لجان تقصي الحقائق والمسؤولية القضائية للفرقاء
عضو اللجنة الوطنية للتنسيقية الوطنية لإسقاط خطة التقاعد
على امتداد تاريخ المؤسسات التشريعية عرف البرلمان المغربي منذ سنة 1979 إحداث أول لجنة لتقصي الحقائق حول ملف تسريب امتحانات الباكالوريا، مرورا بلجنة تقصي الحقائق عقب أحداث فاس على إثر الإضراب العام 11 دجنبر 1991، فأحداث سيدي إفني واكديم إيزيك مثالا لا حصرا، وإذا أخذنا جنوب إفريقيا كنموذج، تم اتخاذ قرار استراتيجي في نهاية حقبة الفصل العنصري لإيجاد عملية لجنة تقصّي الحقائق بدلاً من القيام ببساطة بعقد محاكمات لملاحقة مرتكبي الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان. وقد تم تشكيل لجنة الحقيقة والمصالحة من جانب برلمان البلد ومنحها صلاحية رسم أفضل صورة ممكنة لطبيعة وأسباب ومدى الانتهاكات الصارخة التي ارتُكبت في مجال حقوق الإنسان على يد جميع أطراف النزاع، أكيد أن الديموقراطيات العريقة اعتبرت طبيعة عمل هذه اللجان ذات صبغة تقريرية ملزمة عوض اعتبارها استشارية.
وباعتبار بلدنا لا زال يجاور مكانه في جمادية ما سمي تجاوزا ''انتقالا ديموقراطيا'' فلجان تقصي الحقائق تم اعتبارها هياكل مؤقتة، اختلف أصحاب البادرة في إحداثها والنصاب الموجب لذلك حسب النصوص القانونية المؤطرة لعملها، من أهم آليات الرقابة البرلمانية على العمل الحكومي، يناط بها جمع المعلومات المتعلقة بوقائع معينة، أو بتدبير المصالح أو المؤسسات والمقاولات العمومية، وإطلاع المجلس الذي شكلها على نتائج أعمالها (الجلسات المخصصة لتقديم أعمال لجان تقصي الحقائق)، وفق الشروط الواردة في الفصل 67 من الدستور والقانون التنظيمي الذي يحدد تسييرها (القانون التنظيمي 085.13 المتعلق بطريقة تسيير اللجان النيابية لتقصي الحقائق). وتنتهي أعمالها بإيداع تقريرها لدى مكتب المجلس المعني، وعند الاقتضاء، يمكن – وليس وجوبا - إحالته على القضاء من قبل رئيس هذا المجلس، وعلى اعتبار مهام اللجنة هي مجرد آلية للتحقيق وجمع المعطيات وطرح التوصيات ، وهنا يطرح جوهر المشكل حول العلاقة بين الطبيعة الرقابية / الاستشارية للجان وبين من يملك صلاحية اللجوء للمسطرة القضائية، الإشكالية التي تحيلنا لأزمة استقلالية القضاء المغربي ولعل مثال القاضي الهيني من أبرز تمظهرات هذه الأزمة، مما يحتم على مضامين التقرير الذي أثار ضجة إعلامية منقطعة النظير داخل أوساط الوظيفة العمومية أن تبقى حبيسة الرفوف والمجلدات، في انسجام تام مع مخرجات مختلف تقارير اللجان السابقة.
وارتباطا بالسياق الوطني لصدور تقرير لجنة تقصي الحقائق حول ملف التقاعد والذي سبقته حركات احتجاجية من داخل المؤسسات التشريعية واكبتها نضالات ميدانية لعموم الموظفين بتأطير من نقابات وإطارات مناضلة على رأسها التنسيقية الوطنية لإسقاط خطة التقاعد وبعض الجمعيات المهنية للموظفين، والذين واصلوا النضال حتى بعد الإقرار الأحادي للحكومة للقوانين التي وصفها الموظفون بالتراجعية والتخريبية، نجد أن التقرير لم يأت بأي جديد عدا أنه أعاد تكرار نفس تمظهرات الأزمة ومسبباتها بل والأدهى من ذلك أن توصياته لم تضع الأصبع على مكمن الخلل بل عومت المعطيات التي أصبح العادي والبادي يستظهر مضامينها وخصوصا بعد التصريحات والعروض التي تقدم بها أعضاء اللجنة الوطنية التقنية لإصلاح أنظمة التقاعد (الشناوي، الهاكش، الهندوف، المرضي وآخرون)، وبعد التقارير التقنية والبروموهات الإعلامية التي قدمت ثغرات الإصلاح المزعوم وتأثيراته على حياة الموظف المغربي.
ودون وقوف على الاختلالات والتوصيات التي تضمنها التقرير الذي نوقش يوم الأربعاء 15 مارس في مجلس المستشارين في جلسة استثنائية ، يجد المرء نفسه أمام تساؤل جوهري حول من يمتلك الشجاعة الأخلاقية والروح النضالية العفوية الخالية من الحسابات السياسوية والتخندقات الضيقة لكي يقدم التقرير للقضاء من أجل تحرير المتابعة القانونية للمتورطين في تهمة التدليس عملا بمبدإ ربط المسؤولية بالمحاسبة وتنفيذا لمقتضيات المادتين 16 و 17 من القانون التنظيمي رقم 13.085 بمثابة النص المنظم لتسيير اللجان البرلمانية لتقصي الحقائق، فلا مناص من توقيف الإصلاحات الجائرة التي أجهزت على الموظف العمومي ولا بد من إصلاح شمولي لأنظمة التقاعد في انسجام تام مع مبدإ ربط المسؤولية بالمحاسبة بدل تحميل الموظف لوحده مسؤولية التخريب الممنهج لمالية الصناديق.
وبعيد عن لغة الواقع وبغير قليل من لغة العاطفة أقول أنه من المؤكد أن التاريخ سيحفظ لكل طرف مواقفه اتجاه هذا الملف حتى وإن حاول البعض جاحدين أو عن غير قصد طمس معالم الحقيقة فأكيد أن شمس الزوال لا يمكن حجبها بغربال مثقوب.
0 تعليقات
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.