نحو تكريس ثقافة حقوق الإنسان و بناء الدولة الديمقراطية الحديثة
" الناس لايقتلون من اجل
فصل السلط بل من اجل الكرامة و الحقوق " الان تورين ، العالم البارز في علم
الاجتماع
حقوق الانسان هي ثقافة تتضمن
مجموعة من القيم و المبادئ الموجهة للسلوك الانساني ، كما تتضمن صورة معينة عن
الانسان و المجتمع و السياسة . ففكرة حقوق الانسان تطورت عبر مسار طويل حيث
يعتبرها René Casin [1] ، علما يرتكز على الدراسة و البحث وفق
الكرامة الانسانية : " علم حقوق الانسان يمكن تعريفه كفرع خاص من فروع العلوم
الاجتماعية ، موضوعه هو دراسة العلاقات القائمة بين الاشخاص وفق الكرامة الانسانية
مع تحديد الحقوق و الخيارات الضرورية لتفتح شخصية كل كائن انساني " .
وتعتبرها الامم المتحدة : "
تلك الحقوق المتأصلة
في طبيعتنا ، و التي بدونها يستحيل علينا ان نحيا كبشر ".
تقوم ثقافة حقوق الانسان على قيم جديدة
كالحرية ، بل الحريات : الرأي ، الضمير ، التجمع ، التنقل، الانتماء . فجوهر
الحقوق و مسلماتها الاساسية هي حرية الكائن البشري و حقه الاساسي ، و من ثمة
فمنظومة حقوق الانسان مثلما انها بنية قانونية لترسيم هذه الحرية و بيان حدودها و
تقاطعاتها ، فإنها منظومة اخلاقية ايضا ...
ينتج عن هذه النظرة ان ثقافة حقوق
الانسان هي ثقافة مساواة بين الاجناس و الاعراف و الثقافات و بين الافراد داخل
المجتمع الواحد . و قد صاغ الاعلان العالمي هذه الفكرة بقوله: "يولد جميع
الناس احرارا متساوين في الكرامة و الحقوق " . لكل انسان حق التمتع بجميع
الحقوق و الحريات ، و بالإضافة الى ذلك فان ثقافة حقوق الانسان هي ثقافة الدعوة
الى السلم و الحوار و التفاهم بين الشعوب .
و
الحقيقة ان حقوق الانسان عامة ، هي أقرب ما تكون الى المثل منها الى الواقع ، لكن
الحقوق السياسية هي فصيلة الحقوق الاقرب الى التحقق في الواقع من حيث انها تتجسد
فعليا في النظام السياسي الديمقراطي .
فالديمقراطية الحق ، ترتبط بوجود المواطن الواعي بحقوقه ، و الممارس لها
جزئيا او كليا . و ان العلاقة الجدلية بين
حقوق الانسان و سيادة الدولة هي : اشكالية قديمة عاقت ارساء دعائم الدولة لحقوق
الانسان ، ودفعت بالسلوك و المواثيق الدولية التي تتناول مختلف قضايا حقوق الانسان
التعامل مع هذه الازدواجية ، و الاخذ بعين الاعتبار الحريات العامة للفرد و
الارادة السياسية للدولة كمعيارين اساسييين لتحديد نطاق تطبيق القانون الدولي
لحقوق الانسان ، فالدور الاول للدولة هو حماية الحقوق الفردية و تنمية شخصية
الانسان .
و هكذا جاءت هذه الدراسة مشتملة لأربعة مباحث ، خصصنا المبحث الاول لنشأة و
تطور حقوق الانسان ،والمبحث الثاني لأصناف و اجيال هذه الحقوق. و في المبحث الثالث
تناولنا فيه مفهوم السلطة الجديد في ظل الديمقراطية و حقوق الانسان كعنصران
أساسيان لدولة القانون. و في المحور الاخير تم التطرق الى الاليات الدولية لمراقبة
تطبيق حقوق الانسان (القانونية و القضائية ).
