أزمات المدرسة العالمية

الإدارة March 23, 2017 March 23, 2017
للقراءة
كلمة
0 تعليق
-A A +A

أزمات المدرسة العالمية

الأستاذ محمد حسينة: خبير تربوي




الأستاذ محمد حسينة: خبير تربوي
يجمع الدارسون في المجال التربوي على أن هناك توترات تعاني منها المؤسسة التربوية على الصعيد العالمي، فهي ليست حكرا على بلد معين، وخاصة بدول من الدول؛ ومن أبرزها:
1.     التوتر بين الخصوصي والكلي: ويتجلى ذلك بكيفية أوضح في المناهج التعليمية التي يفترض فيهاعدم الانحياز لما هو خاص على حساب ما هو عام، والعكس بالعكس. فهذا التضارب الطبيعي يفضي إلى توتر ينعكس على أداء المدرسة التربوية. إن كتب التاريخ تعج بمثل هذه المتناقضات، وعلى سبيل المثال نجد مفهوم (حقوق الإنسان) يأخذ معان مختلفة باختلاف الشعوب والثقافات، ولعل الولايات المتحدة أول من يخرق الاتفاقيات الدولية حول هذا المفهوم، فهي تكيل بمكيالين في مجال حقوق الإنسان. لقد اعتبر الرئيس السابق (جورج بوش الإبن) أنه: "كل من ليس معنا فهو ضدنا"، وهذا الرأي عندما يراد له ان يتحول إلى حقيقة، فإنه يشكل أزمة حقيقية داخل منهاج تربوي معين.
2.     التوتر بين المحلي والعالمي: ذلك أن العولمة فرضت أسواقا تجارية، وخلقت أخرى صناعية أو تكنولوجية أو علمية... طالت العولمة التعليم حيث أوجدت سوقا تربوية للمناهج والبرامج والكتب والوسائط، والطرائق والبرمجيات... بل ويجوز القول إن "مواصفات وكفايات المدرس" التي اكتست طابع العالمية باسم العولمة، تخضع لمعايير الأستاذ الجيد في "سوق التربية". وهناك من يعتقد أن أي خروج عن مقاييس السوق العالمية يعرض المنتوج المحلي (كتابا / منهاجا / أستاذا / مشروعا...) للنقد الدولي، بل ويهدده بالرفض والإقصاء؛ أو حتى مجرد التفكير في الاعتراف به لاحقا، ما دامت مواصفاته ذات نكهة محلية أو وطنية بعيدا ـ ولو بقليل ـ عما يراه خريجو جامعة هارفارد، أو يتصوره خبراء اليونسكو.
3.     التوتر بين التوسع الهائل للمعارف، وقدرة الإنسان على استيعابها: فالمعارف تتضاعف بمتوالية هندسية في الزمان والمكان، مما يجعل المنهاج المدرسي محط تساؤل؛ ذلك أن الكتاب المدرسي يجد نفسه متجاوزا علميا وتكنولوجيا وتقنيا، ولذلك تراه عاجزا عن مواكبة كل المستجدات... نفس الحكم ينطبق على الأستاذ الذي قد يفاجئه المتعلم بأسئلة مستجدة لا قبل له بها، خاصة إذا كان من المزاولين لأعمال تكميلية تتعبه وتمتص جل طاقته (كالسمسرة في السيارات والعقارات والمواد الغذائية الموسمية بالدول المتخلفة، أو اشتغال بالسياقة أو المطاعم أو الساعات الإضافية كما هو جار به العمل بالدول المتقدمة).
وإذاكانت الجامعة هي قاطرة التنمية في أي بلد، فإن الجامعات في الدول المتخلفة قد تجاوزها الركب لأنها تعض بالنواجذ على المعارف، وتعتقد أن المعرفة التي يمتلكها الأستاذ قابلة للإسقاط على كل الأفواج من المتعلمين الجامعيين. إن الدراسة الجامعية ــ في الدول المتخلفة ــ تمشي على رأسها؛ أي بالمقلوب؛ لأنها تستنسخ المعارف من الماضي، وتود أن تفرض نموذج الماضي على الحاضر والمستقبل.
