ممارسة التدريس الجزء 048 :الرياضيات
ذ: توفيق بنعمرو
يميل إليها و يعشقها كثيرون و ينفر منها و يبغضها أو يهابها و يتخوف منها آخرون. مقياس النجاح الدراسي و التميز العقلي و نضج الذكاء عند بعض المنظرين التربويين و مادة دون روح عند بعض الأدباء و الشعراء. اقترنت بالفلسفة و تقاطعت معها في عصور قديمة، و لا زالت مشتركة معها في أبواب منها حيّز المنطق و الاستدلال. تطوّرت و تشعبت مجالات استخدامها و تداولها في العلوم الأخرى و أصبحت ركيزة لا مَحيدَ عنها في جلّ مناحي الحياة الحديثة.
........
* لها أدوار في التعلم تخرج عن إطار محتواها كمادة دراسية مقرّرة فحسب، إلى أبعاد و عوالم فسيحة، فهي تنمي ملكات عديدة و تطوّر قدرات و كفايات هامة و أساسية في بناء شخصية وازنة سليمة رشيدة منها: التحليل و التجريد و الحدس و التخمين و التمثّل و الاستنباط و التخيّل و الاستدلال و الاستنتاج و البرهان و التأويل و الترميز، و التسلسل المنطقي المنظم، و الحساب و بناء التصور و تشكيل و قولبة المفاهيم و المسائل و البنيات، و متعة التعلم و متعة التمرّن و متعة البحث و متعة الوصول للحل و متعة استعمال العقل و الفطنة و الذكاء و متعة تذوّق حلاوة العلم.
.............
* اختلفت طرق ومناهج و مقررات مناولة المادة في التدريس بين الإغراق في التجريد و البناء التسلسلي النظري، و بين التركيز على تقنيات الحساب و التطبيق و تقريب الاستعمالات و الاستخدامات المباشرة في الميادين العملية. و للأسف الشديد وقع تخبّط في الموازنة بينهما و الأخذ منهما لأهميتهما معاً، فتَمَّ حذْفُ مقاطعَ من هذا و إضافة مقاطع من ذاك دون رؤية شمولية واضحة و لا فلسفة عميقة بيّنة الأهداف و المرامي، فأصبح البناء هشّاً بهندسة عشوائية و هيكل مترهّل، أساساته غير عميقة و لا صلبة، و طوابقه غير متوافقة و لا متطابقة، و نوافذه مُشْرَعة في اتجاهات متداخلة مشوّهة، و هذا تشبيه و توصيف واقعي لحالة تعلّم الرياضيات الآن.
............
* تدريس الرياضيات يتطلب جُهْداً بدنياً و عقلياً مُضْنِيين و تركيزاً و إعداداً كبيرين و حرفية و مهارة بارزتين، يواكب كل ذلك ميل و حب داخلي لها، و إلمام متين بدواخلها و بناءها النظري الأساسي و استشعار حقيقي و واقعي بقيمة المادة و دورها الكبير في تكوين شخصية المتعلم، و هي أمور فارقة في تحديد النجاح في ممارسة تدريسها و التفوق فيه.
...............
* هي حاضرة في كل مراحل التعلم و لا تخلو شعبة و لا مسلك منها، بل تختلف عدد ساعات التدريس و معاملها و مقرّرها فقط. و هنا تبرز قيمة الممارس و مهارته في تدريس و مقاربة و مناولة نفس المفهوم لشعبتين مختلفتين بمرامي متباينة، عليه أن يَتبيَّنَها و يستجليها قبل تدريس ذاك المفهوم، فمثلا درس نهايات الدوال عنوان مشترك بين شعبة الآداب و العلوم الإنسانية و العلوم التجريبية و العلوم الاقتصادية و العلوم الرياضية لكن بتفاصيل و مضامين مختلفة و الأهم من ذلك بأهداف غير متطابقة: فالمتعلّم في كل شعبة له نطاقه الفكري الخاص و طريقته في اكتساب المعرفة، و الشعبة في حد ذاتها لها فلسفتها الخاصة في التكوين و القدرات المنتظرة المستهدفة من المادة ككلّ، فالتدريس بنفس الأسلوب و نفس الطريقة لكل تلك الشعب و المستويات عمل غير سليم و يجافي الصواب.
...............
* يَحسُنُ بالممارس لمادة الرياضيات أن ينوّع في مساره المهني الشعب و المقرّرات المدرّسة و لا يكتفي بالاختصاص في واحد أو اثنين، فسيجد في التنويع مجالاً لصقل الخبرة و التعرف على جمهور من المتعلمين مختلف و متباين، و سيظهر له مدى يُسْر الفهم عند البعض و صعوبة التعلم عند البعض و مجال التعثر عند آخرين في كل وحدة دراسية، يقيس عندها ما يصلح لكل نوع من التلاميذ و يتيسّر له التفاعل مع أنماط مختلفة من الإدراك فلا يحكم على الجميع بتدنّي المستوى أو ضعف الذكاء أو قلة كفاية الفهم، و إنّما يعطي لكلٍّ ما يصلح له بالقدر الذي يصلح له و في الوقت و المدى الذي يصلح له و هذا ما سيكون أنفعَ له. و على العموم فكلّما كانت المادة ضعيفةَ المُعاملِ في شعبةٍ كلما كانت الطاقة الإبداعية في التدريس ضرورية لكسب التجاوب و جلب الاهتمام و الإقبال على التعلم و هذا و إن كان يبدو عسيراً فهو في حد ذاته تحدّي في الممارسة له متعته الخاصة و الله الموفّق.
0 تعليقات
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.