بقلم: الإطار التربوي المحفوظ السملالي
بات من الواضح أن المغرب يتخبط في أزمة عميقة أرخت بظلالها على واقع التربية والتعليم، هذه الأزمة تفاقمت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، مخلفة وضعا ينذر بالانفجار، نتيجة تراكم السياسات الفاشلة التي نهجتها الدولة في قطاع التعليم منذ الاستقلال إلى اليوم، باسم الإصلاح تارة، وإصلاح الإصلاح تارة أخرى.
سياسات مرتجلة ذات عنوان موسوم بغياب رؤية واقعية واضحة ذات توجه محدد، رؤية من شأنها أن تجيب على أسئلة ملحة طالما فشلت كل الإصلاحات المزعومة في الإجابة عنها: "ماذا نريد من التعليم ؟ وسؤال ماذا نصلح ؟ وكيف نصلح؟، بدءا بميثاق مزيان بلفقيه 1999، والذي على علاته، بقي حبيس الرفوف ولم يعرف طريقا للتنزيل على أرض الواقع التعليمي بالشكل المطلوب، ثم البرنامج الاستعجالي 2009- 2012 الذي رصدت له ميزانية ضخمة تقدر بـ33 مليون درهم ذهبت كلها أدراج الرياح، اختلاسات لم يعرف أصحابها طريقا للعدالة والمحاسبة إلى اليوم، ليترك هذا البرنامج واقع التعليم بدون أي تغيير، بل زاد من عمق الأزمة، باستثناء بعض البنيات التحتية الهزيلة التي تبقى نقطة ضوء وحيدة للبرنامج، وصولا إلى رؤية عزيمان 2015-2030 كآخر طبخة مطروحة للإصلاح في دهاليز المجلس الأعلى للتربية والتكوين للخروج من أسطوانة إصلاح الإصلاح التي يبدو أنها لن تنتهي، لغياب إرادة سياسية حقيقية للرقي بقطاع استراتجي كقطاع التعليم.
إنه من الغباء أن نفكر في القرن 21 بعقلية لازلنا ندفع ثمنها غاليا إلى اليوم، "كون أن التعليم قطاع غير منتج يأخذ من الدولة كل شيء ولا يقدم لها أي شيء"، هذه العقلية التي أعاقتنا علميا واقتصاديا واجتماعيا، وأخرتنا بعقود من الزمن عن ركب التنمية المنشودة، مقارنة بدول كان وضعها التعليمي والاقتصادي والاجتماعي قريب منا، بل كنا أفضل من بعضها، هاته الدول حققت قفزة نوعية، واستطاعت أن تبني نظاما تعليميا قويا يحرص كل الحرص على الاستثمار في الرأسمال البشري، وعيا منها أنه أساس كل تقدم اقتصادي وتنموي. الحديث هنا عن اليابان كنموذج تلك الدولة التي خرجت من الحرب العالمية الثانية أرضا خربا، اليابان الدولة الأفقر في العالم من ناحية الموارد الطبيعية، استطاعت بفضل سياستها التعليمية أن تبني اقتصادا ينافس أعتد الأنظمة الاقتصادية العالمية، كوريا الجنوبية وسنغفورة وبلدان كثيرة قررت الاستثمار في العنصر البشري، وعيا منها أنه الوحيد من سيجعل منها دولا صاعدة .
إن عقد نية إصلاح التعليم بالمغرب، يقتضي كخطوة عملية آنية ومستعجلة، بعيدا عن لغة الخطاب العقيم، نهج الوزير الجديد لسياسة الحوار الاجتماعي، والاستماع إلى نبض الشارع التعليمي، وحل جميع القضايا والملفات المطروحة، والتي لها علاقة مباشرة بتحسين وضعية التعليم، بعيدا عن سياسة الحوارات الاجتماعية المزعومة الموجهة بمنطق "شاورهم ولا تأخذ برأيهم" .
