المصطفى سالمي
لعل الأجيال الماضية تنظر بكثير من الأسى والحسرة لما آل إليه وضع التعليم ببلادنا في الآونة الأخيرة، ومن خلاله وضعية التلميذ القيمية والمعرفية ورؤياه واهتماماته وشخصيته ونظرته للوجود والحياة...
قد يقول قائل إن هذه الأجيال الذي رباها وعلمها وكونها هم الأجيال القديمة التي يزعم هؤلاء أننا نرفع من شأنها متعسفين ظالمين لهذا الجيل، ومَن قال إننا نحمل هذا الجيل مسؤولية هذا الواقع المأزوم؟! ربما لو حكمت الأقدار على الجيل القديم أن يولد في نفس ظروف هذا الجيل لكان مثله أو أسوأ منه.
ما هي إذن هذه الظروف أو الملابسات التي جعلت جيل اليوم بدون قيم، بدون رؤيا، وبدون عمق معرفي..؟
أولا ـ أقر بأن الجيل القديم لم يَسلمْ بدوره من النقد والتجريح من سابقيه، لقد كتب المفكر والكاتب المغربي سعيد حجي سنة 1938 مقالا بعنوان: "شباب غُفْل"، وكان هذا النص ضمن النصوص المقررة في الكتب المدرسية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وقد اتهم سعيد حجي الجيل الصاعد لتلك الفترة بالغفلة والخمول وعدم استفادته من إتقان اللغات لتغيير واقع البلاد، تُرى ماذا كان سيقول هذا المفكر المغربي لو امتد به العمر وعاين ما نعاينه ونعيشه اليوم؟!
ثانيا ـ الجيل الحالي هو ضحية وليس بالجاني، إنه ضحية الإعلام الفاسد الذي أهلك الحرث والنسل، ونقصد بالإعلام ما هو رسمي من فضائيات تقدم برامج تافهة سطحية تطبّع مع قيم دخيلة، وتكرس واقع التخلف والانبطاح، وإعلام وتقنيات وسائل التواصل الاجتماعي الذي يشكل سلطة طاغية لا تتيح للشخص أن يعيش واقعه لقوة ما يمارسه من إدمان وخنوع وهيمنة مسلطة على من يجرفهم تياره.
ثالثا ـ انسداد الآفاق وتبخيس دَوْر العلم والعلماء في بلادنا المتخلفة، وتراجع سلطة الكبار، وسوء تدبير قطاع التعليم على مستوى المناهج والمقررات والمحتويات...
إن التغيرات المجتمعية ككل ساهمت بدورها في جعل أجيال اليوم مادية بشكل رهيب، لا تعترف بقيم الاجتهاد أو تحمل المسؤولية أو الصبر أو التدرج للوصول إلى الهدف بطرق شرعية، إن الغاية تبرر الوسيلة عند جيل اليوم، لذلك لا تستغرب حين تجد طالب اليوم غشاشا، أو تجده متواكلا يحتاج لمن يرافقه من أولياء أموره لتدبر أحواله بعد أن يحصل على شهادة الباكالوريا، إذ تجد هذا الجيل عاجزا عن أن يتحمل مسؤولية نفسه مقارنة مع أجيال الأمس في السبعينات والثمانينات التي كانت تشتغل في العطل الصيفية في أوراش البناء أو المهن والحرف لتحصيل لوازم الدراسة، دون مد اليد للأبوين، وقتها كان الطالب يعيش التجربة الجامعية باستقلالية عن تدخل الآباء ومساعدتهم، كانت وقتها المنحة الهزيلة تكفيه، بل ويساعد أبويه بقسط منها، حقا الظروف المادية صعبة اليوم، ولكن جيل اليوم مستكين واهن، تميزه منحصر فقط في المظهر الخارجي، وفي إجادة التناسق بين البنطلون والقميص وتسريحة الشعر.. وأمام استمرار نزيف التراجع وضعف وانهيار العناصر المتداخلة (أسرة/ مدرسة/ مقررات/ مناهج...) لا نستبعد أن يمثل هذا الجيل الحالي لِمنْ سيأتي بعده حالة كلاسيكية ـ وربما مثالية ـ إذا كنا واقعيين ـ وربما عدميين يائسين في عرف البعض ـ حيث نتوقع أن يحل مسخ أكبر مما نراه وننتقده، وقتها سنقول إن المسخ لا يُواجَه إلا بهذا الجيل الصاعد، إذ لن يكون بمقدور أمثال جيل السبعينات والثمانينات أن يقف في وجهه، وحده جيل اليوم قد يواجه المسخ المرتقب.. لقد مضى ذاك الزمن الذي كان يقال فيه للتلميذ المتكاسل الخامل: إننا نخاف عليك! اليوم وغدا سيقال ـ للأسف ـ للتلميذ المجد المهتم الخلوق: إننا نخاف عليك!
