"الولايات المتأرجحة" بأمريكا و "الأحزاب المتأرجحة" بالمغرب

الإدارة Februar 12, 2017 Februar 12, 2017
للقراءة
كلمة
0 تعليق
-A A +A
"الولايات المتأرجحة" بأمريكا و "الأحزاب المتأرجحة" بالمغرب

"الولايات المتأرجحة" بأمريكا و "الأحزاب المتأرجحة" بالمغرب


خبير تربوي

من المعلوم أن ما يطلق عليه "swing states" أي ما يمكن أن نسميه باللغة العربية "الولايات المتأرجحة" هي التي رجحت كفة الجمهوري دونالد ترامب (Trump) بصفته الرئيس 45 بالولايات المتحدة الأمريكية من أصل 58 عملية انتخابية (بعض الرؤساء انتخبوا لولايتين). لقد حصل الرئيس في المجمع الانتخابي على 306 أصوت مقابل 232 لغريمته التقليدية ممثلة الحزب الديمقراطي (H. Clinton) التي يبدو أن وسائل الإعلام تعاطفت معها من خلال استطلاعات غير علمية للرأي الأمريكي، فمنحتها فوزا نهائيا حتى قبل انطلاق الحملة الانتخابية...

وسائل الإعلام وصناع القرار ولوبيات الاقتصاد والمال، وأصحاب الشركات الكبرى في أمريكا وأوروبا وفي العالم العربي ـ كعادتهم ـ أعمتهم المصلحة الشخصية، ونظروا إلى أمر جلل من الزاوية الضيقة... وفي الواقع كانوا يراهنون على وراثة الحكم، وعائلية السلطة التي تتداولها أسماء بعينها تتناقلها أبا عن جد كآل كينيدي، وآل  بوش، آل كلينتون... وفي العالم العربي، حدث ولا حرج... لقد تداولت الأقلام أسباب هزيمة كلينتون من وجهات نظر متعددة ومركبة.
ولكنني أعتقد أن انحياز العرب انحيازا أعمى إلى حملة مدام كلينتون وانخراطهم الكلي في غمارها بالمال والولد، بالنفس والنفيس... كان عاملا حاسما لصالح دونالد ترامب الذي وعد بنقل سفارة أمريكا إلى القدس المحتلة، وهو وعد مشؤوم كوعد "بلفور" تماما... كما ان تسريبات موقع "ويكيليكس" المفاجئة للبعض دخلت على الخط وأرخت بظلالها على عملية "تغير الأوضاع".
ومن جهة أخرى، لا ننسى أن السيدة كلينتون تلقت ضربة موجعة في الظهروهي التي أثرت في شعبيتها كثيرا من طرف الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية. هذا دون أن نترك جانبا استغلال دونالد ترامب نفسه لهذا التحامل المفرط لقوى كان من المفروض فيها ان تنقل فتعتبره مقدسا، وتترك التعليق للناخب كي يختار دون ضغط أو إسراف في الإرشاد، وكأن الناخب الأمريكي ما زال قاصرا، ولا يقوى على اتخاذ القرار بحرية!!
أجل استغل دونالد ترامب هذا الهجوم الكاسح عليه... وانتظر قليلا وهو يرى أن هناك إمكانيات شن هجوم مضاد في الدقائق الأخيرة من المقابلة حيث ذكر "آل كلينتون" وحزبهم الديمقراطي بفضيحة "مونيكا لوينسكي"، وطرحها في سياق "الدفاع عن النفس " ليبرهن لمن يعتقد أن الرؤساء الديمقراطيين جادون كدعاة لاحترام مبادئ حقوق الإنسان، ليسوا ملائكة بل إنهم معرضون للخطإ كباقي البشر، وأنهم قد يخرقون أي مبدإ يدافعون عنه خلال حملاتهم الانتخابية، عندما يتربعون على كرسي المسؤولية.
لقد تعاطف الملايين من الأمريكيين مع "دونالد ترامب" ليس كنموذج، ولكن من منطلق أنه "حامل للتغيير"... وكل مجدد أو مغير قد يتعرض لأبشع صور الاتهامات والإشاعات من طرف خصومه الذين يحاولون تخويف الناس من سلك طريقه المحفوف بالمخاطر؛ وهم في الواقع إنما يخافون من محاسبته، ويخشون التغيير لأنه ليس من مصلحتهم عاجلا أو آجلا.
