تابع فقرات من كتاب "شاهدونا ونحن نخرب بيوتكم" الرجل والمرأة والهشاشة الإعلامية

الإدارة فبراير 13, 2017 فبراير 13, 2017
للقراءة
كلمة
0 تعليق
-A A +A

تابع فقرات من كتاب "شاهدونا ونحن نخرب بيوتكم"

الرجل والمرأة والهشاشة الإعلامية


تابع فقرات من كتاب "شاهدونا ونحن نخرب بيوتكم"  الرجل والمرأة والهشاشة الإعلامية


عبد الله لخلوفي

ثم، إن الأمر لمريب إلى حد بعيد، فيما يتعلق بالمرأة. فهل القول بأن المرأة امرأة ينقص من شأنها، حتى يتم التنكر لجنسها تحت مسمى "الجندر" (النوع)؟ ثم لو كانت المرأة متساوية للرجل، تلك المساواة العبثية الفولكلورية، فكيف له أن ينجذب نحوها أو تنجذب هي نحوه؟ ذرتان بنفس الشحنة الكهربائية لا يمكنهما أن تتجاذبان، بل تتباعدان قطعا؛ فلكي يكون هناك تجاذب بين ذرتين، فلا بد أن تكون إحداهما ذات شحنة كهربائية موجبة والأخرى سالبة. وما دام هناك تحرش جنسي (حيث يطفو مفهوم الجنس على السطح من خلال هذا المسمى ويختفي مسمى "الجندر") من طرف الرجل بالمرأة، فقد مارست عليه قطعا جاذبية قوية جعلته يقوم بما قام به. والمثير للانتباه أن سن قانون التحرش الجنسي يجعل مفهوم الجنس (الرجل، المرأة) يطفو على السطح متحديا مفهوم "الجندر" الذي يراد فرضه عالميا بكل الوسائل.