المبحث الاول : نشاة وتطور حقوق الانسان
يضرب مفهوم حقوق الانسان بجذوره البعيدة في الفكر القديم ،فنشأة حقوق
الانسان تعود ايضا الى :
-الأسس و المعتقدات الدينية ، و خاصة
السماوية ، فالله هو الذي يبين الحق و الواجب ، و يضع ضوابط العلاقات سواء بين
الشخص و ذاته أو مع غيره ، أو اتجاه المجتمع و السلطة الطبيعية ، فيحدد ما يجب
فعله أو تركه ، وما يفترض اتيانه .و استفادت حركة حقوق الانسان ايضا ، من فلسفات
الحق الطبيعي ، أي قانون الطبيعة ، أي من طبيعة الناس ، وان الانسان له حقوق فطرية
، وأصيلة و طبيعية لا تتأثر
بالزمان و المكان . فميلاد حقوق الانسان يرجع الى القرن السابع عشر الميلادي ، و
ذلك بربطه بمدرسة الحق الطبيعي (غراتيوس ) ، هذه النظريات تنطلق من ان هناك ضرورة
لرصد وجود تناغم بين القانون و الطبيعة ، أي انتقالها من صيغتها الفلسفية الى
القوانين الوضعية .
-القانون الوضعي : و هو مجموع القوانين
المكتوبة ، او عادات الماضي التي لها قوة القانون ، و التي تصدر عن سلطة معينة في
واقع معين و مجتمع محدد . فالحقوق حسب القانون الوضعي : " ليس هناك حقوق دون
خضوعها لتنظيم ، و نص قانوني وضعي ". مما يجعل الحقوق ذاتية و نسبية تخضع
للتوازنات ، و تقدير الواقع عكس الحقوق الطبيعية على انها موضوعية . لذلك فقد انصب
الجهد قيما بعد برصد التصاريح و الاعلانات ، ثم دساتير ما بعد الاعلانات ثم كذلك
المواثيق الدولية .
1- اعلانات ما بعد الثورات [2]: ان النشأة
الحقيقية لهذا المفهوم- حقوق الإنسان -ارتبط بالتحولات التاريخية و الفكرية منذ
عصر النهضة و التي بلغت ذروتها في القرن الثامن عشر، كالثورة الامريكية 1776 والإعلان
العالمي لحقوق الانسان و المواطن الذي اعلنته الثورة الفرنسية 1789، و كذلك لعبت المرجعية
الاشتراكية و الماركسية و الثورة البلشفية 1917، دورا هاما في اغناء نظرية
حقوق الانسان ،إلا ان تبلور
حقوق الانسان في مواثيق ، ثم معاهدات مؤسسية ترعاها المنظمات الدولية قد هيأت له
فقط هذه الاحداث و الثورات التاريخية الكبرى التي حدثت في اوروبا و امريكا ابتداءا
من اوائل القرن الثامن عشر ، بل اسست له كذلك مدارس و اتجاهات فلسفية و حقوقية
عديدة .
- اعلان الثورة الفرنسية " اعلان حقوق
الانسان " ، الي تبنته الجمعية العامةسنة 1791 و الي اصبح تمهيدا و عنوانا
اولا للدستور .
-اعلان جيروندين GIRONDIN سنة 1793, وهو توجه تزعمه نواب برجوازيون دافعوا
عن الحقوق الاقتصادية و حماية مطلقة للملكية و حرية التجارة و الصناعة .
-اعلان مونتانيارد
الذي سبق دستور 24 يوليوز 1793 و تبنى افكارا عامة الشعب
كالمساواة القانونية ، ومراجعة الضرائب و التعليم ، و هو بدلك يؤسس للحقوق
الاجتماعية .
-التصريح
اللامريكي و استقلالها عن المستعمرات البريطانية ، حيث ساد نفس المناخ الدي تعيشه
فرنسا و المانيا .
- التصريحات
الانجليزية ، فهده الاعلانات في الواقع كانت سياقية في اعلان عدد مهم من الحقوق
مند القرن 13 كمكناكارتا MAGNA CARTA يتم بموجبها
هدا الميثاق الاتفاق بين الملك و البارونات علة ان يتم احترام عدد من الحقوق ،
كالحق في التنقل ، ووضع ضمانات من الاعتقال التعسفي . كما ساهم ملتمس الحقوق 1628
، في التاكيد على منع الاعتقالات التعسفية ، ومنع فرض اية ضريبة رسوم .
- قانون الهابياس
كوربويس 1679، قام هدا القانون على التدكير مرة اخرى باحترام الامن و الحرية
الشخصية ضد كل اشكال الاعتقال التعسفي .