هذا وقد علمتنا الممارسة التربوية، ومنحتنا النظريات النفسية والاجتماعية تفسيرا لهذا الإشكال: ذلك أن الفرد الذي يقاوم التغيير، إنما يخشى أن يفتضح أمره بواسطة التجديد وفي خضم جدته... فمن اعتاد الخوض في الماء العكر يصعب عليه العيش في المياه الصافية.
لقد تضامن معه آخرون لأنه قدم نفسه بصفته (أمريكيا أصيلا) سيحارب العولمة المتوحشة بلا هوادة، وهؤلاء يرون فيه النموذج الأفضل لمواجهة البورجوازية الأمريكية المتحكمة في شؤون البلاد والعباد، والتي لا يهمها سوى تركيع الشعوب... فقد اقتنع أتباعه أنه سيمارس الانكفاء على الداخل لمعالجة المعضلات الأخرى، ولكن ليس على طريقة التقوقع السلبي كما وقع في بعض الدول الشيوعية مثلا. بل هو محاولة إصلاح ما أفسده الجمهوريون والديمقراطيون قبله الذين حولوا الولايات المتحدة إلى شرطي العالم في قاموس العقل الجمعي العالمي. بل إن جورج بوش الابن كان يتصرف كإله حيث تضخمت أناه كثيرا وكأنه ينجز وعدا قطعه على نفسه في الأزل عندما أطاح بالشهيد صدام حسين في العراق بتآمر مع جل الحكام العرب ضدا على الإرادة الشعبية العربية التي كانت ترى أن الأسلحة الكيماوية ليست سوى ذريعة لحماية إسرائيل... أما إسقاط نظام طالبان فكان ظالما بكل المقاييس.
الولايات المتأرجحة بأمريكا هي التي صوتت للرئيس الأمريكي رقم 44 "باراك أوباما" واعتبرتها "السيدة كلينتون" في الجيب، وقالت عنها "نيويورك تايمز" يوما ما معناه أن سكان هذه الولايات لن يغامروا باتباع آثار مغامر، في إشارة منها إلى "ترامب"... بعض الجرائد الأمريكية لم تتردد في وصف "ترامب" بالمعتوه الذي يعاني اضطرابات نفسية قد تكون مستعصية على الأدوية نفسها... لذلك مارست الحملة الانتخابية نيابة عن الديمقراطيين كطرف رسمي يشجب الجمهوريين ويمدح الديمقراطيين دون تردد لأنها تعتبر ترامب خطرا على العالم.
1.     فلوريدا بـ 29 ناخبا كبيرا في المجمع الانتخابي؛
2.     أوهايو OHIO وعدد منتخبيها 18؛
3.     كارولينا الشمالية بـ 15 صوتا؛
4.     كارولينا الجنوبية بـ 9 ناخبين؛
5.     أيوا Iowa بـ 6 أصوات في المجمع الانتخابي.
فهذه كانت ضرورية لدونالد ترامب كمحطات أساسية نحو البيت الأبيض وخاصة فلوريدا التي قسمت ظهر كلينتون وحلفائها، وشكلت أولى المفاجآت على مستوى النتائج.
أما أوهايو، فلا يمكن لأي مرشح جمهوري دخول المكتب البيضاوي إلا بموافقة ولاية أوهايو.
ولكن الضربة القاضية حسب المتتبعين المتخصصين، جاءت من ثلاث ولايات:
1.     ولاية بنسلفانيا بـ 20 ناخبا كبيرا، وقد كان التنافس شديدا حتى الأمتار الأخيرة من السباق... فمن أصل ساكنة تقدر بـ 12.7 مليون نسمة لم يتقدم ترامب سوى بـ 44307 من الأصوات، ومع ذلك دخل مجمعه الانتخابي دفعة واحدة... وهذا إن عكس شيئا فإنما يعكس "عدم سواء" النظام الانتخابي الأمريكي.
2.     ولاية ويسكنسن، وفيها احتدم الصراع حتى اللحظات الأخيرة، حيث قدر للمرشح الجمهوري التقدم بـ 22177 فحسب من بين ساكنة تفوق 5.7 مليون شخص... ونال في المجمع الانتخابي 10 أصوات إضافية.
3.     ولاية Michigan متشيغان، وسكانها حوالي 9.9 مليون نسمة فاز دونالد ترامب بـ الأصوات ال 16 في المجمع الانتخابي، رغم أنه لم يتقدم إلا بـ 10704 من الأصوات الشعبية.