4.     هناك توترات تفرضها تربية الإنسان نفسه، والتي يمكن أن ننظر إليها من ثلاث زوايا:
4.1.                    يعيش الشخص داخل ثقافة لغوية، وبما أن (ش = ب D و) [الشخصية دالة التفاعل بين الوراثة والبيئة]، وكلاهما تفرضان على الفرد الانحناء أمام إكراهات الموروث، ومحاربة ضغوط المحيط كي يستطيع عبور محطة التبعية اتجاه شاطئ الحرية بأمن وأمان... وهذا المعيار يسحب على كل أبناء آدم وحواء كي يتم تحقيق طفرة المعرفة: خضوع من يريد أن يتعلم لمن يملك مفاتيح المعرفة.
4.2.                    كل إنسان يتوق إلى الاستقلالية، ويجنح نحو اتخاذ القرار بنفسه بعيدا عن أي وصاية... ولكن ولضرورة أن يتعلم المرء كيف يحكم نفسه بنفسه يلزمه قبول القواعد الموضوعة جماعيا، وبعبارة أوضح فالخضوع لقيود المعيار الجماعي يعد إجباريا للفوز بالحرية الفردية.
4.3.                    الإنسان كائن اجتماعي، يعيش في مجتمع، وله طموحات تتمثل في البقاء، ولكي يبقى عليه أن يتكاثر، ويكتسب المناعة الخاصة التي تؤهله للاندماج في الـ "نحن" دون التخلي عن "الأنا"، ولهذا كي يصبح الفرد حرا ينبغي أن يتعلم، والتعلم هو الكفيل بنقله من كائن بيولوجي إلى شخص اجتماعي.
مشكلات المدرسة العربية
بالإضافة إلى ما سردناه سابقا، حيث تعد المدرسة العربية جزء من العالمية؛ في وقت تحول فيه العالم إلى قرية متصلة الأطراف، متواصلة إعلاميا، ومتفاهمة لغويا – على مستوى الترجمة على الأقل - ... فإن للمؤسسة التربوية العربية خصوصيات حكمت عليها بالغرق في بحر لجي من المتاعب التي حالت دون انبعاثها، أو قل أطالت مدة سباتها بحيث بقيت مخلصة لرقادها المرضي:
أولا: أول إشارة جديرة بالاهتمام نابعة من كون العالم العربي لا زال يرزح تحت نير التاءات الثلاثة، ويعني الخبراء بذلك: التبعية، التخلف، التجزئة.
فالتبعية أفقدتنا شخصيتنا الأصلية وأصبحت المناهج والكتب والقيم تعرض في سوق تربوي عالمي، والغلبة في هذا السوق تبقى لمن بيده القوة المادية، ويتمتع بسطوة السلطة، وهنا تجد العرب كأمة أمية تضحك من جهلها الأمم الغالبة، فهي خالفت قوله تعالى: ﴿واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا﴾: والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب... فلو وحدت الأمة العربية جهودها الاقتصادية والاجتماعية والطبية والإدارية لفرت إليها باقي التجمعات البشرية عوض أن تفر منها.
التجزئة: لقد علمنا الاستعمار القديم والحديث؛ وهو صاحب المبدأ الشهير "فرّق تسد" أن حكام وحكومات العرب والمسلمين إما شياه مسلمون معتدلون، أو ذئاب ثوريون جهاديون استبداديون. ولا يمكن للشاة أن تجتمع بالذئب لأنه سيلتهمها عاجلا أو آجلا. اما العقلية المتخلفة فهي المستحوذة على عاداتنا وتقاليدنا.
