الحرية الإنسانية من المنظور الوجودي لدى سارتر
نعمان الفاضل
يعتبر سارتر أبرز الفلاسفة الوجوديين الذين تحمسوا للدفاع
عن الحرية الإنسانية ضد أي لون من ألوان الحتمية، فحاول أن يحطم فكرة أية
ضرورة مفروضة على الإنسان من الخارج، أو مستمدة من الأشياء، أو من أي نظام
ديني أخلاقي.
وتقوم
الفلسفة الوجودية على مبدأ رئيسي يضعه سارتر، وهو القول "بأسبقية الوجود
على الماهية"، فالإنسان يوجد أولا ثم يعرف بعد ذلك. وحين يوجد الإنسان لا
يكون شيئا
محددا
أو معينا، ولا يملك أية طبيعة إنسانية بإمكانه أن يسند ويركن إليها في
تصرفاته، لكونه لم يختر بعد ما يكونه وكيف يكون. ومن ثم، فالإنسان هو من
يتحكم بماهيته وليس
العكس، وهو من يحدد نفسه ويرسم وجوده وحريته وكيانه، أي أن الإنسان يوجد
أولا غير محدد بصفة أو لقب، ثم يلقي بنفسه في المستقبل بفعله وفكره، فهو من
يصنع مستقبله ويحقق من هذا الصنع ما يستطيع
ومن
هذا المنطلق، فكي يكون الإنسان مسؤولا عن عما هو عليه، لابد له أن يكون
مشروعا وتصميما يصوغ بنفسه لنفسه، وهذه المسؤولية لا تقتصر عليه وحده فقط،
بل تمتد إلى الناس
جميعا، وذلك لأننا " عندما نقول بأن الإنسان يختار ذاته، فإننا نعني أن
كلا منا يختار ذاته، ونقصد بذلك أيضا، أن باختيارنا هذا نختار كل الناس
وبناء
على ما سبق، فقد بلور سارتر موقفه من مسألة الحرية في فلسفته الوجودية حول
محور أساسي يتمثل في تأكيده على الذاتية الإنسانية والوعي والحرية بغية
تأسيس اصور للحرية
على أسس واقعية وحقيقة صلبة غير منغلقة على ذاتها ولا تقصي الأخر، بل
تعتبره – على حد تعبير سارتر – " حرية ماثلة قبالتي"
ويذهب
سارتر الى القول إنه مادام الوجود سبقا على الماهية، فإنه يترتب عن ذلك أن
يكون الإنسان حرا، لأنه يوجد في العالم، وبعد ذلك يفعل بنفسه ما يشاء،
ويصنع لنفسه ماهيته
بإرادة حرة. وبهذا، يكون سارتر قد قلب العلاقة بين الإنسان والوجود د،
فإذا كانت الفلسفة التقليدية تقول بأن ماهية الإنسان سابقة على وجوده،
بالشكل الذي يصبح معه خاضعا لجبرية وضرورة مطلقتين. فإن سارتر يقول پأسبقية
الوجود على الماهية، يحيث يصبح الإنسان حرا في اختيار
ماهية وجوده.
بيد
أن الإنسان بامتلاكه لماهيته ولحرية اختيارها يلزم عن ذلك ضرورة أن يتحمل
مسؤولية تلك الحرية ونتائج اختياراته وعواقب أفعاله، حيث يقول سارتر في ذا
الصدد: " وهكذا
أكون مسؤولا أمام نفسي وأمام الجميع، فأبدع صورة محددة للإنسان الذي
أختاره، وباختياري لنفسي، فإني أختار الإنسان". ومن هذا القول نكتشف تأكيد
سارتر وإلحاحه على وضع الإنسان وصيا على نفسه ومسؤولا عن أفعاله
واختياراته.
وهكذا.
فما دام كل اختيار يحتمل النجاح والفشل، ومادام «الإنسان الذي يلتزم
وينتبه الى أنه ليس من يختار ما يكون عليه فقط، وانما يكون مشروعا يختار
نفسه في الوقت الذي
يختار فيه الإنسانية برمتها، لن يكون قادرا عندها على الإفلات من الشعور
بمسؤولية تامة وعميقة". وذلك لكون هذا الاختيار ليس ألعوبة يتلهى بها
الإنسان، وإنما هو بمثابة جوهر المعاناة التي يعانيها الفرد كي يؤكد وجوده،
لأن اختيار الفرد لفعل معين دون آخر، وما سوف يرتبط
بذلك من تحمل للمسؤولية. عادة ما يولد إحساسا بالخوف وقلقا من نتائج تلك
المسؤولية أو ذاك الاختيار.
ويذهب
سارتر إلى ان القلق الذي يقصده هنا، ليس ذاك القلق المرضي الذي يدعو إلى
الاستكانة واللافعل، بل القلق الطبعي الذي ينتاب الإنسان الحر والمسؤول إذ
يقول: " لا يتعلق
الأمر هنا بقلق يقود إلى الدعة والجمود إنما هو قلق بسيط يعرفه كل من
اضطلع بمسؤوليات". ومن ثم، فالإنسان حسب سارتر يظل طول حياته يعيش في قلق
دائم مادام حرا يختار ويتحمل مسؤولية اختياره.
وخلاصة
القول، إن الحرية عند سارتر ليست صفة مضافة أو خاصية من خصائص طبيعة
الإنسان، بل هي عين الوجود ونسيجه، فالقول بأن الإنسان موجود يعني ببساطة
أنه حر، لأنه كما يقول
سارتر "محكوم عليه بالحرية، محكوم عليه لأنه ليس هو من خلق نفسه، إلا أنه
مع ذلك يكون حرا لأنه بمجرد ما يلقى به في العالم يكون مسؤولا على كل ما
يفعل". وبعبارة أخرى، لا يمكن التمييز بين الحرية والوجود، فالإنسان لا
يوجد أولا ثم يصبح حرا بعد ذلك بل إن كونه انسانا
معناه أنه حر بالفعل. وتوقف الإنسان عن الفعل وممارسة الحرية من شأنه أن
يجعل حياته بلا معنى
0 تعليقات
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.