إن هذه النتائج كانت تنزل كقطع ثلج على مناصري هيلاري كلنتون، ولم تستسلم الكثير من القنوات العربية وغير العربية بسهولة... فقد قضى معظم المراهنين على كلنتون ليلة بيضاء مرهقة في انتظار احتفال منتظر... ولكنه كان بعيد المنال لأن الناس ذهبوا ضحية تحليلات غير منطقية "لمحللين مرتزقة" حركتهم المصالح والأطماع، وأعماهم الهوى، وقيدتهم أغلال العولمة التي لا تفسر الإشكالية إلا من وجهتي نظر الاقتصاد الإقطاعي، والإعلام المستبد...
وهذا ما دفع أنصار "الديمقراطيين" إلى التهديد بالانفصال عن أمريكا بولاية كاليفورنيا [55 صوتا في المجمع]، وهي ولاية (زرقاء) بامتياز لأنها من بين الولايات التي رفعت نسبة الأصوات الشعبية بقوة لصالح مرشحة الحزب الديمقراطي. فمن تناقضات أمريكا أن رئيسها المنتظر متخلف عن منافسته المنهزمة بأكثر من مليوني صوت. طبعا ولاية كاليفورنيا أكبر من المغرب أو الجزائر من حيث عدد السكان (حوالي 39 مليون شخص) ومع ذلك فالمفروض فيها أن تعاقب الإعلام الذي أوهم الناس، وأضل الشباب عبر توجيهه إلى أن الانتخابات مسلم بنتيجتها سلفا... فوقعت الصدمة، ومن واجبها محاكمة النظام الانتخابي الأمريكي لأنه ظالم وغير منصف. ولكن الجميع سيعود إلى رشده بعد معاينة الواقع الذي سيلغي الحلم الجميل... وبإمكان دونالد ترامب الفوز مرة أخرى سنة 2020م إذا استطاع إنصاف الفقراء والمحرومين من أبناء الشعب الأمريكي، وقد يتوج بطلا قوميا إذا ما انكب على معالجة عملية للمشاكل الأمريكية كالبطالة، والأمن، وبعث الطبقة الوسطى من كسادها...
ستبقى أمريكا سيدة العالم، لكن شريطة ألا تنساق وراء الأطماع الصهيونية التي تهلل لفوز ترامب وكأنه فتح مبين... إسرائيل التي أخذت من العرب كل شيء ودون أن تتنازل عن أي شيء... ستدفع ترامب لتنفيذ وعد بلفور الجديد: نقل السفارة الأمريكية إل القدس، في أفق اتخاذها عاصمة أبدية لإسرائيل ــ وهي النقطة التي ستفيض الكأس.
ونعتقد أن دونالد ترامب الرئيس سيكون – على الأقل خلال السنوات الأربع الأولى- حكيما في أقواله وأفعاله، ومن ذلك أنه سينكب بتعمق على فك رمز لغز محير لدى العقل الأمريكي، ويمكن أن نعبر عنه بالاستفسار الآتي: لماذا أمريكا مكروهة في العالم؟
ولعل عناصر الإجابة تكمن في أن تجرب الولايات المتحدة منهجية جديدة أهم محاورها:
1.     عدم الانحياز الأعمى لإسرائيل على حساب حق تاريخي للعرب في فلسطين.
2.     حل "مشكلة فلسطين"، وذلك عبر الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية.
3.     إيقاف المستوطنات، وإعادة اللاجئين إلى قراهم ومداشرهم الأصلية بدولة فلسطين.
4.     فتح الحوار مع الحركات الإسلامية الراديكالية، والضغط على الحكام في الدول العربية والإسلامية لقبول "التعايش في إطار التدافع الديمقراطي".
5.     التقارب مع روسيا لدفع المعارضة والحكومة السورية لإنهاء سفك الدماء وحل المشكل نهائيا في إطار "توافق دولي".
6.     الإشراف على حوار عربي / إيراني / تركي / إسرائيلي لتعود البسمة لمنطقة الشرق الأوسط التي تعتبر مهد الديانات، وأرض الرسالات السماوية.
7.     تشجيع الأحزاب الإسلامية التي تنبذ العنف للانخراط في المسلسل الديمقراطي لبلدانها عوض إقصائها أو محاربتها لا لشيء سوى لأنها تحمل رسالة الإسلام، أو لأن مرجعيتها هي الإسلام.
