الحكامة ومحاربة الهشاشة

الإدارة Februar 07, 2017 Februar 07, 2017
للقراءة
كلمة
0 تعليق
-A A +A

تابـــــــــــع حلقات كتاب "شاهدونا ونحن نخرب بيوتكم"

الحكامة ومحاربة الهشاشة

تابـــــــــــع حلقات كتاب "شاهدونا ونحن نخرب بيوتكم"  الحكامة ومحاربة الهشاشة

عبد الله لخلوفي

حينما يتم إهمال التربية والتعليم، تتفشى الأمية والجهل؛ فحتى من يتم تعليمهم وتكوينهم يظلون دون المستوى الذي يمكن أن يحدث تلك النقلة النوعية على طريق التنمية البشرية الشاملة. لا تكمن العبرة في النسب المئوية المرتفعة للناجحين وبعدد الحاملين للشهادات الجامعية والشهادات العليا، بقدر ما تكمن في نوعية النجاح وفي المؤهلات المعرفية والكفاءات العلمية للمتخرجين من الجامعة ومن مؤسسات التعليم العالي.

ليس من الحكامة في شيء العمل بشعارات على غير مسمياتها، من قبيل الشعارات التي رفعناها لمحاربة هشاشة منظومتنا التربوية والتعليمية. لقد رفعنا شعار "محاربة الهدر المدرسي" بقصد إبقاء أبنائنا داخل جدران المؤسسات التعليمية إلى نهاية طور التعليم الإعدادي، من دون أن نعير أي اهتمام للهدر المدرسي الحقيقي الذي تدور فصوله داخل المؤسسات التعليمية، بين جدران الأقسام المكتظة بالتلاميذ، حيث يُطلب من المدرس، المتجاوز معرفيا من فرط التضخم المعرفي النوعي المهول، أن يقوم فقط بدور الحارس، لكن من دون صلاحياته . كما عملنا، كمسؤولين رسميين وغير رسميين، كمجتمع، على إنجاح الجميع، بدل أن ينجحوا استحقاقا، عملا بشعار "تكافؤ الفرص" في الكسل وتدمير ملكات أبنئنا. وزيادة في حث أبنائنا على ألا يغادروا المؤسسات التعليمية قبل نهاية طور التعليم الإعدادي، عملا بشعار "محاربة الهدر المدرسي" الفلكلوري، عملنا على رفع شعار "مدرسة النجاح"، بدل أن نعقد العزم على "إنجاح المدرسة" عبر إعادة الاعتبار لدورها الطلائعي التربوي والتعليمي.
ما المغزى من إغراق المدن والقرى، السهول والجبال، بحاملي شواهد يُعدّون جزءا من المشكل بدلا من أن يكونوا طرفا في الحل كما يفترض؟ أي تعليم هذا الذي لا يؤمّن طاقة الدفع الضرورية لحاملي الشواهد لكي يتحرروا من قيودهم وينطلقوا في عملية البناء والتشييد بكل تلقائية؟ وأي إعلام هذا الذي لا رسالة توجيهية له للأخذ بيد المعطلين والعمل على تحريك أوتار الجد والكد فيهم، لكي يعملوا على تعهد أنفسهم باستكمال التكوين لتأمين المؤهلات الضرورية التي تمكنهم من فك أغلالهم النفسية المدمرة؟ ألا يمكن أن تستغل المؤسسات الإعلامية، خاصة الإعلام المرئي، بل تستثمر، في مهمة استكمال تكوين أبنائنا الذين أضعنا تكوينهم اللائق في مؤسسات تعليمية عملنا على إفراغها من مهامها عبر تبني شعارات أفرغناها، هي كذلك، من محتواها، بل عملنا بعكس ما تعنيه؟ ألم تتعلم العجائز اللغة العربية الفصحى من المسلسلات المكسيكية المدمرة التي كانت مدبلجة بالعربية، قبل أن يتم التفطن للأمر، لتصبح الدبلجة الدارجة "الفصحى" لتأمين أية شعب؟
لن يكون هناك أدنى اعتراض، ولا أدنى سوء فهم، لما قد يبرمجه الإعلام الألماني، أو الياباني، أو الفرنسي، أي إعلام الدول المتقدمة، من أفلام ومسلسلات ومسرحيات قصد الترفيه والترويح على نفس السكان. يعمل الناس في هذه البلدان بجدية النمل، من دون كلل ولا ملل، بحيث يتعرضون لضغوطات عالية تسبب الإرهاق النفسي والجسدي الهائل للفرد الذي قد يصاب بالاكتئاب الذي يتسبب قطعا في تراجع المردودية في العمل. وعليه، حقّ للإعلام المرئي (والغير المرئي) في هذه البلدان أن يقوم بواجبه في العمل على تلطيف مناخ الحياة الاجتماعية عبر برمجة ما يمكـّن المرهق من كثرة الكد والجد من الترفيه والترويح على النفس. كما أن برمجة الحفلات الموسيقية ومباريات كرة القدم في نهاية الأسبوع التي تمتلئ فضاءاتها صخبا تدخل ضمن هذا السياق الترفيهي الذي يهدف إلى تفريغ الفرد من طاقة التوتر الزائدة التي ترهقه. وكخلاصة للقول، فلا بد أن يكون مفهوم الترفيه والترويح على النفس موازيا لمفهوم الكد والجد في العمل المرهق. أما من يعمل عندنا بالآية مقلوبة، كما يقال، فعليه أن يعمل على الترفيه على نفس المغاربة بالكد والجد في العمل لمحاربة الخمول النفسي الناتج عن طول السهر إلى آخر الليل وكثرة النوم إلى وقت متأخر من اليوم الموالي.
