نحو تكريس ثقافة حقوق الإنسان و بناء الدولة الديمقراطية الحديثة

الإدارة يوليو 28, 2017 يوليو 28, 2017
للقراءة
كلمة
0 تعليق
-A A +A

نحو تكريس ثقافة حقوق الإنسان و بناء الدولة الديمقراطية الحديثة 


نحو تكريس ثقافة حقوق الإنسان و بناء الدولة الديمقراطية الحديثة

جمال بوليفة
باحث في علم السياسة و المؤسسات الدستورية
جامعة عبد المالك السعدي ، طنجة ، المغرب

 " الناس لايقتلون من اجل فصل السلط بل من اجل الكرامة و الحقوق " الان تورين ، العالم البارز في علم الاجتماع

 
 حقوق الانسان هي ثقافة تتضمن مجموعة من القيم و المبادئ الموجهة للسلوك الانساني ، كما تتضمن صورة معينة عن الانسان و المجتمع و السياسة . ففكرة حقوق الانسان تطورت عبر مسار طويل حيث يعتبرها René Casin [1] ، علما يرتكز على الدراسة و البحث وفق الكرامة الانسانية : " علم حقوق الانسان يمكن تعريفه كفرع خاص من فروع العلوم الاجتماعية ، موضوعه هو دراسة العلاقات القائمة بين الاشخاص وفق الكرامة الانسانية مع تحديد الحقوق و الخيارات الضرورية لتفتح شخصية كل كائن انساني " .

