الجزء 1 من قصة حول الأم

الإدارة يوليو 28, 2017 يوليو 28, 2017
للقراءة
كلمة
0 تعليق
-A A +A

الجزء 1 من قصة حول الأم


الاسم : عمر بوهاني  
المهنة : أستاذ     - البلد : تونس 
الجزء 1 من قصتي  هدية مني لجريدة الأستاذ 

اجهل سبب عجزنا عن نسيان بعض المواقف التي تعرض لنا في صغرنا ، ورسوخ بعض المشاهد في ذاكرتنا و ترفض مغادرتها مهما تغيرت صروف الدهر و مهما اختلفت أحوالنا ، ويستعـصي فهم حضور البعض منها بكثافة وغياب البعض الآخر و يعسر التكهن بموعد حضورها ، فقد عجزت عن دفع هذا المشهد بعيدا عن ذاكرتي فيقفز أمامي بلا مقدمات ، أحيانا حين أقود وأحيانا في
القسم ، و أحيانا حين انغمس في بعض الأشغال فيتجلى واضحا بكل تفاصيله و كأني في عرض ثلاثي الأبعاد ، تتجمع الصور وتتكتل ثم تلتحم ويرتفع جدار مطلي بالطين تمردت عليه جذوع أشجار و دونه جلست عجوز شديدة النحافة لفت رأسها الصغير بمنديل و ضاق جبينها حتى غابت حدوده و تآكل حاجباها وعيون غائرة عجيبة البريق تلهيك عن أنفها المخروط و لحيتها المثلثة أراها قد انغمست في تنقية جفـــنة قمح فتغمس يدها الرقيقة في جوفها و تقلب الحبات و تلتقط ذرّات الحصى و ما شابه من العالقات بالقمح ومن حين لآخر ترفع رأسها تراقبني و أنا أجري يمنة ويسرة ثم أصعد قمة شجرة عرعر مسنّة لأطل منها على القرية ومن حين لآخر أسمعها تنادي ( وين مشيت يا عمر ) فأطل عليها من بعيد وارقص لها رقصة مضطربة فتهز رأسها مشجّعة اياي ثم تعود الى ما كانت فيه وقد عدلت عقلها على اتجاهات حركتي و مواقيت تفقدي ، وقضيت نصف عمري أحاول فك لغز تلك الدمعة الرقراقة عندما أسألها : ( لم نسكن معزولين عن القرية ، لماذا نسكن في هذا الجبل ؟)فتجيبني ( كيف – كيف وهنا أفضل ) فأصمت ويبقى شيئ في نفسي وأجيل بصري فأذا بالبيت واقع في فخذ الجبل وكأنه ولد من رحمه فحجارته منه و سقفه منه وسطحه مستند اليه و الماعز لا تميز بينه وبين بقية فضاء الجبل فتتخذه ساحة مبارزة و لا تكف الا بعد أن تخرقه أقدامها ، والقي بصري بعيدا فارى في الناحية الأخرى بيوتا كتلة من البيوت المقببة البيضاء فأرتد الى جدتي أسألها ( أمي ، أمي ، لم يختلف مسكننا عن مسكن هؤلاء ؟) فتمسح دمعها بكم ملاءتها الحمراء و تجيب ( كيف – كيف ) ، و تمر الأيام و يتكرر نفس المشهد متماثلا ، سألتها و هي تحمل القربة على ظهرها و تلهث عند صعود الجبل الى البيت فترقرق دمعها و سألتها وهي تحمل حزمة الحطب وقد تقرحت يداها و دميت أقدامها وجرحت الأشواك قصبتيها فتنسى ما فوقها و يترقرق دمعها ( كيف كيف ) و اذا سألتها عند النوم سوّفت واستمهلتني للصباح و تمسح على رأسي حتى يداهمني النوم وقبل أوانه تسقط قطرات باردة على صفحة وجهي .... حتى انفجرت في يوم من الأيام وقالت ( يا ليتـــني ما أرضعتك و تركتك تموت ) ، هزت هذه الجملة كياني و دكّــتني من الأعماق و سمعت طنينا في أسماعي وتراقص كل ما حولي و جريت نحو شجرة صنوبر بيني وبينها مودة والفة مبهمة .............يتبع

شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات


 

  • انشر مواضيعك و مساهماتك بلغ عن أي رابط لا يعمل لنعوضه :[email protected] -0707983967او على الفايسبوك
     موقع الأساتذة على  اخبار جوجل - على التلغرام : المجموعة - القناة -اليوتيب - بينتريست -
  • 1141781167114648139
    http://www.profpress.net/