لا بد من حسم هذا الجدل العقيم، فالرجل لا يمثل أحد طرفي المعادلة، بينما تمثل المرأة الطرف الآخر، بحيث يمكننا وضع علامة يساوي بين الطرفين، بل علامة مخالف: الرجل ≠ المرأة. في حقيقة الأمر، هناك تكامل عضوي ونفسي بين العنصرين (الرجل والمرأة)، يجعلهما يتفاعلان فيما بينهما؛ تفاعل وتلاحم ينتج عنه تكوّن جنين، إنسان جديد، يمثل الطرف الآخر للمعادلة. إذن، فنحن أمام معادلة من قبيل: """رجل + امرأة = جنينا"""، وتستمر الحياة؛ فكيف إذن لمفهوم "الجندر" أن يصمد أمام القوة المفحمة لمنطق هذه المعادلة الرياضية (الرياضيات)؟ ليست هذه مقاربة اعتقادية يؤصل لها الدين الإسلامي الذي ينظر إليه على أنه ظلامي، إنها مقاربة علمية محضة، سهلة الفهم والاستيعاب عند كل من لازالت عنده مؤهلات فطرية سليمة ومؤهلات للتفكير المنطقي العلمي السليم.
ثم، لنتوقف عند مفهوم "التحرش الجنسي" وما يعنيه. نقول بداية، أن التحرش كمفهوم عام، أو ما يسمى بالمضايقة، "يمثل نمطا من التصرف حسب استراتيجية معينة يقوم بها فرد ما، أو مجموعة ما، في مواجهة طرف مهاجم قوي، اكتملت له السيطرة على الوضع، بحيث أصبح هو من يملي إرادته على الطرف الضعيف ويضعه أمام الأمر الواقع". يوحي هذا المشهد، بهذه المفاهيم، بأن هناك حربا تدور رحاها، بحيث يبدو أن هناك جيشا قويا مهاجما، تمت له السيطرة على الأرض، فأصبح عرضة للتحرش والمضايقة من طرف مجموعات صغيرة من المقاومين المبعثرين الذين ينتهجون تكتيك الكر والفر (حرب العصابات) لمحاولة التخفيف من الضغوطات التي يتعرضون لها من طرف الطرف المهاجم القوي. إذن، إذا كان هناك تحرش بالمرأة، أي مضايقة من طرف الرجل، فلأنه يتعرض قطعا لهجوم قوي ومتواصل من طرفها؛ فهو يعمل فقط على التخفيف من شدة الضغوطات التي يتعرض لها من طرف المرأة المهاجمة.
قد يقول قائل، أنه لم يحدث أن اعترضت المرأة سبيل رجل في الشارع وهاجمته (ولا عبرة بالاستثناءات)، فكيف يستقيم إذن هذا المفهوم المستعار من يوميات الحروب، حيث يعتدي المهاجم المسيطر ميدانيا على من هم تحت سيطرته؟ سبق أن تطرقت لهذا الموضوع بكل التفاصيل من قبل ، حيث أوضحت بالدليل أن هجوم المرأة على الرجل هجوم فعلي صامت، تستخدم فيه مفاتن جسدها الأنثوي كسلاح فتاك تلقي به في ميدان المعركة، من حيث تدري أو لا تدري، بحيث يصبح الرجل يحس بأنه عرضة للهجمات الممنهجة المثيرة لغريزته الجنسية ولرجولته. فإذا كانت "الفيرومونات" التي تفرزها أنثى الحيوان، عند نزول البويضة، تهيج الذكر ليتم التزاوج، فاللقاح، فجسد المرأة العاري يلعب نفس دور هذه "الفيرومونات" من حيث التأثير الشديد على الرجل.
فما على من يريد تكوين فكرة متكاملة، إلا أن يتابع ما يحدث عبر الإعلام وعلى أرض الواقع، على الصعيد العالمي، لكي يرى الأمور على حقيقتها. شاهدت مقدم برنامج تلفزيوني على إحدى الفضائيات الفرنسية وهو يستقبل فنانة من أصل إفريقي، من أسرة مسلمة، كما قالت. فنانة مغمورة، ليس لها من الفن سوى طريقتها في اللبس، أو إن شئتم القول طريقتها المثيرة في التعري، بحيث تبدو عارية الفخذين والجسد على مستوى السرة وكذا الصدر. سألها مضيفها، مقدم البرنامج، عن طريقتها المثيرة هذه في اللبس (أو في التعري)، فأجابته أنها تربّت في أسرة مسلمة، أرغمتها على لباس الحجاب منذ صغر سنها. وأضافت أنها كانت محظوظة لما ابتعدت عن هذه الأسرة وجاءت إلى أوروبا، لتتخلص من هذه العبودية وتصبح حرة في فعل ما تريد بحياتها وجسدها. وأضافت قائلة أنها تعيش حياتها الجنسية (sa sexualité) كما يحلو لها، دونما أي اعتبار لما قد تحدثه عند الآخر من إحساسات وانفعالات؛ ثم أضافت قائلة "فما على الرجل إلا أن يتحكم في عواطفه إن أحس بالإثارة، فليست هي المطالبة بالقيام بما يجب أن يقوم به هو".