وتعتبرها الامم المتحدة : " تلك الحقوق المتأصلة في طبيعتنا ، و التي بدونها يستحيل علينا ان نحيا كبشر ".
     تقوم ثقافة حقوق الانسان على قيم جديدة كالحرية ، بل الحريات : الرأي ، الضمير ، التجمع ، التنقل، الانتماء . فجوهر الحقوق و مسلماتها الاساسية هي حرية الكائن البشري و حقه الاساسي ، و من ثمة فمنظومة حقوق الانسان مثلما انها بنية قانونية لترسيم هذه الحرية و بيان حدودها و تقاطعاتها ، فإنها منظومة اخلاقية ايضا ...
       ينتج عن هذه النظرة ان ثقافة حقوق الانسان هي ثقافة مساواة بين الاجناس و الاعراف و الثقافات و بين الافراد داخل المجتمع الواحد . و قد صاغ الاعلان العالمي هذه الفكرة بقوله: "يولد جميع الناس احرارا متساوين في الكرامة و الحقوق " . لكل انسان حق التمتع بجميع الحقوق و الحريات ، و بالإضافة الى ذلك فان ثقافة حقوق الانسان هي ثقافة الدعوة الى السلم و الحوار و التفاهم بين الشعوب .
     و الحقيقة ان حقوق الانسان عامة ، هي أقرب ما تكون الى المثل منها الى الواقع ، لكن الحقوق السياسية هي فصيلة الحقوق الاقرب الى التحقق في الواقع من حيث انها تتجسد فعليا في النظام السياسي الديمقراطي .
          فالديمقراطية الحق ، ترتبط بوجود المواطن الواعي بحقوقه ، و الممارس لها جزئيا او كليا . و  ان العلاقة الجدلية بين حقوق الانسان و سيادة الدولة هي : اشكالية قديمة عاقت ارساء دعائم الدولة لحقوق الانسان ، ودفعت بالسلوك و المواثيق الدولية التي تتناول مختلف قضايا حقوق الانسان التعامل مع هذه الازدواجية ، و الاخذ بعين الاعتبار الحريات العامة للفرد و الارادة السياسية للدولة كمعيارين اساسييين لتحديد نطاق تطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان ، فالدور الاول للدولة هو حماية الحقوق الفردية و تنمية شخصية الانسان .
          و هكذا جاءت هذه الدراسة مشتملة لأربعة مباحث ، خصصنا المبحث الاول لنشأة و تطور حقوق الانسان ،والمبحث الثاني لأصناف و اجيال هذه الحقوق. و في المبحث الثالث تناولنا فيه مفهوم السلطة الجديد في ظل الديمقراطية و حقوق الانسان كعنصران أساسيان لدولة القانون. و في المحور الاخير تم التطرق الى الاليات الدولية لمراقبة تطبيق حقوق الانسان (القانونية و القضائية ).
         المبحث الاول : نشاة وتطور حقوق الانسان
       يضرب مفهوم حقوق الانسان بجذوره البعيدة في الفكر القديم ،فنشأة حقوق الانسان تعود ايضا الى :
-الأسس و المعتقدات الدينية ، و خاصة السماوية ، فالله هو الذي يبين الحق و الواجب ، و يضع ضوابط العلاقات سواء بين الشخص و ذاته أو مع غيره ، أو اتجاه المجتمع و السلطة الطبيعية ، فيحدد ما يجب فعله أو تركه ، وما يفترض اتيانه .و استفادت حركة حقوق الانسان ايضا ، من فلسفات الحق الطبيعي ، أي قانون الطبيعة ، أي من طبيعة الناس ، وان الانسان له حقوق فطرية ، وأصيلة و طبيعية لا تتأثر بالزمان و المكان . فميلاد حقوق الانسان يرجع الى القرن السابع عشر الميلادي ، و ذلك بربطه بمدرسة الحق الطبيعي (غراتيوس ) ، هذه النظريات تنطلق من ان هناك ضرورة لرصد وجود تناغم بين القانون و الطبيعة ، أي انتقالها من صيغتها الفلسفية الى القوانين الوضعية .
-القانون الوضعي : و هو مجموع القوانين المكتوبة ، او عادات الماضي التي لها قوة القانون ، و التي تصدر عن سلطة معينة في واقع معين و مجتمع محدد . فالحقوق حسب القانون الوضعي : " ليس هناك حقوق دون خضوعها لتنظيم ، و نص قانوني وضعي ". مما يجعل الحقوق ذاتية و نسبية تخضع للتوازنات ، و تقدير الواقع عكس الحقوق الطبيعية على انها موضوعية . لذلك فقد انصب الجهد قيما بعد برصد التصاريح و الاعلانات ، ثم دساتير ما بعد الاعلانات ثم كذلك المواثيق الدولية .
1- اعلانات ما بعد الثورات [2]: ان النشأة الحقيقية لهذا المفهوم- حقوق الإنسان -ارتبط بالتحولات التاريخية و الفكرية منذ عصر النهضة و التي بلغت ذروتها في القرن الثامن عشر، كالثورة الامريكية 1776 والإعلان العالمي لحقوق الانسان و المواطن الذي اعلنته الثورة الفرنسية 1789، و كذلك  لعبت المرجعية  الاشتراكية و الماركسية و الثورة البلشفية 1917، دورا هاما في اغناء نظرية حقوق الانسان ،إلا ان تبلور حقوق الانسان في مواثيق ، ثم معاهدات مؤسسية ترعاها المنظمات الدولية قد هيأت له فقط هذه الاحداث و الثورات التاريخية الكبرى التي حدثت في اوروبا و امريكا ابتداءا من اوائل القرن الثامن عشر ، بل اسست له كذلك مدارس و اتجاهات فلسفية و حقوقية عديدة .
- اعلان الثورة الفرنسية " اعلان حقوق الانسان " ، الي تبنته الجمعية العامةسنة 1791 و الي اصبح تمهيدا و عنوانا اولا للدستور .
-اعلان جيروندين GIRONDIN  سنة 1793, وهو توجه تزعمه نواب برجوازيون دافعوا عن الحقوق الاقتصادية و حماية مطلقة للملكية و حرية التجارة و الصناعة .
-اعلان مونتانيارد  الذي سبق دستور 24 يوليوز 1793 و تبنى افكارا عامة الشعب كالمساواة القانونية ، ومراجعة الضرائب و التعليم ، و هو بدلك يؤسس للحقوق الاجتماعية .
-التصريح اللامريكي و استقلالها عن المستعمرات البريطانية ، حيث ساد نفس المناخ الدي تعيشه فرنسا و المانيا .
- التصريحات الانجليزية ، فهده الاعلانات في الواقع كانت سياقية في اعلان عدد مهم من الحقوق مند القرن 13 كمكناكارتا    MAGNA CARTA يتم بموجبها هدا الميثاق الاتفاق بين الملك و البارونات علة ان يتم احترام عدد من الحقوق ، كالحق في التنقل ، ووضع ضمانات من الاعتقال التعسفي . كما ساهم ملتمس الحقوق 1628 ، في التاكيد على منع الاعتقالات التعسفية ، ومنع فرض اية ضريبة رسوم .
- قانون الهابياس كوربويس 1679، قام هدا القانون على التدكير مرة اخرى باحترام الامن و الحرية الشخصية ضد كل اشكال الاعتقال التعسفي .
-قانون الحقوق 1689، كعريضة قدمت للملك، و أصبحت فيما بعد بمثابة قانون من قوانين المملكة تقيد سلطات الملك المطلقة.