-قانون الحقوق
1689، كعريضة قدمت للملك، و أصبحت فيما بعد بمثابة قانون من قوانين المملكة تقيد
سلطات الملك المطلقة.
2 - دساتير مابعد
الاعلانات :
ان تثبيث اركان الدولة و الانظمة ، كان بفعل الدساتير
بعدما شكلت الاعلانات لحظة مهمة في بث الافكار الليبرالية و الحرية و المساواة .
فالدستور ليس وثيقة فقط ، بل هو ضمانة اساسية و سامية للحقوق و الحريات . كدستور
" وستفاليا " 1807 في المانيا الذي الغى الحقوق المطلقة للنبل ، و مساواة
الجميع امام الحقوق و القانون .
-
الدستور الاسباني 19 مارس 1812 ضدا على نظام
نابليون ، و الذي اسس ملكية دستورية
-
- دستور سيسيلنا 1812 الذي نص
عل الحق في التعبير و المجاهرة بالرأي السياسي اضافة الى الدستور الفرنسي 1791 و
الامريكي 1787.
3-
الاعلانات و المواثيق الدولية للقرن 20:
ان نظرية حقوق الانسان تطورت من خلال
نضال الحركة الحقوقية ، لتجعل حقوق الانسان حقوقا كونية ، ومن هذا المنطلق صدر الاعلان العالمي لحقوق الانسان سنة 1948، كما اصدرت
الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1966، عهدين دوليين اولهما العهد الدولي للحقوق
المدنية و السياسية ، و ثانيهما العهد الدولي للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية
.
لقد تطورت حقوق الانسان في اطار وظائف الجدولة اليعقوبية ، و معالم الثورة
الفرنسية ، و في هذا الاطار ، شكلت نظرية الحقوق الفردية أو الطبيعية عماد هذه
النظرية ، فقد كان واجب اليعقوبية ، هو حماية الحقوق الفردية ، حيث اصبحت في
المرحلة الثانية ، هي حماية حقوق الجماعات سواء تعلق الامر بجماعة اثنية ، أو
دينية . اضافة الى ذلك لعبت نظرية حقوق الانسان دورا كبيرا في تحديد مفهوم
الديمقراطية نفسه ، حيث لم تعد الديمقراطية تفيد حكم الاغلبية ، بل اصبحت تفيد
التزام الاغلبية بضمان حقوق الاقلية .
المبحث الثاني :اصناف و اجيال حقوق الانسان
بات المجتمع الدولي يعترف بثلاثة اجيال من
الحقوق التي تغطي مختلف ابعاد النشاط الانساني :
-الجيل الاول يتمثل في الحقوق المدنية و والسياسية
وهي العمود الفقري
لكل الحقوق الاخرى ، فغالبا ما ترتبط ديمقراطية النظام السياسي برعاية الحقوق
السياسية للمواطنين ، ومن ثمة الارتباط الضمني و الشرطي بين الديمقراطية و حقوق
الانسان ، فإذا لم يكن النظام السياسي ديمقراطيا ، فانه لا يمكن ان يراعي حقوق
الانسان ، أي ان الديمقراطية و حقوق الانسان ، يشكلان عنصرين رئيسيين لإرساء
المشروعية السياسية على اساس حديث ، قوامه استعادة مشروعية الحكم من الشعب بواسطة
الاقتراع الحر النزيه الذي يقود الى نشوء دولة الحق و القانون .
يمكن
ان نجمل الحقوق السياسية قي لربع مجموعات ، وهي حق الانتماء السياسي و حق المشاركة
و الاختيار ، و حق التعبير ، و الحقوق السياسية للشعوب ، و في الاخير فان هذه
الحقوق يمكن التعبير عنها بلغة الحرية ، انها حريات اساسية ، لا يمكن بدونها لن
يكون المجال السياسي ديمقراطيا ، وغير محترم لحقوق الانسان ، فهي التي تعطي للأفراد
صفة المواطنة كحق ثابت .
