حينما تتكفل اللغة بتعرية الفشل السياسي، قراءة في بلاغ رئيس الحكومة المغربية المُكَََََلَّف

الإدارة Januar 11, 2017 Januar 11, 2017
للقراءة
كلمة
0 تعليق
-A A +A

حينما تتكفل اللغة بتعرية الفشل السياسي، قراءة في بلاغ رئيس الحكومة المغربية المُكَََََلَّف

 ـ نورالدين الطويليع‎


نورالدين الطويليع‎

بعيدا عن القراءة السياسية لواقع ما صار يعرف بالبلوكاج الحكومي، ولتداعيات تشكيل حكومة راوح مكانه لما يقارب ثلاثة أشهر، وارتد أخيرا إلى الوراء، ونأيا بالنفس عن قرف سياسة لم تعد تنتج غير إفلاسها، اتخذ كثير من المغاربة مكانا قصيا، جاعلين بينهم وبين الموضوع مسافة شاسعة، لكن التطور الأخير المتمثل في بلاغ رئيس الحكومة المكلف السيد عبد الإله بنكيران استفز الجميع بما احتواه من إشارات، وبما تضمنه من لغة مرتجلة، وأحيى النقاش من جديد حول سيناريوهات القضية ومآلاتها، وأدلى كل بدلوه في الموضوع من الزاوية التي تناسبه.
من جانبنا سنركز في هذه القراءة المتواضعة على ما تضمنه البلاغ من دلالات سيميائية ولغوية، وسنحاول ونحن نغوص في متنه استخلاص المؤشرات والمعينات التي من شأنها إرشادنا لفهم نفسية الرجل، والوقوف عن كثب على مدى خدمة اللغة للسياق السياسي المفعم بالفشل الذريع، وبالتخبط والضبابية.
1ـ عناصر البنية العاملية في النص: نشير بداية إلى أن البلاغ تتوزعه ثلاثة محاور هي: ـ محور التواصل ـ محور الرغبة ـ محور الصراع، المحور الأول يضم عنصرين، هما المرسل مُجَسَّدًا في رئيس الحكومة المُكَلَّف بنكيران، والمرسل إليه مُمَثَّلاً في الشعب المغربي عامة، والنخبة السياسية خاصة، وزعماء الأحزاب الأربعة المُسْتَهْدَفِين بالبلاغ بصفة أخص، في خطوة يريد صاحب الرسالة (البلاغ) من خلالها استباق الأحداث المتسارعة، والظهور بمظهر صاحب القرار الحازم والخطوة الجريئة، وساحب البساط من تحت أرجل زعماء الأحزاب الأربعة، وهي رسالة تنبني على استدلال يبتدأ بتعبير "بما أن"، وينتهي ب "فإنني" وبخلاصة مفادها الوصول إلى النفق المسدود في موضوع تشكيل الحكومة، وما بين العنصرين شرح مرتجل يغلب عليه طابع التكرار وتتخلله ركاكة تعبيرية أفقدت المكتوب القدرة على إيصال المعنى بوضوح، مما ينم على أن الذات المرسلة كتبت رسالتها تحت ضغط التوتر وفقدان التوازن العصبي ومطاردة عنصر الزمن والرغبة في استباق الأحداث القادمة، دون أن تترك لنفسها فسحة من الوقت لاسترجاع النَّفَسِ من أجل المراجعة اللغوية والمضمونية لخطاب طغى عليه الارتجال والتفكك، وتَرَكَتِ اليد المرتجفة من شدة الغضب آثارها واضحة على متنه النصي.
في محور الرغبة تبرز الذات البنكيرانية المسنودة بموضوع الرغبة في تشكيل الحكومة، متكئة على الإرادة الملكية (عينني صاحب الجلالة ـ كلفني بتشكيلها)، وهو اتكاء يجد مسوغه في محاولة هذه الذات مُحَاجَجَةُ الخصوم بالشرعية الدستورية، واستمداد القوة من أعلى سلطة في البلاد، وبالتالي خلع صفة اللا دستورية على كل محاولة تروم تجاوزها أو عرقلتها، ليصل الأمر إلى حد حشر الخصوم في دائرة معاكسة الإرادة الملكية وفق منطق يريد الرجل أن يقول من خلاله: بما أن الملك عينني وكلفني، وبما أنكم تسيرون في اتجاه العرقلة، فأنتم تعارضون الرغبة الملكية التي أعطتني صفة رئيس الحكومة.