2 - دساتير مابعد الاعلانات :
 ان تثبيث اركان الدولة و الانظمة ، كان بفعل الدساتير بعدما شكلت الاعلانات لحظة مهمة في بث الافكار الليبرالية و الحرية و المساواة . فالدستور ليس وثيقة فقط ، بل هو ضمانة اساسية و سامية للحقوق و الحريات . كدستور " وستفاليا " 1807 في المانيا الذي الغى الحقوق المطلقة للنبل ، و مساواة الجميع امام الحقوق و القانون .
-          الدستور الاسباني 19 مارس 1812 ضدا على نظام نابليون ، و الذي اسس ملكية دستورية
-          - دستور سيسيلنا 1812 الذي نص عل الحق في التعبير و المجاهرة بالرأي السياسي اضافة الى الدستور الفرنسي 1791 و الامريكي 1787.
3- الاعلانات و المواثيق الدولية للقرن 20:
          ان نظرية حقوق الانسان تطورت من خلال نضال الحركة الحقوقية ، لتجعل حقوق الانسان حقوقا كونية ، ومن هذا المنطلق صدر الاعلان العالمي لحقوق الانسان سنة 1948، كما اصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1966، عهدين دوليين اولهما العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية ، و ثانيهما العهد الدولي للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية .
          لقد تطورت حقوق الانسان في اطار وظائف الجدولة اليعقوبية ، و معالم الثورة الفرنسية ، و في هذا الاطار ، شكلت نظرية الحقوق الفردية أو الطبيعية عماد هذه النظرية ، فقد كان واجب اليعقوبية ، هو حماية الحقوق الفردية ، حيث اصبحت في المرحلة الثانية ، هي حماية حقوق الجماعات سواء تعلق الامر بجماعة اثنية ، أو دينية . اضافة الى ذلك لعبت نظرية حقوق الانسان دورا كبيرا في تحديد مفهوم الديمقراطية نفسه ، حيث لم تعد الديمقراطية تفيد حكم الاغلبية ، بل اصبحت تفيد التزام الاغلبية بضمان حقوق الاقلية .
      المبحث الثاني :اصناف و اجيال حقوق الانسان
       بات المجتمع الدولي يعترف بثلاثة اجيال من الحقوق التي تغطي مختلف ابعاد النشاط الانساني :
-الجيل الاول يتمثل في الحقوق المدنية و والسياسية وهي العمود الفقري لكل الحقوق الاخرى ، فغالبا ما ترتبط ديمقراطية النظام السياسي برعاية الحقوق السياسية للمواطنين ، ومن ثمة الارتباط الضمني و الشرطي بين الديمقراطية و حقوق الانسان ، فإذا لم يكن النظام السياسي ديمقراطيا ، فانه لا يمكن ان يراعي حقوق الانسان ، أي ان الديمقراطية و حقوق الانسان ، يشكلان عنصرين رئيسيين لإرساء المشروعية السياسية على اساس حديث ، قوامه استعادة مشروعية الحكم من الشعب بواسطة الاقتراع الحر النزيه الذي يقود الى نشوء دولة الحق و القانون .
  يمكن ان نجمل الحقوق السياسية قي لربع مجموعات ، وهي حق الانتماء السياسي و حق المشاركة و الاختيار ، و حق التعبير ، و الحقوق السياسية للشعوب ، و في الاخير فان هذه الحقوق يمكن التعبير عنها بلغة الحرية ، انها حريات اساسية ، لا يمكن بدونها لن يكون المجال السياسي ديمقراطيا ، وغير محترم لحقوق الانسان ، فهي التي تعطي للأفراد صفة المواطنة كحق ثابت .
 - اما الجيل الثاني  من الحقوق فهو يشمل الحقوق الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية . حيث تتجلى أهميتها في كونها توفر شروط العدالة و المساواة و تكافؤ الفرص ، وهي وسيلة ضرورية لضمان كرامة الانسان ، بغض النظر عن دينه أو لغته أو جنسه أو مجاله الترابي . اضافة الى كون الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية تضمن هوية الشخص و هويته من خلال منحه القدرة على ممارسة الحقوق السياسية و المدنية بشكل حر ، فالنشاط الاقتصادي ، يوفر للأفراد وسائل الرقي الاجتماعي و التقدم ، فالإنسان ينزع نحو التملك و التصرف في ممتلكاته بحرية في اطار ضوابط قانونية و دستورية .  
- الجيل الثالث  لحقوق الانسان او الحقوق الحديثة [3]، فقد ظهرت خلال السنين الاخيرة  دعوات لاقرار حقوق قد يبدو انها جديدة كالحق في السلم و الحق في بيئة سليمة و الحق في التنمية ، حيث لن ان اعلان الحق في التنمية مثلا لم يعتمد إلا سنة 1986 ، و هناك ايضا الاعلان العالمي حول التقدم و التنمية في المجال الاجتماعي الصادر سنة 1969 .
      ان المواثيق التي شملت ، ما عرف بالجيل الثالث ، ليست في الواقع سوى رد فعل على الظروف و المعطيات الجديدة التي أصبحت تزخر بها الحياة المعاصرة و التي تهدد حقوق الانسان ، فالحق في السلم ، هو تعبير عن رفض الحروب ، كما ان الحق في البيئة السليمة ، يتجاوب مع طبيعة الكائن البشري ، و الحق في التنمية يجسد الرغبة في التغلب على مشاكل التخلف .
  المبحث الرابع: مفهوم السلطة الجديد في ظل الديمقراطية و حقوق الانسان ، كعنصران اساسيان لبناء دولة القانون
       ان الديمقراطية ،  قبل كل شيء ، هي النظام السياسي الذي يمكن الفاعلين الاجتماعيين من ان ينتظموا و يتصرفوا بحرية ، مبادئه الاساسية هي المبادئ التي تحكم وجود الفاعلين الاجتماعيين أنفسهم . و لا وجود لفاعلين اجتماعيين الا اذا تم توافق الوعي المبطن بالحقوق الفردية و الجماعية ، و الاعتراف بتعدد المصالح و الافكار ، بالصراعات بين المهيمنين و المهيمن عليهم عل الخصوص ، و أخيرا مسؤولية كل فرد ازاء التوجهات الثقافية المشتركة، الامر الذي يترجم في نظام المؤسسات السياسية بثلاثة مبادئ : الاعتراف بالحقوق الاساسية التي يتعين على السلطة ان تحترمها ، التمثيلية الاجتماعية للحكام و لسياستهم ، الشعور بالمواطنة ، و الانتماء الى جماعة قائمة على القانون . 
    ان الوظيفة الاولى لحقوق الانسان هي الحد من سلطة الدولة ، فمنظومة حقوق الانسان هي منظومة الحقوق التي لايجوز لا سلطة سياسية ان تسلبها او تستولي عليها،كما ان الاليات الديمقراطية هي في الاساس مراقبة لأداء السياسة للسلطة و الحد من تسلطها ، فالديمقراطية هي تأسيس للسلطة و ارسائها على اساس التمثيلية الشعبية ، وفي نفس الوقت تأسيس لسلطة مضادة للمراقبة و المحاسبة ، فالديمقراطية السياسية جاءت لتجعل كل شيء يتم بواسطة الشعب او على الاقل برضائه، و ينطبق مدلولها الحقيقي عادة على الدولة التي تسود فيها ارادة الشعب او غالبية افراده [4].
      ومن حيث ان الدولة الحديثة بحكم استفادتها من وسائل التطور التقني ، هي دولة مركزية و ميالة الى تضخيم سلطتها ، و الى الهيمنة على اوصال المجتمع ، فان كلا من الديمقراطية و حقوق الانسان منظومتان ثقافيتان و مؤسستان ، يمكن ان تقوما بدور السلط المضادة التي تحد من تضخيم السلطة .و ذلك ما يشير اليه الان تورين بقوله : " نعتقد ان الديمقراطية لا تكون قوية الا حينما تخضع السلطة السياسية الى احترام للحقوق المحدودة عل نحو يزداد اتساعا ، المدنية اولا ، الاجتماعية ايضا و حتى الثقافية".و يضيف ايضا : " ان الديمقراطية تفرض على نفسها المعركة على جبهتين : عليها ان تصارع السلطة المطلقة ، سلطة الاستبداد ، ولكن يتعين عليها ان تضع حدودا لفردا نية فعالة يمكن ان تفصل بالمرة المجتمع المدني عن المجتمع السياسي , و ان تترك المجتمع السياسي مستسلما الى العاب يمكن تحريفها بسهولة ، او الى السلطة الكاسحة للإدارات و المقاولات "[5].
      تفترض كل من الديمقراطية و حقوق  الانسان نوعا من التعارض بين الدولة و المجتمع ، فالديمقراطية تأسيس للسلطة و حماية للمجتمع و حقوق الانسان هي ايضا سندا للديمقراطية ، أي لأسلوب عصري في الحكم ، لكنها في نفس الوقت تتضمن قيما و تفرض اليات و مؤسسات تستهدف حماية الحقوق الفردية و الجماعية ضد أي تهديد من طرف الدولة ذاتها .
   و ترتبط حقوق الانسان بالديمقراطية باكثر من وسيلة ، فهما معا مكونان أساسيان للفكر السياسي للحداثة ، من حيث أنهما معا نشئا في سياق الانقال من ارتكاز السلطة ، و نظام الحكم على أساس الشرعية التقليدية الى ارتكازها على معايير التمثيلية الشعبية .
     فالديمقراطية ، ثقافة سيلسية حديثة كاملة ، تتضمن تصورتا محددا للسلطة و للعلاقة بين المجتمع و الدولة ، فالعلاقة بينهما مبنية على التعاقد . و ان المؤسسات المحدثة عن ذلك بواسطة الاقتراع العلني لمباشر ، و ذلك باعتبار ان الشعب في التصور الحديث للسياسة ، هو مصدر كل السلط و معيار شرعيتها و مرجعها الاسمى ، فالدولة العصرية و الديمقراطية هي دولة يتم توزيع السلطة و اقتسامها لا على الافراد بل على المؤسسات .
        و في هذا السياق تندرج ثقافة حقوق الانسان ، و خاصة منها الثقافة السياسية ، كحرية التعبير و الانتماء و التصويت و الترشيح بمثابة مكملات للشرط الديمقراطي لضمان تمثيلية أكثر شفافية لمطامح و رغبات المجتمع و اراداته. فالديمقراطية بجوهرها العميق ممارسة يومية تطال جميع مناحي الحياة ، و هي أسلوب للتفكير و التعامل ، وهي بهذا المعنى ليست شكلا قانونيا فقط ، وليست حالة مؤقتة أو هبة أو منحة من أحد ، و انما هي حقوق أساسية لاغنى عنها ، وهي دائمة و مستمرة ، وهي قواعد و تقاليد تعني الجميع ، و تطبق على الجميع دون تمييز ، وهي تعني الاقلية بمقدار ماتعني الاكثرية [6].
        ان دولة الحق و القانون هي دولة القانون ، أي دولة السلطة و النظام ، لكنها ايضا دولة الحريات ، دولة التوازن بين الواجبات التي يفرضها القانون و الحقوق التي يفرضها القانون و الحقوق التي يفرضها الحق .
      ان دولة القانون هي النظام السياسي الذي يقوم على رسم حدود سلطة الدولة ، كما تقوم في نفس الوقت بالسهر على حقوق الافراد و تلتزم بضمانها و حمايتها ، كما تقوم على احترام كرامتهم و تحميهم منت اشكال الظلم و العنف و كل ما يهدد حرياتهم و حقوقهم[7].
     ومن هنا اقترنت الدولة الحديثة ، دولة القانون بالديمقراطية ، اذ لا يمكن ان تقوم دولة القانون الا في اطار ديمقراطي ، بل لعل دولة القانون هي من مقتضيات الديمقراطية الفعلية و مستلزماتها .
    اجمالا يمكن القول ، بان دولة القانون ، هي النقيض للدولة التقليدية مطلقة السلطات ، التي تعتبر الحقوق هبات و عطايا و منح تتكرم بها السلطة على رعاياها و ليست حقوق طبيعية او اصلية ، مثلما هي النقيض التنام للدولة البوليسية التي تحكمها الهواجس الامنية ، في ان ما يسود في دولة القانون هي العلاقات القانونية السليمة التي يكون فيه القانون هو الضامن لحقوق الافراد و الفئات المؤطرة  بثقافة الحوار و النقاش العمومي .  
   ومن شروط الدولة الديمقراطية ، لكي تكون دولة قانون ، نورد ما يلي :
Ø      يجب ممارسة السلطة الرسمية بشكل يتوفر شرط ضمان تطبيق القانون و حكم القانون.
Ø      الفصل بين السلطات ( التشريعية، التنفيذية، القضائية)
Ø      ضرورة توافق النظام السياسي مع دستور الدولة و سيادة القانون و استقلال القضاء.

