نظرية التعلم البنائية Constructivism
الاستاذة مريم حسينة
بني ملال
من خلال علم النفس
الطفل النمائي حاول " جان بياجي " ان يمدنا بعدة مبادئ ومفاهيم معرفية
علمية وحديثة طورت المدرسة التربوية.
المفاهيم المركزية في البنائية
·
التكييف: التعلم هو تكيف عضوية الفرد مع معطيات
وخصائص المحيط المادي والاجتماعي. والتكيف هو غاية عملية الموازنة بين الجهاز
العضوي و مختلف حالات الاضطراب واللاانتظام (الموضوعية او المتوقعة)، وذلك من خلال
آليتي الاستيعاب والتلاؤم.
·
الاستيعاب: ASSIMILATION، هو ادماج
للموضوع في بنية الذات.
·
التلاؤم والملاءمة: ACCOMODATION، تغيير في
استجابات الذات بعد استيعاب معطيات الموقف او الموضوع باتجاه تحقيق التوازن.
والملاءمة تعني كذلك تلاؤم الذات مع معطيات الموضوع الخارجي (أي توافقها و
التوافق= الرضا و الارضاء).
·
الموازنة والضبط الداخلي: الضبط الذاتي هو نشاط الذات باتجاه تجاوز
الاضطراب، والتوازن هو غاية اتساقه.
·
السيرورات الاجرائية: ان كل درجات التطور التجريبي في المعرفة وكل
اشكال التكيف، تنمو في تلازم جدلي، وتتأسس كلها على قاعدة العمليات الاجرائية اي
الأنشطة العملية الملموسة.
·
التمثل والوظيفة الرمزية: التمثل يعني الخريطة المعرفية التي يبنيها
الفكر عن عالم الناس والاشياء بواسطة الوظيفة الترميزية كاللغة والتقليد المميز
واللعب الرمزي.
ان التمثل اذن هو اعادة بناء الموضوع في الفكر بعد ان
يكون غائبا، والرمز يتحدد بواسطة رابط التشابه بين الدال والمدلول.
خطاطة الفعل: الخطاطة هي نموذج سلوكي منظم يمكن استعماله
استعمالا قصديا. ان خطاطات الفعل تشكل –
كتعلم اولي – ذكاء عمليا هاما، وهو منطق الفعل العملي الذي يحكم الطور الحسي –
الحركي من النمو الذهني.
التطبيقات التربوية للنظرية البنائية
·
إن
تضمين الموقف التعليمي خبرات حسية ييسر على كل من المعلم والمتعلم إنجاز أهداف
التعلم.
·
الخبرات
التي تتضمن تحديا لتفكير المتعلم بدرجة معقولة تعكس لديه اعتقادات عن العالم
المحيط به، وتعمل تلك الاعتقادات كدوافع تلازم المتعلم باستمرار.
·
إن
الوقوف عند خصائص النمو المعرفي بمراحله يمكن المعلم من التعرف على طبيعة تفكير
الطفل في مراحل نموه المختلفة بحيث يوجه انتباهه إلى الاستجابات المرتبطة بمرحلة
نموه ويحدد أهدافه في ضوء السلوك المتوقع أداؤه في هذه المرحلة.
·
تساعد
مراحل النمو المعرفي وخصائص مصممي المناهج على وضع مواد دراسية تتفق مع طبيعة
العمليات العقلية للأطفال في المراحل التعليمية المختلفة.
·
لمّا
كانت مراحل النمو المعرفي تقوم أساسا على إيجاد التوازن بين الطفل والبيئة، وهو
أمر يستلزم التفاعل بين الطفل والعالم المحيط به، لذا يجب وضع الطفل في بيئة نشيطة
وفعالة، لتسهيل التعلم، وممارسة أساليب الاكتشاف الذاتي الذي ينادي به بياجي.
·
توفر
خصائص النمو المعرفي إمكانية وضع اختبارات تقيس مستوى النمو العقلي عند المتعلمين.
