تابـــــــــــع حلقــــات من كتاب "شاهدونا ونحن نخرب بيوتكم"
تسويق للسلع أو تسويق لجسد المرأة (انظر الملحق)
أينما حللت وارتحلت، وفي أي اتجاه نظرت، تسترعي نظرك وتعترضك صورة المرأة كجسد فاتن مستهلك ومستعمل في الكليبات وتقنيات الإشهار لبيع حتى أبخس السلع والمنتوجات وتقديم حتى أتفه الخدمات. أغلفة المجلات وصفحاتها، وكذا صفحات الجرائد، مليئة بصور الفاتنات الجميلات والمجملات، المهيجة للغريزة الجنسية والمثيرة للخواطر عند الشباب والشيوخ على السواء. نعم،
صورة المرأة وجسدها حاضران في الترويج حتى لبيع أتفه الأشياء، كليبات ووصفات إشهارية تروج، قبل كل شيء، للمرأة كجسد بدل التسويق للمنتوج الذي يراد بيعه، الذي يحتل مساحة أصغر وموقعا ثانويا في المشهد. لا بد للمرأة أن تكون حاضرة كجسد في كل صغيرة وكبيرة، من بيع "شوي نكوم" (المسكة) إلى الاحتفاء بالأوائل في كل مرحلة من مراحل سباق الدراجات الهوائية والنارية وسباق السيارات، وما إلى ذلك. هل هذه هي الحداثة ومحاربة الهشاشة التي تراد لمجتمعنا في تحد سافر لقيمه الحضارية والثقافية وأعرافه؟ وهل هذه هي حقوق المرأة التي ستجعلها تسترجع مكانتها ودورها في المجتمعات الحداثية؟
من بين اللقطات الإشهارية المثيرة للشفقة، تلك التي تظهر امرأة "تقليدية" أمية تتبع دروس محو الأمية فتتحول، فجأة، إلى امرأة عصرية من خلال الملبس وهي تردد أنها أصبحت حرة، حرة... لقطة إشهارية مثيرة للشفقة ممن هندس لها، ومن القنوات التلفزيونية التي تعرضها؛ فلقد تم اختزال الهدف من محو الأمية في تمكين المرأة من الانقلاب على نفسها وعلى ثوابتها الثقافية والحضارية؛ فبدل أن تصيح أنها أصبحت تمتلك مفاتيح امتلاك المعرفة للنهوض بأسرتها وبالبلاد، تصيح المرأة بعد أن غيرت طريقة لبسها (لباس عصري من وحي آخر صرخات الموضة) أنها أصبحت حرة في فعل ما تشاء. فهل ترضى المرأة بأن تصور بهذه الكيفية المهينة، بحيث تبدو تافهة، مراهقة، بخصة، كل همها أن تصبح حرة في فعل ما تشاء بجسدها؟ لنتذكر كيف تتعامل المرأة اليابانية والكورية مع زوجها وقد تكون عالمة، فهل إلى هذا الحد يعمل إعلامنا على تقويض أسس المؤسسة الأسرية المغربية الإسلامية الراقية؟ أية حرية، وأية حداثة هاته التي تدفع بالمرأة (أو الرجل)، ربة الأسرة، لتصبح حبيسة غريزتها الجنسية وأهوائها التافهة؟
ومما يثير الشفقة كذلك، أن المرأة القروية والأمية التي تهاجر مع زوجها وأبنائها إلى الدول الغربية، والتي قد يحرص الزوج على أن تتعلم القراءة والكتابة، سرعان ما تتمرد على كل شيء (زوجها وأبنائها) في ما مضى من حياتها وتغادر البيت، أو تعمل على طرد الرجل منه لتعيش حياتها كما يحلو لها. نعم، تذهب لمحو الأمية، لكن هناك من تتربصن بها من بني جلدتها، بحيث يتم إفهامها وإقناعها أنها كانت تعيش حياة العبودية فيما مضى، وأنها الآن تملك زمام أمرها في بلدان تضمن لها قوانينها حريتها في فعل ما يحلو لها. فكما يقول المثل الدارجي "يا ويلك من المشواق لفاق" (أي أن المحروم من الشيء، إذا ما تمكن منه، فلن يحسن التعامل معه)، ويقول المثل الشعبي الآخر"حمقة وقالوا ليها زغرتي"؛ نعم يتم استغلال سذاجة هاته النساء من طرف محترفات كل همهن تدمير البيوت الزوجية، بدل العمل على إصلاح أحوالها بالعمل على ترشيد العلاقة الزوجية وتنقيتها مما قد يشوبها من منغصات. فلماذا التباكي وذرف دموع التماسيح على ما تؤول إليها الأوضاع من تشريد للأطفال وتفشي ظاهرة الأمهات العازبات والأمهات البيولوجيات والطبيعيات والحاملات،...، وكذا ظاهرة العنوسة بين الإناث (وبين الذكور تبعا لذلك) وخطورتها على المجتمع، وما إلى ذلك من الأمور المخزية بالنسبة للجنس البشري عموما، وذووا الأصول الحضارية الإسلامية التي تتماهى مع الفطرة الإنسانية خصوصا؟ لن أطيل كثيرا بخصوص هذا الموضوع الخارج شيئا ما عن السياق.