      المبحث الخامس :حماية حقوق الانسان : اليات الرقابة و المسؤولية
        حقوق الانسان مرتبطة بطبيعة الكائن البشري، و الاصل أن يتمتع كل انسان اينما وجد بحقوقه و حريته الاساسية دون قيد او حواجز ، غير ان الصراعات التي عرفتها البشرية منذ القدم ، كل ذلك أصبح يهدد حقوق الانسان ، الامر الذي يحتم ايجاد الضمانات الكفيلة باحترام الحقوق و الحريات الاساسية ، وتنقسم هذه الضمانات الى نوعين : أحدهما ، يتعلق بالتدابير التي تتخذ على صعيد كل دولة ، و النوع الثاني يتمثل في وسائل الحماية الدولية . و هناك تكامل على المستويين الوطني و الدولي ، باعتبار الهدف واحد هو اقرار ، و احترام حقوق الانسان بمفهومها الكوني .
     المطلب الاول : الاليات القانونية و الدستورية
        عادة ما تنص الدساتير على أهم الحقوق و الحريات الاساسية للإنسان ، و هناك قوانين تضمن تمتع الافراد و الجماعات بحرياتهم ، كحرية الفكر و التعبير و الصحافة و حرية تأسيس الاحزاب السياسية ، و المنظمات الثقافية و الجمعيات المدنية ذات الاهداف المختلفة و حرية الانخراط فيها . هناك ايضا قوانين توفر ضمان حقوق الدفاع و المحاكمة العادلة ، كما توجد تشريعات أخرى كحماية بعض الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية ، كحق الملكية ، و حقوق الشغالين ، و الحق في الضمان الاجتماعي .
و ترتبط هذه الاليات الدولية لحماية حقوق الانسان بتعهد الدول الاطراف بوضع تشريعات وطنية تتلاءم مع المقتضيات المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية .
فمصادقة الدول الاطراف على الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان ، تعتبر الخطوة الاساسية للعمل على ملائمة القوانين الداخلية مع المعايير ذات الصلة ، كتعبير على تفعيل تعهد الدول الاطراف بالالتزام باحترام حقوق الانسان بمفهومها الكوني ، وحتى لا تسقط في مسألة التعارض بين المقتضيات القانونية الدولية و أخرى وطنية [8]. كما أن المعاقبة الدولية على الجرائم ضد الانسانية ، و التدخل لاعتبارات انسانية و التقارير التي تصدرها المنظمات الدولية ، تساهم مساهمة فعالة في حماية الحريات الاساسية الفردية و الجماعية .
 