·
إن
الأخطاء التي يرتكبها التلاميذ ليست دائما ناجمة عن عدم الاهتمام الكافي أو الفشل
في أداء الواجبات المدرسية... وإنما يعود ذلك إلى عجز الأطفال عن فهم دروسهم لأن
المفاهيم التي تتضمنها تلك الدروس تتطلب معرفة تفوق مرحلة نمو الأطفال وتطورهم
الحالي.
·
إن
الفائدة الأساسية التي تترتب على نظرية النمو العقلي التي ينادي بها ) بياجي (
تتمثل في إتاحة الفرصة أمام الطفل ليقوم بتعلم ذاتي، فإن التعلم يجب أن يكون نشيطا
وشيّقا... لأن الكلام وحده مع الطفل لايكفي لتنمية ذكائه، كما أن ممارسة التربية
بشكل جيد لا تتحقق إلا من خلال وضع الطفل في موقف تعليمي ليختبر نفسه بنفسه، ويرى
ما يحصل، ويستخدم الرموز، ويضع الأسئلة، ويفتش عن إجاباته الخاصة مقارنا إياها
بإجابات غيره من الأطفال .
أسس النظرية البنائية
1. يبني الفرد المعرفة داخل عقله و لا تنتقل إليه مكتملة.
2. يفسر الفرد ما يستقبله، ويبني المعنى بناء على ما لديه
من معلومات.
3. للمجتمع الذي يعيش فيه الفرد أثر كبير في بناء المعرفة.
مبادئ التعلم في النظرية البنائية
1. التعلم لا ينفصل عن التطور النمائي للعلاقة بين الذات
والموضوع.
2. التعلم يقترن باشتغال الذات عن الموضوع، وليس باقتناء
معارف عنه.
3. الاستدلال شرط لبناء المفهوم: المفهوم يربط العناصر
والأشياء بعضها ببعض، والخطاطة تجمع بين ما هو مشترك وبين الأفعال التي تجري في
لحظات مختلفة... وعليه فإن المفهوم لا يبني إلا على أساس استنتاجات استدلالية
تستمد مادتها من خطاطات الفعل.
4. الخطأ شرط للتعلم: الخطأ هو فرصة وموقف من خلال تجاوزه
يتم بناء المعرفة التي نعتبرها صحيحة.
5. الفهم شرط ضروري للتعلم: التعلم يقترن بالتجربة وليس
بالتلقين.
6. التعلم هو تجاوز ونفي للاضطراب.
7.
النظرية البنائية في حقل التربية
·
التعلم
هو سيرورة استيعاب الوقائع ذهنيا والتلاؤم معها في نفس الوقت.
·
يجب
تبني جعل المتعلم يكون المفاهيم ويضبط العلاقات بين الظواهر، ويكتسب السيرورات
الإجرائية للمواضيع قبل بنائها رمزيا.
·
جعل
المتعلم يضبط بالمحسوس الأجسام والعلاقات الرياضية، ثم الانتقال به إلى تجريدها عن
طريق الاستدلال الاستنباطي.
·
إكساب
المتعلم مناهج وطرائق التعامل مع المشكلات واتجاه المعرفة الاستكشافية عوض
الاستظهار.
·
تدريبه
على التعامل مع الخطأ كخطوة في اتجاه المعرفة الصحيحة.
·
إكساب
المتعلم الاقتناع بأهمية التكوين الذاتي.
مبادئ مستوحاة من
بنائية بياجي:
1)
بناء المفهوم: من المعلوم ان المقاربات
الكلاسيكية في التعليم اعتمدت الحشو و الاستظهار والحفظ كآليات للتعليم وفق الرؤية
الشهيرة: الرأس عبارة عن قارورة يمكن ملؤها، والعقل المليء سر نجاح صاحبه،
والذاكرة تشكل مصدر قوة الشخص...والواقع يشهد ان القارورة شيء، والعقل (وفيه
الذاكرة) شيء آخر...ولا مقارنة مع وجود الفارق كما يقول الفقهاء...فالذاكرة
القصيرة المدى قد تتعب من كثرة ازدحام المعلومات والافكار داخلها...خاصة اذا جاءت
عن طريق الحشو والاملاء والفرض...لكن هناك ذاكرة طويلة لا يمكن ملؤها ابدا... وما
يحدث هو ان الذاكرة القصيرة تفرغ محتواها في الذاكرة الطويلة....