- اما الجيل الثاني من الحقوق
فهو يشمل الحقوق الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية . حيث تتجلى أهميتها في كونها توفر شروط العدالة و المساواة و تكافؤ
الفرص ، وهي وسيلة ضرورية لضمان كرامة الانسان ، بغض النظر عن دينه أو لغته أو
جنسه أو مجاله الترابي . اضافة الى كون الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية
تضمن هوية الشخص و هويته من خلال منحه القدرة على ممارسة الحقوق السياسية و
المدنية بشكل حر ، فالنشاط الاقتصادي ، يوفر للأفراد وسائل الرقي الاجتماعي و
التقدم ، فالإنسان ينزع نحو التملك و التصرف في ممتلكاته بحرية في اطار ضوابط
قانونية و دستورية .
- الجيل الثالث لحقوق الانسان
او الحقوق الحديثة [3]، فقد ظهرت خلال السنين الاخيرة
دعوات لاقرار حقوق قد يبدو انها جديدة كالحق في السلم و الحق في بيئة سليمة
و الحق في التنمية ، حيث لن ان اعلان الحق في التنمية مثلا لم يعتمد إلا سنة 1986
، و هناك ايضا الاعلان العالمي حول التقدم و التنمية في المجال الاجتماعي الصادر
سنة 1969 .
ان المواثيق التي شملت ، ما عرف بالجيل الثالث ، ليست في الواقع سوى رد فعل
على الظروف و المعطيات الجديدة التي أصبحت تزخر بها الحياة المعاصرة و التي تهدد
حقوق الانسان ، فالحق في السلم ، هو تعبير عن رفض الحروب ، كما ان الحق في البيئة
السليمة ، يتجاوب مع طبيعة الكائن البشري ، و الحق في التنمية يجسد الرغبة في
التغلب على مشاكل التخلف .
المبحث الرابع: مفهوم السلطة
الجديد في ظل الديمقراطية و حقوق الانسان ، كعنصران اساسيان لبناء دولة القانون
ان الديمقراطية ، قبل كل شيء ، هي
النظام السياسي الذي يمكن الفاعلين الاجتماعيين من ان ينتظموا و يتصرفوا بحرية ، مبادئه
الاساسية هي المبادئ التي تحكم وجود الفاعلين الاجتماعيين أنفسهم . و لا وجود
لفاعلين اجتماعيين الا اذا تم توافق الوعي المبطن بالحقوق الفردية و الجماعية ، و
الاعتراف بتعدد المصالح و الافكار ، بالصراعات بين المهيمنين و المهيمن عليهم عل
الخصوص ، و أخيرا مسؤولية كل فرد ازاء التوجهات الثقافية المشتركة، الامر الذي
يترجم في نظام المؤسسات السياسية بثلاثة مبادئ : الاعتراف بالحقوق الاساسية التي
يتعين على السلطة ان تحترمها ، التمثيلية الاجتماعية للحكام و لسياستهم ، الشعور
بالمواطنة ، و الانتماء الى جماعة قائمة على القانون .
ان الوظيفة الاولى لحقوق الانسان هي الحد من
سلطة الدولة ، فمنظومة حقوق الانسان هي منظومة الحقوق التي لايجوز لا سلطة سياسية
ان تسلبها او تستولي عليها،كما ان الاليات الديمقراطية هي في الاساس مراقبة لأداء
السياسة للسلطة و الحد من تسلطها ، فالديمقراطية هي تأسيس للسلطة و ارسائها على
اساس التمثيلية الشعبية ، وفي نفس الوقت تأسيس لسلطة مضادة للمراقبة و المحاسبة ،
فالديمقراطية السياسية جاءت لتجعل كل شيء يتم بواسطة الشعب او على الاقل برضائه، و
ينطبق مدلولها الحقيقي عادة على الدولة التي تسود فيها ارادة الشعب او غالبية
افراده [4].
ومن حيث ان الدولة الحديثة بحكم استفادتها من وسائل التطور التقني ، هي
دولة مركزية و ميالة الى تضخيم سلطتها ، و الى الهيمنة على اوصال المجتمع ، فان
كلا من الديمقراطية و حقوق الانسان منظومتان ثقافيتان و مؤسستان ، يمكن ان تقوما
بدور السلط المضادة التي تحد من تضخيم السلطة .و ذلك ما يشير اليه الان تورين
بقوله : " نعتقد ان الديمقراطية لا تكون قوية الا حينما تخضع السلطة السياسية
الى احترام للحقوق المحدودة عل نحو يزداد اتساعا ، المدنية اولا ، الاجتماعية ايضا
و حتى الثقافية".و يضيف ايضا : " ان الديمقراطية تفرض على نفسها المعركة
على جبهتين : عليها ان تصارع السلطة المطلقة ، سلطة الاستبداد ، ولكن يتعين عليها
ان تضع حدودا لفردا نية فعالة يمكن ان تفصل بالمرة المجتمع المدني عن المجتمع
السياسي , و ان تترك المجتمع السياسي مستسلما الى العاب يمكن تحريفها بسهولة ، او
الى السلطة الكاسحة للإدارات و المقاولات "[5].