ولتحقيق هذا المراد لابد أولا من :
ـ إيقاف عطالة ما بات يعرف لدى الرأي العام بأساتذة البرنامج الحكومي 10000 إطار تربوي خريجي المدارس العليا للأساتذة، والتي دامت احتجاجاتهم البطولية قرابة سنة كاملة من المعاناة، دفاعا عن حقهم في الوظيفة العمومية، بناءا على مجموعة من الاستحقاقات التي مروا منها بعيدا عن منطق التوظيف المباشر. خريجو البرنامج الحكومي هم أساتذة وإداريون تتوفر فيهم جميع الشروط اللازمة للالتحاق بسلك الوظيفة العمومية وقطاع التعليم العمومي، فهم تكونوا في المدارس العليا للأساتذة بالمغرب، وتلقوا تكوينا نظريا وبيداغوجيا وديدكتيكيا يوازي نفس تكوين المراكز الجهوية، بل وأفضل، بشهادة مكونين وخبراء في مجال التربية والتعليم، هذه المؤسسة التي راكمت 30 سنة من الخبرة في البحث التربوي والبيداغوجي قبل أن تخرج المراكز الجهوية إلى الوجود. هم أساتذة خضعوا لتداريب ميدانية في المدارس العمومية، وتحملوا مسؤولية القسم، ما ينقصهم فقط هو قرار سياسي شجاع يلتزم بتطبيق بنود الاتفاقية الإطار المنظمة للمشروع، لوضع حدا لمعاناتهم، وإلحاقهم بمكانهم الطبيعي الذي هو الأقسام والمدرسة العمومية التي هي في أمس الحاجة إلى أطر في مثل كفاءتهم، للتخفيف من حدة مشاكل التعليم والتقليل الجزئي من الاكتظاظ المهول الذي تعرفه المدرسة العمومية.
ثانيا: العدول عن قرار العمل بفصل التكوين عن التوظيف في المراكز الجهوية للتربية والتكوين، لما في ذلك من تأثير سلبي على جودة التكوين، ووضع حد للمرسومين المشؤومين 2.15.588 و2.15.589 القاضيين بفصل التكوين عن التوظيف، وتقزيم المنحة إلى النصف، والعمل على إرجاع المراكز الجهوية للتربية والتكوين لصيغتها العادية، والإسراع بإخراج هذه المؤسسة من العطالة التي فرضت عليها بسبب مشاكل المرسومين المذكورين، وإيجاد حل فوري يطوي بشكل نهائي ملف الأساتذة المرسبين عمدا والالتزام ببنود محضر 14 أبريل.
ثالثا: وقف مهزلة التشغيل بالعقدة وبدون تكوين، وإبعاد كل ما من شأنه أن يدخل الهشاشة ويعمق الأزمة في قطاع استراتجي كالتعليم، والكف عن السياسات ذات البعد التجاري الضيق، من قبيل السياسات التي تراعي مبدأ الربح والخسارة في مجال حيوي حساس لا يتحمل مثل تلك السياسات التي من شأنها أن تحدث أزمات غير محسوبة العواقب، وتقف حجر عثرة أمام كل تقدم منشود مستقبلا.
وأخيرا وليس آخرا، التوقف عن الهجوم المتكرر على البقية الباقية من المدرسة العمومية إرضاءا للأطماع المتزايدة لتجار التعليم ولوبيات قطاع التعليم الخاص، وهيكلته وجعله تحت المراقبة القانوني، ثم العمل على تحسين وضعية المدرسة العمومية والاهتمام بمشاكل الشغيلة التعليمية وتحسين البنيات التحتية للمؤسسات التعليمية، وضمان الحق في تعليم علمي جيد وديمقراطي لكل المغاربة، وإيقاف كل النوايا السيئة التي تسعى للنيل من الحق في مجانية التعليم، وجعله قطاعا مربحا على حساب المواطنين والوطن ككل.
خارج هاته الأرضية، لا يمكن الحديث إلاعن اجترار نفس خطاب الإصلاح الذي تعاقب عليه 50 وزيرا للتربية منذ الاستقلال إلى حدود كتابة هذه السطور، وحال التربية والتكوين في المغرب حال دار لقمان بقي بلا تغيير، وربما تغير إلى الأسوء باسم الإصلاح الذي هو في واقع الامر لم يكن الا تخريبا,فكل دعاة الاصلاح في قطاع التعليم , فعلوا به ما فعل اللقلاق حينما اراد ان يقبل ابنه ’ فثقب عينيه.