8.     تقديم اعتذار تاريخي للأمة الإسلامية على غزو العراق، وتفكيك دولته، وعلى إسقاط حكومة شرعية في أفغانستان، مقابل التحيز لما يسمى "تحالف الشمال" الذي صنع دولة فاشلة بأفغانستان.
أما علاقات الإدارة الأمريكية الجديدة بالمغرب فيمكن أن تأخذ المنحى الآتي:
1.     إذا عرف ترامب أن المغرب أول دولة اعترفت بالولايات المتحدة الأمريكية فإنه، ومستشاروه، يمكنهم اعتبار "الانحياز المغربي" لهيلاري كلينتون بمثابة تعاطف الصديق مع صديقه عندما يخاف عليه من افتراس شخص غريب عنهما... وإذا كان ترامب المرشح ليس هو ترامب الرئيس – ولن يكون كذلك. فإن المملكة المغربية المتعاطفة مع هيلاري كلينتون، ستكون وفية لعلاقاتها المتميزة مع الرؤساء الجمهوريين... وإذا كان الإنسان عدو ما يجهل، فإن الأيام كفيلة بترميم شقة الخلاف بين رئيس الإدارة الأمريكية الجديدة والمغرب.
2.     ومن المعلوم أن ترامب ومن معه لا يفرقون بين التيارات الإسلامية المعتدلة والمتطرفة التي لا تؤمن إلا بالعنف وحمل السلاح والاصطدام مع الغرب عامة، وأمريكا خاصة... ولكن – وهذا هو بيت القصيد – فإن الرئيس الأمريكي المنتخب ديمقراطيا عليه أن يؤمن بالديمقراطية الانتخابية للشعوب، الحزب الذي ينتخبه الشعب يفرض احترامه على العالم، وليس على دولة مثل أمريكا فحسب... ففي المغرب هناك حزب ذو مرجعية إسلامية، وفي تونس كذلك... وهما يحظيان بثقة فئة واسعة من الشعبين المغربي والتونسي... ولذلك وجب احترام هذا الاختيار من أي كان... هذان الحزبان مثلهما مثل الأحزاب ذات التوجه المسيحي التي حكم بعضها بأوروبا، ونجح في تدبير شؤونها بعيدا عن المغالطات السياسوية الضيقة.
3.     على الرئيس المحترم دونالد ترامب، وعلى مستشاريه أن يعلموا أن:
3.1.                    الاستئصال هو الذي ولد الأصولية.
3.2.                    التطرف اليساري هو الذي أنتج التطرف الإسلامي.
3.3.                    انتهاك كرامة الإنسان العربي، وخنق حريته، واعتباره "سلعة رخيصة" في "سوق أمريكية كبيرة" هو الذي أنتج العنف وخلق التصدع والريبة في صفوف الشباب العربي.
3.4.                    القضاء على المتطرف لا يعني القضاء على التطرف، وإنما قطع جذور التطرف عبر تنمية اقتصادية واجتماعية ديمقراطية مستدامة هو الحل.
4.     من المعلوم أن الرؤساء الجمهوريين، وأتذكر هنا شخصية "رونالد ريغان" الممثل الذي تشبه تصرفاته وحركاته وسكناته سلوكات وإيماءات دونالد ترامب الممثل والملياردير... كان هؤلاء الرؤساء (نيكسون / ريغان / بوش الأب)... ومعهم هنري كيسنجر / ألكسندر هيغ / جيمس سليسنجر / وليام روجرز، وقبلهم (بريجنسكي)، ونيكسون، وروكفيلر... يهرعون إلى الملك الحسن الثاني رحمه الله في ملفات كبرى كملف:
‌أ.        الشرق الأوسط؛
‌ب.   العلاقات العربية الإسرائيلية؛
‌ج.    تليين موقف إسرائيل من منظمة التحرير الفلسطينية؛
‌د.       اعتراف الولايات المتحدة بمنظمة التحرير الفلسطينية؛
‌ه.       مواجهة المد الكوبي في إفريقيا؛
‌و.      دعم المجاهدين الأفغان من أجل تحرير بلدهم؛
‌ز.     دعم صدام حسين في الحرب العراقية الإيرانية كي لا تمتد الثورة الإيرانية إلى دول الخليج.