لكن المقاربات الحديثة في التعلم، انطلاقا من تجارب
ومعاينات و أبحاث عالمية، تنتصر للبناء وهي فكرة بياجوية بامتياز...فالتلميذ الذي
ألف تلقي التعليمات في الطريقة التقليدية اضحى مجتهدا ومبادرا ومساهما ومنخرطا وفق
النظريات المعاصرة، فالمعرفة تبنى كلبنات بعضها فوق بعض الى ان يتحقق المبنى
متماسكا ذا جودة تؤهله لمواجهة الاعاصير والمشكلات المستجدة، ويتشكل البنيان
المرصوص الذي يشد بعضه بعضا...وفي مثل هذا البنيان المرصوص قال
الشاعر:
سقف بيتي حديد ** ركن
بيتي حجر
فاعصفي يا رياح ** وانتحب يا شجر
واسبحي يا غيوم ** واهطلي بالمطر
واقصفي يا رعود ** لست أخشى خطر
فاعصفي يا رياح ** وانتحب يا شجر
واسبحي يا غيوم ** واهطلي بالمطر
واقصفي يا رعود ** لست أخشى خطر
ومعناه ان المعرفة التي تبنى
تبقى صامدة في الزمان، ومتفاعلة مع المكان...فهي لا تتبخر اذا مرت عليها أعوام،
ولن تتأثر فلسفتها بالمكان...لأن عملية التحويل تبقى واردة دون ادنى مشكلة.
ان بناء المفهوم يدخل فيما يسمى
" السهل الممتنع "، فهما كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في
الميزان...ومن تبعاتهما اعتماد المتعلم على نفسه، واكتساب عادة البحث الذاتي،
والقدرة على الاندماج في المجموعة دون خوف أو أنانية أو تردد لأن المتعلم يحس ان المعرفة
في متناوله، وان مناخ الفصل يسمح له بمطاردتها ومحاصرتها قبل التقاطها.
2) التدرج:
وهو مبدأ تربوي تعلمي يناقض الدفع بالفكرة مرة واحدة، والقرآن الكريم يزكي هذا
المنهج المتدرج
﴿ وَقَالَ الَّذِينَ
كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ
لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا﴾ سورة الفرقان(32).
ولهذا
فان مراحل الكفاية (paliers de compétence) عبارة عن اربع تدريجات، كل تدريجة تمثل 8
اسابيع (مرحلة الكفاية)...ان التدرج اسلوب منهجي يؤدي بالمتعلم الى انتقال سلس من
المحسوس الملموس الى المجرد.
3)
التفتح: هناك من الاساتذة من
يجادل في الله بغير علم، هؤلاء يكثرون من الشكوى والتشكي اعتقادا منهم ان هذا
الاسلوب كفيل بدفع كل نقد عنهم، هؤلاء يعملون بمفهوم شعبي دارج " ضربني وبكى سبقني وشكى"... ولذلك
فهؤلاء يشكلون عقبة كأداء أمام التعلم الشخصي للمتعلم، ولصرف كل متهم لهم تجدهم
يصبون جام غضبهم على المتعلمين، متهمين اياهم بالتقصير و بأنهم مصدر كل ازعاج...لمثل
هؤلاء تؤكد الأدبيات الحديثة ان التفتح قد يأتي متأخرا.
4)
تعلم كيفية التعلم: ان المتعلم
الذي يتلقى ولا يشارك يتعود على الجاهزية والحظ، وعندما لا تتاح له فرص الأخذ
بالمجان تراه يبحث عن اثبات الذات عن طريق اللجوء الى الغش والخداع والتحايل و التبرير. .
5)
الفهم والمعنى: ان فهم المعنى
يؤدي الى استضمارها والتواصل معها، مع سهولة التعامل مع نفس المفهوم في سياقات
اخرى ذات دلالات مغايرة. ولهذا وضع بياجي الفهم كعنصر أساس في المعارف التعليمية،
وحث عليه كشرط ضروري للتعلم.فالتعلم يقترن بالتجربة وليس بالتلقين أي ان التعلم
يعني تجاوز ونفي للاضطراب.
