة فإنها لا تخرج عن كونها عنف، واعتبر العديد من المفكرين أن العنف هو إلحاق الضرر بالآخر سواء كان مادي جسدي أو معنوي نفسي فإنه يؤدي إلى تقويض إنسانية الإنسان بهدف السيطرة والهيمنة عليه، وتطورت أنماط العنف وأشكاله؛ العنف السياسي والبوليسي، العنف الأسري، ثم العنف التربوي، وارتباطا بالمنظومة التربوية التي بدورها تعاني في الآونة الأخيرة من ظاهرة العنف المدرسي، فهل المؤسسات التعليمية تنتج العنف أم هي ضحية له؟ وأية مقاربة لتفسير العنف المدرسي؟ وهل باتت إرادة العنف أقوى من إرادة السلم والتسامح؟
إذا نظرنا إلى أحوال المدرسة المغربية الراهنة، وجدناها تعيش حالة مستعصية الفهم والتحليل والاستعاب، حيث وقع إنقلاب فضيع على مستوى منظومة الأخلاق والقيم، فإلى عهد قريب لم يكن يجرؤ أي فرد على الإقتراب من المدرسة أو المساس بسمعتها العلمية من حيث هي مؤسسة تربوية يتعلم فيها التلميذ قيم التسامح والسلم والانفتاح على الآخر، واستيعاب الاختلاف والتعدد في بعدها الفكري والثقافي والعقائدي، بل كانت المدرسة المغربية إلى عهد قريب تعيش حالة من الإنسجام والتماهي مع رسالتها الراقية،وهدفها الجوهري باعتبارها مؤسسة اجتماعية ترسخ وتنقل القيم الإنسانية النبيلة، إلا انها اليوم أصبحت مريضة بأمراض متعدد ومزمنة، ولم تعد كما كانت في السابق؛ فلا الأستاذ يحظى بالاحترام والتقدير نظراً لمكانته الرمزية والمعرفية، ولا التلميذ متشبع بايقونة الأخلاق والانضباط وتقديس العلم والمعرفة باعتبارهما عبادة، ولا الأطر التربوية والإدارية تقوم بما هو مطلوب منها بلا إجتهاد ولا زيادة،فأصبحت المؤسسات التعليمية مرتعا للتطاحنات والصراعات سواء التلاميذ مع بعضهم البعض أو التلاميذ مع الأطر الإدارية والتربوية، فالعنف كسلوك لا إنساني أضحى هو العملة الرائجة في الإعلام المغربي، وهذا مؤشر أساسي عن إنهيار منظومة القيم داخل المجتمع، فالعنف لم يعد يرتبط بسلوكيات الأفراد الشاذة والطائشة بل هو ظاهرة سوسيولوجيا ومنظومة عقائدية لدى بعض الجماعات (الألتراس) التي تؤمن بكون العنف هو الوسيلة الوحيدة لحل بعض المشاكل الاجتماعيه خصوصا مع مؤسسات الدولة.
وهو نفس الأسلوب الذي تتخذه الدولة في حل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، ولعل ما يمارس من عنف مؤسساتي من طرف أجهزة الدولة لا خير دليل على صدق كلامنا، فالحكومة الحالية لم يسبق لها أن وضعت حلا لأي مشكلة اجتماعية بدون تدخل قوتها العمومية في حق الحركات الاجتماعية (الأطباء، الأساتذة المتدربين، الحركة الطلابية...) وبالتالي فعنف الأفراد إتجاه مؤسسات الدولة ما هو إلا عنف مضاد، ورد فعل لمثيرات عدوانية يومية معاشة وممارسة من طرف أجهزة الدولة، وعموماً فالمجتمعات التي مازالت تعتمد على العصى الغليظة، هي مجتمعات لم ترتق بعد من حالتها الوحشية القائمة على منطق إخضاع الضعيف لهيمنة وقوة القوي، وهذا الأمر يؤثر في مختلف المؤسسات الاجتماعية والثقافية ومن ضمنها المدرسة العمومية، فهذه الأخيرة لا تنتج العنف بل على العكس من ذلك تماماً تسعى بكل قواها إلى التقليل من وتيرة استشراءه وانتشاره في الجسد الاجتماعي، لكنها هي بدورها أضحت ضحية للعنف المجتمعي والسياسي والاقتصادي، فالتلاميذ يلجؤون إلى استنطاق لغة العضلات، والممارسات العدوانية كرد فعل موضوعي وحتمي للحرمان الاقتصادي والاجتماعي الممارس عليهم وعلى أسرهم من طرف مؤسسات الدولة، وبالتالي فالتحولات العنيفة التي عرفتها بنيات المجتمع ومنظومته هي التي تزرع في المتعلم ثقافة العنف وقيم الصراع والقوة، لذلك لا يجب أن نحمل المدرسة المسؤولية الكاملة لكل الظواهر والوقائع اللامدنية والتي يكون المجتمع مسرحا لها، لأن هذه الأخيرة بدورها لم تسلم منها، بل أكثر من ذلك تتعايش معاها باستمرار وبشكل يومي، لأن العنف عند المغاربة طقس يومي وممارسة اعتيادية سواء في بعده المادي أو الرمزي، وأي نقاش حول كون المؤسسات التعليمية لا تقوم بدورها في تنمية السلوك المدني لدى المتعلم، وغرس ثقافة الإيمان بالاختلاف والحوار...هو نقاش مفصول عن محدداته المرجعية والفكرية، فإذا كانت الدولة تمارس عنفا على أفرادها في مختلف المجالات وحقول الصراع، فماذا ننتظر من هؤلاء الأفراد غير مقاومة عنف المؤسسات بعنف ضد آخر ضدها،واذن لا تطلب العلاج من المدرسة المريضة، ولا تنتظر منها تقديم وصفات علاجية للأزمات والأمراض الاجتماعية والاقتصادية.
0 تعليقات
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.