ثانيا: جمعيات المجتمع المدني، الأحزاب السياسية، النقابات التعليمية، الأهالي، الآباء والمحيط... كل هؤلاء – وبنسب مرتفعة – يريدون مدرسة على مقاسهم، انطلاقا من تمثلات كل فئة، وبحكم التراكمات التي راكمتها، والثقافة التي عاشتها، والبيئة المؤطرة لتلك الثقافة... كل ذلك يعتبر معيقا حقيقيا لنمو المدرسة، ويشكل مانعا لتطورها... ويكفي أن نتوقف قليلا مع GUNNAR MYRDAL الذي يشير إلى أن اتجاهات السكان قد تعتبر عائقا أمام التنمية الاقتصادية والاجتماعية والعلمية لبلدانها... وإذا ما نزلنا هذا الحكم، وأسقطناه على البلدان النامية ــ ومن بينها الدول العربية ــ فإننا نجد هنا وهناك سلوكات يندى لها جبين كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد؛ ذلك أن العقل معطل إلى أجل غير مسمى. لقد حدد بعض المفكرين أدوار العقل في: التفكير، الشعور والسلوك... والتصرف هو مكمن المقاومة لدى الشخص، وإذا ما وعينا بأن تفكيرنا يسارع إلى تسليط المصباح على الآخر، ويهمل نفسه لإيمانه اللاشعوري أنها فوق الشبهات... فإننا قد نفسر مبدإيا بعض مصادر تعطيل العقل العربي.
ومن الباحثين من أرجع فشل المنظومة التربوية في الدول العربية إلى:
‌أ.        افتقار التخطيط إلى الدراسات العلمية، والبحوث التي تخوض في المستقبل: فالاستقصاء في الواقع التربوي لا يتم في شكل تتبع من لدن الأطر المكلفة بالمراقبة والتقويم، حيث التشخيص العملي للأمراض المزمنة التي أنهكت الجسم التعليمي في الدول العربية، ويتم الاكتفاء بالوقوف عند الأعراض. وعليه فقد نشاهد تضاربا للآراء حول المصادر الجوهرية للمشكلات؛ ذلك أن كل واحد من الطاقم المسؤول عن القطاع [ونعني بالمسؤول هنا ماعبر عنه الحديث النبوي الشريف: "كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته" (رواه البخاري)]. يحاول أن يبعد عنه التهمة، وكل مؤسسة أو مجموعة ــ ولو كانت متيقنة بنسبة 90% بأنها تغرد خارج السرب ــ تغالط الجميع عبر بيانها في دفع الشبهة عنها [وإن من البيان لسحراً]، تماما على طريقة فرعون [ما أريكم إلا ما أرى، وما أهديكم إلا سبيل الرشاد] (غافر، الآية ).
التخطيط ــ في معظم الدول العربية ــ إنما يتم لإرضاء جهات خارجية كالبنك الدولي مثلا... ففي سنة 2008 لم تلتفت الحكومة المغربية آنذاك لتقارير "المجلس الأعلى للتعليم بالمغرب" الذي أنذر المملكة بوجود اختلالات كبيرة على صعيد منظومته التعليمية، ولكن الحكومة اضطرت إلى القيام بتسخينات ــ وأقامت الدنيا ولم تقعدها ــ بمجرد صدور التقرير الشهير للبنك الدولي الذي صنف المغرب في الرتبة 11 من بين 14 دولة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. جاء البرنامج الاستعجالي كخطة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لكن عربة الإصلاح خرجت مائلة من خيمتها؛ فكيف لا ومشاريع البرنامج الاستعجالي كانت تعرض على "المحظوظين" في السوق السوداء، رغم أن أهدافها كانت مغرية وممكنة التحقق؟:
ü     تأهيل العنصر البشري المسؤول
ü     تأهيل المؤسسات التعليمية
ü     تأهيل المناهج والبرامج
لكننا فوجئنا بعد ذلك ــ وبعد صرف حوالي 37 مليار درهم ــ أن 6000 مؤسسة بدون مراحيض! وأن ما قيل عن ربط كل المدارس بالشبكة العنكبوتية مجرد خرافة، بل أكثر من ذلك تم إقصاء بيداغوجيا الإدماج التي شكلت اقتراحا عمليا لتنزيل المقاربة بالكفايات... والبقية تأتي.
