إبداع أدبي تربوي (قصة) بعنوان: حلم جميل‎

الإدارة July 03, 2016 July 03, 2016
للقراءة
كلمة
0 تعليق
-A A +A

إبداع أدبي تربوي (قصة) بعنوان: حلم جميل‎

إبداع أدبي تربوي (قصة) بعنوان: حلم جميل‎


المصطفى سالمي

كانت الحياة في بداية استسلامه للبطالة محتملة بل ومقبولة، كان يغبط في أعماقه أولئك الخريجين الذين يتعطلون سنة أو سنتين ثم يلتحقون بعد ذلك بسلك الوظيفة. وكان يتمنى لو يرتاح من هَمّ الامتحان وسهر الليالي واحتساء القهوة بإدمان. وها هي متعة العطلة تمر كسحابة صيف. والأصدقاء بعضهم يلزم البيت والبعض يتابع دراسات عليا والآخرون انقطعت أخبارهم لأسباب مختلفة. فقط قلة هم الذين ابتسمت لهم الوظيفة وأصبحوا لا يمتّون لأصدقاء الأمس إلا بالملامح وبعض ذكريات مشتركة. وها هو يمضي أحيانا ثلثي يومه في النوم، وما تبقى في تأمل بعض الصور التي تعود لأيامه بالجامعة وفي الاستغراق في الأزمنة المختلفة.                  
سأل ذاته: ما حقيقة نظرة الآخرين لوضعيته وحالته؟، دون شك فالذين لم يوفقوا في الدراسة من أبناء محيطه ستغتبط أساريرهم وستنسج مخيلاتهم عنه صورا ترضي نفوسهم وأحلامهم، وربما يتصورونه يأكل أصابعه من الندم على إفناء عمره وسط الأوراق. وأما الذين ما زالوا يتابعون دراستهم فهم دون شك يتمنون أن يبقى وضعه على ما هو عليه إلى أن يلتحقوا به وتنتفي أية ميزة له    عليهم. ووجد صاحبنا أنه يقسو على ذاته بكوابيس الليل والنهار.     
       ولكن لِمَ قضاءُ معظم الوقت في التبرم بالزمن كعجوز بلغ من العمر عتيا؟ ولِمَ قضاء الأيام والليالي في الهواجس والكوابيس، ولم لا يحلم بالأشياء الجميلة؟!، إننا نقضي أكثر من ثلث عمرنا في النوم. فليبحث عن وسادة سحرية تجعل ليله أو بالأحرى ثلث عمره أحلاما كلها سعادة وإن تكن خيالية أو وهمية. وأما إن تعذر الأمر فلم لا يحلم أحلام يقظة، وليبدأ من الآن، ليعوض بالحلم الحقيقة، ويستبدل بالخيال الواقع المر. ها هو صاحبنا في حلمه الجميل قد نجح في مباراة الأساتذة مع زمرة من المحظوظين المغتبطة أساريرهم. وجوه جميلة ضاحكة للحياة، حيث يتلقون تكوينا لمدة سنة على يد أطر ذات كفاءة بمدينة غير مدينته المتآكلة.                       
وها هو يقضي نهاية الأسبوع مع أصدقائه على ضفة نهر أم الربيع، أو يقطعون النهر إلى الضفة الأخرى على ظهر قارب صغير وقد تعالت أصواتهم بالغناء تشاركهم فيه العصافير وخرير الماء المنساب في سكينة، وحقول الذرة الخضراء تحيط بالنهر العظيم. وفي المساء يجتمعون في سمر جميل مستمعين لشدو أغاني أم كلثوم، أو لاعبين بالورق وهم يحتسون الشاي "المنعنع"، غير مهتمين بما يخبئه القدر أو هواجس الغد بعد تحقق حلم العمل والوظيفة. 
 وها هو التكوين الميداني يجعله يعيش عوالم التدريس حيث العقول الصغيرة المتعطشة لتلقي البذور. تلاميذ في عمر الزهور ينفث فيها ثمرة قراءات عقدين من الزمن. نجباء مواظبون ومثابرون هم تلاميذه. يدخلون الفصل بنظام ويحترمون بعضهم البعض، وينتبهون لكل ما يقوله صاحبنا الأستاذ، بل قل يتشربون كل ما يتفوه به. وفي آخر السنة يحصلون على أعلى النتائج بالمؤسسة، بل بالإقليم، ويقيمون لمدرسهم حفلا بهيجا حيث الحلويات والمشروبات.
    وفي العطلة الصيفية يقضي صاحبنا أسابيع غشت الملتهبة بالشاطئ  مستلقيا على ظهره تحت ظُـلّة وعلى عينيه نظارتان سوداوان تحميانه من أشعة الشمس وليس لحبه اللون الأسود الذي قطع مع عهوده.                                                           
وفي الشارع يحييه تلاميذه وذلك بأدب و احترام. وفي المساء يقضي صاحبنا أوقاتا جميلة في سماع الموسيقى الإسبانية العذبة، ذات الإيقاعات الصيفية الصاخبة، أو يشاهد مع عائلته شريطا تلفزيا هادفا أو برنامجا وثائقيا. وأما والدته وإخوته فإنهم يستقبلونه كلما عاد ـ أيام العطل ـ وكأنه أمير أو محارب رجع من ميدان القتال بعد أن حقق النصر على العدو، فكلمات الترحاب والحفاوة والود لا تنقطع في استرسالها، ودعاء الوالدة لا ينتهي، وإخوته ما ينفكون يسألونه عن عناء العمل راجين أن يوفقهم الله في أن يصبحوا مثله هم أيضا. وأما الجيران فهم يهرعون إليه للسلام والسؤال عن أحواله وذلك في احترام بالغ. وأما هو فإن من يراه  اليوم قد ينكر أنه هو من كان بالأمس متشائما متبرما بالحياة.  إن الضحكة لا تغادر محياه والابتسامة المتفائلة رفيقته، والأناقة شعاع نوراني يغمره. مشيته توحي بالثقة في النفس، وكل صباح يشتري الجريدة كما هو شأن سائر الموظفين، متصفحا عناوينها الكبرى، ولِمَ لا يشتري الكتب التي حالت الضائقة المالية ـ في زمن البطالة ـ دون شرائها؟ لا لتزيين مكتبته، ولكن لقراءتها وقت فراغه.                                          
 وها هو يخرج باكرا إلى عمله بعد أن كان يستمر في نوم متواصل حتى العاشرة صباحا، ولن يناديه أحد ليسأله عن جديد الوظيفة والمباريات وضرورة الصبر والأمل في الغد وسائر عبارات الشفقة أو التشفي، ولكن من هذا الذي يناديه؟ إنه لا يرى أحدا في طريقه. ولكن النداء يتعالى جدا. إن النداء قريب، ولكنه هو الذي لم ينتبه له. إنه نداء أمه تدعوه لتناول وجبة الغداء، نداء الحقيقة والواقع يدعوه إليه بعد رحلة جميلة ما زال لم يعش بعد كل فصولها.          

شارك المقال لتنفع به غيرك

Post a Comment

0 Comments


 

  • انشر مواضيعك و مساهماتك بلغ عن أي رابط لا يعمل لنعوضه :[email protected] -0707983967او على الفايسبوك
     موقع الأساتذة على  اخبار جوجل - على التلغرام : المجموعة - القناة -اليوتيب - بينتريست -
  • 1141781167114648139
    http://www.profpress.net/?hl=en