شاهدت أنثى تعوّض عن نقصان بضاعتها في جمال الوجه بتفننها في تعرية جسدها لإثارة الآخر (الرجل) الذي عليه أن يتحكم في أعصابه وأحاسيسه وشهوته وغريزته إن هو أحس بالاستفزاز والإثارة الجنسية. نعم، صاحبتنا التي انفلتت من عقالها، تعرف جيدا أن ما تقوم به يثير عند الرجل الغريزة الجنسية الجارفة، وهو ما يعد هجوما كاسحا، يفرض عليه اللجوء إلى تكتيك المناوشات، التحرش والمضايقة. "فما على الرجل إلا أن يتحكم في عواطفه وفي انفعالاته إن أحس بالإثارة"، هذه هي النصيحة المقدمة للرجل من طرف من تريد أن "تعيش حياتها الجنسية كما يحلو لها"، فكيف لها أن تتصنع التشكي من تحرش الرجل بها؟ ألا تدري أن الرجل، هو كذلك، سيد نفسه في أن يعيش حياته الجنسية كما يريد، ولن يكون ذلك إلا مع من تتفنن في إثارته واستفزازه. ما هذه المسرحية الهزيلة، الرديئة! فعلى أصحاب هذه المهزلة أن يختاروا ماذا يريدون بكل وضوح؛ من يتبنى مفهوم "الجندر" (النوع)، يتنكر تلقائيا لمفهوم الجنس (الرجل والمرأة)، وعليه فيجب أن يتنكر لمفهوم التحرش الجنسي تبعا لذلك. لا بد من التأكيد على أن من يتبنى مفهوم التحرش الجنسي يعيد الاعتبار لمفهوم الجنس ويلقي بمفهوم "الجندر" في القمامة. هذه هي تجليات الحكامة العلمية يا من ترفعون شعار محاربة الهشاشة؛ أي شيء، وأية حالة وأية وضعية هي أشد هشاشة من تبني مفهوم "الجندر" في نفس الوقت الذي يتم فيه تبني مفهوم التحرش الجنسي الذي يهدمه؟
العالم كله يتذكر يوميات، بل أسبوعيات، الرئيس الأمريكي "بيل كلنتون" الذي اتهم بالتحرش الجنسي، بل بالتعاطي للجنس مع كاتبته "مونيكا لوينسكي". عمل الرئيس على إشباع غريزته الجنسية دونما أي اعتبار لقانون التحرش الجنسي الذي لا محل له من الإعراب في مفهوم الجندر. إنها ثقافة يحض كل شيء فيها على إشباع النزوات الجنسية والاستمتاع بالحياة قبل أفول نضارة الجسد وجماله؛ لكن المثير للإعجاب والاستغراب، أن الشابة لوينسكي التي قضت لحظات لا تنسى مع الرئيس الشاب كلينتون، في غرفة قيادته لأعظم دولة في العالم، قررت الوشاية به واتهامه بالتحرش بها. مر كلنتون الرئيس بلحظات حرجة جعلته ينفي جملة وتفصيلا ما حدث، إلا أن لوينسكي الكاتبة (لا بد لكل رئيس ومسؤول من كاتبة) قررت عرض وثيقة الإثبات على شاشات الفضائيات ليطلع الرأي العام العالمي عليها. يا للعجب العجاب كما يقال؛ يمكن تفهّم تصرف كاتبة شابة أثارت انتباه وإعجاب الشاب الوسيم، رئيس أكبر قوة عسكرية واقتصادية في العالم، لتقضي معه، بمحض إرادتها، لحظات من المتعة الجنسية مع الحرص على الاحتفاظ بالشراشف (les draps) التي تلوثت من جراء الجماع كذكرى تؤرخ لهذه اللحظات الفريدة في حياتها. لكن ما لا يمكن فهمه واستساغته، أن تستعمل الشابة لوينسكي هذه الشراشف التي يوجد عليها آثار ما حدث للتدليل على أنها تعرضت للتحرش الجنسي من طرف الرئيس الذي وصل به الحد إلى أن يستغلها! جنسيا. يا للعجب، لا أدري ما الذي يحصل كصاحب منهج علمي في تقصي الحقائق، كيف يعقل أن يعاقب من يتحرش بمن يهاجمه، ولا يعاقب المهاجم بعقوبة أقصى؟ كيف يعقل أن يتم فتح باب التحرش الجنسي المريب الذي يعطي للمرأة الحق في فعل ما يحلو لها مع الرجل، ثم تنقلب عليه فيما بعد للعب دور الضحية باتهامه بالتحرش الجنسي بها؟ ما المغزى من مفهوم الجندر (النوع) إن كان الرجل رجلا والمرأة امرأة، يفرق بينهم جنس كل واحد منهما فرقا شاسعا؟ ثم إن قانون التحرش الجنسي يعيد الكرة إلى المربع الأول؛ المربع الذي تتموضع فيه المرأة كجنس لطيف، ضعيف، يجب أن تحظى بالعناية والحماية (وهنا تعود الكرة إلى ملعب التعاليم الإسلامية الموافقة للفطرة البشرية).
