قصة قصيرة :" ولد فاطمة في أرض فوكو"
المهدي قنديل . ربيع 2017
عودة
ميمونة بعد أن تراصت كل الأحلام على خط الإستواء، ،،،سلاما على أرض فوكو،،،أملي أن
تفتحي لي ذراعيك مجددا... فتحت جيوب ذاكرتي التي عودتني على أن تحتفظ بكل شيء مر
في الماضي، باحثا عن بعض اللحظات التي عشتها في هذا الوطن الذي لم يكتب له أن يكون
سعيدا.
أتذكر ثم أتذكر وضباب يخيم
على تلك الأحداث التي أنبش فيها كما لو أنني أنبش عن تاريخ تعمد أن ينسل في صمت
حين رفعت مونيا يديها إلى السماء، إلى الغيم، قاطعة منه قطعة وهي تحاول توزيعها
على السنوات التي سيكتب للمصير أن يأخذ فيها سراطه. ...تلك اللحظة تقاطعت فيها
الإرادات، وعلق فيها المصير على راية الوطن الحمراء، حتى حزنت الشمس وشوت جلد
السارد، وأطل بعدها البؤس وانتشر الجفاف بداخله، حاملا شكواه إلى النجوم والسحاب
والقلوب والعقول. أرض خالد بن الوليد تحتفظ لنا بذاكرتنا نحن الذين مررنا من هناك
وخلدنا بضجيج بقي عالقا في محراب مقاطعتها. ...تاريخ زمر لنا بمكره وخداعه أحيانا،
وأدار ظهره على أصحابه مرة أخرى، والقلوب تلك اللحظة غاب عنها الماء حتى جف
خفقانها. ...تلك أرض الصالحين والعلماء والرفاق. ففي يوم زار فيها أحد علماء
السوربون أولاد عبو ، فاحت قريحته بعبق المعرفة وأريج المقام، وحدث لها أن صار لها
أدباء يغردون في سماء الحرف، وحطوا كالبلابل على أكتاف القصيدة والقصة القصيرة.
أطلوا من بساتين اللغة والمعرفة، وتجشموا عناء رحلة البحث دامت قرابة خمس سنوات في
موطن صاحب اللحية الدوستويفسكية سيدي محمد زفاف. واستدرجوا الحياة إلى خانات مشعة
كالنجوم، كالقمر. أرض الغالية مونيا التي تكبر كما تكبر الرواية والقصة بداخلي،
أتمسك بها كحلم جميل، فمع كل شتاء وقطرة ماء يزداد حبها ينبث ، ومع كل لحظة يزداد
الأمل يتعلق بمكانها رغبة في الإستقرار، آملا أن تكون لي فراشا من تراب وغطاء من
نور. أحيانا يقدر للمرء أن يعود حاملا ورقة أمل معه إلى الأرض التي يئس منها، كما
يعود أبناء المهجر إلى أرضهم الأم محملين بأوراق الأورو والدولار، لينقذوا جزيرة
كانت على وشك الرحيل. هكذا عاد القنديل إلى أرض أولاد عبو، متوسلا إلى فوكو الذي
عمر طويلا هناك، وترك أثاره على سور القرية، في شكل مخطوطات أنتروبولوجية تفسر
بعادات وتقاليد، اللهم إنا سمعنا أن شابات القرية الغير متزوجات، لا تخرجن في ملك
الغير. عاد السارد ليخلص الحسناء مونيا من شبح الوحدانية، وأبراج العقل التي صاح
فيها سقراط بضرورة التفكير في مثل هذه الأمور عن طريق العقل. ... عودة كالجمرة بقيت
مدفونة تحت الرماد منذ صيف يونيو ثلاثة عشر وألفين. حينما طردته من أرض ابن الوليد
كما طرد أفلاطون الأمهات والأطفال الصغار لمحاكاتهم الغير قادرة على سد الفراغات.
هي اللحظة التي اشتعلت فيها على وقع الإنتصار الذي جاء محملا به القنديل إلى
فراعنة الحرف منحنيا للفيلسوف يوسف كريم، والقاص مصطفى الفاتح، والمحقق عبد العظيم
لمصبن. صار ما صار، وأوضحت هذه العودة ميمونة ، حيث سارع فيها القنديل إلى تصحيح
الوضع من جديد، طالبا من البشرية التي تناحرت معه على مائدة " با
الميساوي" أن تعيد اللحظة إلى زمانها و مكانها ، ليحدثهم عن هيغل كازا بلانكا
حين دعى الناس الى الإطلاع على جرائد الصباح، لمتابعة أخبار الحلم القصير الذي
عاشه السارد في أرض القانون، وعن الرحيل الذي أخذ السيد بوشعيب أنوار إلى دار
الخلود، وعن الوشم الذي خط ذاكرة ابنة الريف الحاجة شادية الإبراهيمي في أرض سيدي
سعيد بن معاشو.
0 تعليقات
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.