اما
الاستدلال فهو شرط لبناء المفهوم: ذلك ان النفهوم يربط العناصر والاشياء ببعضها،
وهو لا يبنى الا على اساس استنتاجات استدلالية تستمد مادتها من خطاطات الفعل.
6)
الغاية لا تبرر الوسيلة:
فالنتيجة ان كانت خاطئة، فمعناه ان الخلل ارتكب اثناء الخطوات، ولا يمكن القفز فوق
بناء مفكك هش للوصول الى قمته، فالقمة ستهوي بصاحبها لأنها مؤسسة على جرف هار يظهر
من بعيد انه متين الاطراف. ومن جهة اخرى، فالوسائط تعد وسائل ناجعة لتوطيد العلاقة
التفاعلية بين المرسل و المرسل اليه.
7)
النجاح لا يتم على حساب اسباب
النجاح: صحيح ان كل متعلم قابل للتعلم وقادر على النجاح متى توفرت لديه فرصه وتمكن
من شروط التعلم الجيد...لكن الخبراء يتفقون على ان المنهجية والعدة البيداغوجية والتصورات الديداكتيكية هي
العائق الذي يعوق تعلم المتعثرين على الخصوص.
8)
الدافعية: كل مجهود يبذل ينبغي
تشجيعه، والا انطفأت الارادة، هذا مبدأ سلوكي، لكن بياجي يرى ان الدافعية تحفز على
التعلم الذاتي، وتمنح المتعلم طاقة اضافية، وتعزز تصرفاته بشحنات معنوية كي يفجر
ما بجعبته.
9)
الخطأ شرط للتعلم: لأنه هو
والحقيقة سيان، فهي تعانقه، والوصول اليها يتم عبر الخطأ، لأن الخطأ هو فرصة وموقف
من خلال تجاوزه يتم بناء معرفتنا الصحيحة.
ورغم
ان البعض يعتقد ان نظرية بياجي البنائية قد تجاوزتها الاحداث في اطار بروز التصور
المعرفي للتعلم Cognitivisme ، والذي
يعتبر التعلم كمعالجة للمعلومات، ويفترض بأن وعي المتعلم بما اكتسبه من معرفة،
وبطريقة اكتسابها يزيد من فعاليته...والبعض الآخر يعض بالنواجذ على النظرية
السوسيوبنائية Socioconstructivisme : وهي تعني
النظرية التفاعلية الاجتماعية، او البنائية الاجتماعية. ومن اهم افكارها: ان
المتعلم فاعل في البناء والانتاج، وان هدفها هو تغيير التمثلات في اطار الصراع
السوسيومعرفي ومقارنة الافكار... فان افكار بياجي لازالت حية، ويمكن تطبيقها
بمدارسنا التي تنفتح على جميع النظريات التربوية الاخرى لان بعضها يكمل البعض.
وكخاتمة
لابد ان نشير الى ان بياجي السويسري العالمي ساهم في انبثاق المدرسة التفاعلية
الاجتماعية، وكانت له الايادي البيضاء في التأسيس للمدرسة المعرفية. كما لن تفوتنا
الفرصة لنذكر بان نظريته البنائية تؤكد على ان المعرفة او المفهوم لا يتمان الا
بمشاركة المتعلم، وان كان بياجي يعتقد بان التعلم فردي بالدرجة الاولى، فان هذا لم
يمنع مدرسته بان تتبنى فكرة التفاعل بين المتعلم ومحيطه. واجمل ما جاءت به هذه
المدرسة تركيزها على الصراع المعرفي أي التوازن المعرفي والنفسي يضطرب ويختل تحت
تأثير مفهوم جديد لكن استيعاب المفهوم والتكيف مع سياقاته يؤدي الى اعادة التوازن.
والى لقاء
قادم، دمتم سعداء
والسلام عليكم ورحمة الله
0 Comments
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.