             المطلب الثاني : الاليات القضائية
       لايكفي ان توجد قوانين جيدة لحماية حقوق الانسان ، و انما لا بد من وجود سلطة قضائية نزيهة و مستقلة عن كل السلطات ، و محصنة من أي تاثير لتسهم على احترام القوانين ،و حسن تطبيقها ، و ضمان مساواة الجميع امامها .
لقد أكدت المبادئ الاساسية المتعلقة باستقلال السلطة القضائية التي اعتمدها مؤتمر الامم المتحدة السابع لمنع الجريمة و معاملة المجرمين المنعقد بميلانو من 26 غشت الى 06 ديسمبر 1985، و اعتمدتها بموجب قراري الجمعية العامة للامم المتحدة على مجموعة من المعايير المتعلقة بدور استقلال السلطة القضائية  لضمان المحاكمة العادلة .
       تكفل الدولة استقلال السلطة القضائية ، و ينص عليه دستور البلد ، أو قوانينه.
 تفصل السلطة القضائية في المسائل المعروضة عليها دون تحيز ، و دون تدخلات من اي جهة .
من جانب اخر تناولت التدابير الفعالة لتنفيذ المبادئ الاساسية للاستقلال السلطة القضائية التي اعتمدها المجلس الاقتصادي و الاجتماعي في القرار رقم 60 سنة 1989 ، مجموعة من الاجراءات لاعمال المعايير الدولية لاستقلالية القضاء ، منها :
الاجراء الاول : تتعهد حميع الدول بتنفيذ ، و تطبيق مبادئ استقلال السلطة القضائية ، وفقا لإجراءاتها الدستورية ، وانظمتها المحلية .
الاجراء الثاني : لايجوز ان يعين ، او ينتخب القاضي من اجل اداء مهام عمله كما لايتفق مع المبادئ الاساسية لاستقلال السلطة القضائية .
الاجراء الثالث: يتعين على الدول ان تولي اهتماما خاصا لضرورة توفير الموارد الكافية لعمل النظام القضائي ، و يشمل ذلك تعيين عدد كافي من القضاة لمواجهة الاعباء القضائية ، وتوفير الدعم اللازم للمحاكم من الموظفين و المعداتو توفير الامن الشخصي للقضاة .


