مقدمة كتاب "شاهدونا ونحن نخرب بيوتكم"

الإدارة مارس 17, 2017 مارس 17, 2017
للقراءة
كلمة
0 تعليق
-A A +A

مقدمة كتاب "شاهدونا ونحن نخرب بيوتكم"


مقدمة كتاب "شاهدونا ونحن نخرب بيوتكم"


عبد الله لخلوفي 
أستاذ جامعي باحث، 
دكتوراه الدولة ،
الجيولوجيا البنيوية،
جامعة محمد الخامس


مقدمـــة
أصبح شعار الحداثة يحتل حيزا كبيرا في إعلامنا السمعي والبصري والمقروء، خاصة منذ بداية القرن الواحد والعشرين. كما أن هذا الشعار اقترن في إعلامنا، خلال هذه الفترة، بشعاري الحكامة ومحاربة الهشاشة، وهو ما يوحي للمتتبع لأحوالنا أننا، كمغاربة، حسمنا أمرنا وحددنا وجهتنا للعمل بجد على تحديث المجتمع وتطويره، في كل الميادين وعلى كل المستويات، لإخراج البلاد من
براثن التخلف والانحطاط، والسير بها قدما على طريق التقدم والرقي. نعم، فما دام شعار الحداثة الذي رفعناه مقرون في إعلامنا ومقترن بشعاري الحكامة ومحاربة الهشاشة، فلا يمكننا إذن إلا أن نطمئن على حاضرنا ومستقبلنا ومستقبل أبنائه، ومستقبل المجتمع ككل؛ فقطار الإصلاح الحداثي لن يزيغ عن سكته مادامت مثبتة ومؤمنة بسياج الحكامة.
ومن المعلوم بالممارسة أن التنزيل الإعلامي للشعارات على أرض الواقع يمثل المرآة العاكسة لما يراد بها في الحقيقة وفي واقع الأمر، أي ما يراد عمليا من هذه الشعارات. إذن، يبقى الواقع وما يعج به من الوقائع هو الحاكم على أصالة الشعار والمؤشر على صدقه أو زيفه؛ وعليه، فلننظر هل شعارات الحداثة التي تم رفعها أدت إلى إصلاح أحوال الناس، بحيث انتفت مظاهر التوتر ومشاهد الاضطرابات والقلاقل الاجتماعية مؤشرة على تقدم البلاد وازدهارها، أم أن شيئا من هذا لم يحدث.
والمتتبع لإعلامنا الذي يردد صباح مساء هذه الشعارات، ويشد الأنظار إليها ليل نهار، لا بد أن يكون قد حفظها ظهرا عن قلب واستساغها، بحيث أصبح كل مصطلح من هذه المصطلحات يعني في مخيلته كل ما علق بها من صور حية ومشاهد اقترنت بتنزيله على أرض الواقع وصاحبت تصريفه لأفعال ومعاملات وتصرفات. فالصور والمشاهد المرتبطة بتنزيل كل مصطلح على أرض الواقع وتصريفه لوقائع، تمثل التعريف العملي والواقعي، المحسوس والملموس، لكل شعار يتم رفعه والإدمان عليه. فلا يكفي الوقوف عند المفهوم اللغوي ولا المفهوم الاصطلاحي لكل شعار للحكم عليه، فلا بد من النظر إلى الوقائع على أرض الواقع؛ نعم، يجب التريث حتى يتم تصريف الشعار إلى أفعال للنظر كيف يتم التعامل معه. نعم، يجب النظر هل يتم تنزيله على أرض الواقع صورة طبق الأصل للمعنى اللغوي والاصطلاحي، أم بطريقة مغايرة، وإلى أي حد هي مغايرة لهذا المعنى؟ ففي المجتمعات التي يعمل أفرادها بآليات صناعة التقدم، يتم تحري الدقة في اختيار الشعار الذي يراد رفعه حتى تكون النتائج التي يتم تحقيقها ملائمة ومنسجمة مع الأهداف المسطرة المرجوة (الشعار). نعم، لا يجب أبدا تشويه الشعارات حتى لا ينتهي الأمر بفقدان الناس الثقة فيما يقال لهم فيصابوا بالإحباط المولد للتوترات والاضطرابات الاجتماعية والسياسية. بيد أن المجتمعات التي تعمل بمنظومة ثقافية متخلفة، وعقليات صانعة للتخلف، تعمل هي كذلك على اختيار الشعار، وقد يكون هو نفس الشعار المرفوع من طرف من يتوخون صناعة التقدم، لكن تصريفه على أرض الواقع يظهره بملامح مشوهة، تفرغ المفهوم اللغوي والاصطلاحي للشعار من محتواه. إذن، فقد يكون المرء أمام نفس الشعار، لكن بصورتين متناقضتين تماما وقت تصريفه وتنزيله على أرض الواقع؛ صورة بألوان طيف المنظومة الثقافية لمن يتطلعون للتقدم ويعملون بآلياته، وصورة بألوان طيف المنظومة الثقافية لمن يمنون أنفسهم بالتقدم وهم يعملون بآليات صناعة التخلف.
كأستاذ باحث في ميدان العلوم، سأعمل، متسلحا بالمنهجية العلمية المضبوطة السليمة، على إلقاء الضوء الكاشف الذي يمكـّن من توضيح العلاقة بين مؤسسة الإعلام والحداثة التي يراد لها أن تطال كل مناحي الحياة الاجتماعية. سأعمل بالخصوص على توضيح التأثير العميق للإعلام التلفزيوني على عقليات الناس وتصرفاتهم، وما يترتب عن ذلك من آثار عكسية أسست للهشاشة الاجتماعية بدلا من العمل على تفعيل شعاري الحداثة والحكامة في أفق التحديث العلمي للمجتمع. كما سأعمل على توضيح أن الحكامة تقتضي ربط المجتمع بأصوله الحضارية والثقافية إذا ما أريد له أن يصبح حداثيا حداثة حقيقية تنقله نقلة نوعية، بدل العمل على التنكر لها ومحاولة طمس معالمها. من يتنكر لهويته يشبه الغراب في المخيلة الشعبية، بحيث يعتقد الناس أن هذا الطائر البائس افتتن بمشية الحمامة وهو ما جعله يتنكر لمشيته، فكانت النتيجة أنه أضاع الاثنين، فلا هو تمكن من المشي كالحمامة ولا هو حافظ على مشيته.
