تابع موضوعات "التربية والتعليم وثقافة مجتمع، اختلالات ومعاطب: صرخة مغربي":
نهايـــــــة التعليـــــــم
(صرخة اللحظة الأخيرة)
عبد الله لخلوفي
د. عبد الله لخلوفي، أستاذ جامعي باحث،
دكتوراه الدولة ،
الجيولوجيا البنيوية،
جامعة محمد الخامس
علمت أياما قليلة قبل طبع هذا الكتاب ما أصابني بالدهشة والذهول. وحتى لا أطيل في التقديم لحيثيات الموضوع، فقد علمت عن طريق أحد الأصدقاء، مفتش ارتأى أن ينأى بنفسه، في إطار المغادرة الطوعية الشهيرة، أن مركز تكوين المعلمين الجميل بالرباط قد تحول إلى قسم للمعلمين بمدرسة يوسف بن تاشفين، وهو الأمر الذي تأكدت منه بنفسي فيما بعد.د. عبد الله لخلوفي، أستاذ جامعي باحث،
دكتوراه الدولة ،
الجيولوجيا البنيوية،
جامعة محمد الخامس
اقتضت نظرتنا، الخاصة بنا، لإصلاح التعليم أن تتحول بنايات هذه المؤسسة العتيدة وموقعها المتميز إلى مقر للأكاديمية الجهوية للتعليم للرباط وسلا. إنها الأكاديمية يا ناس، فلا بد لها من مقر يليق باسمها، أما المركز، مركز تكوين المعلمين، فيمكن له أن يكون في أي مكان أو لا يكون. فعلا، حط مركز تكوين المعلمين العتيد أيام زمان، رحاله في مقر الأكاديمية بحي الليمون، لينقل فيما بعد إلى مقر النيابة الإقليمية بحسان؛ وفي الأخير انتهى به المطاف، كــ"لاجئ تكوين" في جناح بمدرسة يوسف بن تاشفين، من دون إدارة مسيرة، بل ومن دون هوية ولا عنوان ولا إشارة تدل على أنه هنا. ولقد علمت أن المتبقى من هذا المركز يرجع الفضل فيه لغيرة بعض الأساتذة، حيث تطوع أحدهم لتسييره حتى لا يختفي، في انتظار من يعمل على إنقاذه. ولقد تطرق لهذا المصاب الجلل، المفتش يوسف المودني في مجلة المدرسية التي هو مسؤول عنها، في مقال تحت عنوان "مسؤولون يعتبرون التكوين المستمر نقطة ضعف نظامنا التربوي، وآخرون يغلقون مركز تكوين المعلمين!!!".
هل من ضرورة للتعليق على هذا الأمر؟ إذا كان ولا بد من قول شيء ما، فلنتساءل "هل يعقل، مثلا، أن يعمل المسؤولون عن الصحة في بلد ما، تفشت فيه الأمراض والأوبئة، على إغلاق المستشفيات والاستغناء عن الممرضين ووقف الاستثمار في ميدان الطب؟" وفي أدبيات الجيوش، "هل يعقل أن تغلق الثكنات العسكرية وقواعد تدريب الجنود ويتم إرسالهم إلى المعركة دونما تكوين وتداريب على فنون الحرب؟
يصدق على حالنا قول المثل الشعبي المغربي "إذا كنت في المغرب فلا تستغرب". أي منطق هذا الذي أصبحنا نتعامل به مع ما به نؤمن مستقبل أبنائنا، بل بقائنا؟ يبدو أننا صدقنا الفيلسوف الأمريكي (فرنسيس فوكوياما) في نظريته "نهاية التاريخ"، أكثر مما صدق هو نفسه في هذيانه، وفهمنا الأمر على غير مراد صاحبه. فنهاية التاريخ عنده تتمثل في انتصار الرأسمالية، أما نحن فيبدو أننا فهمنا أن التاريخ قد انتهى، فلم نعد نرى أية جدوى للاستثمار في ضروريات التعليم والتكوين والنهوض بالمنظومة التعليمية. فعلى وزن عنوان نظرية فرنسيس فوكوياما، عملنا نحن، كما ينطق به لسان حالنا، بنظرية "نهاية التعليم". فلو أننا فهمنا الأمر على مراد صاحبه، لكانت "نهاية التعليم" عندنا تعني تقييمه وتقويمه وتعميمه والانطلاق في تشييد وبناء صرح مغرب جديد على أسس علمية ووضع الأسس لثقافية جديدة.
فكيفما كانت النظرة المستقبلية لمنظري التعليم بهذا البلد الأمين، فلا يمكن أبدا تصور التقزيم الممنهج لمؤسسات تكوين الأطر (وعلى رأسها المدارس العليا للأساتذة)، وبخاصة مدرسة المعلمين، بل تنحيتها والعمل على إلغائها، في الوقت الذي اضطربت فيه المعارف بالتعليم الابتدائي اضطرابا شديدا بسبب اختلال البرامج والمناهج وتغييب التكوين المستمر وإعادة التكوين. كان من المفروض أن تزدهر هذه المؤسسات الأساسية في الوقت الذي نتغنى فيه بشعار تعميم التعليم الأساسي والرفع من نسبة التمدرس ومن الجودة. التحدي أكبر بكثير مما كان في الماضي كما وكيفا، فبدل التكوين الجيد لجيل جديد من المعلمين، وتعهد القدامى منهم بتنقيح معارفهم وتصحيحها، إذا بنا نعمل على طمس معالم مؤسسات تكوينهم وتعطيلها، بل وإلغائها. لكن قد يقول قائل، فمادامت معالم تعليمنا الابتدائي قد طمست وضيعت هويته تحت وطأة التضخم المعرفي الهائل كما ونوعية، فلا داعي للاستثمار في تخريج معلمين لن يقدموا أو يؤخروا شيئا. إنه الاستسلام إذا للأمر الواقع، إنها نهاية التعليم؛ فكما يقول المثل المغربي "ما في الهم غير لكيفهم". الحمد لله أننا أسسنا، في السنين الأخيرة، لتعليم مختص في محو الأمية لا يتطلب أية استثمارات، فعليه المعول في المستقبل لاحتضان ما سيتخرج من مؤسساتنا التعليمية من أميين. إنه منظور بعضنا لإصلاح التعليم في بداية الألفية الثالثة.
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع
0 تعليقات
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.