ولا زلت أتذكر أن مؤتمر فاس 1 (فاس الأول)لم يكتب له النجاح بسبب ضغط أمريكا على المؤتمر كي لا يتخذ أي موقف إدانة ضد أمريكا وتجنب اتخاذ موقف راديكالي ضد إسرائيل... وكان ولي العهد السعودي الأمير فهد قد قدم (مبادرة السلام العربية) دون أن تلقى الآذان الصاغية من الدول العربية. تأجل المؤتمر إلى أن يستجد مستجد مشجع على الحوار العربي / الإسرائيلي.
وشاء الله أن يلتحق الملك خالد بن عبد العزيز بالرفيق الأعلى ليخلفه شقيقه في سدة الحكم، وتصبح تلك المبادرة رسمية في مؤتمر فاس الثاني (1982 م). وفي الجلسة الافتتاحية أخبر العاهل المرحوم الحسن الثاني أشقاءه بأن تغيرا يحدث في السياسة الأمريكية اتجاه الفلسطينيين... فقبيل لحظات من الآن توصلت (يقول الحسن الثاني رحمه الله) من الرئيس ريغان برسالة يتحدث فيها لأول مرة عن (منظمة التحرير الفلسطينية)، ولأول مرة كذلك عن اتفاقية سلام عربية / اسرائيلية، أو فلسطينية/إسرائيلية.
ومعلوم أن مؤتمر الرباط (1974م) عرف اعترافا رسميا للملك حسين رحمة الله عليه (الأردن) بقيادة ياسر عرفات لمنظمة التحرير الفلسطينية، واعتراف الأردن بأن الضفة الغربية هي جزء من فلسطين، وليس من الأردن كما كانت إسرائيل تدفع في اتجاه تحقيقه دائما وذلك بعد تدخلات شخصية للملك المغربي الحسن الثاني رحمه الله
ومن جهة أخرى، لا ينبغي أن ننسى أن الحسن الثاني رحمه الله تدخل لدى المرحوم الملك حسين لإطلاق "أبو داود وجماعته" وإصدار عفو عنهم بعد أن صدر في حقهم حكم الإعدام.
إننا نناشد الرئيس الأمريكي المنتخب أن يراجع "أرشيف البيت الأبيض" كي يطلع بعمق على مكانة الحسن الثاني والمغرب في قلب الإدارة الجمهورية دائما... ويمكنه الاستعانة بمنظري جامعة "هارفارد" الشهيرة لقراءة "سياسة المغرب المعتدلة" وفق مقاربة الاستقرار والأمن...
ولكن هذا لا يعني أن الإدارة الأمريكية ستعين المغرب "شرطيا يوالي من والاها، ويعادي من عاداها" لأن الدولة المغربية لن تقبل بهذا في زمن أصبح المغرب يعيد الكثير من حساباته السابقة، ومواقفه المبدئية إزاءها خاصة وأن أيام "باراك أوباما" تميزت بتشجيعه للفوضى الخلاقة في الشرق الأوسط الذي يمتد في المعجم الأمريكي من المغرب الأقصى إلى باكستان، وتوجهه بالتركيز على ملفات آسيوية خاصة كوريا / اليابان / الصين.
أما بالمغرب فيبدو أن الجهاز الإداري سقط ضحية اجتهاداته: فلا داعي لأن يتهرب المسؤولون من مواجهة الحقيقة، ذلك أن الشمس لا يمكن تغطيتها بالغربال... الجهاز الإداري شن هجومات غير محسوبة العواقب في شكل مضايقات أو انتقادات وإشاعات، والأدهى والأمر أن السلطوية لعبت لعبتها ببعض أعضاء الجهاز الإداري من الدرجة التاسعة أو العاشرة ممن ألفوا مسايرة قادتهم الميدانيين والمنظرين، حيث مرروا رسالة لعامة الشعب المغربي، وخاصة للأميين والذين يعيشون خارج "المغرب النافع"... مفاد الرسالة أن الأمر الذي فيه يستفتون قد قضي بقدرة "تجمع الأعيان المدعوم بالمال والإعلام"... تماما على الطريقة الأمريكية حيث سارع اللوبي الضاغط إلى رسم صورة قاتمة عن دونالد ترامب.