حدث هذا أيام "الحزب السري" الذي يدس الأطر وسط حكومات يوجد عمليا خارجها... وهذا هو الاستثناء المغربي. وزيران محسوبان على الأصالة والمعاصرة يشرفان على حقيبة التعليم الدراسي والتكوين المهني والبحث العلمي وتكوين الأطر، والتعليم العالي؛ في حكومة كان يدبر أمرها الأمين العام لحزب الاستقلال وقتها... ولإعطاء كل ذي حق حقه فإن وزيرا استقلاليا هو الذي ألغى هذه البيداغوجيا عملا بمبدأ "خالف تعرف". صحيح أنه فعل ذلك تحت ضغط أشخاص ونقابات وأساتذة، بارعين في رفع "اللاءات" وفي البحث عن الامتيازات دون مجهود وبلا استحقاق. ومعلوم ان الكثير من الأساتذة المخلصين لضمائرهم والأوفياء لمتعلميهم، راجعوا مواقفهم، وأعلنوا أنهم كانوا مخطئين في اتخاذ مثل هذه الخطوة. الإدارة التعليمية كذلك أخطأت حينما أسندت مهمة التأطير في هذه البيداغوجيا لكل من هب ودب، فقد سجلنا مع الأسف الشديد تهافت أشخاص يعتقدون أن التأطير مهمة من لا مهمة له، كما يؤمن البعض ــ تماما ــ أن التدريس في متناول أي كان... لقد اقترضت الإدارة منهجية "المخابرات" وطبقتها بحذافيرها في مجال "التأطير". ومعلوم أنه في الوطن العربي إذا أردت أن تفشل مشروعا فأعدّ له لجنة. أما اسلوب المخابرات فينطلق من مبدأ: اتفق القوم على ألا يتفقوا. لذلك يتم الجمع بين المتناقضات في لجان التكوين، ويحضر كل شيء في التأطير إلا الجدية والتقويم الذاتي وتتبع العملية ميدانيا، وهي عمليات تتبخر كلها مع صرف تعويضات التأطير وإتمام شكلية اللوائح، وإطعام الطعام، وتبرير العملية ككل بأنها تصب في مصلحة الطفل المغربي ومستقبله.
و"بيداغوجيا الإدماج" حاربها "لوبي التعليم الخاص" بقوة لعجزه عن مسايرة فلسفتها، وقد دفعت بعض المؤسسات الخاصة آنذاك ببعض "المفتشين المأجورين" إلى التشهير بهذه البيداغوجيا التي أسالت الكثير من المداد... وكان من الممكن أن تحوز رضى الشغيلة التعليمية لو تم تنزيلها تدريجيا، ومعلوم أن أهم مبدأ بيداغوجي ديداكتيكي لا يسمح لأحد بجهله أو تجاهله هو "التدرج"، والذي يمكن أن نستعرضه من زاويتين عمودية وأفقية:
وإذا كان الرأسي من التدرج يعني اتساع المفهوم من سنة دراسية لأخرى، حيث يكتسب بسيطا ثم يتطور شيئا فشيئا إلى أن يكتسي طابع التعقيد، قبل أن يشكل موضوعا حكرا على أهل الاختصاص.
أما الأفقي من التدرج فيحرص على المفهوم تتداوله مواد ومكونات نفس المستوى الدراسي. المقصد الأساس يكمن في تكامل مواد الفصل الدراسي الواحد، وعدم تنافرها لأن التباعد والشقاق إنما يخلقان شخصية مهتزة نفسيا، غير مؤمنة بجدوى الموارد المقدمة لها... فالتضارب لايصنع إلا فوضى وعبثية في قلب الطفل أو المراهق. وهذا ما حدث مع الأسف حينما اصطدم أساتذة الفلسفة مع أساتذة التربية الإسلامية حول نص في الإسلاميات حيث يريد البعض إحياء الصراعات الفكرية العقيمة، على غرار "البيضة أو الدجاجة"... بل أكثر من ذلك هناك من أجاز لنفسه التطاول على ابن تيمية رحمه الله، رافضا وصفه "بالشيخ"..