ففي زمن التغني بحقوق المرأة، أصبح من الطبيعي استعمال جسدها وجماله للابتزاز؛ تستعمل المرأة من خلال مشاهد حية، أو من خلال الصورة والفيديوهات، للضرب على أوتار الغريزة الجنسية للدفع بالناس للإقبال على الاستهلاك، خدمة للمنظومة الرأسمالية التي لا تقف عند أية طابوهات أخلاقية. نعم، لا بد لجسد المرأة أن يكون حاضرا في كل ما يراد الترويج له، كما لا بد لها أن تكون حاضرة في كل إدارة ككاتبة في مكتب كل مسؤول. فما الخيط الرفيع الذي يمكنه أن يجمع بين مفردات الحداثة وحقوق المرأة ومحاربة الهشاشة والعمل بالحكامة، التي تتجلى على أرض الواقع في شكل مفارقات ومتنافرات لا يجمع بينها أي رابط ولا جامع، ولا أدنى قاسم مشترك؟ يبدو أن الحداثة كما يراد لها أن تتجلى على أرض الواقع، تتبنى الحكامة في استغلال جمالية جسد المرأة وتأثيره السحري في لا شعور المستهلك الذي يتم الدفع به دفعا إلى الانغماس في الاستهلاك كمحرك للاقتصاد، وهو ما يمثل دربا من دروب محاربة الهشاشة الاقتصادية. فالحداثة التي يراد التأصيل لها، تعني الحكامة في الاستعمال الواسع النطاق لجسد المرأة كوسيلة لتثبيت الهشاشة، ضدا عن مراد الشعار. فكما يقال "إذا لم تستحي فافعل ما شئت"، و"إذا ظهر السبب بطل العجب"، فإذا كانت المرأة ترتاح لإظهار الرجل إعجابه بجسدها، وأن هذا الأمر يرفع من شأنها ويزيد من قيمة سهمها في المجتمع، فعلينا احترام اختياراتها. نعم، علينا احترام اختيارات المرأة، لكن ما دامت قد أصبحت متساوية مع الرجل إلى حد التنكر لمفهوم الجنس والتوقف بدله عند مفهوم "الجندر"، فلا يعقل أن يتم الإبقاء على مفهوم التحرش الجنسي كجناية يرتكبها الرجل في حق المرأة. فما داما متساويين إلى حد التنكر لخاصية الجنس، فلا حرج، ولا مانع، في أن يبادر أحد المكونين ل"لجندر" المكون الآخر؛ فلا يحق التوقف عند الجنس ("الرجل" و"المرأة") لإصدار الحكم على ما قد يصدر عن أحدهما ويحصل بينهما. يراد للمرأة أن تأخذ مكان الرجل من منظور أيديولوجية الجندر (النوع الاجتماعي، وليس البيولوجي)؛ فما محل التحرش الجنسي إذن من الإعراب؟
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع
0 Comments
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.