نعم، على إعلامنا المبجل أن يحث المغاربة على الكد والجد في العمل للترفيه والترويح على نفوس الشباب المغربي المكتئبة من جراء البطالة والعطالة المستدامة، والإدمان على المخدرات وكثرة المسلسلات التلفزيونية المحبطة للهمم والمدمرة للقيم. فبدل العمل على إشاعة فكر نهج الحكامة المتغنى بها إعلاميا، يبدو جليا أن المسلسلات المكسيكية، لا شيء يرجى منها، عدى العمل على إرساء أسس ثقافة الهشاشة، في كل ميادين الحياة وعلى كل المستويات، وتعميمها على المدينة والبادية، والسهل والجبل. حالنا كمقلدين حال محزن مخزي، لا يتغير؛ نستنسخ الإصلاحات البيداغوجية لإصلاح منظومتنا التربوية من فرنسا، الدولة المتقدمة، ونعمل على استنباتها في تربتنا الثقافية والحضارية والاجتماعية والاقتصادية، المغايرة تماما للتربة التي جعلت لها. ثم ها هو إعلامنا المقلد تقليد الغراب (قصة تقليد الغراب لمشية الحمامة في المخيلة الشعبية) يسير على خطى الإعلام الغربي، دون أدنى فهم للدور الذي يجب عليه القيام به في مجتمع يعمل أفراده بآليات صناعة التخلف؛ بحيث يختلف اختلافا جذريا، حضاريا وثقافيا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، عن البلدان التي يقلد إعلامنا إعلامها. فكما هو معروف في عالم الصحة والتطبيب، يؤكد الصيادلة في نشرات الأدوية المصاحبة لها، أن الوصفة الطبية تصلح للشخص الذي توصف له ولا تصلح بالضرورة لشخص آخر يشكو من نفس الأعراض المرضية، فكيف بمن تختلف أعراضهم المرضية اختلافا راديكاليا؟ لقد تبين بالدلائل القاطعة أن استنساخ الوصفات الإصلاحية التربوية الأجنبية، الفرنسية على الخصوص، شكل وبالا على منظومتنا التربوية؛ فكيف لنا أن نستنسخ منظومة إعلامية غربية تتناغم وتتفاعل مع مجتمعات لا يجمعنا بها أدنى قاسم مشترك، لا حضاريا ولا ثقافيا ولا فكريا ولا اجتماعيا ولا سياسيا، ولا حتى رياضيا وكرويا على الخصوص.
فلو كانت لنا فرق لكرة القدم بمواصفات الفرق الأوروبية، لما شردت أفكار شبابنا شرودا عميقا، جعلهم يعيشون وهـْم الانتماء إما إلى نادي "ريال مدريد" و إما إلى نادي "ف س" برشلونا (البارصا). وما دام ليس لنا فرق كروية بمواصفات الفرق الأوروبية، فلماذا هذه الهستيريا الإعلامية التي لا تتوقف عن شحن شبابنا إلى الحد الذي جعلهم يتبنـّون ثقافة العنف في الميادين وخارجها، كردة فعل على توالي "خيبات" الأمل من مقابلات الفريق الوطني المحبطة، وكذا على تدني مستويات الفرق الوطنية. فهل من الحكامة في شيء العمل على تشتيت أفكار أبنائنا وشبابنا وتعطيل ملكاتهم إلى الحد الذي أصبحوا معه عالة على أنفسهم وعلى آبائهم وعلى مجتمعهم؟ فإذا لم تكن هذه هي الهشاشة الإعلامية الموصوفة، المدمرة لعناصر التوازن واتزان الشخصية عند أبنائنا، فماذا عساها أن تكون؟ ثم، فما دام شبابنا يشكو من البطالة المزمنة وقلة الإمكانيات المادية أو انعدامها، فلماذا لا يتوقف إعلامنا عن استفزاز مشاعره عبر حثه على الاستمتاع بحياته إلى أقصى حد والانغماس في الاستهلاك والجري وراء الموضة والتعاطي للأسفار والأفراح؟ "طلع تاكل الكرموس نزل شكون اللي قالها ليك"، يقول المثل الدارجي؛ فلا محل للإعراب للتشكي من تصرفات أبنائنا إن بدأت اللصوصية واعتراض السبيل، أو ما شابهها من التصرفات المشينة، تطغى على تصرفاتهم. ماذا يمكن جنيه من هذا الاستخفاف بعقول شبابنا الذين يتم التلاعب بمشاعرهم والضحك على ذقونهم بالتعامل معهم كجمادات لا إحساسات لها ولا عواطف؟ منظومة إعلامية تدغدغ عواطف وأحاسيس شبابنا وشاباتنا، وتثير غرائزهم الجنسية إثارة جارفة، ثم تتظاهر بالقيام بدور محاربة التحرش الجنسي؛ فكما يقول المثل الدارجي "كيبيع القرد ويضحك على اللي شراه"، وكما يقول مثل آخر "كيقتل الميت ويمشي فجنازتو".
يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع

شارك المقال لتنفع به غيرك

Kommentar veröffentlichen

0 Kommentare


 

  • انشر مواضيعك و مساهماتك بلغ عن أي رابط لا يعمل لنعوضه :[email protected] -0707983967او على الفايسبوك
     موقع الأساتذة على  اخبار جوجل - على التلغرام : المجموعة - القناة -اليوتيب - بينتريست -
  • 1141781167114648139
    http://www.profpress.net/?hl=de