على سبيل الختم
          نخلص في الختام الى القول ، ان حقوق الانسان استثمار بشري هام للموارد البشرية ، وخلق لكائن اعترف له الجميع نظريا و قانونيا بكل الحقوق ، وهذا الاستثمار في الرأسمال البشري ذاته هو الضمانة الكبرى لأي تطور ، لأنها رهان على صناعة للإنسان الجديد القادر على صنع التقدم و استشراف المستقبل .
نعم ان هذه الحقوق ، هي حقوق مثالية أكثر مما هي حقوق واقعية أو وضعية ، لكنها تتحول بالتدرج ، بعد المصادقة عليها من طرف الحكومات المحلية او الالتزام بتطبيقها الى مصادر للتشريع المحلي و القوانين المحلية ، مما يجعلها ذات قوق الزامية و تجعل من مقولة " مونتيسكيو" في "روح القوانين " :" السلطة لاتحدها الا السلطة ".
ان مبادئ حقوق الانسان للمواطن العربي هي تجب ان تحترم ، ونحن عندما ندافع عن هذه الحقوق فإننا بالدرجة الاولى ندافع عن انفسنا و قيمنا التي نحن ما احوجنا اليها في زمن العولمة المزلزل العاصف ، ففي الدول العربية لايوجد ما يكفي من الضمانات لممارسة حقوق الانسان رغم دسترتها ، كما ان اغلب هذه الدول عندما توقع على اتفاقيات دولية ذات صلة بحقوق الانسان تبدي تحفظا على بعض مقتضياتها الامر الذي يعتبر التفافا على هذه الاتفاقيات افراغا لها من محتوياتها ، مما دفع الكثيرين الى الضغط على هذه الدول قصد ازالة تحفظاتها في اطار الاقرار بكونية حقوق الانسان .
 ان التحديات التي تقف امام الفكر الحقوقي اليوم ، كحجر عثرة منها على سبيل المثال لا الحصر :
تحديات مفاهيمية و نظرية : (مثل مفهوم الثقافة ، الحضارة ، القيم ، صراع ام حوار الحضارات )
تحديات سياسية من جراء ضعف السياسات الوطنية .
تحديات ذات طابع قانوني ، وذلك باللجوء الى فرض الجزاءات الدولية الاحادية المصدر ، كالحصارات و الاحتلالات ، تحت ذريعة الحماية و القانون الدوليين ، و بسبب ذلك فان العالم اصبح يتطلع الى ديمقراطية العلاقات الدولية و السعي وراء اقامة علاقات متوازنة و متكافئة بين الدول الغنية و دول الجنوب ، قبل تحقيق الديمقراطية داخل البلد الواحد ، واستبعاد جميع النزاعات الهيمنة و الاستعلائية ، كما لن العالم اليوم ، يجد نفسه في حاجة حقيقية الى نظام عالمي جديد تعزز فيه حقوق الانسان و تحترم فيه سيادة الدول .