إن هذا الاختلاف الذي لا يفسد للود قضية كان من الممكن أن يحل أخويا عبر حوار يسوده التسامح بين جمعيتي مدرسي المادتين بعيدا عمن يصطاد في الماء العكر... وعلى قاعدة ما قاله الإمام الشافعي رحمه الله: "رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب".
إن وجود مثل هذه المفارقات التي نصادفها، من حين لآخر، خاصة حينما يتعلق الأمر "بكتب منتهية الأجل" يرفضها الآباء ببلاد (موليير)، ويتم تصديرها إلى الدول المتخلفة التي تستجدي "النوال"، فلا تتم غربلتها على مستوى القيم والمواقف حيث تجري عملية تمرير "السم في العسل" على قدم وساق بمباركة الآباء وأصحاب القطاع الخاص الذين لا هم لهم سوى الجشع،ولو باستعمال الطرق اللاتربوية بما فيها الميكيافيلية والبراغماتية والأنانية.
إن وجود مثل هذه المفارقات هو عنوان لضعف الرقابة وهزالة المراقبة على المستورد لصالح "الاحتياطات الأمنية"، وهو يعكس قصورا في أدوار مسؤولي وزارة التعليم... مع العلم أننا نسجل أن هذه الضجة المفتعلة ما كانت لتحدث لو آمن الجميع أن المدرسة العالمية في أزمة بسبب التحديات التي تطرحها الشبكة العنكبوتية ووسائل التواصل الاجتماعي... بمعنى آخر فهذا الطرح السياسي ينم عن جهل أصحابه بأدوارهم، وبأدوار كتبهم ومدارسهم التي تجاوزتها المستجدات؛ فالطفل أو المراهق ليسا رهينة للكتاب المدرسي... فمن الممكن أن يطلع المتعلمون على نصوص "تسفيه الفلاسفة" أو "إنكار النبوة" في أي ركن من الجرائد الإلكترونية. والمفروض في المدرسة أن تزود المتعلم بآليات المناعة الذاتية التي تجعله يقارن، وينتقد، ويفكر ويستنتج، ويستخرج الحي من الميت، ويطرح الميت من الحي.
ولا داعي للتأكيد بحس الخبرة والممارسة أن الفلسفة مهمشة إلى أبعد الحدود في مقرر يعتمد الحفظ والاستظهار والببغائية، ويتنكر للنقد والتفكير والتقويم الموضوعي... ومعلوم أن جل المفكرين العرب قد أقاموا "صلاة الجنازة" على العقل العربي الموجود تشريحيا والمعطل أداء ومردودية.
والمعلوم كذلك أن التربية الإسلامية مستهدفة إلى أبعد الحدود، وقد سبق للرئيس الأمريكي رقم 43 أن طالب الأمة الإسلامية "بتغيير القرآن"، وتدخل شريكه في بريطانيا، والذي طالما اعتبر أن الحضارة الغربية متفوقة على الحضارة الإسلامية ليطالب بتعديل القرآن.
وكان هدفهما حذف سورة [التوبة = براءة] والأنفال نهائيا من المصحف المقدس الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وقد حاولت بعض الدوائر استنساخ نسخ من القرآن العظيم تخلو تماما من سورة التوبة، وعوضوها بسورة من إفكهم سموها "المسلمون". وهذه المحاولات كلها تمت بكيفية سرية، ولكن الواقع هو الذي كشفها فتم وأد ذلك "المصحف المزور" في المهد.
وللتغطية على هذا الفشل الذريع قيل إن النص القرآني قابل لقراءات متعددة، وأنه لا بد من وضعه في سياقه التاريخي... ولو تمت مسايرة هذا الطرح كذلك لتحول هذا النص إلى كلمات وجمل مجازية أنتجها رجل تعمق في الأديان السابقة، وسحر الناس ببيانه... وهذا هو المقصد، أو O.T.I. الهدف النهائي للتركيب والإدماج والتوليف كما جاء على لسان DEKETELE. طبعا نعني بذلك ما يراد للقرآن من وراء كل الدعوات التي تنادي بتجديده ليوافق العصر.