في المغرب مثلا أدى هذا التدخل غير المباشر وغير المعلن إلى عكس النتيجة المتوخاة ذلك أن المثقفين الحقيقيين انسحبوا عن وعي من هذه المهزلة التي كادت أن تعصف بسمعة المغرب في مجال الديمقراطية... الديمقراطية التي يريدها السلطويون المستبدون على مقاسهم بدون معايير... ولم يشارك من مثقفي الأحزاب المتنافسة سوى المرشحين أو الأقربين عائليا ومصلحيا لهؤلاء. أما تقنيو الإدارة فإن أغلبهم كانوا ينادون بدون حياء بضرورة الاصطفاف إلى جانب أحزاب الإدارة، وخاصة الحزب الأصيل- المعاصر الذي ابتلع بعض المناطق التي كانت محسوبة على تيارات يمينية أو يسارية..
طبعا حزب واحد استفاد من خلط الأوراق، وهو حزب العدالة والتنمية الذي يتوفر على كتلة ناخبة وفية ومؤطرة، إضافة إلى بعض الألوف من المتعاطفين مع هذا الحزب، والذين استمالهم رئيس الحكومة شخصيا بخرجاته،وبطريقة خطابه، وصراحته التي لم يتعودها المغاربة من قبل في مسؤوليهم... دون أن ننسى أن البعض تعاطف مع العدالة والتنمية لإيمانه أن هذا الحزب مظلوم... ونعتقد أن إعادة الانتخابات مبكرا سيمنحه قوة إضافية إلى قوته الشعبية... وعلى الجهاز الإداري أن يستفيد من التجربة التركية التي عرفت "الانحسار السياسي" قبل وقت بعيد، وتمت الدعوة إلى انتخابات مبكرة أعطت الأغلبية المريحة للحزب الحاكم هناك.
الأحزاب المتأرجحة بالمغرب ليست لها مواقف سياسية تناسب السياق الوطني والدولي والجهوي الذي يجتازه المغرب الراغب في استعادة كرسيه بالاتحاد الإفريقي. وممارسة امتداداته الطبيعية بإفريقيا رغم المضايقات الجزائرية المكشوفة، الجزائر التي يضيرها أن يشكل المغرب تحالفا عربيا وإفريقيا...
فهذا حزب لم يحصد سوى 37 مقعدا في البرلمان، ويريد بكل الوسائل استعراض عضلاته لعل المتعلم المغربي يتبنى المتراجحة الآتية: 125 < 37... وقد يكون ذلك صحيحا في افق سنة 2021م إذا ما قدر لحكومة بن كيران الثانية الحياة لـ 5 سنوات، وبشرط "التجمعيين" سيسأل الأستاذ التلميذ: لماذا فشلت حكومة بن كيران الثانية في تدبير الشأن الحكومي؟ فلا يتردد المتعلم في الإجابة لأن:
á    الحصان الحكومي خرج من الخيمة مائلا.
ولأن
á    125 < 37.
هناك حزب يساري لم يحصل سوى على 20 مقعدا في المجموع، وكان بإمكان زعيمه ممارسة السياسة وليس المرافعة أمام بيت رئيس الحكومة... والسياسة ليست أقوالا ولا تعصبا، ولكنها مواقف وتنازلات.
لو مارس زعيمه سياسة التعقل لكانت الحكومة قد تشكلت في الأيام الثلاثة الأولى... لكن ضبابية الرؤية، وحسابات المستقبل الذي لا يبشر بالخير لهذا الحزب ولا لزعيمه... كان هو الاختيار المفضل من طرف الزعيم القائد.