تفترض كل من الديمقراطية و حقوق
الانسان نوعا من التعارض بين الدولة و المجتمع ، فالديمقراطية تأسيس للسلطة
و حماية للمجتمع و حقوق الانسان هي ايضا سندا للديمقراطية ، أي لأسلوب عصري في
الحكم ، لكنها في نفس الوقت تتضمن قيما و تفرض اليات و مؤسسات تستهدف حماية الحقوق
الفردية و الجماعية ضد أي تهديد من طرف الدولة ذاتها .
و
ترتبط حقوق الانسان بالديمقراطية باكثر من وسيلة ، فهما معا مكونان أساسيان للفكر
السياسي للحداثة ، من حيث أنهما معا نشئا في سياق الانقال من ارتكاز السلطة ، و
نظام الحكم على أساس الشرعية التقليدية الى ارتكازها على معايير التمثيلية الشعبية
.
فالديمقراطية ، ثقافة سيلسية حديثة كاملة ، تتضمن تصورتا محددا للسلطة و
للعلاقة بين المجتمع و الدولة ، فالعلاقة بينهما مبنية على التعاقد . و ان
المؤسسات المحدثة عن ذلك بواسطة الاقتراع العلني لمباشر ، و ذلك باعتبار ان الشعب
في التصور الحديث للسياسة ، هو مصدر كل السلط و معيار شرعيتها و مرجعها الاسمى ،
فالدولة العصرية و الديمقراطية هي دولة يتم توزيع السلطة و اقتسامها لا على
الافراد بل على المؤسسات .
و في هذا السياق تندرج ثقافة حقوق الانسان ، و خاصة منها الثقافة السياسية
، كحرية التعبير و الانتماء و التصويت و الترشيح بمثابة مكملات للشرط الديمقراطي
لضمان تمثيلية أكثر شفافية لمطامح و رغبات المجتمع و اراداته. فالديمقراطية
بجوهرها العميق ممارسة يومية تطال جميع مناحي الحياة ، و هي أسلوب للتفكير و
التعامل ، وهي بهذا المعنى ليست شكلا قانونيا فقط ، وليست حالة مؤقتة أو هبة أو
منحة من أحد ، و انما هي حقوق أساسية لاغنى عنها ، وهي دائمة و مستمرة ، وهي قواعد
و تقاليد تعني الجميع ، و تطبق على الجميع دون تمييز ، وهي تعني الاقلية بمقدار
ماتعني الاكثرية [6].
ان دولة الحق و القانون هي دولة القانون ، أي دولة السلطة و النظام ، لكنها
ايضا دولة الحريات ، دولة التوازن بين الواجبات التي يفرضها القانون و الحقوق التي
يفرضها القانون و الحقوق التي يفرضها الحق .
ان دولة القانون هي النظام السياسي الذي يقوم على رسم حدود سلطة الدولة ،
كما تقوم في نفس الوقت بالسهر على حقوق الافراد و تلتزم بضمانها و حمايتها ، كما
تقوم على احترام كرامتهم و تحميهم منت اشكال الظلم و العنف و كل ما يهدد حرياتهم و
حقوقهم[7].
ومن هنا اقترنت الدولة الحديثة ، دولة القانون بالديمقراطية ، اذ لا يمكن
ان تقوم دولة القانون الا في اطار ديمقراطي ، بل لعل دولة القانون هي من مقتضيات
الديمقراطية الفعلية و مستلزماتها .
اجمالا يمكن القول ، بان دولة القانون ، هي النقيض للدولة التقليدية مطلقة
السلطات ، التي تعتبر الحقوق هبات و عطايا و منح تتكرم بها السلطة على رعاياها و
ليست حقوق طبيعية او اصلية ، مثلما هي النقيض التنام للدولة البوليسية التي تحكمها
الهواجس الامنية ، في ان ما يسود في دولة القانون هي العلاقات القانونية السليمة
التي يكون فيه القانون هو الضامن لحقوق الافراد و الفئات المؤطرة بثقافة الحوار و النقاش العمومي .
