الاستخارة تعني الرحيل المرتقب
لا شك أنك عزيزي القارئ عانيت من الحب ومن وجع الرحيل، أو ربما ألمتك بعض القصص الحزينة من حولك، لن تنكر ذلك فأنت بشر كباقي البشر، وإن لم تكن قد عشت هذا الألم، فلا ريب أن قلبك يتحسر ويحترق شفقة على بعض المتألمين، الآن وقبل أن ننطلق سويا في أزقة هذه الخاطرة الجديدة في بحر العواطف، دعني انصحك...
عليك أن تحضر منديلا، فلا شك أنك سوف تكون في الحاجة إليه، وأنت تقرأ هذه الكلمات وتطوى السطور...، أنصحك أيضا أن تقرأها بوحدك، حتى لا تثير شكوك من لا يحبون رؤية دموعك وأنت تقرأ، كن مشفقا على من لا يريدون دمعة في عينيك الجميلتين.
ومن يدري فأفهام الناس تتفاوت، وقد يضن بعضهم، خاصة أولئك الذين يذرفون عليك دموعهم ويتبرعون عليك بما تجود به عيونهم، أنك تبكي على قصة من قصصك، أو لألم حل بك وأنت من ذلك براء.
أنت سوف تقرأ لرجل فتى، ربما لا تعرفه ولا تربطك به سوى خيوط الألم، تلك المخفية وراء الكلمات، وجع الحب والبحث عن النسيان، والشوق إلى حياة لا وجود فيها للغرام والحب وانتظار الحبيب، لا مجال فيها لخائن يسرق قلبك ويلعب بمشاعرك، ثم يحمل كل ذلك وراء ظهره ويرحل عنك، وكأن شيئا لم يحدث.
حاتم...هذا الاسم الرومانسي الجميل، لشاب لطيف وسيم، حاتم كان ضحية عيد الأحزان في موسم الوجع، ضحية حب لا يعرف سوى وجهة واحدة، ضحية خيانة أنثوية يصيح بعدها كطائر مكسور الجناح لا يقوى على شيء، تأتي به الريح أخيرا إلى مصحة النسيان، لاهتا وراء أحلامه القديمة.
لا أدري لما أبكي على قصص بعيدة عن حياتي، ولا دخل لها في سيري ومسيري؟ أ لأنني ضعيف إلى هذه الدرجة، لا أقوى على متابعة الألم وإن كان بعيدا عني كل البعد؟ أم ان هذا الوجع يبكي الجميع ولا احد يجرأ على وصفه والحديث عنه، أو عن الاقل التحذير منه؟.
هكذا أتألم في هذا العالم، ولا أقوى على تحمل قصص الفراق، ولا ادري كيف يختار امرئ تقمص مهنة الطبيب، وهو لا يقوى على رؤية الدماء والجراح، لقد اخترت ان أكون طبيبا في عالم المشاعر، أو عن الأقل أن اكون معلما في مدرسة هذا النوع الجديد من الطب، والذي في امس الحاجة بان تفتح له مدارس ومعاهد وجامعات، نظرا لهذه الأعداد الضخمة التي تعرضت للهدر العاطفي بعد معاناة مع الوجع.
حاتم صديقي الجميل بعد ثلاث سنوات من الضياع وراء علاقة حب مزيفة، زمن ليس بالقليل، ضاع فيه وقته وماله وصحته، أضاع عقله وقلبه، وافتقد لجل أصدقائه، عاد بخفي حنين مع احترامي وتقديري لوظيفة الخفين، عاد المسكين وقلبه يقطر وجعا، ليقول عبارة، إن انتبه الكثيرون لها، سينجون من سم الحب الفاني.
"لا أدري كيف دافعت عن حب لا يريده الله، وسعيت لتحقيق اهداف ومطالب تحديا لإرادة الله،... احيانا نعتقد أننا مؤمنون فنقول: إن كان خيرا فإنه سوف يتحقق بإرادة الله، ونحن ندعوا الله ان يحقق أحلامنا إن كان فيها خيرا...، و ما أن يضيع منا شيء، حتى نثور على الله ونغضب، ولا يدري أحدنا، ولا يعلم الخير وراء إرادة الله تلك، هنا في الحقيقة، نكون في الحاجة إلى إعادة النظر في إيماننا...، لقد عبرنا بكل وقاحة على ثورتنا على الله.
هل تدرون ما الشعور الذي يراودني، وأنا أسمع هذه الكلمات، الحق انني شعرت بما يشبه الصدمة، لأن حاتم لم يكن قبل ذلك يظهر كل هذا الوعي بجنب الله، وربما نحتاج من حين لآخر، أن نعيش صدمة تعيدنا إلى الله، وتذكرنا بفطرتنا، وتزيل عنا غبار الفتنة وهوى النفس والشيطان، وحتى الساعة أستطيع أن أثبت أن شيئا ما -غير عادي- هو الذي أنطقه.
انتابني شعور رهيب، وأنا أتساءل، هل انطقه الله ليسمعنا هذه الكلمات، واختارها أن تكون في جوف هذا الكلام، ولا بد ان يكون شيئا من ذلك واقعا، فالتمعن في حقيقة كلامه لحظة، يدفعنا للخروج من عالم المشاعر الدنيوية المتقلبة، إلى التحلق في عالم الكمال، عالم لا يرتقي إليه أيا كان، ولا ينال منه غلا من وفقه الله لذلك.
حاتم أحب فتاة في الجامعة، وكان من دعائه أن تكون زوجته في المستقبل، وكل منا يعرف كيف يدعوا الله في هذا الجانب، لكن المؤمن يدعوا الله أن يكون الشيء من نصيبه إن كان فيه خير، مما يفتح مجالا للفراق، لأنه ومن باب المنطق، أن لا يثم الله علاقة لا خير فيها، لكن صاحبنا المحب لا يريدها إلا وفيها خير، وحاتم لا يريد سواها وفيها خير، حاتم كان يدعوا نفس الدعاء، لكنه في حقيقة الأمر، لا يقبل غير استجابة المولى له، فيكون بذلك المصير الأفضل، والأفق الممكن هو الزواج بها أولا، وفيه خير ثانيا.
هنا لا بد ان نقف بكل صراحة مع الموقف، لان الذي يشعر بالألم بعد الفراق، يؤكد في نفس الوقت أنه لم يكن يستحضر قدرة الله وعلم الله، وإرادة الله تعالى في ذلك.
حاتم ذكرني برجل كان ينوي الزواج بامرأة يحبها، فلما سمع عن الدعاء والاستخارة، أراد أن يدخل إلى الموضوع من ابوابه الحقيقية، فكان يدعوا الله ويستخيره فيقول:
اللهم إن كان فيها خيرا فارزقها لي زوجة صالحة
وإن لم يكن فيها خيرا، فاجعله فيها، واكتبها لي زوجة صالحة.
هنا يا حبيبي لم تعد الاستخارة تعني شيئا، ووجعك يا حبيبي بعد الرحيل والفراق نتيجة لهذه الاستخارة العجيبة.
لا شك أنك لم تستعمل المنديل...، لكنك تشعر بشيء في قلبك يشبه مزيجا من الألم.
0 تعليقات
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.