هذا التعظيم للذات الملكية يقابله تقزيم الذات البنكيرانية لنفسها، وممارسة القهر عليها من خلال الحضور الباهت والمحتشم الذي يبرز من خلال مؤشرين، أحدهما كَمِّيٌّ، يتمثل في حضورها ست مرات، وعن طريق الضمائر فقط، دون أن تأتي على ذكر اسم العلم (عبد الإله بنكيران) إلا أثناء التوقيع على البلاغ، أو صفتها (رئيس الحكومة المكلف) إلا ما ورد في إطار الإشارة إلى التعيين الملكي، ومعلوم أن الضمير سمة دالة على الضعف، وعلى غموض الشخصية وإبهامها والتباسها على مستوى الحضور والفعل والإدراك، وهذا التغييب للذات مرده إلى الإحساس بالفشل والفَقْدِ والدونية والغُبْن، وسنرى كيف سيهيمن الطرف الآخر على متن البلاغ بحضوره الكمي الوازن.
ثاني المؤشرين على إحساس هذه الذات بالهوان نوعي يبرز من خلال قوله: "وهو ما لا يمكن للمفاوضات أن تستمر"، حيث غُيِّبَتِ الذات الفاعلة، وحلت محاها كلمة "المفاوضات"، كما لو أنها هي التي تقرر الاستمرار أو التوقف، في الوقت الذي يقتضي سياق الرد وتحدي الخصوم تنصيب الذات، وإن على مستوى الظاهر اللغوي، كأن يقول الرجل مثلا: "لا يمكنني أن أستمر في المفاوضات"، أما أن يتوارى بذاته ويطمسها من الوجود اللغوي فهذا يؤشر على ذات لا تضع يدها بإحكام على مقود المفاوضات، وعلى أنها تسلم بأن الأمواج العاتية قادرة على أن تذهب بها وبه في الاتجاه الذي تريد.
ويطل علينا هذا التهوين للذات على المستوى النوعي كذلك في قوله: "ونفس الشيء يقال عن السيد امحند العنصر"، حيث عمد الرجل ها هنا إلى بناء الفعل للمجهول "يُقَالُ" رغم أنه هو القائل، وكان بإمكانه أن يستعمل الفعل مبنيا للمعلوم، ويقولها صريحة مثبتا ذاته بضمير المتكلم الدال على جمع التعظيم على هذا المنوال: "نفس الشيء نقوله للسيد امحند العنصر"، وهنا وقبل أن أسترسل في موضوع بناء الفعل للمجهول، أفتح قوسا لأشير إلى عدم توفق الرجل في توظيف حرف الجر "عن" الذي يفيد التجاوز (نقول رغبت عن الشيء، بمعنى تجاوزته)، ويأتي في سياق الرواية والإخبار (عن فلان ...قيل عنه)، وهو غير مناسب البتة هنا، لأن سياق الكلام الموسوم بالرغبة في إرسال رسالة ما، يقتضي استعمال حرف التبليغ "اللام" (نقوله للسيد، وليس عن السيد)، كما في قوله تعالى: "وإذ قال موسىِ لِقومه..."، وهو ما كان سيحقق لكلامه قوة المحاججة، رغم أن كلمة "الشيء" الهلامية والفضفاضة والمفتقدة إلى الدقة تفقده هذه الصفة وتفرغه من محتواه، فما أراده الرجل وعيدا فقد قوته الإقناعية والحجاجية لأن اللفظة المختارة "الشيء" لا تحقق المبتغى، وتبدو كسيف خشبي حمله صاحبه في ساحة وغى، مهددا خصومه بقطع أعناقهم.
وحتى لا نستغرق في هذه الجزئية نعود لموضوع بناء الرجل الفعل "يقال" للمجهول، وهي الظاهرة التي يسميها الكوفيون "الفعل المبني لما لم يُسَمَّ فاعله"، ويسميها البصريون "الفعل المبني للمفعول"، وهو ما يشير إلى تغييب الذات الفاعلة لعدم الحاجة إلى ذكرها، ولعدم أهميتها في سياق الحدث، تقول الدكتورة عائشة بنت الشاطئ بهذا الصدد بأن استعمال الفعل مبنيا للمجهول غايته "تركيز الاهتمام على الحدث بصرف النظر عن مُحْدِثِهِ" لدوره الثانوي أو لعدم