ومن شروط الدولة الديمقراطية ، لكي تكون دولة
قانون ، نورد ما يلي :
Ø
يجب ممارسة السلطة الرسمية بشكل يتوفر شرط ضمان تطبيق القانون و حكم القانون.
Ø
الفصل بين السلطات ( التشريعية، التنفيذية، القضائية)
Ø
ضرورة توافق النظام السياسي مع دستور الدولة و سيادة القانون و
استقلال القضاء.
المبحث
الخامس :حماية حقوق الانسان : اليات الرقابة و المسؤولية
حقوق الانسان مرتبطة
بطبيعة الكائن البشري، و الاصل أن يتمتع كل انسان اينما وجد بحقوقه و حريته الاساسية
دون قيد او حواجز ، غير ان الصراعات التي عرفتها البشرية منذ القدم ، كل ذلك أصبح
يهدد حقوق الانسان ، الامر الذي يحتم ايجاد الضمانات الكفيلة باحترام الحقوق و
الحريات الاساسية ، وتنقسم هذه الضمانات الى نوعين : أحدهما ، يتعلق بالتدابير
التي تتخذ على صعيد كل دولة ، و النوع الثاني يتمثل في وسائل الحماية الدولية . و
هناك تكامل على المستويين الوطني و الدولي ، باعتبار الهدف واحد هو اقرار ، و
احترام حقوق الانسان بمفهومها الكوني .
المطلب الاول : الاليات القانونية و الدستورية
عادة ما تنص الدساتير
على أهم الحقوق و الحريات الاساسية للإنسان ، و هناك قوانين تضمن تمتع الافراد و
الجماعات بحرياتهم ، كحرية الفكر و التعبير و الصحافة و حرية تأسيس الاحزاب
السياسية ، و المنظمات الثقافية و الجمعيات المدنية ذات الاهداف المختلفة و حرية
الانخراط فيها . هناك ايضا قوانين توفر ضمان حقوق الدفاع و المحاكمة العادلة ، كما
توجد تشريعات أخرى كحماية بعض الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية ، كحق الملكية ، و
حقوق الشغالين ، و الحق في الضمان الاجتماعي .
و ترتبط هذه الاليات الدولية لحماية حقوق الانسان بتعهد الدول الاطراف
بوضع تشريعات وطنية تتلاءم مع المقتضيات المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية .
فمصادقة الدول الاطراف على الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان ، تعتبر
الخطوة الاساسية للعمل على ملائمة القوانين الداخلية مع المعايير ذات الصلة ،
كتعبير على تفعيل تعهد الدول الاطراف بالالتزام باحترام حقوق الانسان بمفهومها
الكوني ، وحتى لا تسقط في مسألة التعارض بين المقتضيات القانونية الدولية و أخرى
وطنية [8]. كما
أن المعاقبة الدولية على الجرائم ضد الانسانية ، و التدخل لاعتبارات انسانية و
التقارير التي تصدرها المنظمات الدولية ، تساهم مساهمة فعالة في حماية الحريات
الاساسية الفردية و الجماعية .
المطلب الثاني : الاليات القضائية
لايكفي ان توجد قوانين
جيدة لحماية حقوق الانسان ، و انما لا بد من وجود سلطة قضائية نزيهة و مستقلة عن
كل السلطات ، و محصنة من أي تاثير لتسهم على احترام القوانين ،و حسن تطبيقها ، و
ضمان مساواة الجميع امامها .
لقد أكدت المبادئ الاساسية المتعلقة باستقلال السلطة القضائية التي
اعتمدها مؤتمر الامم المتحدة السابع لمنع الجريمة و معاملة المجرمين المنعقد
بميلانو من 26 غشت الى 06 ديسمبر 1985، و اعتمدتها بموجب قراري الجمعية العامة
للامم المتحدة على مجموعة من المعايير المتعلقة بدور استقلال السلطة القضائية لضمان المحاكمة العادلة .
تكفل الدولة استقلال السلطة
القضائية ، و ينص عليه دستور البلد ، أو قوانينه.