لعل الأجيال الماضية تنظر بكثير من الأسى والحسرة لما آل إليه وضع التعليم ببلادنا في الآونة الأخيرة، ومن خلاله وضعية التلميذ القيمية والمعرفية ورؤياه واهتماماته وشخصيته ونظرته للوجود والحياة...
أ ـ قيميا / أخلاقيا:
لقد أصبح تلميذ اليوم مفرغا ومنسلخا من قيم تواضع عليها مجتمعنا، وآمنت بها أجيال سابقة، ونحن هنا نتحدث في العامّ الشامل ولا نخصص، فالاستثناء دائما موجود، لكنه الاستثناء الذي يثبت القاعدة ولا يكسرها، فالغش في المدارس كان قديما عملة نادرة محدودة، لكنه اليوم عملة رائجة، فهل كانت الأجيال القديمة تتصور أن يقوم التلاميذ بكسر الألواح والطاولات وباقي تجهيزات المؤسسة بسبب التشدد في حراسة الامتحانات والحرمان من الغش خلال الاختبارات الإشهادية للباكالوريا، لقد وقع هذا الأمر وتم تصويره وتمريره على الشبكة العنكبوتية، كما تم ويتم باستمرار تمرير مشاهد عنف وتهجم لفظي وجسدي على المدرسين، بل ومحاولة ذبحهم للأسف، هكذا أصبح واقع الحال في هذا العصر ومع هذا الجيل.. وأما عن احترام الكبار والقيم والعادات فحدث ولا حرج!ب ـ معرفيا:
لقد أصبح جيل اليوم متهافتا من حيث القدرات المعرفية، وخاصة في مجال اللغات والتخصصات الفلسفية والفكرية، فتلميذ اليوم في الغالب والعام يجد صعوبة إن لم يكن عجزا ـ حتى بعد الحصول على شهادة الباكالوريا ـ في صياغة مجرد طلب عمل بسيط باللغة العربية أو الأجنبية، ويضطر للاستعانة بنماذج جاهزة من عالم الأنترنيت، بل إنه رغم الساعات الإضافية المؤدى عنها لا يستطيع كتابة مواضيع إنشائية خالية من الأخطاء الإملائية التي لم يكن تلميذ الابتدائي في سنوات السبعينات يقع في مثلها كأخطاء الهمزة والتاء المربوطة أو المبسوطة، أو كتابة ما يكون منطوقا غير مكتوب.. وأما الخيال الأدبي والتعابير المجازية فأمور لا ينبغي أن نتوقعها من عموم هذا الجيل، فهو لن يصل ـ لا كميا ولا كيفيا ـ إلى ربع مستوى تلاميذ السبعينات والثمانينات الذين تشبعوا بقراءة كتب المنفلوطي وجبران خليل جبران وموليير وشكسبير وإيميل زولا .. وغيرهم، كما أن ثقافة هذا الجيل ضحلة للغاية، إنه لا يعرف كبار المفكرين والسياسيين، فلو تسأله عن ستالين أو كارل ماركس أو صلاح الدين الأيوبي أو البخاري فلن يعطيك جوابا شافيا، جيل مهووس فقط بالمغنين ولاعبي الكرة إلا من رحم ربك!ج ـ الشخصية والرؤيا للوجود والحياة:
يكفي أن تقف لبرهة أمام باب مؤسسة ثانوية أو جامعية وتتأمل الداخلين والخارجين حتى تستلفت انتباهك أنواع الحلاقة الغريبة، فهذا له عرف أشبه بعرف الديك، وذاك له شعر طويل أشبه بشعر عبلة العصر الجاهلي، وتلك بسروال (جينز) ممزق من أعلى الركبة، وأخرى تدخل المؤسسة بسماعتين في الأذنين.. حالة من التسيب والفوضى ومن الكلام الساقط.. هل تتوقع لأمثال هؤلاء رؤيا للحاضر والمستقبل؟!قد يقول قائل إن هذه الأجيال الذي رباها وعلمها وكونها هم الأجيال القديمة التي يزعم هؤلاء أننا نرفع من شأنها متعسفين ظالمين لهذا الجيل، ومَن قال إننا نحمل هذا الجيل مسؤولية هذا الواقع المأزوم؟! ربما لو حكمت الأقدار على الجيل القديم أن يولد في نفس ظروف هذا الجيل لكان مثله أو أسوأ منه.