ومن جهة أخرى، يكاد يجمع جل الدارسين في الشأن التربوي أن مشكلات البلدان العربية في حقل التربية والتكوين تنبع من الأزمات الآتية:
‌أ.        إذا كانت الأمية هي أهم صور الجهل، ومن نتائجها الفقروالمرض، فإن السبب الرئيس في تخلف معظم الدول العربية إنما يكمن في اطمئنان حكامها إلى أمية شعوبهم، وليس إلى إسلامهم، أو إلى فقهاء وشيوخ الإسلام الذين طالما نادوا بتنزيل أول آية نزلت من القرآن الكريم على قلب نبي أرسل رحمة للعالمين: "اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق" ومعلوم أن رسول الله كان يسرح كل أسير من أسرى بدر لقاء تعليمهم القراءة والكتابة لعشرة من المسلمين...
‌ب.   الهدر المدرسي الذي أضاع على الدول العربية الكثيرمن الطاقات والسواعد والعقول الذين لفظتهم المدرسة بعد سنوات عجاف قضوها داخل أسوارها هباء منثورا... ذلك أن جل المتعلمين غير المستكملين لسنوات التعليم الأساس، سرعان ما يرتدون إلى أميين لا يعلمون بعد علمهم شيئا.

في المغرب مثلا، اجتهد "تقنيو الإدارة" عن سوء نية، رغبة في إسكات الأصوات المحتجة على فشل المدرسة العمومية مردودية ومنهجية وسمعة، رغما عن الأموال الطائلة التي خصصتها الحكومات المتعاقبة للتعليم... هناك أسباب متعددة لصرف الأموال دون هدف، وبدون حسيب ولا رقيب، تماما كالجندي الذي يحاصره العدو، ومن شدة هلعه يسرع في إطلاق الرصاص بكثافة يمنة ويسرة حتى تنقضي ذخيرته فيلقى عليه القبض دون مقاومة.. وعلى نفس الشاكلة توجد مدرستنا في موقف لا تحسد عليه، فهي تجرب جميع الوصفات، وتحاول إرضاء بعض "الخبراء" الذين يستندون إلى خبرة "التمثلات العامية" ذات الارتباط "بالتفكير الدارج"، لأن ثقافتهم لا تسعفهم على تمثل الحلول، وليس لهم وقت "لتوليد الأفكار" لأنهم يعيشون على لهفة الربح السريع مستخدمين التحايل، والتلاعب والغش، راكبين على صهوة الفساد... ولهؤلاء وأمثالهم نحيلهم على الحديث النبوي: ﴿إذا لم تستح، فاصنع ما شئت﴾... فكيف يكون الرجل خبيرا، وهو يهوى ثقافة "إلقاء اللوم على الآخر"، بل ولا يتردد في الانحاءباللائمة على المتعلم المغربي، واعتباره مكمن الداء؟... إنها لغة الخشب لاستغفال الذين يلحون على إصلاح حقيقي، وليس ترقيع المشكلة، فثوبها أصبح رثا غير قابل لمزيد من الترقيع، أنهكته الإبرة وخيوطها، وتهالك سم الخياط نفسه، وما زال الخياط هو نفسه لم يستفد من العبر والدروس السابقة، وما فتئ رافضا المثول أمام المرآة متنكرا لصورته عينها.

شارك المقال لتنفع به غيرك

Post a Comment

0 Comments


 

  • انشر مواضيعك و مساهماتك بلغ عن أي رابط لا يعمل لنعوضه :[email protected] -0707983967او على الفايسبوك
     موقع الأساتذة على  اخبار جوجل - على التلغرام : المجموعة - القناة -اليوتيب - بينتريست -
  • 1141781167114648139
    http://www.profpress.net/?hl=en