حكايات طفولة
كان آخر يوم لي في العمل، لم يختلف عن الأيام الشقية التي عشتها رفقة عمال وعاملات الضيعة، كانوا يحبونني كثيرا، ويساعدونني . صغر سني وكبر همي جعلني أقرب العمال إليهم. كانوا يحكون لي قصصاً و يغذون بؤسي بنكت ترسم بسمة عابرة على وجهي. إنه يوم الحساب، فهل قمت بواجبي اتجاه رب العمل ؟
هل حافظت على السنن وأديت المناسك كما يجب رغم أن جسدي النحيف لم يك مؤهلا بما يكفي لذلك ؟ لا يهم. المهم أن هذا الطفل أبى إلا أن يقارع الكبار، فحمل الصناديق المثقلة بالفواكه على ظهره ، وهز المعول حتى علا في السماء وشمس غشت تطل عليه من عل وترسل أشعتها الحارقة موجات موجات تعبر رأسه وتتوغل داخل جسمه وها يوم الحساب قد حل وفي المساء سيجلس وجها لوجه أمام الرب، رب العمل.
عشرون يوما، كانت هي عدد الأيام التي مرت من عمري داخل تلك الضيعة. غمرتني فرحة لا تقاوم، نسيت كل شيء. ولم لا ؟ أنا الآن سآخذ أجري ككل الرجال. أولست رجلا؟ أمي كانت تقول لي دائما :
أولدي الراجل هو اللي يخدم ويعاون راسوا .
صرت رجلا في الثالثة عشر من عمري.
توجهت رفقة زوج خالتي نحو مكتب الباطرون. لم أدخل. لبثت في الخارج أنتظره. تأخر لبعض الوقت. ربما دار بينهما حديثا حولي. ما ذا ياترى كانا يقولان؟
كنت متحمسا. النقود ! ملابس جديدة،
جيل للشعر! سأصبح في أحسن صوري. نعم ! فقد رأيت وجهي في المرآة. تغير كثيرا. انتفخت خدودي حتى صغرت عيناي.
خرج زوج خالتي. لم ترقني تعابير وجهه، ثم أردف قائلا :
المهم راه حسب ليك عشرين درهم للنهار . جاتك فالمجموع أربعمائة درهم.
طأطأت رأسي وتوجهنا صوب الدراجة الهوائية لنشد الرحال إلى المنزل.
في الطريق أخبرني أننا سنذهب في الغد إلى السوق الأسبوعي لشراء ما يلزمني استعداد للسفر.
على بعد ميترات من الوصول رائحة الكسكس ملأت المكان. لا بد أنها خالتي التي أرادت الاحتفاء بي. دخلنا. كانت في انتظارنا. ألقينا التحية ثم كعادتها قالت لي :
درت ليك اولدي أحمد واحد القصعة ديال كسكس يا سلام.
في الصباح، استيقضنا باكرا. تناولنا الفطور وتوجهنا نحو السوق الأسبوعي زوج خالتي على دراجته وأنا على دراجة الجيران ..
......يتبع
أحمد الغازي
0 تعليقات
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.