الدولة المتنطعة والتوازن الوظيفي
عضو المكتب الوطني للجمعية الوطنية لأساتذة المغرب
أسس المشرع لبناء الإطار العام لإنشاء مؤسسات الدولة الإدارية ، فوضع ترسانة قانونية من القوانين والمراسيم التنظيمية ( النظام الأساسي لموظفي الوظيفة العمومية – النظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية ) في علاقة الدولة بالموظف الذي يعتبر الركيزة الأساس لاستمرارية واستقرار مرافق ومؤسسات الدولة ، فحاول إكمال هذا البناء التنظيمي عبر محطات ومراحل أدت إلى حماية التوازن القانوني من فساد النزعات الفردية المتسمة بالشطط السلطوي أو الاستبداد الإداري، وقد كان للاجتهادات والأحكام
القضائية النهائية والباتة دور أساس في تحصين هذا البناء المتوازن بين قوة الإدارة كسلطة مشغلة لها حق استمرارية مرافقها من جهة، وبين ثنائية حقوق وواجبات موظف في علاقة نظامية بالإدارة المشغلة خارج نطاق عقود الشغل أو الإذعان من جهة ثانية ، نصوص قانونية حددت شروط مزاولة الوظيفة وحددت حقوق وواجبات كل طرف، وبينت الآثار القانونية الناجمة عن الإخلال بالالتزامات من أجل تحديد المسؤوليات ، حفاظا على توازن النظم القانونية والمؤسساتية للدولة من سلوكات غير قانونية تتسم باللامشروعية.
فبعد حملة الإعفاءات التي طفت على سطح بناية وزارة التربية الوطنية مؤخرا والتي أسفرت عن إعفاء مجموعة من الأطر الإدارية والتربوية من مدراء ومفتشين وحراس عامين ومقتصدين ومستشارين في التوجيه والتخطيط... والتي واكبها انتشار واسع لمراسلة سرية جدية لوزارة الداخلية الكل أصبح يعلم مضامينها والمقصودين منها، ما يطرح أكثر من علامتي استفهام وتعجب حول احترام المساطر القانونية في هكذا إجراءات ، فإذا كانت إعفاءات شفشاون وتطوان حادثا معزولا ، كنا سنتيقين فعلا أن المعنيين بأمر الإعفاءات قاموا بأخطاء مهنية جسيمة تستوجب الإعفاء من المهام ، لكن أن تكون الإعفاءات منتشرة ومتزامنة عبر ربوع الوطن فهنا نجد أنفسنا أمام إعادة سيناريو الترسيب الممنهج واللاقانوني الذي طال أساتذة الغذ والذي صار القاصي والداني يعلم علم اليقين الجهات المسؤولة عن هذه الجريمة التربوية ، وهنا لا يملك العاقل منا إلا أن يؤكد تأكيدا ثبوتيا أن الصراع القيمي الرمزي بين دولة المخزن العميقة وبين قوى الممانعة الأصيلة قد استغلته الدولة المخزنية من أجل توجيه الدولة الإدارية للتضييق على المعتقدات الإيديولوجية الفكرية المعارضة بغلاف المعالجات القانونية والمسطرية الشكلية .
وإن كان الإعفاء قرار إداريا إلا أنه وجب على الإدارة احترام شكليات مسطرية قبل تنزيله، ففي حالة ارتكاب الموظف لخطإ مهني جسيم أو أخل بالتزاماته الوظيفية والتي هي إخلال بالترسانة القانونية المنظمة لعلاقة الموظف بإدارته المشغلة، وجب على الإدارة أن تقوم بتعليل قرار الإعفاء من المهام ، مع ذكر الحيثيات التي أدت إليه مع ذكر المراجع القانونية والوقائع المادية التي بني عليها القرار ، مفترضين أن المسطرة التأديبية قد تمت على أساس إرسال مراسلات من المديريات الإقليمية للأكاديميات الجهوية تعقبها لجان تفتيش من أجل إعداد تقارير حول الخروقات المرتكبة من أجل اتخاذ العقوبات التأديبية الضرورية بعد انعقاد المجالس التأديبية التي تخول للموظف حق الدفاع والاطلاع على الملف من أجل إعداد الدفوعات ، كل هذه إجراءات لم تراع ولن تحترم خلال هذه الإعفاءات ، وهنا تظهر جليا المزاجية والانتقائية في تطبيق المساطر القانونية ، فقد نستصيغ مكرهين وعلى مضض إعفاء مدير أو حارس عام من المهام الإدارية احتراما للسلطة التقديرية للإدارة بحكم أنه أستاذ مكلف بمهمة الإدارة في ظل غياب إطار خاص بالمدير في خانة أطر موظفي وزارة التربية الوطنية لكن بدون أي تعليل للقرار نجد أن هذه السلطة التقديرية سواء كانت مقيدة أو مطلقة تبقى غير مشروعة ومتسمة بالشطط والتسلط الإداري، لكن ما لا يمكن قبوله بأي شكل من الأشكال هو إعفاء مفتشين ومقتصدين ومستشارين في التوجيه والتخطيط وهي إطارات تمارس مهامها الأصلية المنصوص عليها في النظم الأساسية بدون أدنى احترام للمساطر والإجراءات الشكلية ، مما يجعلنا أمام قرارات تتسم بعدم المشروعية ومخالفة القانون تستوجب على الموظف تمسكه بحقه في التظلم والطعن الإداري أو اللجوء للقضاء الإداري في حالة رفض الإدارة التراجع عن هذه القرارات التي هي ضرب لمبدأ تكافؤ الفرص وتحقيق المساواة أمام القانون.
لكل هذا فكل الهيئات أصبحت محط اختبار أمام هذه الانتهاكات اللاقانونية الصارخة، فالإدارة كمشغل والنقابات والجمعيات المهنية كإطارات للتأطير والدعم والمساندة، وعموم الأساتذة وموظفي القطاعات العمومية كمحطة مقبلة ستتعرض لا محالة لهذا الهجوم المقصود من أجل إسكات الأصوات الحرة المدافعة عن المواطنة الحقة والكرامة الاجتماعية .
0 Kommentare
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.