وفي مقابل الهشاشة الإعلامية التي تؤسس لثقافة دخيلة منحطة والتنكر لثوابتنا الحضارية الخالدة شهد المغرب، منذ بداية الألفية الثالثة، زخما تحديثيا للبنية التحتية على مستوى الشبكة الطرقية (الطرق السيارة والطرق الوطنية والرئيسية) والموانئ والمطارات وكذا ما عرفه الشمال المغربي من نقلة نوعية متقدمة تضاهي ما يوجد على الضفة الشمالية للأبيض المتوسط. يا ليت منظومتنا التربوية والتعليمية ومنظومتنا الإعلامية عرفتا نفس النقلة النوعية التي عرفتها البنية التحية للبلاد التي سهر على انجازها عاهل البلاد بنفسه. فأين هم الباحثون والمفكرون والدارسون والمنظرون أصحاب الاختصاص ليعملوا على التأسيس للإصلاح الفعلي والفعال لهاتين المنظومتين الحيويتين لتتحولا إلى محركين من المحركات النفاثة القوية المعدة بمواصفات تمكن من الاستفادة من البنية التحتية المحدﱠثة وتعمل على تفعيلها تفعيلا ملائما يمكن من انتشال البنية البشرية المحطمة من المستنقع الثقافي الملوث الآسن الذي غرقت فيه، في وقتنا الحاضر، بسبب انسداد الأفق إلى حد انعدام الرؤيا. نعم، إن العمل على إصلاح المنظومة التربوية وكذا المنظومة الإعلامية إصلاحا منهجيا، ينهل من المخزون الحضاري للفرد المغربي، يعد كفيلا بنقل العنصر البشري المعطل إلى آفاق واعدة بالحيوية، حيث أوراش البناء والتشييد الفعالة تعم المدينة والبادية، والسهل والجبل. لا بد من هذين المحركين النفاثين (التربية والإعلام) للعمل على نقل العنصر البشري إلى فضاء حداثة نوعية رحب، بالمواصفات الحداثية والتحديثية الحقيقة، حيث يتم العمل على إعادة ترميم البنية التحتية الفكرية والثقافية المعاصرة للفرد المغربي لجعلها قابلة للاستفادة، كما يجب، من تربتنا الحضارية الخصبة كشرط لا مناص منه، ولا حياد عنه، إن نحن أردنا فعلا تحديث البلاد تحديثا علميا شاملا، تحديث الدول المتقدمة. فلا يعقل، مثلا، أن نترك المنظومة الثقافية الفوضوية الحالية للمغربي تزداد انحطاطا مع مرور الزمن، إلى الحد الذي أصبح معه لا يحسن حتى استعمال الطرق السيارة التي أصبحت السياقة فوقها لا تخضع لأية ضوابط . فمن أبجديات الحكامة ومن وصفات محاربة الهشاشة الفعالة، كمثال، أن نعمل على تحديث تعاملنا مع قانون السير على شبكة الطرق السيارة الوطنية المحْدَثة حتى تبدو مكونات المشهد التحديثي متناسقة فيما بينها. فلا بد بداية من العمل بكل الوسائل والإمكانيات على محاربة هشاشة البنية البشرية كشرط أساسي للاستفادة كما يجب من تحديث البنية التحتية التجهيزية (طرقات، موانئ، مطارات، فضاءات سياحية وغيرها). فلا بد من العنصر البشري المتعلم الكفء لرفع التحديات في وجه كل أنماط الهشاشة وأشكال التخلف.
الهشاشة التربوية والتعليمية والهشاشة الإعلامية كفيلتان بإحداث انتكاسة حضارية، ثقافية، اجتماعية، اقتصادية، سياسية. تعليم لم يعد يربي وإعلام يزيد الطين بلة، بل يعمل على تخريب البنية التحتية الحضارية والثقافية للفرد المغربي، أي هويته وماهيته ليصبح كالريشة في مهب الرياح، إذا مالت الريح مال حيث تميل، أو ككثبان الرمل المتحرك لا يثبت على حال. في البداية كانت المسلسلات المكسيكية العبثية المخربة مدبلجة بالعربية الفصحى، فكانت النتيجة أن العجائز أصبحنا يتكلمن كلمات عربية فصحى، لكن حتى هذا البصيص الإيجابي من هذا العبث تم التفطن له، فأصبحت تدبلج بالدارجة المغربية الفصحى، لغة تعليم تربية أبنائنا وتمكينهم من امتلاك نواصي العلوم في القادم من القرن الواحد والعشرين؛ فكما يقال "ما في الهم غير اللي كيفهام".

شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات


 

  • انشر مواضيعك و مساهماتك بلغ عن أي رابط لا يعمل لنعوضه :[email protected] -0707983967او على الفايسبوك
     موقع الأساتذة على  اخبار جوجل - على التلغرام : المجموعة - القناة -اليوتيب - بينتريست -
  • 1141781167114648139
    http://www.profpress.net/?m=0