إبداع أدبي تربوي (قصة) بعنوان: ها قد عدنا أيها الفصل الدراسي...
المصطفى سالمي
أحس بفرحة تغمر كيانه وهو يعود لمؤسسته من جديد، لقد شحن نفسه كبطارية بكل الزاد الضروري، كان هذه العطلة الصيفية أشبه بابن بطوطة وهو يجوب أرجاء وطنه متنقلا بين مدن عديدة، رفيقه دفتر المذكرات وهاتفه الذكي الذي يحقق له التواصل مع العالم الخارجي وتوثيق اللحظات الجميلة والمناظر التاريخية والطبيعية من مغربه البهي، أرض السحر والجمال. لكن الأيام السعيدة تمر مرور السحاب.
في مؤسسته الإعدادية التقى بوجوه الزملاء البراقة المبتهجة، ظهر له زملاؤه في حلة مشرقة أكثر من المعتاد، لقد فارقهم في آخر الموسم الدراسي وصفرة احتراق الأعصاب وتآكل الخلايا بادية عليهم، وربما كانت بادية عليه هو أيضا. اليوم عاد زملاؤه وملامح العافية والبشر تظهر عليهم بجلاء، أهو عيد الأضحى فعل فعله السحري بهذه السرعة ولم يمر عليه أكثر من أسبوع واحد فقط؟!، أم هي الراحة والاستقرار النفسي والهدوء والابتعاد عن صخب وشغب فصول الدراسة، وعن تصحيح الأوراق وجذاذات التحضير..؟! ربما الأمران معا. عاد صاحبنا ليكتشف وجوها جديدة تحل محل أخرى تركت بصمتها وأثرها، وبقدر فرحه بالجدد، بنفس القدر كان حزنه على المبتعدين.. إنها سنّة الحياة، فتلاميذ آخرون ـ أيضا ـ حلوا بفضاء المؤسسة ومظاهر الرهبة بادية عليهم، وربما عمّا قريب يستأنسون بالأجواء، ومع مرور الأيام وتوالي الحصص والتعب والإرهاق، يصبح الضجر والملل والتمرد حينها سيد الموقف، ويصبحون على نقيض هذه الوداعة .
تلقى بعض المدرسين استعمالات الزمن بنوع من العصبية تعبيرا عن عدم الرضى عن المستويات المسندة إليهم، بعضهم يتفادى السنوات الإشهادية لجسامة المسؤولية وكثرة المكررين والمشاغبين من اليائسين في السنة الثالثة إعدادي، وبعضهم يصر على إسناد أكبر عدد من أقسام هذا المستوى لتتسع لديه الفئات المستفيدة من الساعات الإضافية من هؤلاء التلاميذ، بينما أبدى البعض انزعاجا مع ظهور لوائح الأقسام على زجاج الإدارة وقد وصل العدد في الفصل الواحد لما يقارب الستين عنصرا، مما ينذر بموسم مختلف عما سبق، هكذا تسللت الريبة إلى نفوس بعض المدرسين مع بروز ما يشبه الكابوس اللعين المتمثل في ظاهرة اكتظاظ رهيبة تنتظر هم، وتهيأ له الأمر كمعاول ضخمة تحاول هدم كل الرصيد المعنوي الذي شيده هؤلاء المدرسون كزاد لهم في مواجهة انتظارات موسم دراسي طويل وشاق، وليس الأمر مقتصرا على أمثاله فقط من المدرسين، بل هي معاول هدم لمعنويات التلاميذ، وخاصة المجدين المتحمسين الذين حكمت عليهم الأقدار بأن يتعلموا في المدارس العمومية. مرّت أمامه وجوه تلاميذ جدد أخرجته من تأملاته، كانوا يقفون في طابور اليوم الأول من الدخول المدرسي، ظهرت ملامح البراءة والصفاء في عيونهم، فأحس بجسامة المسؤولية الملقاة على عاتقه، وردد في أعماقه: (اللهم عونك على هذا الثقل الذي تنوء بحمله الجبال).
0 Kommentare
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.