        بعض المصادر و المراجع المعتمدة :
- د.محمد سبيلا ، الاسس الفكرية و الثقافية لحقوق الانسان ، ط1. المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء.
-د. علي عبود المحمداوي ، الفلسفة السياسية المعاصرة ، من الشموليات الى السرديات الصغرى ، مجموعة من المؤلفين ، منشورات ابن النديم ودار الروافد الثقافية ط1، 2012.
-تورين الان ، نقد الحداثة ، ترجمة ع.السلام الطويل ومراجعة محمد سبيلا .افريقيا الشرق 2010.
-عبد الرحمان منيف ، الديمقراطية اولا ، الديمقراطية دائما ، ط5. المركز العربي ، المؤسسة العربية للدراسات و النشر ، لبنان و الاردن 2007.
- اتركين محمد ، الدستور و الدستورانية : من دساتير فصل السلط الى دساتير حقوق الانسان ، مطبعة النجاح الجديدة ، الدار البيضاء ط1.
- محمد سبيلا ، عبد السلام بنعبد العالي ، مصطفى العريصة ، في التأسيس الفلسفي لحقوق الانسان ، نصوص مختارة ، ط1،2013. دار توبقال للنشر ، المجلس الوطني لحقوق الانسان .
- سيلفان ماتون ، حقوق الانسان من سقراط الى ماركس ، ترجمة محمد الهلالي ط2(1991) . مطبعة ابريال ، الرباط.
- الرضواني محمد ، مدخل الى القانون الدستوري ، ط2 2014، مطبعة المعارف الجديدة ، الرباط .
- الجابري محمد ، الديمقراطية و حقوق الانسان . مركز دراسات الوحدة العربية . سلسلة الثقافة القومية ، قضايا الفكر العربي ، ط1  ، 1994.
- د.البحيري يوسف ، حقوق الانسان ، المعايير الدولية و اليات الرقابة ط2 ، 2012، المطبعة و الوراقة الوطنية ، الداوديات . مراكش .
- بندورو عمر ، حقوق الانسان و الحريات الاساسية 2007، دار القلم .
- العلمي عبد القادر، في الثقافة السياسية الجديدة، منشورات الزمن، كتاب الجيب، العدد 47، 2005، مطبعة النجاح الجديدة. الدار البيضاء . 
  - روبير شارفان ، جون جاك سيبر : حقوق الانسان و الحريات الشخصية ، ترجمة د. علي ضوي 1996 سلسلة الترجمة -4- منشورات المؤسسة العربية للنشر .
-  فكر و نقد ، مجلة ثقافية شهرية . العدد 26، السنة 3، فبراير 2000
- مجلة الفكر ، العدد 5 ، مبادئ و مقومات الديمقراطية . ذ. صابر موحو ، كلية الحقوق ، جامعة خيضر بسكرة الجزائر .