أهمية وروده ، كما في قوله تعالى على لسان إخوة يوسف: "هذه بضاعتنا ردت إلينا"، حيث وردت كلمة "رُدَّتْ" مبنية للمجهول، لأن المهم هو استعادة البضاعة، ولا يهم من أعادها، أما في سياق الحالة التي يتحدث عنها السيد بنكيران، فكان أولى به أن يقحم ذاته الفاعلة من خلال بناء الفعل للمعلوم وإثبات الفاعل في التركيب اللغوي بالاسم أو بالصفة، أو على أقل تقدير بالضمير، ليتأتى له تحقيق الصبغة الحجاجية لبلاغه، وإرسال رسالة إلى الخصوم مفادها أن حضوره اللغوي واشرئبابه من شرفة النص توازيه قدرة واستعداد وتأهب للمقارعة والمواجهة، وقدرة على الحضور السياسي الوازن.
هكذا إذن، وأمام الحضور الباهت والمحتشم للذات تتضاءل الرغبة تدريجيا لتنمحي في الأخير بعبارة "انتهى الكلام" الفضفاضة التي تطرح بقوة سؤال الفاعل المُغَيَّبِ من جديد، ولا تعبر عن صرامة الفعل، ولا عن أي موقف واضح من قبل قائلها، وعما إذا كان الأمر يتعلق بإغلاق باب التفاوض مع الشخصيتين المذكورتين فقط، أم بالنكوص النهائي عن موضوع تشكيل الحكومة، ووضع مفاتيحه أمام الملك ليدبره بطريقته الخاصة.
في محور الصراع احتل العامل المعاكس الصدارة وشغل مساحة كبيرة ضمن الحيز النصي، فقد حضر كَعَلَمٍ بالاسم واللقب (عزيز أخنوش)، وكصفة (رئيس التجمع الوطني للأحرار)، وكضمير بما يساوي 14مرة، في مقابل الحضور المحتشم للذات البنكيرانية (ست مرات)، وهو ما يعني تسليما بوعي أو بلا وعي بقوة الخصم الضاربة، وبانهزاميتها وتقهرها أمامه، واعترافها بافتقاد القوة على ردعه أو الوقوف في وجهه، وإيمانها بتوفره على قوة غير عادية تعي جيدا مصدرها، والتي لا شك أن صاحبها تتبع تنذر المغاربة به على صفحات التواصل الاجتماعي بقولهم بأن عزيز أخنوش عين عبد الإله بنكيران رئيسا للحكومة.
ويوازي هذا الحضور القوي للعامل المعاكس على المستوى الكمي استدعاء أفعال تربط حضور الذات البنكيرانية المُعَاكَسَة بالآخر وترهنها بها، كأنها تقر بعدم قدرتها على التفرد والاستقلالية، وتعترف بحاجتها إلى من يقيم صلبها، ولا تقيم لنفسها قائمة في كنف الآخر (عينني ـ كلفني ـ وعدني ـ يجيبني)، فهده الأفعال كلها تشهد على وضع الذات موضع المفعولية والانتظارية، وقد جاءت مرتبطة بنون الوقاية التي تقي الفعل من الكسر، بما يمكننا أن نؤله برغبة الذات البنكيرانية في الاحتماء بالآخر، وحاجتها إلى من يقيها فشل تشكيل الحكومة، وبالمقابل جاء بأفعال يستشف منها التسليم بقوة العامل المعاكس (لم يفعل ـ فضل)، وقد وردت مجردة من أي ضمير من الضمائر المتصلة، مبنية للمعلوم كذات فاعلة تجسد هيمنتها على الذاكرة البنكيرانية التي طفح بها الكيل ووصل أقصى مدى له مع تشييع المفاوضات إلى مثواها الأخير، والإعلان رسميا عن وفاتها بعبارة "انتهى الكلام" العائمة التي تفتح مجال التأويل واسعا أمام سؤال "من أنهى الكلام؟"، ولو شاء الرجل الدقة واستحضار الذات الفاعلة في مواجهة الخصوم لقال: "أنهيت الكلام"، أو لجاء بأي صيغة أخرى تتضمن حضور الذات.