تفصل السلطة القضائية في
المسائل المعروضة عليها دون تحيز ، و دون تدخلات من اي جهة .
من جانب اخر تناولت التدابير الفعالة لتنفيذ المبادئ الاساسية
للاستقلال السلطة القضائية التي اعتمدها المجلس الاقتصادي و الاجتماعي في القرار
رقم 60 سنة 1989 ، مجموعة من الاجراءات لاعمال المعايير الدولية لاستقلالية القضاء
، منها :
الاجراء الاول : تتعهد حميع الدول بتنفيذ ، و تطبيق مبادئ استقلال
السلطة القضائية ، وفقا لإجراءاتها الدستورية ، وانظمتها المحلية .
الاجراء الثاني : لايجوز ان يعين ، او ينتخب القاضي من اجل اداء مهام
عمله كما لايتفق مع المبادئ الاساسية لاستقلال السلطة القضائية .
الاجراء الثالث: يتعين على الدول ان تولي اهتماما خاصا لضرورة توفير
الموارد الكافية لعمل النظام القضائي ، و يشمل ذلك تعيين عدد كافي من القضاة
لمواجهة الاعباء القضائية ، وتوفير الدعم اللازم للمحاكم من الموظفين و المعداتو
توفير الامن الشخصي للقضاة .
على سبيل الختم
نخلص في الختام الى
القول ، ان حقوق الانسان استثمار بشري هام للموارد البشرية ، وخلق لكائن اعترف له
الجميع نظريا و قانونيا بكل الحقوق ، وهذا الاستثمار في الرأسمال البشري ذاته هو
الضمانة الكبرى لأي تطور ، لأنها رهان على صناعة للإنسان الجديد القادر على صنع
التقدم و استشراف المستقبل .
نعم ان هذه الحقوق ، هي حقوق مثالية أكثر مما هي حقوق واقعية أو وضعية
، لكنها تتحول بالتدرج ، بعد المصادقة عليها من طرف الحكومات المحلية او الالتزام
بتطبيقها الى مصادر للتشريع المحلي و القوانين المحلية ، مما يجعلها ذات قوق
الزامية و تجعل من مقولة " مونتيسكيو" في "روح القوانين "
:" السلطة لاتحدها الا السلطة ".
ان مبادئ حقوق الانسان للمواطن العربي هي تجب ان تحترم ، ونحن عندما
ندافع عن هذه الحقوق فإننا بالدرجة الاولى ندافع عن انفسنا و قيمنا التي نحن ما
احوجنا اليها في زمن العولمة المزلزل العاصف ، ففي الدول العربية لايوجد ما يكفي
من الضمانات لممارسة حقوق الانسان رغم دسترتها ، كما ان اغلب هذه الدول عندما توقع
على اتفاقيات دولية ذات صلة بحقوق الانسان تبدي تحفظا على بعض مقتضياتها الامر
الذي يعتبر التفافا على هذه الاتفاقيات افراغا لها من محتوياتها ، مما دفع
الكثيرين الى الضغط على هذه الدول قصد ازالة تحفظاتها في اطار الاقرار بكونية حقوق
الانسان .
ان التحديات التي تقف امام
الفكر الحقوقي اليوم ، كحجر عثرة منها على سبيل المثال لا الحصر :
تحديات مفاهيمية و نظرية : (مثل مفهوم الثقافة ، الحضارة ، القيم ،
صراع ام حوار الحضارات )
تحديات سياسية من جراء ضعف السياسات الوطنية .
تحديات ذات طابع قانوني ، وذلك باللجوء الى فرض الجزاءات الدولية
الاحادية المصدر ، كالحصارات و الاحتلالات ، تحت ذريعة الحماية و القانون الدوليين
، و بسبب ذلك فان العالم اصبح يتطلع الى ديمقراطية العلاقات الدولية و السعي وراء
اقامة علاقات متوازنة و متكافئة بين الدول الغنية و دول الجنوب ، قبل تحقيق
الديمقراطية داخل البلد الواحد ، واستبعاد جميع النزاعات الهيمنة و الاستعلائية ،
كما لن العالم اليوم ، يجد نفسه في حاجة حقيقية الى نظام عالمي جديد تعزز فيه حقوق
الانسان و تحترم فيه سيادة الدول .
