إبداع أدبي تربوي (قصة) بعنوان: من حكايات المدرّسة "حنان"
المصطفى سالمي
انتبهت المدرسة (حنان) فجأة على صوت ضوضاء تنبعث من آخر الصف الدراسي، كانت أعصابها وقتئذ متوترة للغاية وهي في الساعة الأخيرة من صبيحة عمل شاق مرهق، بعد ليلة سهرتها لوقت متأخر في تصحيح كراسات تلاميذها لمستويات الابتدائي. رفعت رأسها لمراقبة الوضع، تعالى صوت تلميذ قابع في الصف الأخير قائلا بصوت متردد:
ـ أستاذة! سرق (محمد) ممحاتي ودسّها في محفظته..
انطلقت ضحكات وهمهمات هنا وهناك، مما زاد من توتر المدرّسة، وتعالى صوت تلميذ آخر ـ يبدو أنه هو المشتكى به ـ قائلا بحزم وثبات:
ـ أستاذة! إنه يكذب عليك، لم يسرق أي أحد منه شيئا.
عمّ الفصلَ هدوء حذر، وساد الترقب لِما سيأتي من ردود فعل المدرّسة التي وقعت عليها عبارة: "إنه يكذب عليك" كالزيت على النار، فالتهبت كل حواسها، وتأهبت كل مشاعرها، وكيف لا يكون الأمر كذلك وصغار كالشياطين في عامهم الدراسي الأول يتلاعبون بها ويقدمون شكاوى زائفة، فهل فقدت هيبتها فعلا؟. انقضّت على المشتكي وانهالت عليه بعصاها التي لا ترحم، كانت ترفع العصا للأعلى ثم تهوي بها قائلة:
ـ هذا جزاء الأشقياء الكذابين!
كان الصغير يمد يدا بعد الأخرى دون أن ينبس ببنت الشفة.
دق الجرس معلنا نهاية الحصة، وتدافع التلاميذ خارجين كأنهم كانوا في سجن لعين، بينما كانت دموع التلميذ المعاقب ما زالت على خديه وهو يغادر المدرسة بتثاقل، وقريبا من بابها اقترب منه (محمد)، ورمى بالممحاة أمام قدميه قائلا:
ـ ها هي ممحاتك، ولا تشتكي مرّة أخرى مني، ومبروك عليك العقوبة.
كانت كلمات (محمد) أشد إيلاما له من عقاب مدرسته، وعند الباب تلقفت الأم يد ابنها، كانت ترافقه في الذهاب، وتنتظره في الخروج، فهو في أسبوعه الثالث فقط على عالم جديد هو "المدرسة". لاحظت شحوبه وبقايا دموع في مقلتيه وعلى خديه، وقبل أن تسأله، كان صغار آخرون يحكون القصة بتفاصيلها، ويتنافسون في سرد أحداثها. وهنا ثارت الأم في وجه ابنها قائلة:
ـ لماذا بقيت صامتا وتقبلت العقوبة دون أن تكشف للمدرّسة الحقيقة كاملة؟! وأين هو هذا الشقي الكذاب؟ ولماذا تعاقب المعلمة البريء المظلوم وتترك اللص الشقي؟ لماذا لم تفتش حقيبته وتسرعت بعقابك؟!
كانت أمهات أخريات يستمعن ويتعجبن من تلاعب الصغار بالكبار، واعتبرت واحدة منهن أن البراءة افتُقِدتْ تماما من هذا الجيل، بينما ردّدت أم الصغير المعاقب:
ـ ابني هو الذي ينبغي أن يلام، إنه هكذا دائما، في البيت وفي الشارع والآن في المدرسة، سذاجته التي لا حدود لها هي المشكلة، ترى أين يتعلم الصغار ألوان المكر والشقاوة؟!
0 تعليقات
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.