[1]  من المساهمين الاساسين في صياغة اعلان حقوق الانسان .
[2] إدريس جردان ،" مبادئ اساسية في حقوق الإنسان "ص 12، منشورات سليكي اخوان . طنجة المغرب طبعة سنة 2014
[3]  لقد مرت حقوق الانسان بثلاثة اجيال ، الفلسفة السياسية المعاصرة : من الشموليات الى السرديات الصغرى ، مجموعة من المؤلفين ، تحرير و اشراف د. علي عبود المحمداوي . منشورات ابن النديم – دار الروافد الثقافية ط1، 2012
[4]  محمد رفعت عبد الوهاب . النظم السياسية . دار الجامعة الجديدة ، الاسكندرية 2007، ص179
[5]  الان تورين ، نقد الحداثة .ترجمة عبد السلام الطويل ، ومراجعة محمد سبيلا , افريقيا الشرق ، المغرب 2010 ص326
[6]  ع.الرحمان منيف ، الديمقراطية أولا ، الديمقراطية دائما ط5 . المركز العربي للثقافة و النشر و المؤسسة العربية للدراسات و النشر ، لبنان و الاردن 2007ص9-10
[7]  J.RUUSS : Les théories du pouvoir :90
[8]  يوسف البحيري " المواطنة و حقوق الانسان بالمغرب " منشورات كلية الحقوق بمراكش 2005 ص40.

شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات


 

  • انشر مواضيعك و مساهماتك بلغ عن أي رابط لا يعمل لنعوضه :[email protected] -0707983967او على الفايسبوك
     موقع الأساتذة على  اخبار جوجل - على التلغرام : المجموعة - القناة -اليوتيب - بينتريست -
  • 1141781167114648139
    http://www.profpress.net/?m=0