إبداع أدبي تربوي (قصة) بعنوان: حكاية السيد حمص.‎

الإدارة Mai 30, 2016 Mai 30, 2016
للقراءة
كلمة
0 تعليق
-A A +A

إبداع أدبي تربوي (قصة) بعنوان: حكاية السيد حمص.‎

إبداع أدبي تربوي (قصة) بعنوان: حكاية السيد حمص.‎

بقلم الصطفى سالمي

في قلب الجنوب المغربي بإمكان الغريب أن يسأل عن شخص  السيد (حمص) مدير مؤسسة إعدادية، فتُروي له عديد الحكايات المثيرة والساخرة ، وإن كان المرء يعرفه فمجرد السلام عليه ومحادثته مثير للضحك والغرابة. كان قصير القامة كبير البطن مقوس الرجلين، يحتل رأسه ثلث جسده، أسنانه صغيرة جدا وعيناه ضيقتان، وحين تراه يفْرك يديه تأكد أنه يريد الاحتيال للحصول على المال. لم يكن ذلك أمرا صعبا بالنسبة له. فالأساتذة الجدد كانوا صيدا سهلا لا يحتاج كثير عناء، كان ينفرد بالواحد منهم ويدعي
تبشيره بالحوالة التي تضم مبلغ أشهر من الانتظار ويردف ذلك بعبارات الثناء عليه وأنه أقنع السيد المفتش بوضع نقطة جيدة من أجل ترسيم مريح.. ثم يطلب قرضا بسيطا يرده في آخر الشهر. كان المدرسون في الإعدادية يحذر بعضهم بعضا من مكر السيد:(حمص)، وأن أي مبلغ يتم إقراضه له فعليه رحمة الله. ولم يكن التلاميذ بدورهم يسلمون من شراك السيد (حمص)، فالمتأخرون في الدخول للفصول الدراسية كان يستدرجهم للإدارة ويبدأ بتفتيش جيوبهم مدعيا بأنه يشتبه في تعاطي بعض تلاميذ المؤسسة للتدخين وأشياء أخرى. وحين يعثر على النقود في جيوب البعض كان يصادرها حتى يعلم مصدرها وسر تواجدها عندهم.. وإذا جاء الآباء فإنه يزعم لهم أنه يريد أن يحمي أبناءهم من الأخطار المحدقة بهم. وإذا لم يحضر ولي أمر صاحب النقود فالمال يصبح حلالا بالنسبة للسيد: (حمص).
و أما في آخر السنة الدراسية، فتتفتح قريحة السيد العجيب عن اجتهاد وابتكار أكبر، كان يستدعي أولياء التلاميذ الذين نجحوا بمعدلات دون عشرة على عشرين، خصوصا من أعيان الصحراء ومن أشباه المتعلمين، فيقدم لهم ورقة نتيجة الابن بأنها كانت "رسوبا" وأنه حولها ضدا على قرار مجلس الأساتذة إلى "نجاح"، ويقول لهم: ها هي النتيجة، انظروا ! وهنا كان الماكر يختم بطابعه الشخصي: "يكرر"، إلى جانب القرار الأصلي: "ينتقل" ويشطب على "يكرر" زاعما أنه من ألغى قرار التكرار. وكان المساكين يصدقونه،  فالسيد المدير في نظرهم هو الكل في الكل وهو من يصدر قرار النجاح أو الرسوب. والمقابل الذي يتلقاه يكون إما نقديا عبارة عن مبالغ مالية أو عينيا عبارة عن سلع غذائية من حليب مجفف أو سكر وزيوت وشاي ، بل إن أحد الأعيان أعطاه بقعة أرضية لأنه خاف أن يفشل ابنه دراسيا فتشمت فيه القبيلة المعادية، وهنا كان (حمص) يستغل جيدا الحزازات القبلية في الصحراء، ومن ذا الذي سيعارض أو يحتج في غياب الأدلة الحقيقية. وأما وجود ختمين على ورقة النتيجة فليس كافيا للطعن إذ لن  يعدم صاحبنا المخرج، فالعملية تتم بسرعة والخطأ ممكن وأنه تم تدارك الأمر.                                
كان المكر يكتسب طرائق بعضها لا يخلو من طرائف، ذلك أن صاحبنا مر يوما بسيارته أمام مزرعة السيد (ولد سالم) وهو من أغنياء المنطقة وأعيانها  حيث كانت المزرعة تضم طيور الطاووس والغزلان، رأى السيد (حمص)الباب مواربا والغزال الأليف جاثما فتسلل ببطء وحمل الغزال ودسه في سيارته. وبمجرد أن دخل إلى بيته سمع طرقا عنيفا على الباب، وترافق ذلك مع صياح وجلبة. سألته زوجته: " افتح الباب!.. ما الأمر؟"، فما كان إلا أن قال لها: "خذي هذا الغزال وأخرجيه لأصحابه!".                                        
 ذات يوم من بدايات الموسم الدراسي، جاءت شاحنة محملة بطاولات جديدة، بقيت عديد من هذه الأخيرة خارج الفصول تحت الشمس الحارقة، فقام السيد (حمص) بتوزيعها على المدرسين قائلا لهم:" اعتبروها بمثابة مكتب، ولكن لا تنسوا إحضار علب الشوكولاتة لابني حسام" .وفعلا كان كثير من المدرسين يذهبون قبل توقيع محاضر الخروج في آخر الموسم الدراسي ، وكان السيد العجيب يوقع نيابة عنهم بعد أن يتلقى مكالمة هاتفية يوم التوقيع ليتأكد أنهم ما زالوا على قيد الحياة كما كان يزعم ويردد. وفي بداية السنة الموالية كانت العطور لزوجة (حمص) والأحذية الشمالية تزين أقدام أولاده، إلى جانب بدلات رياضية وأغطية قطنية ذات جودة عالية.
وقد تمكن السيد (حمص) من تزويج ابنته من مدرس مادة التربية البدنية ـ بعد أن أسكنه في سكن وظيفي  مدة شهرين فقط بعد الزواج ـ وقد قيل إنه وعده بسكن إداري مجاني داخل المؤسسة، ثم انقلب عليه بعد أن تم هذا الزواج. ومما يروى عن (حمص) أنه حصل أيضا على (بطاقة الإنعاش) باسم زوجته، وهذه البطاقة ـ في الأقاليم الصحراويةـ تتيح لصاحبها الحصول على أجرة عامل النظافة دون الذهاب الفعلي للعمل، إذ هؤلاء العمال هم هناك بمثابة موظفين أشباح. كما أن امتيازات أخرى كانت الهمسات والهمهمات تسري حولها ..                                                              
 تمر السنوات ويتسامع الناس بخبر انتقال السيد:(حمص)إلى مدينة أكادير، وفي حفل الوداع، تلقى السيد العجيب هدايا أخرى تدل على علاقات خفية، وألقى  المسؤولون عبارات الثناء وكلمات المديح في حق السيد (حمص) على مجهوداته الجبارة في الارتقاء بالفعل التربوي بالمنطقة.        

جميع إبداعات المصطفى سالمي  

شارك المقال لتنفع به غيرك

Kommentar veröffentlichen

0 Kommentare


 

  • انشر مواضيعك و مساهماتك بلغ عن أي رابط لا يعمل لنعوضه :[email protected] -0707983967او على الفايسبوك
     موقع الأساتذة على  اخبار جوجل - على التلغرام : المجموعة - القناة -اليوتيب - بينتريست -
  • 1141781167114648139
    http://www.profpress.net/?hl=de