خلاصة القول "إذا كنتم تعتقدون أن التعليم مكلف، فجربوا الجهل"
بات من الواضح أن المغرب يتخبط في أزمة عميقة أرخت بظلالها على واقع التربية والتعليم، هذه الأزمة تفاقمت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، مخلفة وضعا ينذر بالانفجار، نتيجة تراكم السياسات الفاشلة التي نهجتها الدولة في قطاع التعليم منذ الاستقلال إلى اليوم، باسم الإصلاح تارة، وإصلاح الإصلاح تارة أخرى.
سياسات مرتجلة ذات عنوان موسوم بغياب رؤية واقعية واضحة ذات توجه محدد، رؤية من شأنها أن تجيب على أسئلة ملحة طالما فشلت كل الإصلاحات المزعومة في الإجابة عنها: "ماذا نريد من التعليم ؟ وسؤال ماذا نصلح ؟ وكيف نصلح؟، بدءا بميثاق مزيان بلفقيه 1999، والذي على علاته، بقي حبيس الرفوف ولم يعرف طريقا للتنزيل على أرض الواقع التعليمي بالشكل المطلوب، ثم البرنامج الاستعجالي 2009- 2012 الذي رصدت له ميزانية ضخمة تقدر بـ33 مليون درهم ذهبت كلها أدراج الرياح، اختلاسات لم يعرف أصحابها طريقا للعدالة والمحاسبة إلى اليوم، ليترك هذا البرنامج واقع التعليم بدون أي تغيير، بل زاد من عمق الأزمة، باستثناء بعض البنيات التحتية الهزيلة التي تبقى نقطة ضوء وحيدة للبرنامج، وصولا إلى رؤية عزيمان 2015-2030 كآخر طبخة مطروحة للإصلاح في دهاليز المجلس الأعلى للتربية والتكوين للخروج من أسطوانة إصلاح الإصلاح التي يبدو أنها لن تنتهي، لغياب إرادة سياسية حقيقية للرقي بقطاع استراتجي كقطاع التعليم.
إنه من الغباء أن نفكر في القرن 21 بعقلية لازلنا ندفع ثمنها غاليا إلى اليوم، "كون أن التعليم قطاع غير منتج يأخذ من الدولة كل شيء ولا يقدم لها أي شيء"، هذه العقلية التي أعاقتنا علميا واقتصاديا واجتماعيا، وأخرتنا بعقود من الزمن عن ركب التنمية المنشودة، مقارنة بدول كان وضعها التعليمي والاقتصادي والاجتماعي قريب منا، بل كنا أفضل من بعضها، هاته الدول حققت قفزة نوعية، واستطاعت أن تبني نظاما تعليميا قويا يحرص كل الحرص على الاستثمار في الرأسمال البشري، وعيا منها أنه أساس كل تقدم اقتصادي وتنموي. الحديث هنا عن اليابان كنموذج تلك الدولة التي خرجت من الحرب العالمية الثانية أرضا خربا، اليابان الدولة الأفقر في العالم من ناحية الموارد الطبيعية، استطاعت بفضل سياستها التعليمية أن تبني اقتصادا ينافس أعتد الأنظمة الاقتصادية العالمية، كوريا الجنوبية وسنغفورة وبلدان كثيرة قررت الاستثمار في العنصر البشري، وعيا منها أنه الوحيد من سيجعل منها دولا صاعدة .
إن عقد نية إصلاح التعليم بالمغرب، يقتضي كخطوة عملية آنية ومستعجلة، بعيدا عن لغة الخطاب العقيم، نهج الوزير الجديد لسياسة الحوار الاجتماعي، والاستماع إلى نبض الشارع التعليمي، وحل جميع القضايا والملفات المطروحة، والتي لها علاقة مباشرة بتحسين وضعية التعليم، بعيدا عن سياسة الحوارات الاجتماعية المزعومة الموجهة بمنطق "شاورهم ولا تأخذ برأيهم" .