بعض المصادر و المراجع
المعتمدة :
- د.محمد سبيلا ، الاسس الفكرية و الثقافية لحقوق الانسان ، ط1.
المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء.
-د. علي عبود المحمداوي ، الفلسفة السياسية المعاصرة ، من الشموليات
الى السرديات الصغرى ، مجموعة من المؤلفين ، منشورات ابن النديم ودار الروافد
الثقافية ط1، 2012.
-تورين الان ، نقد الحداثة ، ترجمة ع.السلام الطويل ومراجعة محمد
سبيلا .افريقيا الشرق 2010.
-عبد الرحمان منيف ، الديمقراطية اولا ، الديمقراطية دائما ، ط5.
المركز العربي ، المؤسسة العربية للدراسات و النشر ، لبنان و الاردن 2007.
- اتركين محمد ، الدستور و الدستورانية : من دساتير فصل السلط الى
دساتير حقوق الانسان ، مطبعة النجاح الجديدة ، الدار البيضاء ط1.
- محمد سبيلا ، عبد السلام بنعبد العالي ، مصطفى العريصة ، في التأسيس
الفلسفي لحقوق الانسان ، نصوص مختارة ، ط1،2013. دار توبقال للنشر ، المجلس الوطني
لحقوق الانسان .
- سيلفان ماتون ، حقوق الانسان من سقراط الى ماركس ، ترجمة محمد
الهلالي ط2(1991) . مطبعة ابريال ، الرباط.
- الرضواني محمد ، مدخل الى القانون الدستوري ، ط2 2014، مطبعة
المعارف الجديدة ، الرباط .
- الجابري محمد ، الديمقراطية و حقوق الانسان . مركز دراسات الوحدة
العربية . سلسلة الثقافة القومية ، قضايا الفكر العربي ، ط1 ، 1994.
- د.البحيري يوسف ، حقوق الانسان ، المعايير الدولية و اليات الرقابة
ط2 ، 2012، المطبعة و الوراقة الوطنية ، الداوديات . مراكش .
- بندورو عمر ، حقوق الانسان و الحريات الاساسية 2007، دار القلم .
- العلمي عبد القادر، في الثقافة السياسية الجديدة، منشورات الزمن،
كتاب الجيب، العدد 47، 2005، مطبعة النجاح الجديدة. الدار البيضاء .
-
روبير شارفان ،
جون جاك سيبر : حقوق الانسان و الحريات الشخصية ، ترجمة د. علي ضوي 1996 سلسلة
الترجمة -4- منشورات المؤسسة العربية للنشر .
- فكر و نقد ، مجلة ثقافية
شهرية . العدد 26، السنة 3، فبراير 2000
- مجلة الفكر ، العدد 5 ، مبادئ و مقومات الديمقراطية . ذ. صابر موحو
، كلية الحقوق ، جامعة خيضر بسكرة الجزائر .
[1] من
المساهمين الاساسين في صياغة اعلان حقوق الانسان .
[2] إدريس جردان ،" مبادئ اساسية في حقوق
الإنسان "ص 12، منشورات سليكي اخوان . طنجة المغرب طبعة سنة 2014
[3] لقد مرت
حقوق الانسان بثلاثة اجيال ، الفلسفة السياسية المعاصرة : من الشموليات الى
السرديات الصغرى ، مجموعة من المؤلفين ، تحرير و اشراف د. علي عبود المحمداوي .
منشورات ابن النديم – دار الروافد الثقافية ط1، 2012
[4] محمد رفعت عبد الوهاب . النظم السياسية . دار الجامعة الجديدة ،
الاسكندرية 2007، ص179
[5] الان
تورين ، نقد الحداثة .ترجمة عبد السلام الطويل ، ومراجعة محمد سبيلا , افريقيا
الشرق ، المغرب 2010 ص326
[6] ع.الرحمان منيف ، الديمقراطية أولا ،
الديمقراطية دائما ط5 . المركز العربي للثقافة و النشر و المؤسسة العربية للدراسات
و النشر ، لبنان و الاردن 2007ص9-10
[7] J.RUUSS : Les théories du pouvoir :90
[8] يوسف
البحيري " المواطنة و حقوق الانسان بالمغرب " منشورات كلية الحقوق بمراكش
2005 ص40.
0 تعليقات
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.