وكنا نأمل أن تتشكل حكومة قوية تجيب عن انتظارات المواطنين المغاربة بالانكباب على الإصلاحات التي يرغب فيها الشعب المغربي. غير أن المفاجأة هذه المرة جاءت من زلة لسان زعيم حزب الاستقلال حول موريطانيا، والتي أسالت الكثير من المداد خاصة من الدوائر المسؤولة بالمغرب... ويبدو أن السكاكين كانت مهيأة من قبل، ولم تكن تنتظر سوى عذر حسب منهجية (ولو طارت معزة)، ولم تكن تنتظر إلا إسقاط ضحية من بين ثلاث ضحايا: بن كيران، والذي حورب قديما، وحديثا، وسيبقى مثل العلقم في حلقوم الجهاز الإداري المغربي، لم يسقط بن كيران لأن وراءه حصيلة انتخابية مهمة، وله مؤيدون ومناصرون... لذلك تم التغاضي على هذا الحل خاصة وأن الموقف الدولي لا يسمح بذلك... ثاني الضحايا هو بنعبد الله، وهو لقمة سائغة في فم الإدارة، لكن انضمامه إلى تحالف بن كيران جعل الكثيرين يهابون ردود أفعال هذا التحالف، خاصة لو قرر النكوص إلى المعارضة... أما الضحية الثالثة فقد تربصت بها الدوائر حتى أسقطوها في فخ (الإساءة إلى العلاقة مع بلد جار)، شباط كان قويا، ولقد أخاف اللوبيات الضاغطة لأنه سيمتلك مناعة إضافية ضد التحكم والمتحكمين، بانضمامه إلى (تحاف القوى الوطنية المغربية). وهكذا سنجد أنفسنا أمام تكرار ممل للحكومة السابقة بأحزابها غير المنسجمة، وببرامجها التي لا تعبر عن البرنامج الحقيقي لأي حزب منها، خاصة في ميدان التعليم الذي تمارس فيه إصلاحات (الدقائق الأخيرة)، وتنزيلات (الوقت بدل الضائع)... وهي إصلاحات فاشلة منذ البداية لأنها تفتقر إلى الرؤية الوطنية الاستراتيجية، وهي تعمل على ترقيع الحلول دون استحضار الفلسفة التربوية المجتمعية... ونعتقد أن هذه الإصلاحات ستعرقل عمل الحكومة المقبلة لأنها ستجد نفسها أمام إضرابات واحتجاجات فوج التعاقد وعدد أطره 11000 أستاذ وأستاذة. والأهم من كل ذلك أن امتحانات مراكز مهن التربية والتكوين معطلة في غياب ميزانية 2017.
وخلاصة القول، أننا ندخل موسما جديدا بامتحانات مسترسلة أضاعت على الأطر التربوية والإدارية الكثير من الوقت الذي كان من الممكن إنفاقه في التفكير في إصلاحات المناهج والبرامج، وتأهيل البنية التحتية، وإحياء بيداغوجيا تمكن من تنزيل المقاربة بالكفايات، وتكوين الأساتذة تكوينا بيداغوجيا منهجيا تواصليا وعلميا...
وكان من الممكن للأحزاب المتنافسة على الكعكة أن تستفيد من الرئيس باراك أوباما الذي ناب عن دونالد ترامب، وزار أوروبا لطمأنة الحلفاء على استمرارية السياسة الأمريكية في الخارج، وكان عليهم أن يستفيدوا من الرئيس المنتخب بأمريكا الذي تنازل عن مقاضاة غريمته هيلاري كلينتون التي اقترحت عليه المساعدة منها شخصيا لإيقاف الاحتجاجات التي تعرفها بعض الولايات الزرقاء، ولطمأنة دول العالم على أن الرئيس الجديد للولايات المتحدة سيحترم كامل الاتفاقيات التي عقدت في عهد أسلافه الجمهوريين أو الديمقراطيين.

إن الأحزاب المغربية في أمس الحاجة إلى قيمة التسامح، وعليها أن تعلم أن السياسة هي فن الممكن، فلا عداوة دائمة ولا صداقة دائمة... والأهم أن يكون هناك برنامج محدد بأهداف قابلة للتحقق على المديين القريب والمتوسط، وأن ينبذ الكل منهجية التشنج والتعصب والانزلاقات الكلامية والفكرية التي أساءت كثيرا إلى ما تبقى من السياسيين في الميدان...والحكومة المقبلة مطالبة بمحاورة الشعب محاورة حقيقية كي لا تتسع نسبة المنقطعين عن الانتقال الديمقراطي إلى أكثر من 57%، فالعزوف مستمر بل سيتفاقم إذا استمرت الدولة المغربية في الكيل بمكيالين في مجال حقوق الإنسان، وإنصاف المظلومين، والمحافظة على كرامة المواطنين.

شارك المقال لتنفع به غيرك

Kommentar veröffentlichen

0 Kommentare


 

  • انشر مواضيعك و مساهماتك بلغ عن أي رابط لا يعمل لنعوضه :[email protected] -0707983967او على الفايسبوك
     موقع الأساتذة على  اخبار جوجل - على التلغرام : المجموعة - القناة -اليوتيب - بينتريست -
  • 1141781167114648139
    http://www.profpress.net/?hl=de