ثم إن قصة التحرش الجنسي للمدير العام لصندوق النقد الدولي "دومينيك سطراوس كاهن" بمنظفة في فندق في نيويورك غنية بالاستنتاجات. ما أن أبلغت به الضحية المفترضة السلطات، حتى ألقي عليه القبض داخل الطائرة التي استقلها، وتم وضع الأصفاد على يديه على مرأى من العالم كله، ضدا على مقولة "المتهم بريء حتى تثبت تهمته". ليس الناس كلهم بإمكانيات المدير العام لصندوق النقد الدولي ليتسنى لهم توظيف خيرة المحامين ليثبتوا براءتهم، كما فعل هو. لقد توصلت التحقيقات إلى أن المرأة كاذبة، لا يمكن الثقة بما تقول والبناء عليه؛ يا للعجب، ألم يكن من الصواب ومن الحكمة أن يتم الانتظار حتى تتبين الحقيقة قبل وضع الأصفاد على يدي هذا الموظف السامي وتمريغ كرامته في الوحل؟ لست هنا بصدد الدفاع عنه، ولست من المتضامنين معه إطلاقا؛ فقد كان ضحية لمنظومة حضارية وثقافية عجيبة، عمل على تثبيت أسسها، تحث على القتل والسير في جنازة المقتول، وتوقد النيران وتحاول إطفاءها، وتبيع القرد وتستهزئ ممن اشتراه. لكن، ما الذي جعل كلمة هذه المرأة المنظفة بالفندق أكثر مصداقية من كلمة هذا الموظف السامي الذي يترأس أقوى مؤسسة مالية في العالم؟ أ هي فعلا الديمقراطية والعدالة الأمريكية التي يتساوى أمامها الجميع، الحقير والأمير؟ فحتى لو سلمنا بذلك افتراضا، أليس من الديمقراطية والعدل أن تتمتع كلا الكلمتين بنفس الحظ من المصداقية في انتظار أن تثبت العدالة للضحية ما تدعيه أو العكس؟ في النهاية تمت تبرئة الموظف السامي من التهمة التي لفقت له بعدما تبين للعدالة أنها لا تثق بكلمة هذه المرأة التي ثبت عليها التعاطي للكذب. تمت تبرئته بعد أن فقد منصبه السامي ولم يتم ترشيحه من طرفه حزبه للانتخابات الرئاسية الفرنسة. هنيئا للسيد المدير العام! لكن إذا ما كانت المرأة فعلا كاذبة (عدالة نسبية تتأثر بسحر المال وتفعيل قنوات التدخلات)، فهل يعقل أن يتم تدمير وظيفة الرجل كموظف سامي وكذا مستقبله كمرشح لرئاسة الدولة الفرنسية بسبب وشاية امرأة لا يعرف أحد من هي الأيادي التي حركتها؟ أين تبخرت مقولة القانونيين والعلماء "المتهم بريء حتى تثبت إدانته"؟ هل إلى هذا الحد يبطل قانون التحرش الجنسي مقولة حكماء القانون وأساتذته؟ إنها معادلات لا يستسيغها العقل السليم والتفكير القويم؛ كل ما في الأمر أنه يراد زرع الفتن وخلق أجواء التوجس بين الجنسين، والدفع بالمرأة لتصفية الحسابات مع الرجل (الزوج، الأب، الابن، الأخ، العم،...) الذي تم تصويره كعدو هضمها حقوقها بالنظر إليها كامرأة، وهي كذلك.
قلت، الرجل الأب والزوج والأخ والعم والخال، الخ، لكنني نسيت أن أسس الحضارة الحداثية التي تهتم بالأم العازبة على حساب الأم المتزوجة، وبالأطفال الطبيعيين على حساب أطفال الزواج (الغير الطبيعيين على ما يبدو)، لا مكان فيها لأنواع علاقات القرابة العائلية المعروفة، وعليه، فلا مكان فيها لمفردات الحنان والرحمة والتآلف والإيثار. نعم، الحق كل الحق مع التي ازدادت من أمة عازبة أن تعمل على تصفية الحسابات مع رجل تحرش بأمها، من قبل، ودخل معها في علاقة جنسية عابرة ثم تركها وما في بطنها وانصرف غير مبال بما سيأتي. لكن المهم في هذا الأمر المريب، هو أن تعرف المسكينة، المغرر بها، أنها هي كشابة، وهو كشاب (أو إن شئتم الطفل، مادام يسمى كذلك قبل بلوغ سن الثامنة عشرة) كانا ضحية منظومة إعلامية حداثية تبيع القرد وتضحك على من اشتراه. منظومة إعلامية تركت جانبا المهمة الحقيقية التي تتمثل في العمل على تحديث المجتمع في كل الميادين (التربية والتعليم، البحث العلمي والتكنولوجيا، القضاء، الصحة، السياسة، الاقتصاد، الفلاحة، الرياضة، الخ) وعلى كل المستويات، والحث على تحديث ترسانة القوانين المنظمة، والعمل على تفعيلها على أرض الواقع. نعم، منظومة إعلامية تركت كل هذه الميادين الحيوية عرضة للتآكل واستشراء الفوضى سيمة الهشاشة، وركزت جهدها كله على العمل على إضعاف تربتنا الحضارية وتلويث ما قد يتبقى منها عن طريق مزجها بتربة حضارية مكسيكية ملوثة دخيلة، تحمل في طياتها جرعات تدمير المجتمعات.

شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات


 

  • انشر مواضيعك و مساهماتك بلغ عن أي رابط لا يعمل لنعوضه :[email protected] -0707983967او على الفايسبوك
     موقع الأساتذة على  اخبار جوجل - على التلغرام : المجموعة - القناة -اليوتيب - بينتريست -
  • 1141781167114648139
    http://www.profpress.net/?m=0