ولتحقيق هذا المراد لابد أولا من :
ـ إيقاف عطالة ما بات يعرف لدى الرأي العام بأساتذة البرنامج الحكومي 10000 إطار تربوي خريجي المدارس العليا للأساتذة، والتي دامت احتجاجاتهم البطولية قرابة سنة كاملة من المعاناة، دفاعا عن حقهم في الوظيفة العمومية، بناءا على مجموعة من الاستحقاقات التي مروا منها بعيدا عن منطق التوظيف المباشر. خريجو البرنامج الحكومي هم أساتذة وإداريون تتوفر فيهم جميع الشروط اللازمة للالتحاق بسلك الوظيفة العمومية وقطاع التعليم العمومي، فهم تكونوا في المدارس العليا للأساتذة بالمغرب، وتلقوا تكوينا نظريا وبيداغوجيا وديدكتيكيا يوازي نفس تكوين المراكز الجهوية، بل وأفضل، بشهادة مكونين وخبراء في مجال التربية والتعليم، هذه المؤسسة التي راكمت 30 سنة من الخبرة في البحث التربوي والبيداغوجي قبل أن تخرج المراكز الجهوية إلى الوجود. هم أساتذة خضعوا لتداريب ميدانية في المدارس العمومية، وتحملوا مسؤولية القسم، ما ينقصهم فقط هو قرار سياسي شجاع يلتزم بتطبيق بنود الاتفاقية الإطار المنظمة للمشروع، لوضع حدا لمعاناتهم، وإلحاقهم بمكانهم الطبيعي الذي هو الأقسام والمدرسة العمومية التي هي في أمس الحاجة إلى أطر في مثل كفاءتهم، للتخفيف من حدة مشاكل التعليم والتقليل الجزئي من الاكتظاظ المهول الذي تعرفه المدرسة العمومية.
ثانيا: العدول عن قرار العمل بفصل التكوين عن التوظيف في المراكز الجهوية للتربية والتكوين، لما في ذلك من تأثير سلبي على جودة التكوين، ووضع حد للمرسومين المشؤومين 2.15.588 و2.15.589 القاضيين بفصل التكوين عن التوظيف، وتقزيم المنحة إلى النصف، والعمل على إرجاع المراكز الجهوية للتربية والتكوين لصيغتها العادية، والإسراع بإخراج هذه المؤسسة من العطالة التي فرضت عليها بسبب مشاكل المرسومين المذكورين، وإيجاد حل فوري يطوي بشكل نهائي ملف الأساتذة المرسبين عمدا والالتزام ببنود محضر 14 أبريل.
ثالثا: وقف مهزلة التشغيل بالعقدة وبدون تكوين، وإبعاد كل ما من شأنه أن يدخل الهشاشة ويعمق الأزمة في قطاع استراتجي كالتعليم، والكف عن السياسات ذات البعد التجاري الضيق، من قبيل السياسات التي تراعي مبدأ الربح والخسارة في مجال حيوي حساس لا يتحمل مثل تلك السياسات التي من شأنها أن تحدث أزمات غير محسوبة العواقب، وتقف حجر عثرة أمام كل تقدم منشود مستقبلا.
وأخيرا وليس آخرا، التوقف عن الهجوم المتكرر على البقية الباقية من المدرسة العمومية إرضاءا للأطماع المتزايدة لتجار التعليم ولوبيات قطاع التعليم الخاص، وهيكلته وجعله تحت المراقبة القانوني، ثم العمل على تحسين وضعية المدرسة العمومية والاهتمام بمشاكل الشغيلة التعليمية وتحسين البنيات التحتية للمؤسسات التعليمية، وضمان الحق في تعليم علمي جيد وديمقراطي لكل المغاربة، وإيقاف كل النوايا السيئة التي تسعى للنيل من الحق في مجانية التعليم، وجعله قطاعا مربحا على حساب المواطنين والوطن ككل.
خارج هاته الأرضية، لا يمكن الحديث إلاعن اجترار نفس خطاب الإصلاح الذي تعاقب عليه 50 وزيرا للتربية منذ الاستقلال إلى حدود كتابة هذه السطور، وحال التربية والتكوين في المغرب حال دار لقمان بقي بلا تغيير، وربما تغير إلى الأسوء باسم الإصلاح الذي هو في واقع الامر لم يكن الا تخريبا,فكل دعاة الاصلاح في قطاع التعليم , فعلوا به ما فعل اللقلاق حينما اراد ان يقبل ابنه ’ فثقب عينيه.
خلاصة القول "إذا كنتم تعتقدون أن التعليم مكلف، فجربوا الجهل"
0 تعليقات
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.