وحتى حينما استعمل الرجل صيغة السلب "لا يملك" في توصيف العامل المعاكس، فإنه ربطها بشخصه (أن يجيبني)، ولم يأت بكلمة من شأنها الحط من شأنه وإظهاره بمظهر يريد الإفصاح عنه، لكنه متردد خوفا من تبعاته عليه، كأن يقول عنه مثلا: "لا يملك قراره"، ربما لأن صفعة التصريح بوجود دولتين بالمغرب ما زال وخزها حاضرا وألمها مستمرا، لذلك هادن وآثر السلامة بتعبير هو أقرب إلى العبارة الآتية "لا يريد أن يجيبني".
2ـ بنية التشاكل في بلاغ رئيس الحكومة المكلف: يقصد بالتشاكل مجموعة من السيمات السياقية المتكررة والمترددة بشكل متواتر داخل خطاب أو نص ما، وبلاغ رئيس الحكومة المكلف طافح بالسمة التشاكلية التي تحققت بفعل تكرار وحدات دلالية ومعنوية شكلت أهم تمفصلات النص، ويلفت انتباهنا بهذا الصدد الحضور الوازن لكلمة "السؤال" وللضمائر العائدة عليها (10مرات)، وهو تكرار يجد مصوغه في الطبيعة الاستفهامية للسؤال التي يعرفها البلاغيون بأنها "طلب معرفة شيء لم يكن معروفا من قبل لدى السائل"، فكأن الرجل مشدود ومأخوذ بصدمة السؤال ودهشته من واقع لا يعرف من يحرك مياهه تحت الطاولة بعيدا عن أنظاره، ولا يجد سبيلا لفهمه وفك ألغازه المستعصية، وتطل علينا كلمة أخنوش وضمائرها التي تربعت على عرش البلاغ وهيمنت عليه (14مرة)، وكلمة الحكومة التي تكررت وضمائرها (05مرات)، هذه الكلمات الثلاث تشكل البؤرة الدلالية للبلاغ ، وتكشف عن سيكولوجية رئيس حكومة مكلف مقهور ضاق ذرعا بواقع ما يسمى "البلوكاج" الذي يحول بينه وبين تحقيق مبتغاه، فهرع إلى السؤال واحتمى به، وهو يضع علامات الاستفهام الكبيرة عن علاقة أخنوش بتشكيل الحكومة من عدمه، وعن مصدر قوته في التصدي لمحاولات لَمِّ شملها وإيقافها على رجليها، وهي محاولة أشبه ما تكون بحكاية المستجير من الرمضاء بالنار، لثقة الرجل بألا أمل في إزالتها، وفي العثور على مشاريع جوابية شافية كافية من شأنها أن تخرجه من العتمة الاستفهامية ومعالمها المظلمة، ولا أدل على ذلك من الحضور الباهت لكلمة جواب ومشتقاتها (04مرات)، مما يصوغ لنا تقسيم النص إلى حقلين دلاليين:
ــ حقل السؤال الذي يعبر عن التيهان والفقد وضياع الذات والغموض واستعصاء الفهم والعجز عنه، وهو الحقل المهيمن، والمعبر عما هو كائن في مخيلة رئيس الحكومة المكلف الذي لا يجد إلا التسليم بحوله وقوته.
ــ حقل الإجابة المعبر عما يبتغيه الرجل ويسعى وراءه، وهو حقل يتسم بالضعف على مستوى تأثيث النص، ويعري واقع الذات البنكيرانية المصطدمة بحاجز السؤال الحائل بينها وبين الظفر بجواب من شأنه فك أسرها الاندهاشي، وفتح الحدود المغلقة في وجهها، وتمكينها من ولوج ساحة الانفراج السياسي والظفر بغنيمة تشكيل الحكومة وضمان رئاستها، بعيدا عن حواجز التشويش والعرقلة التي تركته قائما في مكانه، دون أن يبرحه ولو بخطوة واحدة.
3ـ اللحن اللغوي في بلاغ رئيس الحكومة، مؤشراته ودلالاته: استهل عبد الإله بنكيران بلاغه بخرق لغوي نصب من خلاله اسم كان "أن يكون لكل سؤال جوابا"، في الوقت الذي كان يجدر به أن يرفعه "أن يكون لكل سؤال جوابٌ"، هذا الخرق يساير السياق العام للبلاغ وطبيعته الانهزامية، فمن المعلوم أن الرفع في اللغة العربية أقوى من النصب، لأنه من نصيب الكلمات المهمة (الفاعل ـ المبتدأ ـ المضارع المشابه للاسم في كونه معربا)، فالاسم المرفوع سمي كذلك لأنه عالي المقام، في حين أن النصب يكون للمفاعيل التي إما أن الفعل يقع عليها، أو أنها في موضع وقوعه، هذه الاستعاضة عن الرفع القوي إلى النصب الضعيف تعبر عن انكسار صاحب الرسالة وتحوله من ذات فاعلة موكول لها أمر تشكيل الحكومة،  إلى ذات منفعلة تقع معمولا بها تحت تأثير أفعال الخصوم التي تمارس عليها عملها الظاهر، دون أن تجد ما يمنعها من العمل...