ما هي إذن هذه الظروف أو الملابسات التي جعلت جيل اليوم بدون قيم، بدون رؤيا، وبدون عمق معرفي..؟
أولا ـ أقر بأن الجيل القديم لم يَسلمْ بدوره من النقد والتجريح من سابقيه، لقد كتب المفكر والكاتب المغربي سعيد حجي سنة 1938 مقالا بعنوان: "شباب غُفْل"، وكان هذا النص ضمن النصوص المقررة في الكتب المدرسية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وقد اتهم سعيد حجي الجيل الصاعد لتلك الفترة بالغفلة والخمول وعدم استفادته من إتقان اللغات لتغيير واقع البلاد، تُرى ماذا كان سيقول هذا المفكر المغربي لو امتد به العمر وعاين ما نعاينه ونعيشه اليوم؟!
ثانيا ـ الجيل الحالي هو ضحية وليس بالجاني، إنه ضحية الإعلام الفاسد الذي أهلك الحرث والنسل، ونقصد بالإعلام ما هو رسمي من فضائيات تقدم برامج تافهة سطحية تطبّع مع قيم دخيلة، وتكرس واقع التخلف والانبطاح، وإعلام وتقنيات وسائل التواصل الاجتماعي الذي يشكل سلطة طاغية لا تتيح للشخص أن يعيش واقعه لقوة ما يمارسه من إدمان وخنوع وهيمنة مسلطة على من يجرفهم تياره.
ثالثا ـ انسداد الآفاق وتبخيس دَوْر العلم والعلماء في بلادنا المتخلفة، وتراجع سلطة الكبار، وسوء تدبير قطاع التعليم على مستوى المناهج والمقررات والمحتويات...
إن التغيرات المجتمعية ككل ساهمت بدورها في جعل أجيال اليوم مادية بشكل رهيب، لا تعترف بقيم الاجتهاد أو تحمل المسؤولية أو الصبر أو التدرج للوصول إلى الهدف بطرق شرعية، إن الغاية تبرر الوسيلة عند جيل اليوم، لذلك لا تستغرب حين تجد طالب اليوم غشاشا، أو تجده متواكلا يحتاج لمن يرافقه من أولياء أموره لتدبر أحواله بعد أن يحصل على شهادة الباكالوريا، إذ تجد هذا الجيل عاجزا عن أن يتحمل مسؤولية نفسه مقارنة مع أجيال الأمس في السبعينات والثمانينات التي كانت تشتغل في العطل الصيفية في أوراش البناء أو المهن والحرف لتحصيل لوازم الدراسة، دون مد اليد للأبوين، وقتها كان الطالب يعيش التجربة الجامعية باستقلالية عن تدخل الآباء ومساعدتهم، كانت وقتها المنحة الهزيلة تكفيه، بل ويساعد أبويه بقسط منها، حقا الظروف المادية صعبة اليوم، ولكن جيل اليوم مستكين واهن، تميزه منحصر فقط في المظهر الخارجي، وفي إجادة التناسق بين البنطلون والقميص وتسريحة الشعر.. وأمام استمرار نزيف التراجع وضعف وانهيار العناصر المتداخلة (أسرة/ مدرسة/ مقررات/ مناهج...) لا نستبعد أن يمثل هذا الجيل الحالي لِمنْ سيأتي بعده حالة كلاسيكية ـ وربما مثالية ـ إذا كنا واقعيين ـ وربما عدميين يائسين في عرف البعض ـ حيث نتوقع أن يحل مسخ أكبر مما نراه وننتقده، وقتها سنقول إن المسخ لا يُواجَه إلا بهذا الجيل الصاعد، إذ لن يكون بمقدور أمثال جيل السبعينات والثمانينات أن يقف في وجهه، وحده جيل اليوم قد يواجه المسخ المرتقب.. لقد مضى ذاك الزمن الذي كان يقال فيه للتلميذ المتكاسل الخامل: إننا نخاف عليك! اليوم وغدا سيقال ـ للأسف ـ للتلميذ المجد المهتم الخلوق: إننا نخاف عليك!
0 Comments
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.