، وتحويل الرجل اسم كان إلى خبر يعكس كذلك يقينا داخليا مفاده أن تشكيل الحكومة سيغيب عنه اسمه، وسيصبح تكليفه الذي استمسك به في خبر كان.
وكما بدأ الرجل بلاغه بخرق لغوي، ختمه كذلك بجملة لا حنة ارتكب من خلالها مجزرة رهيبة في حق لغة الضاد، حين قلب رأسا على عقب وفَدْلَكَ مكونات هذا التركيب وشتتها كما لو كان يرمي الكلمات كما اتفق "وبهذا يكون معه قد انتهى الكلام"، فبالإضافة إلى سماجة وركاكة هذه التي سنسميها تجاوزا جملة، يثير انتباهنا عودة الرجل إلى شن عدوان جديد على اسم كان أكثر دموية من العدوان السابق، حيث سحقه سحقا وأقبره دون أن يترك له أثرا، وهو تحول دراماتيكي انتقل فيه من تغيير معالم اسم كان في بداية النص (نصبه عوض رفعه) إلى إلغائه نهائيا في نهايته في تساوق غريب مع إحساس الذات البنكيرانية بالإلغاء والإقبار كذات كانت مرشحة لقيادة الحكومة بلا منازع، وبهذا نجد أن اللغة واكبت الإيقاع النفسي للرجل، حيث إنه في بداية النص تحدث عما سماه إخلالا بالوعد، ووضع نفسه كفاعل مكلف بتشكيل الحكومة، كما عرج على الإشارة إلى رغبة خصومه في تغيير هذا الوضع، وتحويله من فاعل إلى مفعول به، وفي نهاية النص غُيِّبَ هذا الفاعل نهائيا، ربما بأمر من لاوعي صار عميقَ الإيمان بأن وجوده في الساحة السياسية انتهى ولم تعد له قائمة، وبأن المشعل ربما يتسلمه من انتهى معه الكلام، وربما غيره، لكن لن يؤول إليه ثانية.
ختاما قد نجد العذر للسيد عبد الإله بنكيران فيما مني به من فشل في تشكيل الحكومة، لأسباب موضوعية خارجة عن طاقته، لكن لا عذر للرجل في سحله للغة العربية، خصوصا أنه زعيم حزب عُرُوبِي يعتبر اللغة العربية من المقدسات، ويدعو إلى الحفاظ عليها وصيانتها، وقد كان أولى به أن يراجع بلاغه هذا، وأن يتجنب طبخه على نار متقدة بسرعة جنونية جعلته يصطدم بحاجز قواعد هدمها عن بكرة أبيها، ويحضرني بهذا الصدد ما وقع لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين رأى شبابا لا يحسنون الرماية، وعاب عليهم ذلك، فلما ردوا عليه قائلين: "نحن قوم متعلمين"، أجابهم غاضبا: "خطؤكم في لسانكم أشد علي من خطئكم في الرماية"، كذلك نقولها للسيد بنكيران: "فشلك في تشكيل الحكومة أهون علينا من أخطائك اللغوية التي أصبت من خلالها لغتنا العربية في مقتل"، وقد كان بإمكانك أن تصدر بلاغا أكثر تماسكا من حيث اللغة والأسلوب والسلامة من الأخطاء، ولكنك لم تفعل تحت تأثير الغضب والتسرع والانفعال.       

شارك المقال لتنفع به غيرك

Kommentar veröffentlichen

0 Kommentare


 

  • انشر مواضيعك و مساهماتك بلغ عن أي رابط لا يعمل لنعوضه :[email protected] -0707983967او على الفايسبوك
     موقع الأساتذة على  اخبار جوجل - على التلغرام : المجموعة - القناة -اليوتيب - بينتريست -
  • 1141781167114648139
    http://www.profpress.net/?hl=de